الرئيسية / مقالات / التدخل الدولي ألإنساني لحماية حقوق ألإنسان

التدخل الدولي ألإنساني لحماية حقوق ألإنسان

السيمر / فيينا / السبت 11 . 04 . 2020

د. ماجد احمد الزاملي

تتنوع أساليب التدخل لحماية حقوق الإنسان من جانب دولة ضد أخرى، حسب تقدير الدولة المتدخلة لخطورة انتهاكات حقوق الإنسان في الدولة المتدخل ضدها. فقد تبدأ بتدابير سياسية، كالإدلاء بتصريحات عامة تنتقد انتهاك حقوق الإنسان في دولة أخرى؛ أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي احتجاجاً على انتهاكات حقوق الإنسان؛ أو إرجاء الزيارات الرسمية أو إلغائها ؛ أو إدراج مسألة انتهاك حقوق الإنسان في إحدى الدول على جدول محادثات مسؤوليها مع نظرائهم في الدولة المعنية . وقد تتبع التدابير السياسية تدابير اقتصادية كوقف المعونات الاقتصادية؛ أو حظر العلاقات التجارية مع الدولة المتهمة بالانتهاك، أو قطع العلاقات الاقتصادية معها عموماً . ولكن التدابير الأكثر إثارةً للجدل بالنسبة لمشروعيتها، هي التدابير التي تنطوي على تدخل عسكري بحجة حماية حقوق الإنسان. و إذا كانت الدولة هي التي تتنكر لالتزاماتها الدولية، وتقوم بانتهاك حقوق الإنسان، فهل للدول الأخرى دور في فرض احترام هذه الحقوق على الدولة منتهكة الحقوق تجاه أبناء شعبها؟ وبعبارة أخرى، هل يمكن لدولة ما أن تتدخل لحماية حقوق الإنسان في دولة أخرى؟ تعرف هذه المشكلة في القانون الدولي بـ”التدخل الدولي الإنساني” أو التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان. وبالرغم من حداثة القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن التدخل الدولي لحماية هذه الحقوق قديم قدم القانون الدولي ذاته. فقد كان جروشيوس (أبو القانون الدولي، كما يلقب في أدبيات القانون الدولي) يجيز هذا النوع من التدخل، حيث أقر لأباطرة الرومان بالحق في حمل السلاح ضد كل حاكم يمارس على رعاياه فظائع لا يمكن أن يتقبلها أي إنسان عادل، وضد الذين يضطهدون المسيحيين بسبب دينهم. بقيت قضية حقوق الإنسان لعقود طويلة قضية تعني الدول وهي شأن من شؤونها الداخلية، ولم تكن هناك مفاهيم ومواثيق وآليات ومؤسسات لتوحيد العمل الجماعي، واتخاذ الموقف والرؤية اللازمة لقضية حقوق الإنسان لعامة البشرية،غير أن الحربين العالميتين وتطور التنظيم الدولي وثورة الاتصالات التي قربت الشعوب والثقافات وخلقت الشعور الإنساني العالمي. والواقع، إن التدخل من جانب دولة لحماية حقوق الإنسان في دولة أخرى، لم يكن ليثير المشكلات من الناحية القانونية حتى وقت قريب، وبالتحديد حتى قيام الأمم المتحدة ، عندما بدأت الحركة الدولية لتقنين حقوق الإنسان، وكانت أغلبية المجتمع الدولي هي من الدول المتقدمة ، أي أن الدول النامية التي توجه إلى الكثير منها اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، لم تكن قد ظهرت على الساحة الدولية بشكل كبير. . بعد إقرار الجمعية العامة إصلاح لجنة حقوق الإنسان وتأسيس مجلس مستقل عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتأسيسه كجهاز تابع لأجهزة الهيأة الأممية،جاء القرار60/251 القاضي بإنشاء مجلس حقوق الإنسان كآلية بديلة للجنة حقوق الإنسان بتصويت 170 دولة، يتكون المجلس وفقا للفقرة 7 من القرار وفقا للتوزيع الجغرافي العادل،13افريقيا،13آسيا,6أوروبا الشرقية،8أمريكا الجنوبية،والبحر الكاريبي،7 أوروبا الغربية. بعد أن أصبح المجلس تابع لهيأة الأمم المتحدة أصبحت له اختصاصات وصلاحيات في وقت السلم والنزاعات المسلحة من أجل حماية حقوق الإنسان،مثلما قام بتشكيل لجنة تحقيق دولية بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة برئاسة القاضي غولدستون للتحقيق في جرائم الإسرائيليين،فالمجلس يقدم توصيات كما ينشئ لجان تحقيق من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان. كما استحدثت الجمعية العامة للأمم المتحدة عند تأسيسها لمجلس حقوق الإنسان آلية جديدة تعرف بالاستعراض الدوري الشامل ،من خلال مراجعة شاملة لحالة حقوق الإنسان داخل الدول الأعضاء في هيأة الأمم المتحدة بالإستناد إلى الالتزامات المنصوص عليها في الميثاق الاممي،الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية وكذلك الالتزامات الطوعية للدول، على أن تكون هذه المراجعة كل أربع سنوات، وقد كانت البحرين أول دول يطبق عليها هذا الإجراء الجديد في إطار آلية مجلس حقوق الإنسان بداية العام 2007.
حقوق الإنسان في ميثاق الامم المتحدة ورد ذكرها في عدة مواضع من ديباجة الميثاق حيث أشارت الفقرة الأولى منها إلى حق ضمني للإنسان بالسلم والأمن؛ بينما أكدت الفقرة الثانية منها صراحة على إيمان شعوب الأمم المتحدة بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية؛ فيما ذهبت الفقرة الرابعة من الديباجة إلى تحديد ما تنوي الأمم المتحدة القيام به من دفع للرقي الاجتماعي قدماً، ورفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح (على حد وصف الميثاق) بحيث تهيّئ الظروف المناسبة لاحترام حقوق الإنسان وتعزيزها. ولم يقتصر اهتمام ميثاق الأمم المتحدة بمسائل حقوق الإنسان على ما ورد في ديباجته بل تعداه إلى نصوص قانونية ترتب التزامات محددة وردت في صلب الميثاق. ففي إشارة صريحة لحقوق الإنسان عدّت المادة الأولى (الخاصة بأهداف الأمم المتحدة) في فقرتها الثالثة أن من بين مقاصد الأمم المتحدة “تحقيق التعاون الدولي … على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً…”. توسعت حماية حقوق الإنسان وأصبحت أجندة رئيسية ضمن جهود الهيآت الإقليمية والدولية وكذلك السياسات الوطنية، وعبر كافة المستويات كانت آليات حماية حقوق الإنسان من أبرز محددات الأنظمة الديمقراطية والتقدم في هذا الملف أو التخلف يعد معيار لقياس شرعية الأنظمة السياسية. وتنفيذاً لهذا الحق قامت بعض الدول الأوروبية كفرنسا وإنجلترا وروسيا بالعديد من التدخلات العسكرية ضد البلدان التي كان ينسب إليها اضطهاد وظلم الأقليات المقيمة بها. وكثيراً ما كانت هذه البلدان تجبر على إبرام اتفاقيات تتعهد من خلالها باحترام حقوق وحريات هذه الأقليات.

اترك تعليقاً