السيمر / فيينا / الجمعة 17 . 11 . 2023
معمر حبار / الجزائر
مقدمة الصّديق:
تطرّق صديقنا Mohamed Chawich عبر صفحته إلى الأستاذ مالك بن نبي رحمة الله عليه من خلال مثال المكنسة والعصا من زاويته باعتباره قارىء، وناقد، وكتب، وما زال يكتب عن مالك بن نبي. وهو مادفع صاحب الأسطر أن يثري الموضوع من زاويته. وكلّ الشكر لصديقنا الذي دفعنا للكتابة عن الموضوع.
يعترف صاحب الأسطر أنّ كلّ الأمثلة التي ذكرها في مقاله الذي بين يديك ليعزّز بها الفكرة، هي نتاج قراءاته التي مازالت عالقة بالذاكرة، ووردت في بعض كتب مالك بن نبي. لكنّه لم يستطع -الآن- استحضار عناوين الكتب.
الأمثلة التي نقلناها عن مالك بن نبي ليست من مقاصد المقال، ويمكن لك أن تختار أمثلة تناسب ظروف الأمّة حاليا. إنّما هي أمثلة لغرس فكرة كيفية التّعامل مع عالم الأشياء.
لفهم عالم الأشياء، وكيفية التّعامل معه لدى مالك بن نبي يستجوب الوقوف عند الأمثلة أدناه:
ابتعدوا عن الاستيراد مادمتم تستطيعون الاستغناء عنه:
ذكر مالك بن نبي مثال اكتفاء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بصوت الإنسان في الأذان حين هاجر إلى المدينة، ومفضّلا إياه على استعمال الناقوس الذي تستعمله النصارى في الكنائس.
والسّبب في ذلك أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، رأى أنّ مجتمع المدينة يفتقر لأدنى مقوّمات الحياة، واستيراد الناقوس يرهقه وهو في غنى عن تبعات الاستيراد التي لايطيقها حينها. فكان لزاما بالاعتماد على القدرات الذاتية، والمحلية، والبسيطة، والفاعلة، والمتاحة، وغير المكلّفة وهو صوت الإنسان في هذه الحالة، وتفضيله على الاستيراد، وتبعات الاستيراد الذي لايطيقه مجتمع المدينة الفتي، وهو في غنى عنه.
المقصود بعالم الأشياء من خلال المثال المذكور، أن لايكون استيراده عبئا خاصّة حين تملك الأمّة من مقوّماتها الذّاتية مايغنيها عن الاستيراد المرهق، والذي لاطاقة لها بتبعاته المكلّفة.
استنكار التكديس:
حين يذكر مالك بن نبي مثال المدير الذي وضع على مكتبه عدّة هواتف يومها. واستنكر عليه ذلك لأنّه كان يكفيه هاتف واحد لتسيير شؤون مكتبه. لكنّ المدير فضّل تكديس الهواتف على مكتبه ليتظاهر أنّه صاحب شأن، و”حضارة”.
عالم الأشياء في هذا المثال مذموم حين يتحوّل إلى تكديس يسء، ويعرقل.
الدعوة إلى الصناعة من خلال المكنسة والعصا:
يرى مالك بن نبي أنّ عجائزنا بقينا يعانين من الكنس بالمكنسة دون العصا إلى أن جاء من يضع للمكنسة يدا أي عصا حتّى أمست سهلة، ومريحة، وذات فائدة، وفاعلة. مايدلّ أنّ الأمّة بقيت رهينة التّعب، والإرهاق، وآلام الظهر إلى أن جاء من يضع لها عصا تريحها، وتريح ظهرها.
يريد مالك بن نبي أن يقول من خلال المثال: البحث عن وسيلة تريح الظهر من الكنس كالعصا ليس بالأمر المستحيل، وكان يكفي بعض التفكير عوض معاناة الأمّة لقرون وهي تعاني آثار فقدان العصا.
عالم الأشياء والتّعليم من خلال استخدام الطّاولات:
يرى مالك بن نبي أنّ الطّاولات التي أدرجت أيّام الاستدمار الفرنسي في التّعليم من طرف الجمعية هي وسيلة كغيرها من الوسائل. ولا يمكن التّعامل معها على أنّها الحضارة، وأنّها جوهر العلم.
مع العلم، كانت الطاولات يومها من وسائل التطوّر، والتّقدم مقارنة بالحرمان في كلّ شيء، ومن كلّ شيء، والذي كان يعانيه الجزائري.
محاربة الكسل لأجل إنتاج عالم الأشياء من خلال مثال الصابون:
نقل مالك بن نبي في أحد كتبه، وفيما أتذكر بالمعنى لا بالحرف، عن الملاكم محمد علي رحمة الله عليه، قوله: كنّا نغسل وجوهنا بالماء فقط إلى أن جاء من يضيف غسل الوجه بالصابون. ولولاه لبقينا نغسل وجوهنا بالماء دون الصابون.
يريد مالك بن نبي أن يقول عبر مثال الصابون: مادة الصابون ليست اختراعا مستحيلا يصعب التّعامل معه، ووضعه تحت تصرّف الأمّة. لكنّه الكسل، والعجز عن توفير مادة سهلة عوض استيرادها، ولعقود من الزّمن.
مايميّز هذا المثال أنّه غربي يتحدّث عن غربي، لكنّه غربي مسلم.
لاتجعلوا من عالم الأشياء وثنا:
لايفهم من حديثنا هذا أنّ مالك بن نبي يرفض عالم الأشياء، أي القوّة المادية. فهذا مالم يقل به عاقل. لكنّه يرفض بقوّة أن يتحول عالم الأشياء إلى وثن يلهي الأمّة عن أهدافها السّامية. لأنّ “المقصود بالوثنية، طغيان عالم الأشخاص أو عالم الأشياء على حساب عالم الأفكار، وبالتالي فإن الوثنية هي سلوك يستبعد ويجمد عالم الأفكار[1]”
وعاتب مالك بن الحضارة الغربية، بقوله: “أفقدت الوجود قداسته”رغم تفوّقها العلمي وإخضاعها “كلّ شيء لمقاييس الكم”، و لذلك “أوربا اليوم لا تتنفس التنفس الطليق، بل تتنفس تحت ضغط عالم الأشياء المتراكمة[2]”.
الجمعة 4 جمادى الأولى 1445هـ، الموافق لـ 17 نوفمبر 2023
الشرفة- الشلف
[1] مالك بن نبي، “شروط النهضة”، دار الفكر بسوريا سنة 1406هـ ـ1986مـ، الباب الأول : الحضارة والتاريخ، من 160 صفحة.
[2] مالك بن نبي، “دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين”ومحاضرة “رسالة المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين”، دار الفكر، دمشق، سورية، طبعة 1986 عن طبعة 1978، من 63 صفحة، صفحات 43-45.