فيينا / الثلاثاء 28 . 05 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
بينما يستعد الرئيس الأميركي، جو بايدن، لخوض سباق شرس من أجل إعادة انتخابه خلال نوفمبر المقبل، يجد البيت الأبيض نفسه أيضا في منافسة حامية على النفوذ، على المسرح العالمي.
وبحسب تقرير مطول لمجلة “نيوزويك” الأميركية، فإن من بين تلك الدول التي تتنافس معها الولايات المتحدة شريكا طويل الأمد يشهد “تغييرات رائدة” في سياساته الداخلية والخارجية.
وقالت المجلة إن السعودية من بين تلك الدول بعد أن وجدت إدارة بايدن أن المملكة “تستخدم نفوذها الجيوسياسي المتنامي لخدمة مصالح الرياض على أفضل وجه في التعامل مع كل من القوى الكبرى والقوى الناشئة”.
ويعد ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 38 عاما، واحدا من أصغر رؤساء الدول الفعليين في العالم، وفقا للمجلة، التي تشير إلى أنه “القوة الدافعة وراء الأجندة القومية التي تترسخ” بالمملكة الخليجية.
“الدول العالمية المتأرجحة”
في مطلع الشهر الجاري، نشر صندوق المارشال الألماني (GMF)، وهو مركز أبحاث عبر الأطلسي يقع مقره الرئيسي بواشنطن العاصمة، تقريرا يدعو فيه إلى إعادة المشاركة مع ما وصفه بـ “الدول العالمية المتأرجحة”.
وقال تقرير المؤسسة البحثية غير الحزبية وغير الربحية إن التطورات الجيوسياسية، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والأمنية الأخيرة، تدعو لإعادة النظر في المشاركة الأميركية والأوروبية مع الجهات الفاعلة الرئيسية في أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط، ومنطقة المحيط الهادئ والهندي.
وأصبحت الدول التي تتمتع بنفوذ كبير في الشؤون الدولية، ولكن تفضيلاتها للتعاون متفاوتة، ذات أهمية متزايدة في مواجهة التحديات العالمية، طبعا لتقرير صندوق المارشال الألماني.
وحدد التقرير 6 دول لما وصفه بـ “الدول العالمية المتأرجحة” هي بجانب السعودية، البرازيل، والهند، وإندونيسيا، وجنوب أفريقيا، وتركيا.
وتتمتع الرياض بوضع فريد يسمح لها بمتابعة هذا المسار نظرا لمكانتها المؤثرة بالفعل كعضو رائد في منظمة أوبك وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، فضلا عن كونها واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في مجموعة العشرين، وفقا لـ “نيوزويك”.
وقالت كريستينا كوش، وهي نائبة المدير العام لصندوق المارشال الألماني، التي شاركت في كتابة التقرير بجانب خبراء ومحللين بارزين، “بالنسبة للسعودية، فإن الانحياز المتعدد هو الاستجابة المنطقية لنظام عالمي أكثر تقلبا وتعقيدا ومتعدد الأقطاب”.
وأضافت في تصريحات لمجلة “نيوزويك” أن “مجموعة من العلاقات المرنة هي الطريقة التي ترى الرياض أنها تستطيع بها التحوط بمواجهة عدم الاستقرار الدولي والاستفادة من نقاط قوتها وأصولها لتحقيق أقصى استفادة”.
وأردفت أن هذه الاستراتيجية ضرورية بشكل خاص للسعودية، “حيث يعتمد التكيف واستدامة نموذج أعمالها الجغرافي الاقتصادي على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا على حد سواء”.
وأدى الرؤية التي أشرف عليها الأمير محمد بن سلمان إلى تحولات كبيرة في النظرة الداخلية للمملكة، التي تبنت نهجا أكثر عولمة وأجرت إصلاحات اجتماعية واسعة، فضلا عن محاولات الابتعاد عن النفط، من بين مبادرات أخرى تتماشى مع الرؤية التي أطلقها وريث العرش الملكي عام 2016 بهدف تنويع مصادر الدخل.
“عاملان رئيسيان”
ورغم أن المسؤولين في الرياض وواشنطن يواصلون التأكيد على أهمية الشراكة بينهما، فإن الخلافات خلال السنوات الأخيرة والمفاوضات المضنية الجارية حاليا بشأن مستقبل تعاونهما، أثارت تساؤلات جدية فيما يتعلق بمصير أحد أكثر مواطئ قدم الولايات المتحدة استراتيجية في الشرق الأوسط.
وحدد علي الشهابي، المحلل السياسي السعودي المقرب من الديوان الملكي ويعمل الآن في المجلس الاستشاري لـ “نيوم”، وهو أحد المشاريع العملاقة المستقبلية لرؤية 2030، عاملين أساسيين وراء تحقيق التوازن في العلاقات الدولية للمملكة.
وفي تصريحات لمجلة “نيوزويك”، قال الشهابي: “أحدها هو الأهمية المتزايدة للصين باعتبارها أكبر مستورد منفرد للنفط السعودي وشريكا يرغب في تزويد السعودية بالأسلحة والتكنولوجيا دون أي شروط”.
وأردف: “الثاني هو عدم موثوقية العلاقة مع الولايات المتحدة التي يمكن أن تتقلب بشكل كبير اعتمادا على التيارات السياسية في العاصمة (الأميركية)، لذلك تشعر السعودية أن عليها بسط أوراقها”.
ورغم عمق الروابط الأميركية السعودية التي تعود للعام 1945، شهدت العلاقات بين واشنطن والرياض خلال السنوات الأخيرة توترات على خلفية سجل المملكة على صعيد حقوق الإنسان، ولا سيما مقتل الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول في عملية ربطتها المخابرات الأميركية بولي العهد، وأيضا جهود السعودية لرفع أسعار النفط بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ورغم موقفه المتشدد تجاه الرياض خلال الحملة الانتخابية، وبعد شهوره الأولى داخل البيت الأبيض، سعى الرئيس بايدن الذي زار السعودية صيف عام 2022، لإصلاح العلاقات المتوترة من خلال محاولة الوصول لاتّفاق يضمن اعتراف السعودية بإسرائيل، في مقابل إقامة علاقة أمنية أقوى مع واشنطن، الشريك الأهم للمملكة في هذا المجال.
وفي الوقت الحالي، تظل واشنطن الشريك الأمني الأول للرياض، لكن بكين برزت كشريك تجاري رائد لها وعميل للطاقة، والعلاقات القوية مع موسكو هي المفتاح لإدارة إنتاج النفط العالمي وتسعير البراميل من خلال تحالف “أوبك بلس”.
وقالت كوش إن “هذا يؤدي إلى موقف من الغموض الدائم، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى احتكاك مع الحكومة الأميركية، التي ترغب برؤية الرياض في وضع أكثر ثباتا في معسكرها الجيوسياسي”.
“السعودية أولا”
وفي وقت سابق من هذا الشهر، ناقش مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، مع محمد بن سلمان في المملكة الصيغة “شبه النهائية” للاتفاقيات الاستراتيجية بين البلدين.
وقال أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون، برنارد هيكل، إن السعودية “تدرك أن العالم لم يعد أحادي القطب تهيمن فيه الولايات المتحدة على كل شيء، وأنها تتجه نحو عالم متعدد الأقطاب مع ظهور قوى أخرى مثل الصين والهند، وعليها الحفاظ على وجودها”.
ومن هذا المنطلق، يتعين على السعودية أن تحافظ على علاقة مع أكبر عدد من هذه الدول، خاصة القوى الصاعدة، التي تعد من كبار عملائها في مجال النفط والبتروكيماويات، حسبما قال هيكل لمحلة “نيوزويك”.
وتقول “نيوزويك” إن هيكل يحافظ على اتصالات مباشرة مع ولي العهد السعودي، ويتحدث للمجلة عن كيفية إعادة تشكيل العاهل المستقبلي لسياسات المملكة.
ووصف هيكل هذا النهج بأنه سياسة “السعودية أولا”، مستحضرا مبدأ “أميركا أولا” الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمن.
وتابع: “الفرق الكبير أن السعودية تعمل بشكل أكبر مع الأخذ في الاعتبار القومية، وليس أي أيديولوجية أخرى. إنها تضع مصلحتها الخاصة قبل المصالح الإقليمية، أو على سبيل المثال، المصالح القومية العربية والإسلامية، التي كانت تشكل عوامل مهمة في وقت سابق، فضلا عن المصالح الأميركية”.
وقال هيكل إنه “بالنظر إلى أنها تضع مصالحها الخاصة في المقام الأول وتحاول تنويع اقتصادها لتصبح أقل اعتمادا على عائدات النفط”، فإن السعودية “تختار سياسات معينة بما في ذلك الحفاظ على علاقات ممتازة مع الصين والولايات المتحدة في وقت واحد”.
واستطرد قائلا إن سياسة “السعودية أولا” لا تهدف إلى تهديد الولايات المتحدة بالتحول إلى الصين، لكن نظرا للتوترات الأخيرة في العلاقات بين الرياض وواشنطن، فإنها تظهر القدرة على “النظر إلى خيارات أخرى لتنويع العلاقات قدر الإمكان”.
“التصالح” مع الوضع الجديد
وفي تناقض حاد مع الاستقبال البارد الذي لقيه بايدن خلال زيارته للسعودية، تلقى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ترحيبا حارا خلال وقت لاحق من نفس العام عندما شهد أول قمة بين الصين والدول العربية.
وبعد أشهر، أعادت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع طهران بموجب اتفاق توسطت فيه بكين، في وقت شرعت فيه السعودية وإيران في دمج نفسيهما في كتلتين متعددتي الأطراف تتمتع فيهما الصين وروسيا بنفوذ كبير، وهما منظمة “شنغهاي للتعاون” ومجموعة “البريكس”.
ورجح الصحفي السعودي، عبدالعزيز الخميس، استمرار المملكة في بناء علاقات قوية مع القوى الأخرى.
وفي تصريحاته لمجلة “نيوزويك”، قال الخميس: “أتوقع أن يواصل ولي العهد محمد بن سلمان هذا المسار في بناء العلاقات مع القوى الكبرى الأخرى عندما يتولى السلطة في المستقبل، نظرا للفوائد الاستراتيجية والاقتصادية التي توفرها هذه العلاقات”.
ودفع هذا الاتجاه محللين سعوديين آخرين إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة عليها أن تتصالح مع كون السعودية “دولة متأرجحة”، وقبول الواقع الجديد.
ويرى المحلل الجيوسياسي السعودي، محمد الحامد، أن تصالح الولايات المتحدة مع وضع “الدولة المتأرجحة” بالنسبة للسعودية، يمثل “أمرا أساسيا لتحقيق الاستقرار والبناء على المزيد من العلاقات”.
وقال الحامد لمجلة “نيوزويك” إن “هناك فرصة حقيقية لتحقيق التوازن في العلاقات السعودية الأميركية – وتحديدا مع الحزب الديمقراطي وإدارة بايدن – من خلال إصلاح ما أفسده الزمن من محاولات تشويه العلاقات مع حليف أمني مهم للولايات المتحدة”.
وأردف بقوله: “إن ثقل السعودية في المجالات الاقتصادية والجيوسياسية يحتم على الولايات المتحدة أن تأخذ في الاعتبار المصالح السعودية في المفاوضات”.
وتابع: “نظرا للأهمية الاستراتيجية للسعودية، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى الموازنة بين أجندتها والفوائد الأوسع، المتمثلة في الحفاظ على علاقة قوية مع الرياض”.
وقال الحامد إنه “إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، فيجب عليها ضمان التعاون بشأن المصالح المشتركة مثل الاستقرار الإقليمي وجهود مكافحة الإرهاب والأمن وأمن الطاقة”.