فيينا / الأحد 12 . 01 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
ينتاب القلق والخوف العلويين في مدينة طرطوس السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد. فأفراد الطائفة يخشون من عمليات الانتقام بحجة أنهم ساندوا الرئيس السوري السابق خلال الثورة. حياة الكثيرين منهم تغيرت وأصبحوا يخشون الخروج حتى إلى الشارع.
لكن مدير التسوية التابع لهيئة تحرير الشام في المدينة أكد أن العلويين الذين لم يرتكبوا جرائم لن يمسهم أحد وهم جزء من النسيج الاجتماعي السوري، مشيرا إلى أن الأسد استخدمهم كـ”خزان بشري وخزان تشبيح”.
تتألق أشعة الشمس على مياه البحر الأبيض المتوسط في يوم جمعة مشمس. ما أضفى جمالا ساحرا على مدينة طرطوس الساحلية التي تقع على بعد حوالي 160 كيلومترا شمال غرب العاصمة السورية دمشق.
ورغم الجو الدافئ والمناظر الخلابة، إلا أن هذه العناصر الطبيعية لم تبدد سحب المخاوف والشكوك من نفوس العلويين الذين يسكنون هذه المدينة العريقة.
فغالبيتهم يعيشون حالة من القلق والترقب منذ سقوط نظام بشار الأسد. ويخشون من وقوع عمليات انتقام ضدهم من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الجديدة ومن بعض سكان السنة الذين طالما اعتقدوا بأن الطائفة العلوية ساندت ووقفت مع نظام الأسد الذي قمعهم.
فرانس24 تجولت في شوارع طرطوس والمدينة القديمة والتقت بالعديد من السوريين العلويين وبعائلاتهم. وأقل ما يقال أن القاسم المشترك الذي يجمعهم هو الشعور بالخوف من أن يتعرضوا إلى التوقيف والمساءلة من قبل قوات هيئة تحرير الشام التي احتلت مقرات النظام السابق في شارع الثورة العريض ومن المسلحين الملثمين المنتشرين على حواجز التفتيش الواقعة على مداخل المدينة.
تجربة سفر مرة
فيما لا تزال الاشتباكات الدامية التي وقعت شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي في بلدة خربة المعزة بريف طرطوس بين جماعات مسلحة وقوى الأمن العام التابعة لإدارة العمليات العسكرية الجديدة التي داهمت القرية لاعتقال سهيل الحسن ( ضابط في الجيش السوري السابق واللواء محمد كنجو حسن، الملقب بـ “سفاح” سجن “صيدنايا”) حاضرة في أذهان سكان المدينة وخلقت نوعا من الارتباك في نفوسهم.
هذا الحادث، الذي أسفر عن مقتل 14 عنصرا من قوى الأمن العام، ألقى بضلاله على سكان طرطوس من الطائفة العلوية. فهم يخشون من تكرار مثل هذه الأحداث الدامية أو أن يتعرضوا إلى عمليات انتقام في الشارع. على غرار أحمد (اسم مستعار) الذي عاش “تجربة مريرة” كما وصفها عندما حاول الذهاب إلى دمشق لتسوية وضعه الإداري.
هذا الشاب الذي لا يتجاوز عمره 20 عاما، والذي قضى سنة ونصف في الخدمة العسكرية الإلزامية، تم القبض عليه في الحافلة التي كانت تقله من طرطوس نحو دمشق.
ويقول أحمد: “تم توقيف الحافلة التي كنت فيها في أحد الحواجز. صعد عسكري إلى داخلها وطلب مني بطاقة هوية. فأجبته بأنني لا أملك بطاقة وأنا ذاهب إلى دمشق لتسوية وضعي الإداري. ثم طلب مني الانتظار بينما كان يتحدث مع مسؤوله الذي يدعى أبو وليد. هذا الأخير صعد بدوره إلى الحافلة وسألني إن كنت علويا. أجبته نعم وأيضا عسكري. فمسكني بعنف وأخرجني من نافذة الحافلة ثم وضعني داخل سيارته وسرق مني النقود التي كانت بحوزتي وهاتفي”.
تعرض أحمد، كما قال، إلى الضرب المبرح من قبل مسؤول الحاجز. ما أدى إلى انتفاخ عينه اليسرى وإصابته بجروح في الرأس والظهر. فيما انهال عليه بالأسئلة مطالبا منه إذا كان يعرف ضباطا علويين من طرطوس كانوا يعملون في سجن صيدنايا ولماذا البنات العلويات غير محجبات ويرتدين ألبسة غربية.
“أنت مش علوي، أنت خنزير”
وأضاف أحمد: “شعرت حينها بخوف رهيب. عندما كنت داخل سيارة مسؤول الحاجز، تلقيت اتصالا من والدتي لكنه هددني ووضع مسدسه داخل فمي وقال لي: لو تنطق بكلمة واحدة سأقضي عليك. ثم أضاف، أنت موش علوي، أنت خنزير”. بقي أحمد موقوفا لمدة 5 ساعات شاهد خلالها تعرض شبان علويين آخرين إلى الضرب بقضبان حديدية، حسبه.
وعن سبب توقيفه، قال أحمد: “فقط لأنني علوي وعسكري”. هذا الحادث أدخل أحمد في عالم من الخوف. إذ أصبح يخشى الخروج من المنزل وتراوده الكوابيس عندما يحاول النوم، إضافة إلى كونه لا يستطيع وضع رأسه على المخدة بسبب الجروح في رأسه. ويعتقد أن “المستقبل سيكون أصعب من الماضي خاصة إذا “بقيت الجماعات المسلحة التابعة للسلطة الجديدة بيننا”.
وأضاف أحمد: “لم أصدق تصريحات الجولاني (أحمد الشرع) حينما قال بأن الشعب السوري واحد ولا يوجد فرق بين الطوائف. والدليل أن ثلاثة شيوخ كبار من الطائفة العلوية في طرطوس ذهبوا للقائه، لكن عندما وصلوا إلى دمشق رفض استقبالهم”.
ورغم خشيته من المضايقات من قبل أفراد هيئة تحرير الشام، إلا أنه فرح كثيرا بسقوط نظام بشار الأسد الذي “استخدم الطائفة العلوية لتقسيم البلاد وزرع الفتنة بين الطوائف لكي يبقى هو دائما الحاكم والمسيطر”.
وبخصوص مؤتمر الحوار الوطني الذي سينظم في الأسابيع المقبلة بمشاركة ممثلي جميع الديانات والطوائف لاستتاب الأمن، يرى والد أحمد الذي رافقه إلى مكان سري حيث أجرينا المقابلة الصحفية، أن الإدارة الجديدة لا تريد فتح قنوات حوار مع العلويين. بل بالعكس تخطط لمعاقبتهم لاحقا بسبب الأسد.
“10 بالمائة من العلويين في سوريا أفسدوا صورة باقي الـ90 بالمائة”
نفس الشعور ينتاب سامي خالد (اسم مستعار) الذي اعترف بأنه “لم يكن يدرك الفرق بين العلويين والسنة إلا عند بداية الثورة في 2011 “.
ويقول سامي خالد:” في البداية كنت أعتقد أن السنة كانوا يقومون بالثورة فقط ضد بشار ونظامه. لكن بعد ذلك بدأوا يتهجمون ويقتلون العلويين. وهذا الأمر استغله كثيرا الأسد ليقنعنا في نهاية المطاف بأن الثورة كانت موجهة ضد الطائفة العلوية وأن الثوار السنة كانوا يريدون ذبحنا”.
لكن حسب محدثنا “واحد بالمائة فقط من العلويين فقط استفادوا من نظام الأسد بينما 99 بالمائة عانوا منه كبقية السوريين”.
وشرح لفرانس24 الاستراتيجية التي كان يتبعها الرئيس السوري المخلوع لإضعاف العلويين ولتفقيرهم لكي يبقى هو المسيطر قائلا: “كان مثلا يبعث مفتشي الضرائب لابتزاز التجار وأصحاب الشركات ويأخذ منهم الأموال بشكل غير شرعي. المفتشون كانوا كلهم من العلويين. وغالبية التجار أفلسوا وأصبحوا فقراء. وبما أنهم لا يستطيعون السفر إلى الخارج أو إطلاق مشاريع تجارية جديدة، اضطروا إلى الانضمام إلى الجيش لربح لقمة العيش”، منوها “أن 10 بالمائة من العلويين أفسدوا صورة باقي الـ90 بالمائة بما فيهم شيوخ وممثلي هذه الطائفة”.
وتابع: “كانوا (يقصد الشيوخ العلويين) يقولون لنا بدون الأسد سنموت كلنا. لكن في الحقيقة كلهم يكذبون ويسرقون. بعض الذين كانوا مع الأسد غيروا موقفهم وأصبحوا يساندون هيئة تحرير الشام والجولاني. حتى بعض “الشبيحة” (وهي عبارة بالعامية السورية تطلق على عصابات وأفراد خارجة عن القانون والتي كانت تستخدم العنف والتهديد بالسلاح لخدمة النظام السابق) الذين كانوا مع الأسد أصبحوا يعملون اليوم مع هيئة التحرير الشام. لهذا السبب بالذات البعض منهم يخفي وجهه كي لا نتعرف عنهم على مستوى نقاط التفتيش والحواجز”.
وأردف: “لا أثق في أحد. أخشى أن يتصرف الشبيحة العلويون معنا كما تصرفوا في عهد الأسد ويقدمون معلومات بخصوصنا لهيئة الشام”، مضيفا “في الحقيقة شرعوا في القيام بذلك”.
“أشعر بالخوف في كل مكان”
وللهروب من هذا الواقع “المر”، فكر سامي خالد عدة مرات أن يهجر البلاد على متن قارب باتجاه قبرص لأن “المستقبل هنا منعدم والبلاد تسير نحو حرب أهلية. إنهم يقتلون العلويين. أشعر بالخوف في كل مكان. لا أستطيع أن أشتغل ولا أملك أوراق الهوية”.
يعيش العلويون بشكل رئيسي في الساحل السوري وخاصة في مدنية طرطوس واللاذقية. فيما يعتقد أنهم ينتمون إلى مجموعة من المعتقدات التي تجمع بين الإسلام الشيعي وبعض العناصر الصوفية. عاشت هذه الطائفة التي يبلغ عددها ما بين 2 إلى 3 ملايين شخص في سوريا أي ما بين 10 إلى 15 بالمائة من إجمالي سكان البلد. وعانت طويلا من التهميش والاضطهاد خلال فترات مختلفة من تاريخ سوريا. فيما أصبحت هذه الطائفة جزءا من الصراع المعقد منذ اندلاع الثورة في 2011.
“بشار الأسد كان أكثر خطورة من هتلر وستالين”
أما مقداد أنس (26 عاما) فلقد رسب عمدا ثلاث مرات في الامتحانات النهائية بكلية الطب حتى لا يلتحق بالخدمة العسكرية لأنه في سوريا بمجرد أن ينهي أي شاب دراسته، عليه أن يتوجه مباشرة إلى الخدمة العسكرية.
وصرح هذا الشاب: “لا أشعر بأن لدي مكان في سوريا الجديدة ولا أشعر أنني مواطن. عندما احتفلنا بسقوط الأسد مثل باقي السوريين، قال البعض لنا: لا داعي للاحتفال بالنصر أنتم كعلويين كنتم كلكم مع بشار”.
وسألناه هل يشعر بأن إدارة هيئة تحرير الشام تفرق بين العلويين والسنة، أجاب: “نعم والدليل أنه منذ 10 أيام تم قتل 26 علوي دون أن يحرك أحد ساكنا”.
فيما أكد بأنه يعاني من “خوف وجودي”، مشيرا أنه “يكره الأسد كرها كبيرا” واصفا إياه بـ “الأحمق”. فيما دعا إلى محاسبته، لأن هذا “سيخفف الضغط المتواجد بين السنة والعلويين، معتقدا أن “الأسد كان أكثر خطورة من هتلر وستالين. صحيح أن هتلر كان يكره ويقتل اليهود لكن بشار يكره كل الناس وكل العالم”.
“العلويون الذين يشعرون بالخوف هم أولئك الذين ارتكبوا جرائم في عهد بشار”
وأضاف: ” لم يترك (بشار الأسد) وراءه سوى الكراهية والدمار”، “عندما سقط نظامه، بكيت من شدة الفرحة واتصلت بوالدي لكي أخبره بذلك. لكن بعد مرور يومين فقط من هذا الحدث التاريخي، أدركت بأن الناس كانوا يعتقدون بأن العلويين كانوا دكتاتوريين”.
وتابع: “لا أشعر بالأخوة بين أفراد الشعب السوري. أخاف الخروج من المنزل بعد الساعة الخامسة مساء. هيئة تحرير الشام بدأت في تسريح أولاد العسكريين العلويين الذين شاركوا في الحرب دفاعا عن نظام الأسد، من مناصبهم”.
وأنهى: “قبلت هذه المقابلة مع قناة أجنبية لأقول إنني لم أكن مع الأسد، ولكن هذا لا يمنعني أن أكون علويا. على الإدارة الجديدة أن تلقي القبض على العلويين الذين ارتكبوا جرائم وليس على السكان العاديين الذين اشتغلوا فقط في الإدارة”.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات