الرئيسية / مقالات / علاقة الدين بالسياسة في القرآن الكريم (ح 6) (كي لا تكون دولة بين الأغنياء)

علاقة الدين بالسياسة في القرآن الكريم (ح 6) (كي لا تكون دولة بين الأغنياء)

فيينا / الخميس 12. 09 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
الايمان بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم “تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ” (الصف 11) فعندما لا تتبع اوامر الرسول فتجارتك خاسرة لانه هو الذي يشرح اوامر الله سبحانه “مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الحشر 7). ان الاسلام يتدخل في كل الجزيئات حتى خيال الانسان، فتخيلك للحرام غير مقبول “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ” (ال عمران 31). الولاية التشريعية في ولاية الرسل أي طاعتهم “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا” (الحشر 7).
عن مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم” (الحشر 7)  قرأ أبو جعفر: “كيلا تكون” بالتاء “دولة” بالرفع. والباقون: “يكون” بالياء “دولة” بالنصب. الحجة: قال ابن جني: منهم من لا يفصل بين الدولة والدولة، ومنهم من يفصل بينهما فقال: الدولة بالفتح للملك. والدولة بالضم في الملك. وتكون هنا هي التامة أي: كيلا يقع دولة أو تحدث دولة. و “بين الأغنياء”: إن شئت كانت صفة لدولة، وإن شئت كانت متعلقة بنفس دولة أي: تداولا بين الأغنياء. وإن شئت علقتها بنفس تكون أي: لا يحدث بين الأغنياء منكم. وإن شئت جعلتها كان الناقصة، وجعلت “بين” خبرا عنها. والأول أوجه، ومعناه كيلا تقع دولة فيه، أو عليه، يعني على المفاء من عند الله. اللغة: الفئ: رد ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إياهم ذلك، على ما شرط فيه. يقال: فاء يفئ فيئا إذا رجع. وآفاته أنا عليه أي: رددته عليه. والإيجاف: الإيضاع، وهو تسيير الخيل، أو الركاب، من وجف يجف وجيفا: وهو تحرك باضطراب. فالإيجاف: الإزعاج للسير، والركاب: الإبل.
وعن تفسير الميسر: قوله تعالى “مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” ﴿الحشر 7﴾ ما أفاءه الله على رسوله من أموال مشركي أهل القرى من غير ركوب خيل ولا إبل فلله ولرسوله، يُصْرف في مصالح المسلمين العامة، ولذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واليتامى، وهم الأطفال الفقراء الذين مات آباؤهم، والمساكين، وهم أهل الحاجة والفقر، وابن السبيل، وهو الغريب المسافر الذي نَفِدت نفقته وانقطع عنه ماله، وذلك حتى لا يكون المال ملكًا متداولا بين الأغنياء وحدهم، ويحرم منه الفقراء والمساكين. وما أعطاكم الرسول من مال، أو شرعه لكم مِن شرع، فخذوه، وما نهاكم عن أَخْذه أو فِعْله فانتهوا عنه، واتقوا الله بامتثال أوامره وترك نواهيه. إن الله شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره ونهيه. والآية أصل في وجوب العمل بالسنة: قولا أو فعلا أو تقريرًا.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم” (الحشر 7) أي إنما حكمنا في الفئ بما حكمنا كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم والدولة ما يتداول بين الناس ويدور يدا بيد. وقوله: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” (الحشر 7) أي ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه كما أعطى منه المهاجرين ونفرا من الأنصار، وما نهاكم عنه ومنعكم فانتهوا ولا تطلبوا، وفيه إشعار بأنهم سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم الفيء بينهم جميعا فأرجعه إلى نبيه وجعل موارد مصرفه ما ذكره في الآية وجعل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينفقه فيها على ما يرى. والآية مع الغض عن السياق عامة تشمل كل ما آتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حكم فأمر به أو نهى عنه. وقوله: “واتقوا الله إن الله شديد العقاب” (الحشر 7) تحذير لهم عن مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأكيدا لقوله: “وما آتاكم الرسول” الخ.
قوله تعالى “ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” ﴿الأنفال 13﴾ السارق الفاسد من اوائل المشاققين لله ورسوله لما ذكر في القرآن الكريم والاحاديث الشريفة من نبذة الفساد والسرقة، و”وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” ﴿الأنفال 25﴾ الفساد والسرقة من اكبر الفتن في المجتمع لكونه ضد الخير والبركة، و”وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ” ﴿الأنفال 48﴾ الفاسد السارق هو قرين. قوله تعالى “مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” ﴿الحشر 7﴾ السارق الفاسد يريد ان يصبح غني بالمال الحرام الذي يسرقه ولم ينتهي عن النهب والسلب فله العقاب الشديد المطلوب من السلطات تطبيقه على السارق الفاسد كما يشير القرآن الكريم على ذلك.
جاء  في کتاب اقتصادنا للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عن وسائل الإسلام في تنمية الإنتاج: حرّم الإسلام بعض الأعمال العقيمة من الناحية الإنتاجية، كالمقامرة والسحر والشعوذة، ولم يسمح بالاكتساب عن طريق أعمال من هذا القبيل، بأخذ أجرة على القيام بها “وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ” (البقرة 188). فإنّ هذه الأعمال تبديد للطاقات الصالحة المنتجة في الإنسان، والأجور الباطلة التي تدفع لأصحابها هدر لتلك الأموال التي كان بالإمكان تحويلها إلى عامل تنمية وإنتاج. ونظرة شاملة في التأريخ والواقع المعاش، يكشف لنا عن مدى التبذير الذي ينتج عن هذا النوع من الأعمال والاكتساب بها، وفداحة الخسارة التي يُمنى بها الإنتاج، وكلّ الأهداف الصالحة، بسبب تبديد تلك الطاقات والجهود والأموال و محاولة المنع من تركّز الثروة، وفقاً للنصّ القرآني الكريم “كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ” (الحشر 7)، كما سنشرح ذلك في دراستنا لنظرية التوازن الاجتماعي في الاقتصاد الإسلامي. وهذا المنع عن التركّز وإن كان يرتبط بصورة مباشرة بالتوزيع، ولكنّه يرتبط أيضاً بشكل غير مباشر بالإنتاج، ويؤدّي إلى الإضرار به. لأنّ الثروة حين تتركّز في أيدٍ قليلة، يعمّ البؤس وتشتد الحاجة لدى الكثرة الكاثرة. ونتيجة لذلك سوف يعجز الجمهور عن استهلاك ما يشبع حاجاتهم من السلع لانخفاض قوّتهم الشرائية. فتتكدّس المنتجات دون تصريف، ويسيطر الكساد على الصناعة والتجارة ويتوقّف الإنتاج. 
وعن علاقة الدولة بموضوع الضمان الاجتماعي يقول السيد محمد باقر الصدر: وأمّا الطريقة التي اتّخذها المذهب لتمكين الدولة من ضمان هذا الحقّ وحمايته للجماعة كلّها بما تضمّ من العاجزين، فهي إيجاد بعض القطاعات العامة في الاقتصاد الإسلامي، التي تتكوّن من موارد الملكية العامة، وملكية الدولة، لكي تكون هذه القطاعات إلى صف فريضة الزكاة ضماناً لحقّ الضعفاء من أفراد الجماعة، وحائلاً دون احتكار الأقوياء للثروة كلّها، ورصيداً للدولة يمدّها بالنفقات اللازمة لممارسة الضمان الاجتماعي، ومنح كلّ فرد حقّه في العيش الكريم من ثروات الطبيعة. فالأساس على هذا الضوء هو: حقّ الجماعة كلّها في الانتفاع بثروات الطبيعة. والفكرة التي ترتكز على هذا الأساس هي المسئولية المباشرة للدولة في ضمان مستوى الكفاية من العيش الكريم، لجميع الأفراد العاجزين والمعوزين. والطريقة المذهبية وضعت لتنفيذ هذه الفكرة هي: القطاع العام الذي أنشأه الاقتصاد الإسلامي ضماناً لتحقيق هذه الفكرة، في جملة ما يحقّق من أهداف. وقد يكون أروع نصّ تشريعي في إشعاعه المحتوى المذهبي للأساس والفكرة، والطريقة جميعاً هو المقطع القرآني في سورة الحشر، الذي يحدّد وظيفة الفيء ودوره في المجتمع الإسلامي بوصفه قطاعاً عاماً. وإليكم النصّ”وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ” (الحشر 6-7). ففي هذا النصّ القرآني قد نجد إشعاعاً بالأساس الذي تقوم عليه فكرة الضمان. وهو حقّ الجماعة كلّها في الثروة.”كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ” (الحشر 7)، وتفسيراً لتشريع القطاع العام في الفيء، بكونه طريقة لضمان هذا الحقّ، والمنع عن احتكار بعض أفراد الجماعة للثروة وتأكيداً على وجوب تسخير القطاع العام لمصلحة اليتامى والمساكين وابن سبيل، ليظفر جميع أفراد الجماعة بحقّهم في الانتفاع بالطبيعة، التي خلقها الله لخدمة الإنسان. هناك بعض الروايات يدلّ على ما يخالف ذلك في تفسير الآية، كالرواية التي تتحدّث عن نزول الآيتين في موضوعين مختلفين: فالأولى في الفيء، والثانية في الغنيمة أو في خمس الغنيمة خاصة. ولكنّ هذه الروايات ضعيفة السند،كما يظهر بتتبع سلسلة رواتها. ولهذا يجب أن نفسّر الآيتين في ضوء ظهورهما.
جاء في موقع منتدى جامع الائمة عن خطبة الجمعة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: ومن الامور التي يشير اليها النبي صلى الله عليه وآله في خطبته استحباب ان يفطر الفرد صائما وهذا المعنى شامل للصائم وغيره، يعني يُستحب لك ان تفطر صائما سواء كنت صائما ام لم تكن وهذا يدخل في الحقيقة في المنهج الاسلامي العام لقضاء حاجة المحتاجين فليس من العدل والانصاف ان يكون فطور طبقة من الناس من اطايب الطعام والشراب وفطور طبقة اخرى يكون متواضعا جدا او انه لا يجد له افطارا اطلاقا بل مقتضى العدل الاسلامي هو تساوي هاتين الطبقتين مهما امكن وذلك ان الله تعالى امر الاغنياء بالاعطاء الى الفقراء في كثير من تعاليمه الواجبة والمستحبة كالزكاة والخمس والفدية والكفارة والعتق ووجوب انقاذ المضطر واستحباب الصدقة واستحباب قضاء حاجة المحتاجين واحيانا وجوب قضاء حاجة المحتاجين وغير ذلك كثير حتى ان تقسيم الارث بين الورثة يدخل في ضمن ذلك كما قال تعالى: “كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ” (الحشر 7) ومع ذلك نجد طبقات من الناس الدنيويين يدّعون الاشتراكية بمختلف اتجاهاتها وتفاسيرها في حين ان الاسلام بل ان خط الانبياء كله انما هو على ذلك وعلى الشفقة على الفقراء والمحتاجين مع هذا الفارق الرئيسي بين الجماعتين، الجماعة الدنيوية والجماعة الدينية وهو ان دعاة الجماعة الاشتراكية الدنيويين يعيشون عيشة مرفهة قد نالوا الشهرة والزعامة والمال بعنوان انهم دعاة الى مسلك معين او مصلحة اجتماعية معينة في حين ان الانبياء والاوصياء والمعصومين عموما يغلب على حياتهم الزهد والتقشف وشظف العيش واغلبهم كانوا من قبيل الرعاة او الفلاحين.
قال الله تعالى “مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الحشر 7) هنالك علاقة بين هذه الآية المباركة والزهراء عليها السلام. والآية تتحدث عن الفيء. والفيء هي الأرض التي يحصل عليها المسلمون بدون قتال. والحكم الشرعي فيها ان تعطى للرسول صلى الله عليه وآله وسلم حصرا “مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ” (الحشر 7). و ارض فدك بين المدينة وخيبر وكانت ارض خصبة منتجة وتشكل عصب الاقتصاد لدولة المدينة المنورة، فهي كانت تنتج فقط من التمر عشرات آلاف الاطنان سنويا. والنبي  صلى الله عليه وآله وسلم وهبها لابنته الزهراء عليها السلام. فهي كانت تملكها في حياة الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم. وعندما توفي  صلى الله عليه وآله وسلم تم طرد الفلاحين والعاملين عليها وجلب آخرين تحت أوامر الخليفة. وكان ذلك منافيا لحق المالك وهي الزهراء عليها السلام، مع رفض الشهود وهم الامام علي وابنيه الحسن والحسين عليهم السلام وأم ايمن التي شاركت في معارك منها أحد وحنين التي قال عنها  صلى الله عليه وآله وسلم (هي امي بعد امي) لأنها حاضنة الرسول وهاجرت إلى الحبشة والمدينة. وكانت تقية حيث دعت الله ان ينزل الماء عندما عطشت في رحلتها بين المدينة ومكة فنزل الماء. كل هؤلاء الشهود حول ملكية فدك للزهراء عليها السلام رفضت شهادتهم وهم اتقى اتقياء الناس. وحسب الشرع والقانون فان فاطمة عليها السلام تملك فدك واي شخص يأخذها عنوة يعتبر غاصب. اما الادعاء بان هنالك حديث (نحنُ معشرَ الأنبياءِ لا نورَثُ) فهذا حديث لم يذكره الصحابة وإنما فقط شخص معروف بفسقه. وقد ردت الزهراء عليها السلام على هذا الافتراء بقولها (أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول “وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ” (النمل 16)). فأصبح الخليفة هو الحاكم والقاضي وهو مخالف للشرع والقانون. فان حاكم الدولة لا يمكن أن يكون قاضي قضية هو جزء منها وإنما عليه ان يحولها الى قاضي ليكون حاكما بعد جلب الشهود كما فعل الامام علي عليه السلام في خلافته. وكان غرض الزهراء ليس المال وانما ارادت اخذ العصبة الاقتصادية لدولة اخذت خلافتها غصبا واظهار مظلومية أهل البيت عليهم السلام، كونها على علم أنها لم تبقى بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من 90 يوما. 
يقول الشيخ محمد السند: أن العدالة لم ولن ولاتتحقق إلا على يد قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته عليهم السلام المطهرين: “ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ” (الحشر 7). واللام هنا أي في الآية الكريمة هي لام ملكية الإدارة والولاية في التصرف وليست الملكية الشخصية بل ملكية الإدارة لتصرف على الطبقات المحرومة “كي لا يكون دولة بين الأغنياء”.
عن موقع ضفة ثالثة الإسلام السياسي في الميزان: حالة المغرب للكاتب نجيب مبارك: في كتابه الأخير “الإسلام السياسي في الميزان: حالة المغرب” (توسنا، 2016)، يطرحُ الباحث المغربي الدكتور حسن أوريد إشكالية توظيف الدين في السياسة انطلاقاً من الحالة المغربية، محلّلاً مختلف أشكال هذا التوظيف في سياقها التاريخي، سواء من طرف الدولة أو الحركات المعارضة لها، وما تخفيه من ظواهر معقّدة، لعلّ أبرزها العلاقة الملتبسة مع الحداثة. يشير المؤلف في النسخة العربية للكتاب – إذ سبق أن أصدره باللغة الفرنسية قبل أن ينجز هذه الترجمة بنفسه – أن مقاربته استندت إلى تحليل موضوعي ودراسة لأطياف سياسية عدة، وانتهت إلى النتيجة نفسها التي طرحها سابقاً  باحث حصيف هو أوليفيه روا في كتابه “إخفاق الإسلام السياسي”، الصادر سنة 1992، وهي أن توظيف الدين في السياسة يُفضي إلى مأزق، وهو ما أثبته تطوّر استعمال الدين من طرف الفاعلين السياسيين، بشكل علني أو مستتر، وما انتهى إليه من تناقضات، وعمليات توفيق وتسويات، تظهر كشكل من أشكال البراغماتية والواقعية، وقد يفضي هذا الخلط إلى العنف أو على الأقل إلى تبريره.  يعيش العالم العربي مرحلة جديدة من تاريخه، خصوصاً بعد موجات ما سميّ بالربيع العربي، يمكن وصفها بمرحلة القطيعة مع شعار فضفاض يدّعي أنّ “الإسلام هو الحل”، وهو شعار يُعبّر عن ردّ فعل رُفع في أعقاب هزيمة مصر سنة 1967، وكان في الواقع صياغة مختصرة لفكر سيد قطب الذي أثر في العالم الإسلامي، ذلك أن هذا الفكر تأسّس على تصوّرٍ لإسلام حركي يرفض أن يبقى الإسلام ديناً فقط، بل يجب أن يكون ديناً ودنيا، وبالتالي فالإسلام معنيّ بالصراع السياسي و”التدافع” نحو قيادة الأمة، ولا يعتبر الجهاد شرطاً دفاعياً بل هجومياً، حيث يرى في الآخر عدواً، كما أن السيادة، أو الحاكمية، هي للّه وحده. تبدت هذه المرحلة الجديدة بإرهاصاتها في تونس، ثمّ على نحو ما في المغرب. وتشكّل تطوّر مهم، هو في الحقيقة تطورٌ يعتمل في أحشاء العالم العربي. واللّافت أنه يحدث ليس عن طريق الاستنساخ بل من خلال نضج ومسار، وما يزكّي مثلاً هذا التأويل ما أعلنه حزب النهضة التونسي، خلال مؤتمره الأخير  في شهر مايو/أيّار 2016، من ضرورة فصل الدعوي عن السياسي، لأن المزج بينهما يُسيء للدين كما يشين السياسة، ذلك أن مدار الدين هو العقيدة والقيم، ومناط السياسة هو المصالح، ثمّ أنّ الدين يتميّز في أساسه العقدي والأخلاقي بالثبات والاستمرارية، بينما تنطبع السياسة بالتحوّل والسعي نحو التكيّف. ولا يختلف الأمر كثيراً في حالة المغرب، التي أفرد لها الكاتب فصول الكتاب الخمسة، وهي حالة مفيدة ومن الممكن أن تكون نموذجاً. إذ يقترب المغرب من التجربة التركية من دون أن يتعرض للهزّات التي عرفها التاريخ الحديث لتركيا، لأنه يعيش تجربة من دون قطائع حتى الآن، بالنظر إلى جغرافيته وتاريخه اللّذين يهيئانه لتطور طبيعي هادئ.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك

اترك تعليقاً