السيمر / فيينا / الجمعة 16 . 06 . 2023
محمد جواد الميالي
لطالما تأثر المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط بالأيديولوجيات المتنافسة، بعد أن لعبت المعتقدات السياسية الغربية والإسلامية أدواراً مهمة، رغم الأختلافات الجوهرية بين هذه الأنظمة العقائدية..
تأثير “وجهات النظر” الغربية و الإسلامية الشيعية كان عميقا على العراق والمنطقة، لأن الأول كان يؤمن بالحرية المطلقة، وغير مبالي لتأثيرها على الفرد العربي، متحدياً فكرة أن المسلمين يفضلون أن يطلق عليهم “أمة الرجال” على أن يقول عنهم أحد أنهم “أمة مثلية”
لقد شكل المعتقد السياسي الغربي، الذي غالباً ما يكون متجذراً في الديمقراطية الليبرالية وتمجيد الحقوق الفردية، المبادئ الأساسية للدول الغربية.. وكلا اليمين واليسار يعتمدان على معتقدات مركزية، تشمل حرية التعبير والتعددية الدينية وفصل السلطات..
تهدف هذه المبادئ من الناحية النظرية إلى حماية حقوق وحريات الأفراد، وتوفير إطار للمشاركة السياسية والتقدم المجتمعي، وقد سعت الولايات المتحدة كقوة غربية رائدة، إلى تعزيز معتقداتها وقيمها السياسية على مستوى العالم، سواء من خلال قنواتها الدبلوماسية أو تأثيرها الأقتصادي، وربما غالباً بتدخلاتها العسكرية.. رغم أن نواياهم الظاهرية المعلنة تدعي الرغبة في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الخفايا أعظم أكيدا.. لأنها تهدف إلى نشر فكرة الليبرالية في كل أطراف الشرق العربي.. وكان لذلك نتائج مثيرة للجدل، وأنتج عواقب غير محمودة وعدم إستقرار إقليمي.
كل ذلك يختلف شكلاً ومضمون عن العقيدة السياسية الإسلامية، التي تسعى إلى إقامة حكم قائم على شريعة و مبادئ الإسلام، المستمدة من القرآن وتعاليم النبي محمد (عليه وأله أفضل الصلوات).. فبرزت إيران كنظام حكم مدافع ومتبني لنشر هذه الفكرة في الشرق الأوسط، ولا سيما في العراق..
كان نفوذ إيران في بلاد الرافدين معتمدا بشكل أساسي، على أغلبية سكانها الشيعة وروابطها الدينية والثقافية المشتركة، كما شكل دعمهم لمختلف الفصائل والأحزاب السياسية الشيعية في البلاد، جناحا اخر تعتمد عليه وتناور به، مما أدى إلى أرتفاع وتيرة الصراع بينها وبين الفكر الغربي، كما ساهم بنشوء توترات طائفية و لوبيات سياسية.
إن للصراع بين الأيديولوجيات المتطرفة، الغربية منها المتمثلة بأمريكا و نظيرتها الإسلامية في إيران، التأثير الكبير والعواقب الوخيمة على العراق، فقد أدى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام ٢٠٠٣، على أساس فرضية نشر الديمقراطية، والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، إلى الإطاحة بالنظام الدكتاتوري، لكنه أدى إلى فراغ في السلطة وفتنة طائفية مصطنعة، وصعود الجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش، ليتبين لاحقاً أنها الممول الرئيسي لهذه الحركات، مما اتاح لإيران إغتنام الفرصة، لتوسع نفوذها في العراق، من خلال دعم الفصائل المسلحة، للوقوف أمام التقدم الإرهابي، وتعزيز قوتها ونفوذها داخل المنطقة، وكل هذا أدام ديناميكية التوتر السياسي، وأخر المصالحة الوطنية والتنمية في العراق.
ذلك يطرح تساؤل مهما، عن سبب مقبولية الأفكار الشيعية الإيرانية، في الوسط والجنوب الشيعي وتفوقها على نظيرتها الغربية؟
يمكن أن يكون مفهوم الحرية المطلقة، كما يتم الدفاع عنها في كثير من الأحيان في المعتقدات الغربية، سلاحاً ذو حدين عند تطبيقه على المجتمعات العربية الإسلامية، في حين أن الحريات والحقوق الفردية ضرورية، فإن الحرية المطلقة ستؤدي إلى صدام مع التقاليد والقيم الراسخة بعمق.. وبالنسبة للغالبية من المسلمين العرب، تكمن الأولوية في تحقيق التوازن بين حقوق الفرد والعقيدة الإسلامية، ولهذا فإن إطلاق الحرية بدون قيود، سيؤدي إلى تهديد التماسك المجتمعي والتقاليد الدينية للمجتمع العراقي، لذا نرى إن الشيعة يفضلون، مقاومة الأفكار الغربية وتفضيل الأيديولوجيات التي تعطي الأولوية، للحفاظ على الهوية الثقافية والقيم الإسلامية.
سيستمر هذا الصراع بين المتناحرين من أتباع واشنطن و طهران، وسيؤثر على إستقرار المنطقة بصورة عامة والعراق خاصة، لأنهم يرون أن بوابة السيطرة على الشرق الأوسط هي بلاد الرافدين، و إن مفهوم الحرية المطلقة و ما تتضمنه من دعم للمفاهيم الشاذة، سيخلق فجوة كبيرة لن يتقبلها المسلمون الشيعة، الذين يسعون لإستدامة معتقداتهم لأجيالهم القادمة، ولا يمكن لأمريكا أن تتوسع داخل الجنوب الشيعي، إلا إذا أقتنعت أن معتقداتهم الدينية مقدسة ولا يمكن المساس بها.