كاظم فنجان الحمامي
حتى الحجر الصوان يمكن أن يتجاوب ويتأثر بظروف التعرية الجيولوجية، أو يخضع للتشكيل بمطارق المبدعين وأزاميل الموهوبين، فيتحول في غضون بضعة أيام إلى تحفة فنية جميلة. يصنعها النَحّات البارع بأنامله ومن وحي خياله، وربما تصبح من الروائع الخالدة في واحات المتعة والجمال، فتتزين بها صالات العروض، وتتجمل بها الساحات والمتاحف، لكنك لن تجد أي فرصة للتغيير في المؤسسات العراقية المتحجرة الواقعة بين مخالب الكيانات اللاهثة وراء سراب استملاك الحصص الوظيفية، ولن تعثر على أي فرصة للتطوير في نهاية النفق الإداري المظلم، الذي نمر به الآن في ظل الفوضى والتخبط، وفي ظل غياب التوصيف الوظيفي والنوعي، وفي ظل سياسات التهميش والإقصاء والاستبعاد.
لقد أثبتت الوقائع الملموسة أن لا مجال في مؤسساتنا لأصحاب المهارات وأصحاب الكفاءات، فالشخص المناسب لا مكان له البتة في المواقع الإدارية المتلائمة مع تخصصه، بل صرنا نسمع عن صفقات بيع وشراء المواقع، وجاء اليوم الذي صار فيه المبدع الذكي في خدمة الجاهل الغبي، فقد انقلبت المعايير رأسا على عقب، وتغيرت الموازين في أسواق المزايدات الوظيفية، بعدما تحولت المحاصصة الطائفية إلى ممتلكات وظيفية، وأصبحت حقول الاقطاع الوظيفي في مقدمة الأهداف الاقطاعية لمعظم الكيانات المتلهفة للاستحواذ على عقود المقاولات السخية، وربما تحولت المناصب التنفيذية العليا إلى دكاكين ربحية تعود بالنفع الكبير للجهات المهيمنة عليها، وهكذا جنحت بنا الأمور من السيء إلى الأسوأ، فانحرفت بوصلة الإنتاج نحو المستويات المتدنية، وصارت الوصولية والانتهازية سلوكاً مقبولاً من سلوكيات التسلق الوظيفي بأساليب القرود والسعادين. حتى باتت هذه الممارسات الإدارية المرفوضة هي الصورة المعبرة عن أبشع تداعيات الفساد المستشري في عموم المؤسسات العراقية، وربما أصبحت من الثوابت المؤلمة بكل ما تحمله معها من مؤثرات سلبية – مباشرة وغير مباشرة.
وبالتالي فأن الفشل الذريع بات هو المحصلة النهائية لمجمل المشاريع البليدة، التي تبنتها الكيانات الحزبية المتنفذة، وآمنت بها المكونات السياسية المتسلطة، فلا أمل لنا بعد الآن في التطوير والتجديد والتحديث، بل لا أمل في النهوض، والخروج من قعر التردي، ومن ثم الانطلاق نحو الآفاق التي بلغتها الأقطار المؤمنة بعدالة التوصيف الوظيفي.
قد يقول قائل منكم: إنها نظرة تشاؤمية لا تعكس الصورة الحقيقية للنجاحات المزعومة، التي حققتها مؤسساتنا في شتى المجالات، فنقول له: هات لنا مثالا حياً لمؤسسة عراقية تفوقت على أي مؤسسة خليجية أو إيرانية أو تركية مشابهة لها في الاختصاص، حتى لو كانت تلك المؤسسة الخليجية من المؤسسات التي تأسست حديثاً، وهات لنا صورة واحدة من صور الانجازات المتحققة حتى الآن في أي مجال من المجالات الانتاجية أو التشغيلية أو التعليمية أو الخدمية.
نحن يا سادة يا كرام نعالج مرضانا الآن في الهند وإيران ولبنان، ونشرب المياه المعبئة في معامل البلدان المتصحرة، ونشتري وقود سياراتنا من مصافي الإمارات، ونلبس الثياب المصنوعة في الصين، ونأكل البطاطا السعودية والجزر الكويتي. بينما تتناقل الفضائيات العالمية أخبار شبابنا الذين ابتلعتهم الأمواج، وأغرقتهم قوارب الموت بين الصخور القبرصية والسواحل اليونانية.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين