الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / تقرير أميركي يسلط الضوء على خطوات الكاظمي الأولى: السيستاني يضغط بهذا الاتجاه!

تقرير أميركي يسلط الضوء على خطوات الكاظمي الأولى: السيستاني يضغط بهذا الاتجاه!

متابعة السيمر / فيينا / السبت 23 . 05 . 2020 — سلط تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الضوء على حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والتحديات التي تواجهها، فيما أشار إلى الأمور الواجب اتخاذها من قبل واشنطن في إطار التحضير للحوار الاستراتيجي الأميركي – العراقي المقبل.  

وكتب مايكل نايتس وهو زميل أقدم في معهد واشنطن. وأجرى منذ عام 2003، أبحاثاً مكثفة على الأرض في العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات الحكومية، في “الخطوات التالية لقوات الحشد الشعبي، والتغييرات في هيكل القيادة في العراق، فضلاً عن التداعيات على السياسة الأميركية”، لافتاً إلى أن “الكاظمي بالغ في الإشادة بدور الحشد الشعبي عند زيارته لمقر الهيئة فيما يتعلق بمحاربتها لتنظيم داعش”.  

“في الساعات الأولى من يوم 19 أيار/مايو، تمّ إطلاق صاروخ على السفارة الأمريكية في بغداد من دون وقوع إصابات، فيما كان على الأرجح خطأ متعمداً. وجاءت هذه الحركة التي لم يتبناها أي طرف – ومن شبه المؤكد كان مصدرها إحدى الميليشيات المدعومة من إيران التي شنت العديد من هذه الضربات في الماضي – بعد أقل من يوم من قيام رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي بزيارة لمقر «قوات الحشد الشعبي»، الوكالة الحكومية التي تقودها نفس الجماعات المدعومة من إيران. وكانت تلك محطته الأخيرة من جولة في الأجهزة الأمنية الرئيسية في البلاد بصفته القائد العام الجديد لها، عقب زيارات قام بها إلى “جهاز مكافحة الإرهاب”، ولوزارتي الدفاع والداخلية.  

ومن شأن حيثيات زيارة «قوات الحشد الشعبي» وقربها من توقيت الضربة الصاروخية أن تقلق بعض المراقبين الأمريكيين – فقد بالغ الكاظمي بالإشادة بدور المنظمة في محاربة تنظيم «داعش» أثناء وقوفه تحت ملصق للراحل أبو مهدي المهندس، قائد عمليات «الحشد الشعبي» المصنّف إرهابياً والذي قُتل بضربة جوية أمريكية في الثالث من كانون الثاني/يناير. لكن يجب وضع الحدثين في سياق واقعتين مهمتين: قلق الميليشيات من سلسلة التعيينات القيادية الإيجابية الأخيرة في بغداد، وحاجة حكومة الكاظمي الناشئة إلى إطلاق إصلاحات ضمن «قوات الحشد الشعبي» بطريقة تدريجية وليس بدفعة واحدة.   

تغييرات في هيكل القيادة في العراق  

يكرّس الدستور دور رئيس الوزراء باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما يوضح “القرار التنفيذي” رقم 328 لعام 2019 بشكل إضافي أن رئيس الوزراء أو بديله المعيّن يتمتع بسيطرة عملياتية على كافة التشكيلات المسلحة في العراق، حيث تحتفظ الأجهزة الأمنية بالسيطرة الإدارية على تجنيد وتدريب وتجهيز قواتها. كذلك، منح القرار رئيس الوزراء السيطرة الحصرية على التعيينات اعتباراً من رتبة قائد اللواء وما فوق – بما في ذلك داخل «قوات الحشد الشعبي».  

وقامت حكومة الكاظمي بتشكيل قيادتها الأمنية بشكل سريع للغاية، حيث تم تعيين وزيري الداخلية والدفاع خلال الجلسة الأولى في 6 أيار/مايو. وسيواصل الكاظمي إدارة “جهاز المخابرات الوطني العراقي” شخصياً، والذي تولى قيادته منذ عام 2016. ولتولي قيادة “جهاز مكافحة الإرهاب”، أعاد الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي إلى منصبه الذي تسبب عزله في تشرين الأول/أكتوبر 2019 كقائد للعمليات في إشعال فتيل الحركة الاحتجاجية في العراق المستمرة لشهور. وتشير عودة الساعدي وترقيته إلى منصب القائد العام في “الجهاز” إلى التزام الكاظمي بأن يكون “جهاز مكافحة الإرهاب” فعالاً ويتمتع بالموارد الكافية، والذي لطالما كان الشريك الرئيسي لواشنطن في مكافحة الإرهاب في العراق.  

أما وزير الدفاع الجديد، فهو جمعة سعدون الجبوري، فريق ركن متقاعد آخر كان سابقاً قائد “القوات البرية للجيش العراقي”. وحيث إنه عربي سنّي من الشرقاط، عمل عن كثب مع الميليشيات في منصب قائد عمليات صلاح الدين وقائد شرطة محافظة صلاح الدين في الفترة 2015-2016. وسيحتفظ الفريق الركن عبد الأمير يار الله، معاون رئيس أركان الجيش الحالي للعمليات، بمهام الإدارة اليومية لـ”قيادة العمليات المشتركة”، ليكون نظرياً النائب الأول لرئيس الوزراء. أما “القوات البرية العراقية” فسيقودها حالياً اللواء قاسم المحمداوي – ضابط يتمتع باحترام كبير وكان يترأس سابقاً “قيادة عمليات الجزيرة والبادية”. وتمّت ترقية الفريق أول ركن عثمان الغانمي من منصب رئيس أركان الجيش – الضابط الأعلى رتبة في البلاد – إلى وزير الداخلية، ولم تتضح بعد هوية خلفه. وعلى أي حال، سيتعين على وزارة الدفاع والجيش التركيز على الانتقال إلى مكافحة التمرد ونقل مسؤوليات الأمن في المدن إلى وزارة الداخلية.    

ويُعتبر الغانمي خياراً واعداً لتولي منصب وزير الداخلية. وإذ إنه جنرال شيعي متقاعد من الديوانية، فهو شخصية تحظى باحترام بفضل سجله العسكري الناجح وليس له تاريخ من الطائفية أو الفساد. وتمنحه خلفيته القدرة على الاستفادة من دعم قوي من الجمهور القبلي والديني في الجنوب. وسيحتاج إلى كافة هذه السمات لقيادة الوكالة الأمنية الأكبر في العراق بشكل فعال، والتي اخترقتها الميليشيات بشكل كبير منذ عام 2003. وبصرف النظر عن مسؤولياته الأمنية اليومية كوزير للداخلية، ستتمثل مهمته الرئيسية بمنح الشعب العراقي الحق في مساءلة عادلة لدور المؤسسة في قتل المئات من المتظاهرين أواخر العام الماضي.    

وفي العاشر من أيار/مايو، قدّم الغانمي إشارة مبكرة على عزمه من خلال التهديد بأن “يقطع بموجب القانون يدي” أي موظف في الوزارة يسعى إلى الحصول على ترقية عن طريق الرشوة. كما أمر بتنفيذ مداهمة في 11 أيار/مايو في البصرة، ألقي القبض خلالها على 5 رجال ميليشيا شيعيين من حركة «ثأر الله» بتهمة إطلاق النار على المحتجين. وفي 14 أيار/مايو، أمره الكاظمي بإيجاد أي متظاهرين محتجزين ظلماً في سجون الميليشيات. وبمرور الوقت، سوف تتسارع مهمة الغانمي على المدى الطويل – إعداد وزارته لتولي الأسبقية في أمن المناطق الحضرية – مع انسحاب قوات الجيش إلى الحدود والأرياف.  

الخطوات التالية لـ «قوات الحشد الشعبي»  

اعتُبرت زيارة الكاظمي لمقر «قوات الحشد الشعبي» من نواحٍ كثيرة الخطوة الأكثر أهمية في جولته الأمنية. وكان يرتدي سترة تحمل شارة «الحشد الشعبي» على ذراعه، وقد استضافه رئيس المنظمة، فالح الفياض، الذي يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن الوطني ورئيس “جهاز الأمن الوطني”، وهو وكالة مخابرات. وإلى جانب الفياض وقف عبد الكريم الزيرجاوي (المعروف أيضاً باسم أبو فدك) وحسين فالح اللامي (الملقب بأبو زينب اللامي)، وكلاهما من كبار أعضاء «كتائب حزب الله» المدعومة من إيران والمصنفة من قبل الولايات المتحدة كجماعة إرهابية. وكان أبو فدك قد اتَهم شخصياً الكاظمي بإيقاع المهندس في فخ مميت في كانون الثاني/يناير، وقد حذّرت جماعته في أوائل نيسان/أبريل من أن ترقية رئيس المخابرات إلى منصب رئيس وزراء “ستقضي على ما تبقى من استقرار في العراق”، لذا لا بدّ من أنه كان من الصعب استقباله في مقرهم كقائدهم العام الجديد.    

أما بالنسبة لمضمون تعليقات الكاظمي، فقد كان تركيزه على دور «قوات الحشد الشعبي» في التصدي لتنظيم «داعش» إشارة ليست خفية إلى ضرورة حصر المنظمة مهمتها بهذا الدور في المرحلة القادمة – بدلاً من قمع المتظاهرين، أو تشكيل شبكات ابتزاز في المدن، أو مهاجمة بعثات التدريب الأجنبية والدبلوماسيين الأجانب. وكانت الجوانب الأقل أهمية لزيارته ذات أهمية مماثلة. فقد وصل إلى الاجتماع مع قادة “العتبات”، ما يسمى بـ “وحدات الأضرحة” الأربع التي انفصلت عن هيكلية قيادة «الحشد الشعبي» في شباط/فبراير وتم إلحاقها مباشرة بمكتب رئيس الوزراء في أواخر نيسان/أبريل بموجب أمر تنفيذي وقعه رئيس الوزراء المنتهية ولايته عادل عبد المهدي. وخلال الاجتماع، جلس قادة “العتبات” منفصلين عن المسؤولين الآخرين في «قوات الحشد الشعبي» وإلى جانب الكاظمي.  

ويشير هذا الأمر إلى المسار المحتمل لإصلاح «قوات الحشد الشعبي» في المستقبل. ويبدو أن رئيس الوزراء والزعيم الروحي لـ “العتبات” آية الله العظمى السيد علي السيستاني، متفقان على ما سيحدث في المرحلة المقبلة – أي أنه إما أن تخضع «قوات الحشد الشعبي» لقيادة جديدة أكثر قبولاً مستمدة من “العتبات”، أو يتم الضغط على وحدات إضافية ومقاتلين أفراد للانسحاب من المنظمة. وحين انفصل قادة “العتبات” عن «قوات الحشد الشعبي» قبل ثلاثة أشهر، فعلوا ذلك لأن فصيل “المقاومة” الموالي لإيران في قيادة «قوات الحشد الشعبي» حاول احتكار عملية صنع القرار وجعل أبو فدك خلفاً للمهندس.  

التداعيات على السياسة الأمريكية  

تحرَك الكاظمي بسرعة لإعادة تشكيل القيادة الكفؤة على رأس “جهاز مكافحة الإرهاب” وتعيين شخصية قومية بارزة للغاية كوزير للداخلية. كما دعم قادة “العتبات” والمؤسسة الدينية في احتجاجهم على احتكار «قوات الحشد الشعبي» المدعوم من إيران. وتُعتبر هذه مؤشرات مشجعة بعد مرور أسابيع قليلة فقط على توليه منصبه.   

وفي إطار التحضير للحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي المقبل (ربما في حزيران/يونيو)، على واشنطن أن تمنح الكاظمي الوقت والمجال اللذين يحتاجهما لإكمال تشكيل حكومته وتعيين كبار موظفيه. وتُعتبر هذه العملية أساسية لتعزيز موقع رئاسة الوزراء وبناء هيكلية قيادة وتحكم مركزية؛ علماً بأن فشل سلفه على هذا الصعيد أدّى إلى الانهيار السياسي. وإذا ضغط المسؤولون الأمريكيون على الكاظمي لإجراء المزيد من الإصلاحات الأمنية مع تسرع لا مبرر له، فقد يضروا بفرصه في النجاح ويساعدوا عن غير قصد الميليشيات التي سعت إلى مفاقمة التوترات الثنائية بين الطرفين بعد حادثة إطلاق الصاروخ الأخيرة.  

وفي الوقت نفسه، على الولايات المتحدة أن تراقب عن كثب كافة التعيينات القيادية الجديدة في العراق لضمان بقاء التعاون الأمني ​​الثنائي سليماً في الوقت الذي يُظهر فيه تنظيم «داعش» مؤشرات على النهوض مجدداً. وسيكون مستقبل الجيش كمؤسسة مهماً في معركة محاربة التمرد، ولكن لا يُعرف الكثير عن قدرة الجبوري على حماية ميزانية وزارة الدفاع أو إحياء علاقات الجيش مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من حيث الاستشارة والتدريب. ويستحق رئيس أركان الجيش المقبل اهتماماً وثيقاً أيضاً، إلى جانب العديد من التغييرات التي ستبدأ قريباً على مستوى القيادة الوسطى بشكل تدريجي (على سبيل المثال، تلك التي ستطال قيادات العمليات وقادة الفرق). وقد تحاول الجهات الفاعلة السلبية تعويض بعض خسائرها من حيث النفود من خلال ضمان موطئ قدم جديد لها في وزارة الدفاع، كما حصل عام 2018 عندما أدخلت «منظمة بدر» المدعومة من إيران قائد لواء «الحشد الشعبي» زياد التميمي كمفتش عام في الوزارة – وهو المنصب الذي كان من الواضح أنه غير مؤهل له. وفي الوقت الذي تشهد فيه وزارة الداخلية و”جهاز مكافحة الإرهاب” و «قوات الحشد الشعبي» تقدماً، لا يمكن للعراق تحمل المزيد من الانتكاسات على صعيد القيادة في وزارة الدفاع”.  

اترك تعليقاً