متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الثلاثاء 19 . 04 . 2016 — منذ تولي سلمان العرش في 23 يناير 2015 والصحافة الغربية (الأميركية والأوروبية) لا تتوقف عن توجيه انتقادات شديدة للنظام السعودية، وتدعو في الوقت نفسه الى ضرورة مراجعة العلاقة مع النظام السعودي على خلفية ضلوعه في دعم الارهاب من خلال ايديولوجيته الوهابية المتطرّفه وتمويله للجماعات الارهابية، وأيضاً لانغماسه في حرب عدوانية في اليمن، وانتهاكاته السافرة لحقوق الانسان.
وبحسب المراقبين، فإن ثمة لغة جديدة في العاصمة الاميركية حول مراجعة العلاقة مع الرياض، وأنها تعكس بأمانة عالية ما يدور في دوائر البيت الأبيض ومن المقرّبين من الرئيس باراك أوباما. وبرغم من التوافق على أن العائلة المالكة في شبه الجزيرة العربية لا تزال تشكّل خياراً بالنسبة للولايات المتحدة الا أن ثمة توجّهاً ملحّاً لدى صقور الديمقراطيين والجمهوريين على السواء بضرورة إحداث تغييرات بنيوية في النظام السعودية كيما يكون أكثر قبولاً لدى شعبه ومقبولاً في الدوائر الاميركية أيضاً.
كتب الباحث في معهد «كايتو “Doug Bandow” مقالة في 27 يناير الماضي نشرت على موقع “National Interest” حملت عنوان «على اميركا ان تتوقف عن طمأنة السعودية»، أشار فيها الى محاولة وزير الخارجية الاميركي جون كيري طمأنة القادة السعوديين خلال زيارته الرياض بأن «لا شيء تغيّر» نتيجة الاتفاق النووي مع ايران.
وشدّد الكاتب على أن واشنطن كانت ترى في الرياض خلال الاعوام الأخيرة جزء لا يتجزأ من نظام سياسة الاحتواء ضد ايران، مضيفاً ان المخاوف الاميركية من انتشار الثورة الاسلامية حول المنطقة شجعت أميركا على احتضان السعودية وحلفائها مثل البحرين، حيث «الغالبية الشيعية تحتجز رهينة لدى ملك سني يدعمه الجيش السعودي».
غير أن الكاتب رأى ان هذه الحجة لدعم العائلة الملكية السعودية لم تعد صالحة، وأعرب عن اعتقاده بالوقت نفسه بأن النظام السعودي يعارض ايران لأسبابه الخاصة، وليس من اجل مساعدة اميركا.
كما لفت الكاتب الى أنه وخلافاً للسعودية، تجري الانتخابات في ايران ويتمتع البلد بتنوع ديني ويسمح فيه بالنقاش السياسي. واعتبر أن تغييرالعلاقات الاميركية مع ايران قد يحسّن بشكل دراماتيكي ديناميكية المنطقة.
وشدّد الكاتب على أنه ومهما كانت «المكاسب المزعومة» للتحالف مع السعودية، فإن أميركا تدفع ثمن باهظاً مقابلها. و تحدّث بهذا السياق عن توفير اميركا «حراس شخصيين مجاناً» للعائلة الملكية السعودية، إضافة الى دعم واشنطن الحرب السعودية «غير الشرعية» في اليمن والتزامها بإطاحة الرئيس السوري بشار الاسد «بناء على توصية الرياض»، مشدّداً في الوقت نفسه على أن القوات التابعة للاسد هي الأكثر قوة تحارب داعش، التي تعد بدورها أكثر خطورة بكثير (من نظام الاسد) برأي الكاتب.
وانتقد الكاتب أيضاً مساعدة الرياض على قمع الشيعة في البحرين وتمويلها المدارس المتطرفة حول العالم التي تنشر الفكر المتطرف، وشدّد على أن المال السعودي هو الذي دعم القاعدة وعلى أن أغلب منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانوا مواطنين سعوديين. ورجّح أن مثل هذا الدعم من قبل مواطنين سعوديين للتطرف يتواصل، مضيفاً أنه ورغم ذلك تقوم واشنطن بحماية المملكة وترفض الكشف عن مقاطع التقرير حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تتناول التمويل السعودي للارهاب.
كما أكد الكاتب ان سلوك الرياض خلال الاعوام القليلة الماضية أصبح مضرّاً اكثر للمصالح الاميركية، حيث تضغط المملكة لاطاحة الاسد من دون ان تبالي بمن سيخلفه. وقال ان الرياض دعمت وسلّحت العديد من الجماعة المسلحة في سوريا، كما اتهم الرياض بتحويل الوضع في اليمن الى نزاع طائفي وبارتكاب جرائم حرب والتسبب بكارثة انسانية.
كذلك اتهم الكاتب الرياض باشعال «الاحتجاجات الطائفية في البحرين وايران و العراق و لبنان»على حد قوله، وذلك من خلال اعدام الشيخ نمر النمر. وقال ان قطع الرياض العلاقات الدبلوماسية مع ايران يقوض المحادثات الرامية الى تسوية الحرب في سوريا.
وشدّد الكاتب على ضرورة أن توقف واشنطن دعمها و طمأنتها للعائلة الملكية السعودية، وأكد على أهمية فك ارتباطها العسكري عن السعودية، خاصة الحرب التي تشنها الاخيرة في اليمن.
وتحدث الكاتب عن ضرورة وجود علاقة جديدة «أكثر طبيعية» بين الولايات المتحدة والسعودية، مضيفاً انه لا ينبغي أن يكون لواشنطن أية أوهام حول طبيعة النظام السعودي. وقال إن على الحكومتين التعاون عندما يكون ذلك مفيداً وان تختلفان عندما يكون ذلك مطلوباً. وأشار في هذا السياق الى سيناريو بيع واشنطن الاسلحة الى الرياض لكن من دون أن توفر لها حراس شخصيين. كما شدّد على أن واشنطن يجب ان لا تكترث لمن يحاولون تثبيطها في محاولة انشاء علاقات أفضل مع ايران، وعلى ضرورة العودة الى «التوازن» في السياسة الاميركية بالشرق الاوسط.
هل آن أوان تخلي واشنطن عن آل سعود؟
جوش كوهين، مسؤول سابق في مشروع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والذي كان له دور في إدارة مشروعات الاصلاح الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي السابق كتب مقالاً في 4 فبراير الجاري لوكالة رويترز فيما يلي نص المقال:
بعد ما أقدمت عليه السعودية في الآونة الأخيرة من إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر أصبح الشرق الأوسط من جديد عرضة للإنحدار إلى الفوضى الطائفية. إذ أشعل حشد من الغوغاء النار في السفارة السعودية في طهران مما دفع السعودية وعدداً من حلفائها من السنّة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
ورداً على ما بدأ يتكشف من فوضى تساءلت صحيفة وول ستريت جورنال «من ضيّع السعوديين؟» مبدية بذلك سخطها لأن غياب الدعم من جانب الولايات المتحدة قد يؤدي إلى الإطاحة بالنظام السعودي. وهو تساؤل استفزازي يذكّر بالانتقادات التي وجه فيها التساؤل «من ضيّع الصين؟» للرئيس هاري ترومان بعد استيلاء الشيوعيين على السلطة في الصين عام 1949.
لكن هذا هو السؤال الخطأ. فبدلاً من التساؤل عما إذا كان دعم واشنطن للرياض كافياً يجب على المسؤولين عن رسم السياسات الأمريكية أن يوجّهوا لأنفسهم السؤال التالي: هل حان الوقت كي تتخلى الولايات المتحدة عن السعودية؟
الدواعي الأخلاقية التي تجعل الولايات المتحدة تتساءل عن علاقتها الوثيقة مع السعودية جلية. فالسعودية يحكمها بيت سعود في مملكة سلطوية لا تتساهل مع المعارضة كما أن هذا البلد يحتل على الدوام مرتبة «أسوأ الأسوأ» بين الدول في المسح السنوي للحقوق السياسية والمدنية الذي تنشره مؤسسة فريدم هاوس.
وتتبع السعودية المذهب الوهابي الذي يتّصف بالغلو في التشدد في الإسلام السني كما أن الممارسة العلنية لشعائر أي دين بخلاف الإسلام محرمة. وتحكم الشريعة نظامها القانوني وقد أوضحت دراسة أجراها عام 2015 موقع ميدل ايست آي الإخباري أن السعودية وتنظيم الدولة الإسلامية يفرضان عقوبات شبه متطابقة مثل بتر الأيدي والرجم بالحجارة لجرائم متماثلة. وتشتهر الحكومة أيضا بالإعدامات العلنية بعد محاكمات تندد بها منظمة العفو الدولية وتصفها بأنها «مجحفة إجمالا». وتصف منظمة العفو النظام القضائي السعودي بأنه «مليء بالثغرات”.
وفي ضوء التباين في قيم الدولتين يعتمد التحالف الأمريكي السعودي اعتمادا كاملا تقريبا على مصالح متداخلة تتعلق بالاقتصاد والأمن الوطني. ولفترة طويلة اعتمدت الولايات المتحدة على السعودية كمورد للنفط ومنارة صامدة في وجه الشيوعية ومشتر لكميات ضخمة من السلاح الأمريكي. وفي الوقت نفسه يعتمد السعوديون على الولايات المتحدة في حماية أمنهم. رغم هذه العلاقات القديمة فإن السعودية تلحق الضرر الآن بالمصالح الوطنية الأمريكية بقدر ما تفيدها.
باديء ذي بدء تختلف السعودية والولايات المتحدة على السياسة الأمريكية تجاه إيران. وترى السعودية نفسها طرفا في صراع طائفي وجيوسياسي مع إيران من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط. وتخشى الرياض أن يؤدي الاتفاق الذي رفع العقوبات المفروضة على إيران مقابل قيام طهران بتقليص بنيتها التحتية النووية إلى تمكين إيران من اتباع سياسة خارجية أكثر تأكيدا للذات في المنطقة. كذلك تخشى الرياض أن تتخلى واشنطن عنها وأن يكون الاتفاق النووي مجرد الخطوة الأولى في عملية قد تؤدي إلى إبدالها بإيران في مركز الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الخليج الفارسي.
وعلى النقيض يصف الرئيس باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران بأنه «اتفاق جيد جداً» ويقول إنه «يحقق واحدا من أهم أهدافنا الأمنية”. ورغم أنه لا يوجد مؤشر على أن الولايات المتحدة تسعى لإبدال السعودية بإيران فمن المنطقي أن تستكشف واشنطن المجالات الأخرى التي يمكن للمصالح الأمريكية والإيرانية أن تتلاقى فيها. ومع استمرار هذا الاستكشاف المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران يمكننا أن نتوقع تنامي التوترات بين واشنطن والرياض.
ثانياً أعدمت السعودية الشيخ نمر النمر رغم المخاوف التي أبدتها الولايات المتحدة من أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالسلام في سوريا. وما زال وضع نهاية للحرب السورية يمثل أولوية عند الولايات المتحدة إذ ترجو واشنطن أن تدفع تسوية سورية كل الأطراف للاتحاد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وتؤيد كل من السعودية وإيران طرفا مختلفا في الحرب الأهلية السورية وتتوقف احتمالات السلام بدرجة كبيرة على التعاون بين البلدين. ومع الخلاف الشديد الآن بين الجانبين بسبب إعدام السعودية للنمر تعتقد إدارة أوباما أن التوترات السعودية الإيرانية قد «تنسف» أهداف واشنطن في سوريا.
ثالثاً وبفضل طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة انخفض الاعتماد الأمريكي على النفط السعودي انخفاضا كبيرا. ويوضح تقرير من سيتي بنك أن الولايات المتحدة قد تنتج محلياً من النفط بحلول عام 2020 ما قد يجعلها مصدراً صافياً الأمر الذي يحررها بالكامل من أي اعتماد على الواردات من الخليج الفارسي. وعلاوة على ذلك يعتمد السعوديون على السوق الأمريكية. إذ ينتجون هم وكثيرون من الأعضاء الآخرين في منظمة أوبك ما يسمى بالخام «الكبريتي الثقيل» وشبكة التكرير الأمريكية تمثّل أكثر الأسواق إغراء لهذا النوع من النفط. ومع تقليل الواردات الأمريكية يتعيّن على السعوديين البحث عن أسواق أخرى مثل الصين. ومن سوء حظ الرياض أن الصينيين لا يتنازلون شبراً عندما تكون لهم اليد العليا في المفاوضات وهو ما يمكن للروس أن يشهدوا به.
يدرك السعوديون عواقب تقليل اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد. وللحفاظ على حصتهم من السوق شن السعوديون هجوما على منتجي النفط الصخري الأمريكي على أمل تعطيلهم عن العمل وذلك بإغراق السوق بالنفط السعودي. ويأمل السعوديون أن يدفع ذلك أسعار النفط للتحسن لكن جانباً كبيراً من صناعة النفط الصخري الأمريكية قد يواجه الإفلاس في غضون ذلك. ورغم أن رخص النفط أمر في صالح المستهلكين الأمريكيين فإن سلبياته للاقتصاد الأمريكي قد تفوق إيجابياته عند نقطة معينة. وبالطبع إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاعتماد بدرجة أكبر على النفط الأجنبي فسيكون السعوديون هم المستفيدون.
وأخيراً وأهم من كل ما سبق على الولايات المتحدة أن تقبل كون السعودية مساهماً رئيسياً في التطرف الإسلامي على مستوى العالم. ويفهم المسؤولون عن رسم السياسات في واشنطن ذلك بكل وضوح. ففي برقية مسرّبة نشرها موقع ويكيليكس قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة – المرشحة الآن لخوض سباق انتخابات الرئاسة – «إن المتبرعين في السعودية يشكلون أبرز مصدر لتمويل الجماعات الإرهابية السنية على مستوى العالم.”
وفي خطاب ألقاه جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي في جامعة هارفارد عام 2014 قال إن السعودية ودولاً أخرى تسهم في صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية وأضاف أن «سياسات هؤلاء الحلفاء تنتهي إلى المساعدة في تسليح وتدعيم حلفاء القاعدة والدولة الإسلامية الإرهابية في نهاية الأمر”. وفي توبيخ غير معتاد في ديسمبر كانون الأول الماضي اتهم زيجمار جابرييل نائب المستشارة الألمانية السعوديين بتمويل الإرهاب في الغرب. وقال جابرييل «السعودية تموّل المساجد الوهابية في جميع أنحاء العالم. وكثير من الإسلاميين الذين يمثّلون خطراً على السلامة العامة يأتون من هذه الطوائف في ألمانيا. وعلينا أن نوضح للسعوديين أن وقت تجاهل الأمر قد انتهى.”
وتنفي السعودية تمويل التطرف وفي عام 2014 وصفت اتهامات بدعم الدولة الإسلامية بأنها «مزاعم زائفة» و»افتراء ظالم”.
وعلاوة على ذلك نشر السفير السعودي لدى المملكة المتحدة في الآونة الأخيرة رسالة تتهم المنتقدين بأنهم يلعبون «لعبة إلقاء اللوم» ووصف الاتهامات بأنها «إهانة لحكومتنا وشعبنا وديننا». ومع ذلك فجابرييل على حق وقد آن الأوان كي يلقي المسؤولون عن رسم السياسات في واشنطن نظرة فاحصة على مستقبل العلاقة الأمريكية السعودية في الأجل الطويل.
مرآة الجزيرة