السيمر / الاحد 10 . 04 . 2016
محمد الحنفي / المغرب
إن منهج التدعيش اعتمد في المدرسة العمومية، منذ سبعينيات القرن العشرين، وبالضبط، في عهد وزير التعليم الاستقلالي الدكتور عز الدين العراقي، في ذلك الوقت، الذي قام بإلغاء العقل، بعد إلغاء تدريس مادة الفلسفة، وضاعف حصص التربية الدينية في التعليم الابتدائي، والتربية الإسلامية في التعليم الثانوي الإعدادي، والثانوي التأهيلي. ومن ذلك الوقت، صارت المدرسة المغربية مصدرا للتطرف، القائم أصلا في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لتأتي المدرسة من أجل بث الحرارة فيه، عن طريق تحويل الدين الإسلامي، على يد مؤدلجيه من المدرسين، من دين يشكل مصدرا للقيم النبيلة، والمنفتحة على كل أشكال الثقافات القائمة في الواقع، والمساهمة، بشكل كبير، في بلورة الحضارة الإنسانية، إلى دين لا علاقة له بالقيم النبيلة، ولا يمكن أن يعتبر مصدرا لها؛ لأنه دين مؤدلج، قائم على التحريف، والتضليل، وانتهاك القيم الإنسانية، وتحريم التحلي بها، وتحريض الأتباع ضد مخالفيهم، مهما كان معتقدهم، حتى وإن كانوا مومنين بالدين الإسلامي، ولا يتبعون من يؤدلجه، ولا يخضعون لتحريضه.
ومنهج التدعيش الوهابي، الذي ترسخ في بنيات التدريس، في المدرسة المغربية، وفي معظم المواد المدرسة، هو الذي صار يحكم أفواج الخريجين بلا عقل، وبلا فكر، وبلا قيم إنسانية نبيلة، وبلا احترام للآخر؛ لأن معظم الخريجين، يتخرجون من المدرسة المغربية مقولبين، يسعون إلى قولبة من يخالفهم، حتى تبلغ الرسالة إلى من يهمهم الأمر، داخل المغرب، وخارجه، من أجل أن يصير للمقولبين (بفتح اللام)، وللمقولبين (بكسر اللام)، في نفس الوقت، شأن عظيم، ويصير المجال الذي يتحركون فيه، مستهدفا من قبل الدواعش عبر العالم، من أجل السيطرة عليه، وتنصيب المقولبين (بفتح اللام)، والمقولبين (بكسر اللام)، في نفس الوقت، مسؤولين عن إمارة الدواعش، في مجال تواجدهم.
وهذا المنهج، الذي لا زال معتمدا في المدرسة المغربية، وفي مختلف الجامعات، والمعاهد العليا، أصبح يبالغ في ممارسة معتمديه، من مدرسي التدعيش، وفي مختلف المواد الدراسية، بما فيها مادة الفلسفة، واللغة العربية، والعلوم الطبيعية، والرياضية، وغيرها، الذين يعملون جميعا على إفراغ المدرسة العمومية من محتواها العلمي، والمعرفي، والفكري، والتربوي، لتصبح مدرسة بمحتوى تدعيشي واحد، وتحت إشراف المسؤولين عن أي مدرسة ابتدائية، أو ثانوية إعدادية، أو ثانوية تأهيلية، أو أي مؤسسة جامعية؛ بل وبعلم هيأة المراقبة التربوية، والمديريات الإقليمية، والأكاديميات، والوزارة. فمعظم اللباس الذي أصبح سائدا لدى معظم ممتهني التدريس، والأستاذية، أصبح داعشيا، ومعظم ما يصرفونه في الحجر الدراسية، لا يتجاوز ما يتم تصريفه أثناء إعداد الدواعش، للقيام بمهام التدعيش، بالإضافة إلى التحريض ضد المخالفين، وضد الأساتذة المتنورين، الذين يصيرون في نظر الأساتذة المدعشين، كفارا، لا لأنهم كفار فعلا، بل لأنهم يقاومون ما يحصل من تدعيش في المؤسسات التعليمية، مما لا علاقة له بالمهام الموكولة إلى المدرسة، التي يعملون فيها، ويتقاضون أجورهم من أموال الشعب، التي صارت تصرف على تدعيش الأجيال المتعاقبة.
وقد كان من المفروض أن تقوم وزارة التربية الوطنية، والتكوين المهني، ب:
1) حث جهاز المراقبة التربوية غير المدعش على الأقل، بالوقوف على الخلل القائم في كل المؤسسات التعليمية، والذي يترتب عنه تدعيش الأجيال الصاعدة، التي أصبحت تسيء إلى الشعب المغربي، واتخاذ الإجراءات الضرورية ضد كل مدرس، لا يلتزم بالمهام الموكولة إليه، ولا يعمل على احترام حق التلاميذ، أو الطلبة، في تلقي الدروس التي تؤهله، لاجتياز الامتحانات التي يجتازها، وخاصة تلك المتعلقة بنهاية التعليم الابتدائي، أو بنهاية التعليم الثانوي الإعدادي، أو بنهاية التعليم الثانوي التأهيلي، وصولا إلى التخرج من الجامعة، أو من المعاهد العليا، والشروع مباشرة في تحمل مسؤولية معينة، في مؤسسة عامة، أو خاصة. فجهاز المراقبة التربوية غير المدعش، لوكان يتحمل مسؤوليته كاملة، ما وصل تعليمنا إلى ما وصل إليه، خاصة، وأن العديد من المراقبين التربويين، يعرفون جيدا، من يلتزم بالمهام الموكولة إليه في تدريس مادة معينة، ومن لا يلتزم بها.
2) تحميل مسؤولية ما يجري في المؤسسات التعليمية، إلى المسؤولين عنها، الذين يجري تدعيش الأجيال المختلفة، تحت إشرافهم، وخاصة المديرون، والنظار، الذين يلاحظون من خلال تتبعهم لما يجري في المؤسسات، من مخالفات للبرامج، والمناهج، والتوجهات التربوية المتعلقة بتدريس أي مادة، مهما كانت المادة موضوع التدريس، ولا يقومون بما يجب، ولا يحاصرون التحريض الممارس في المدرسة، ضد المخالفين، مهما كان هؤلاء المخالفون، وخاصة منهم الأساتذة الذين لا يؤدلجون الدين الإسلامي، ولا يساهمون انطلاقا من درس الفلسفة، في إعداد الدواعش.
3) المدراء الإقليميون، الذين لا يحرصون على تفعيل هيأة المراقبة التربوية، في المستويات التعليمية المختلفة، ولا يتتبعون التقارير المرفوعة، ولا يقومون بزيارة المؤسسات التعليمية، مهما كانت هذه المؤسسات، وحث المسؤولين عنها، بالإضافة إلى هيأة التدريس، بضرورة الالتزام بما هو مقرر للتلاميذ، بدون الخروج عنه، وعن التوجيهات الخاصة بكل مادة على حدة، وفتح أيام تواصلية مع المهتمين بالشأن التعليمي، من جمعيات الآباء، والأولياء، ومن الأساتذة من مختلف المستويات، ومن تلاميذ مختلف المستويات، حتى تصير أي مديرية إقليمية، ملمة بطبيعة المسائل القائمة في الواقع التعليمي، والتي تعرفها كل مؤسسة على حدة، وخاصة تلك المتعلقة بعدم قيام الأساتذة بالمهام الموكولة إليهم، ولانخراطهم في تدعيش التلاميذ، والتلميذات، وإعدادهم ليصيروا حاملين لفكر الدواعش، والعمل على قيام المديريات الأقليمية بمحاصرة كل ذلك.
4) الأكاديميات الجهوية، التي لا تتحمل مسؤوليتها في إلزام المديريات الإقليمية، بإنجاز المهام الموكولة إليها، تجاه المؤسسات التعليمية المختلفة، وتجاه التلاميذ، والتلميذات في المستويات التعليمية المختلفة، من أجل وضع حد لتحويل المؤسسات التعليمية، إلى مؤسسات للتربية على التدعيش، وإعداد الدواعش، والدفع بهم إلى تكفير جميع الأساتذة، الذين لا ينخرطون في عملية التدعيش، في أفق المساهمة في إقامة، وتوسع دولة داعش، التي قد يصير المغرب في يوم من الأيام، جزءا منها، وسيصبح الخريجون في يوم ما، من قاطعي رؤوس مخالفيهم، ومن الساهرين على قطع الأطراف، والرجم، والجلد في الساحات العمومية، وغير ذلك، مما يسميه معظم المدرسين، الذين لا يحترمون المهام الموكولة إليهم، ب(تطبيق الشريعة الإسلامية)، مما لم يعد يتناسب مع هذا العصر الذي نعيش فيه، ولا مع طبيعة التطور الذي أصبحت تعرفه البشرية، ولا مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ولا مع طموحات الشعوب في التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.
5) وزارة التربية الوطنية، التي أصبحت لا تشتغل إلا على خوصصة التعليم، وإفراغ المدرسة العمومية من محتواها، وجعل الأجيال الصاعدة تواجه المصير المجهول: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يجعل الأجيال الصاعدة، ذكورا، وإناثا، مستهدفة بهمجية الرأسمال، الذي لا يعرف إلا افتراس العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين والكادحات، مستعينة على ذلك، بمن تفرزهم المدارس العمومية، والخصوصية، ممن صاروا يسمون أنفسهم بالأطر، التي ليست إلا منظمة للاستغلال المادي، والمعنوي، لصالح همجية الرأسمال، مما يجعلهم جزءا لا يتجزأ من تلك الهمجية، التي تمكنهم من نصيبهم من كعكة الاستغلال، في إطار رفع أجورهم، وتقديم التعويضات المختلفة لهم، بالإضافة إلى امتيازات أخرى. فهذه الوزارة، لا تلزم الأكاديميات، بالقيام بدورها تجاه المديريات الإقليمية، التي يصبح من واجبها محاصرة عملية التدعيش، التي تسري في مختلف المؤسسات التعليمية، ومن قبل مدرسين، يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدين الإسلامي، مع أنهم لا يتجاوزون أن يقوموا بالمهام الموكولة إليهم.
6) الحكومة المغربية، باعتبارها حكومة مسؤولة أمام الشعب، وتدعي أنها حكومة شرعية، بناء على أغلبية الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية، الذي أصبح أمينه العام، منذ الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها، في أواخر سنة ،2011 رئيسا للحكومة، طبقا لدستور فاتح يوليوز 2011 الممنوح، مما يجعله يتمتع بسلطات معينة، وفي إطار التحالف مع أحزاب أخرى، والتي تخلى فيها رئيس الحكومة عن كل الوعود التي قدمها في حملات الحزب المختلفة، وفي مقدمتها محاربة الفساد، الذي لم يعد واردا في فكر، وفي ممارسة رئيس الحكومة، الذي أصبح يتمسك ب(عفا الله عما سلف)، التي استعارها من القرءان الكريم، موظفا ذلك في مجالات لا علاقة لها به، مما جعل الحكومة تتحول إلى قائدة للتحريض ضد الشعب، وضد كادحاته، وكادحيه، وكافة بناته، وأبنائه، وخادمة أمينة للرأسمال التابع، الذي يصب في جيوب الفاسدين، الناهبين لثروات الشعب المغربي، وللمصالح المخزنية. إن هذه الحكومة تخلت وبصفة نهائية عن المدرسة العمومية، وساهمت في إفسادها، وعملت على تشجيع التعليم الخصوصي، الذي أصبح يتمتع بامتيازات كبيرة. وهو ما ترتب عنه تسليع خدمة التعليم، الذي أصبح يمارس الابتزاز على جيوب أرباب الأسر، في الوقت الذي يضطر فيه أبناء العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى ولوج أبواب المدرسة العمومية، التي أفرغت من محتواها العلمي، والمعرفي، والتربوي، والتواصلي مع المحيط.
7) الدولة باختياراتها الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، تكون هي كذلك مسؤولة عن جعل التعليم، والمدرسة العمومية، في خدمة الاختيارات المذكورة، مما جعلها عاجزة عن أن تصير في خدمة جودة تعليم أبناء الشعب المغربي، وتأهيلهم لتحمل مختلف المسؤوليات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهو ما أدى، بالضرورة، إلى تخريب المدرسة العمومية، وانهيار جودة الأداء، لدخول التعليم الخصوصي على الخط، والظهور بمظهر الأداء الجيد، الذي جعل من يلجه، ينال نتائج جيدة، تؤهله للالتحاق بالمدارس العليا داخل المغرب، وخارجه، وأن التكوينات التي تهم مصالح الرأسمال، والرأسماليين، وتقف وراء تحقيق الأرباح الهائلة، التي يترتب عنها استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في مقابل إغداق الامتيازات على الأطر، التي تخرجت من المدارس الخصوصية. ومعلوم أن الامتيازات التي تعتمدها الدولة لصالح المدارس الخصوصية، هي صاحبة المسؤولية الأولى فيما آلت إليه المدرسة العمومية.
وبذلك نجد أن مسؤولية ما آلت إليه المدرسة العمومية، التي تحولت إلى مشتل لاستنبات الدواعش، تتحمل مسؤوليته المراقبة التربوية، التي تقف على الخلل القائم، ولا تفعل شيئا، بالإضافة إلى مسؤولية المشرفين على المؤسسات التعليمية، الذين لهم علم كامل بما يجري في المؤسسات، التي يشرفون عليها، ولا يعملون على محاصرته، والحد منه، أو رفع تقارير في الموضوع، على الأقل، إلى الجهات المسؤولة، حتى تتخذ اللازم، وإلى جانب المسؤولين عن المؤسسات، هناك المديريات الإقليمية، التي لا تقوم بدورها، إلى جانب الأكاديميات، والوزارة، والحكومة، والدولة، باختياراتها الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية.
فهل تتحرك الجهات المعنية: المحلية، والأقليمية، والجهوية، والوطنية، من أجل وضع حد لتحويل المؤسسات التعليمية، إلى مشاتل لاستنبات الدواعش من صفوف التلميذات، التلاميذ؟
هل تعمل على إلزام الأساتذة بالالتزام بالمقرر، وعدم إقحام التلميذات، والتلاميذ، فيما لاشأن لهن، ولهم به؟
هل تحرص على وضع حد لتحريض التلاميذ ضد أساتذتهم الذين لا يعملون على استنبات الدواعش، إلى درجة تكفيرهم؟
هل تسعى إلى إعادة النظر في البرامج، والمناهج الدراسية، لتنقيتها من كل ما يساعد على استنبات الدواعش؟
هل تقبل على إعادة تكوين الأساتذة في المستويات التعليمية المختلفة، التزاما بمبدأ التكوين المستمر، الذي تفرضه شروط تطور العملية التعليمية التعلمية التربوية؟
هل الأستاذ في أي مستوى من المستويات مرب، أومعلم، أو هما معا؟
إننا عندما نطرح ما عليه مؤسساتنا التعليمية، لا نسعى إلا إلى الحفاظ على اعتبار هذه المؤسسات التعليمية تربوية كذلك، ولا نقدم فيها للتلاميذ والتلميذات إلا ما يساهم في بلورة شخصية كل منهم، وكل منهن، على المستوى العلمي، والمعرفي، والفكري، والتربوي / السلوكي، ليصير كل فرد، تلميذا كان، أو تلميذة، عنصرا فاعلا في المجتمع، مما يخدم المصلحة العامة، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. أما أن نجعل منها مؤسسات لاستنبات الدواعش، فلا علاقة له بالتعليم، والتربية.