أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / الإسلام / الإرهاب … أية علاقة؟

الإسلام / الإرهاب … أية علاقة؟

السيمر / الأربعاء 20 . 04 . 2016

محمد الحنفي / المغرب

لقد تعود الناس في العقود الأخيرة – على الأقل – أن يربطوا بين الإسلام، والإرهاب كنتيجة للخلط القائم في الأذهان بسبب ما يحصل في العديد من دول المسلمين وفي غيرها. والواقع أن هذا الربط مغلوط من أساسه. وسنبين ذلك من خلال معالجتنا لمفهوم الإسلام، ومفهوم الإرهاب، وطبيعة العلاقة القائمة بينهما:
وهل هي علاقة تجاذب، أم علاقة تناقض؟
متسائلين:
هل يصح اعتبار الإسلام الحقيقي إرهابيا؟
ولماذا لا يعتبر التأويل الأيديولوجي للنص الديني هو الذي يدفع المسلمين إلى ممارسة الإرهاب على بعضهم البعض؟
وما هي السبل التي تؤدي إلى عدم التوظيف الأيديولوجي المؤدي إلى ممارسة الإرهاب على الآخر، حتى نتبين الحقيقة، ونقف على أن الدين الإسلامي جاء ليقضي على أسباب الإرهاب المادي، والمعنوي؟
فحقيقة الإسلام تقتضي أن يسود السلام بين المسلمين، وبينهم، وبين غيرهم من المعتنقين للديانات السماوية الأخرى.
وسيادة السلام تقتضي إجراء الحوار الهادف بين المسلمين حول القضايا الخلافية، والاختلافية، وصولا إلى خلاصات تتحقق معها وحدة المسلمين على اختلاف ألسنتهم، وألوانهم، وتباعد أقطارهم، وتدفع بهم إلى البحث عن سبل تجنب ممارسة الإقصاء على غير المسلمين، بالسعي إلى تجنب الخوض في أمور دينهم، وتوفير شروط ممارستهم لحريتهم العقائدية.
فالإسلام، كدين انتشر على أساس الحوار، والإقناع، والاقتناع: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة”. وهو لا يسعى أبدا إلى محاربة العقائد الأخرى، بل يتحاور معها، ويحترمها، ويشاركها أهدافها، مادامت توحد عبادة الله تعالى: “يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله”.
وإذا كان هذا هو سلوك المسلمين الذين تلقوا تربية روحية سليمة، انطلاقا من الدين الإسلامي الحنيف، تجاه غير المسلمين من أهل الكتاب، واتجاه من لا دين لهم، فإن احترام المسلمين يكون أولى، كيفما كان الاختلاف معهم، و كيفما كانت تأويلاتهم للنصوص الثابتة من الكتاب، والسنة، ومهما كان المذهب الذي يقتنعون به. وهو ما يجيز لنا أن نقول: بأن الدين الإسلامي هو دين السلام. والسلام يعني تجنب إلحاق الضرر بالغير، مع سبق الإصرار، والترصد، سواء كان ذلك الضرر ماديا، أو معنويا. وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية، التي تنهى عن ذلك. فقد ورد في القرآن الكريم “ومن يقتل نفسا بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.
فالسلام، إذن هو منهج إسلامي سام، في إطاره يمكن الحفاظ على سلامة الإنسان ماديا، ومعنويا. وهو ما أصبحت تسعى إليه المنظمات الدولية، والجمعيات المختصة، سعيا إلى حماية البشرية من الأضرار التي تلحقها. والسلام نقيض الإرهاب، الذي يتفق الجميع على مناهضته، مهما كان مصدره.
والإسلام كإيمان، يرسخ في سلوك المسلمين مبدأ السلام، لأن الإيمان يقود إلى تحقيق أمرين اثنين في نفس الوقت:
الأمر الأول: الإمساك عن إلحاق الضرر بالغير كيفما كان جنسه، أو دينه، أو لغته. فقد جاء في الحديث النبوي الشريف “والله لا يومن، والله لا يومن، والله لا يومن. قيل من يا رسول الله، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه”. وذكر الجار في هذا الحديث بدون ربطه بعقيدة معينة، أو بجنس معين، أو بلغة معينة، يحقق، في نظرنا، مستوى ساميا من التفكير السليم، و يعكس منهج المعاملة التي يجب أن يتحلى بها المسلم المومن، أما غير المومن، فقد يمارس سلوكا مخالفا يتناقض مع مبدأ السلام، يستحق عليه اللوم. فقد جاء في القرآن الكريم: “قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم”. و من هذه الآية يمكن أن نستخلص أن الإيمان الحقيقي يمنع صاحبه من ممارسة الإرهاب ضد المسلمين، وغير المسلمين. وهو ما يدفعنا إلى القول: بأن المسلمين الذين يمارسون الإرهاب ضد المسلمين، وغير المسلمين، بدون موجب حق، ينتفي عنهم الإيمان، وخاصة في صفوف الذين يدعون وصايتهم على الإسلام، والذين اخترنا تسميتهم ب “المتنبئين الجدد”، الذين يصدرون الفتاوى، تلو الفتاوى، من أجل استئصال جذوة الإيمان من قلوب المسلمين، لتحل محلها الأيديولوجيا القابلة لممارسة الإرهاب المادي، والمعنوي على المخالفين من المسلمين، وغير المسلمين، ممن يسعون إلى بث التنوير بين الناس، ونشر أشكال الوعي بينهم.
و الأمر الثاني: هو الدفاع عن المسلمين، والعمل على حماية بلاد المسلمين من الهجمات التي يمارسها غير المسلمين على ديار المسلمين، كما حصل في صدر الإسلام، وفي كل العصور، وكما يمارس الآن ضد الفلسطينيين من الصهاينة. فالإيمان الحقيقي إذا لم يدفع بصاحبه إلى مناهضة ما يمارس ضد المسلمين، وحماية ديارهم، يعتبر لاغيا، وهو ما يمكن أن نستلهمه من الآية الكريمة: “والمومنون، والمومنات بعضهم أولياء بعض”.
وتاريخ الإسلام مليء بالمحطات المعبرة في هذا الإطار. فإذا استثنينا الغزوات التي كانت تهدف إلى جلب المزيد من الغنائم، فإن ما قام به المسلمون من فتوحات كان يهدف إلى حماية ديار الإسلام، والدفاع عن المسلمين، وهو ما ينفي كون انتشار الإسلام على أساس حد السيف.
والفرق بين الإيمان و الأيديولوجية هو:
1) أن الإيمان يقف عند حدود الدفع من أجل الدفاع بالقول “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة”، وبالقوة “واعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل” عن الإسلام و حماية ديار المسلمين، ولا يتجاوز ذلك إلى شيء آخر. وجميع المسلمين المومنين يتساوون في الاستجابة، لأنهم يغارون على دينهم وعلى بلادهم.
2) أن الأيديولوجية لا يهمها الدفع في اتجاه الدفاع عن الإسلام، وحماية المسلمين، بقدر ما تدفع في اتجاه الوصول إلى امتلاك ناصية الدولة باسم الدين الإسلامي، الذي يتحول إلى مجرد أيديولوجية، من أجل حماية المصالح الطبقية لحاملي تلك الأيديولوجية. فإخضاع المسلمين، وغيرهم لسلطة “الدولة الدينية”، يعتبر شرطا لاستتباب الأمن الذي لا يتوفر إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية، التي تصبح خير وسيلة قمعية لإخضاع مناهضي “الدولة الدينية”.
ولذلك نجد أن الإيمان الخالص يلعب دورا كبيرا في إخلاص العبادة لله، دون خلفية أيديولوجية، وفي حماية الإسلام، والمسلمين، بناء على قاعدة الحديث الشريف الذي يقول “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الإيمان”.
و العلاقة القائمة بين الإسلام و الإيمان هي علاقة تجاذب و تنافر في نفس الوقت، لأنه ليس كل مسلم مومنا، في الوقت الذي يعتبر كل مومن مسلما، لأن ” الدين عند الله الإسلام” كما ورد في القرآن الكريم، و لقوله تعالى “قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم”
فهي تكون علاقة تجاذب عندما يحترم المسلمون روح الدين الإسلامي، و يسعون إلى تحقيق سلامة الإنسان عن طريق الابتعاد عن إلحاق الضرر به و احترام قناعاته الدينية و الأيديولوجية، و الكف عن الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي.
و تكون علاقة تنافر عندما لا يكون المسلمون مومنين، و يسعون إلى إرهاب الآخر، و إلحاق الأذى به، لأن انعدام الإيمان، أو ضعف المساحة التي يشغلها، يفسح المجال للاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي. ذلك الاستغلال الذي يحول الإسلام إلى دين للتسلط و القهر و ظلم المسلمين، أي دين للإرهاب، إرهاب الأفراد و إرهاب الجماعات، و إرهاب الدولة الذي يلحق المسلمين. و هو ما يحدث تنافرا بين الإسلام و الإيمان الذي يجنح صاحبه إلى السلم ” و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله “.
و هكذا نجد أن الإسلام عندما يشحن بحمولة الإيمان الصادق يصير سلاما يستقطب المزيد من المقتنعين به المعتنقين له من مشارق الأرض و مغاربها. أما عندما يفتقر إلى حمولة الإيمان يتحول إلى ممارسة أيديولوجية منتجة لكافة أشكال الإرهاب المادي و المعنوي الذي ينفر الناس من الإسلام و هو ما يتنافى مع حقيقته.
و الواقع أن الإسلام عندما يتحول إلى مجرد أيديولوجية يقود إلى ممارسة أشكال الإرهاب المادي و المعنوي لاعتبار واحد و وحيد و هو توظيف الدين الإسلامي لخدمة المصالح الطبقية للمتنبئين الجدد من الفقهاء الذي يسعون إلى فرض ولايتهم على المجتمع ككل، سواء كانت تلك الولاية مباشرة أو عبر خدمة الفقهاء لنظام استبدادي معين.
و الإرهاب الذي يمارسه المؤدلجون للدين الإسلامي يعني في عمقه ممارسة الإقصاء على الآخر الذي يتخذ عدة مستويات :
1) مستوى التكفير الذي يسود في إطاره اعتقاد المتنبئين الجدد انهم وحدهم المومنون و من سواهم لا إيمان لهم، و المقياس المعتمد هو الانتماء إلى أيديولوجية المتنبئين الجدد أو عدم الانتماء إليها. و هو ما يكسب هؤلاء شرعية الجهاد في سبيل الله الذي لا يعني في عمقه إلا إرغام الناس و بكافة الوسائل على الخضوع لارادة المتنبئين الجدد.
2) مستوى التفريق بين أفراد المجتمع، فمنهم “المومنون” المنساقون وراء المتنبئين الجدد، المنخدعون بأيديولوجيتهم التي يسمونها “إسلاما” و منهم “الكافرون” الذين يرفضون الانسياق وراء المتنبئين الجدد حتى و إن كانوا مومنين فعلا بحقيقة الإسلام و عاملين على الدفاع عنه و حماية المسلمين.
و في إطار هذا المستوى يسعى المتنبئون الجدد إلى عملية التحريض المستدامة التي يسمونها “جهادا” فينشب صراع بين “المومنين” و “الكافرين” على المستوى الأيديولوجي ثم على المستوى السياسي لينتقل بعد ذلك إلى مستوى التصفية الجسدية كما يحصل في العديد من البلدان الإسلامية و كما حصل في لبنان من قبل.
3) مستوى التضحية الجسدية حيث يدخل المتنبئون الجدد في التخطيط لتصفية الرموز و الشخصيات المؤثرة و القائدة لعملية بث الوعي الحقيقي الذي يعرقل المد الأيديولوجي للمتنبئين الجدد. و الرموز المستهدفة تكون سياسية و فكرية كما هو الشأن بالنسبة للشهداء : عمر بنجلون، و مهدي عامل، و حسين مروة، و سهيل طويلة، و فرج فودة، و القائمة طويلة. و قد ينتقل الأمر إلى تصفية الجماعة بكاملها كما يحصل في الجزائر.
و هذا النوع من الإرهاب يعتبره المتنبئون الجدد بمثابة قربان “يتقربون به إلى الله تعالى” و كأن الله أوكل إليهم أمر المسلمين يفعلون بهم ما يشاؤون كما حصل في كل مراحل تاريخ المسلمين.
و بناء على هذه المستويات الثلاثة يمكن أن نصنف الإرهاب إلى :
1) إرهاب مادي يهدف إلى إلحاق الضرر بالمخالفين و هذا الضرر يبتدئ بسلب الأموال باعتبارها “غنيمة” و يصر على استعمال الضرب و الجرح المؤدي إلى الإعاقة أو الموت، ثم ممارسة الاغتيال بكل الوسائل المادية الممكنة.
2) إرهاب معنوي يستهدف تشويه القناعات الإنسانية المختلفة بما فيها القناعة الإسلامية التي تخضع لأدلجة المتنبئين الجدد، فيتم وصفها بأوصاف لا علاقة لها باحترام الرأي الآخر و لا باحترام القناعات، و عبر جرائد و كتب المتنبئين الجدد. فأصحاب القناعات المخالفة كفرة و ملحدون و زنادقة و علمانيون (للتحقير) أو لائكيون، و متغربون، و عملاء للصهاينة و غير ذلك من الأوصاف القبيحة التي لا يناسب استعمالها أناسا يدعون وصايتهم على الإسلام.
3) إرهاب فكري ينصب على البحث في الأفكار و محاولة إيجاد منفذ لوصف أصحابها و حامليها بالإلحاد و الزندقة و الكفر من اجل تنفير الناس من الأفكار المتنورة التي ينشرونها عبر كتبهم و مقالاتهم. و هذا النوع من الإرهاب قد يكون مبطنا بالإرهاب المادي، لأنه يحمل في طيه دعوة إلى التخلص من مبدعي تلك الأفكار.
و هذه الأشكال من الإرهاب هي الأسلحة التي يركز عليها و يستعملها المتنبئون الجدد لفرض أيديولوجيتهم التي يدعونها “إسلاما” و جعل غالبية بسطاء الناس ينساقون وراءهم ليعمدوا بعد ذلك إلى توظيفهم لممارسة أشكال الإرهاب المادي و المعنوي على المخالفين، و إقصائهم بعيدا عن مجال تحرك المتنبئين الجدد.
و قد يطرح سؤال حول علاقة الإسلام بالإرهاب و هل هو دين الإرهاب، أم انه يلصق به انطلاقا من ممارسة “المسلمين” لا من حقيقة الإسلام ؟
إن الخلط الذي يقع فيه الكثير من الناس يكمن في كونهم لا يميزون بين الإسلام الحقيقي و الإسلام المؤدلج.
فالإسلام الحقيقي كما أوضحنا ذلك في الفقرات السابقة هو دين الإسلام المنبعث عن عمق الإيمان الإسلامي الذي يقودنا إلى استحضار إرادة الله في العدل و المساواة بين البشر باعتبار ذلك منطلقا لاحترام الرأي الآخر الذي له الحق في التعبير و الإفصاح عن الفهم المخالف للواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي انطلاقا من النص الديني.
أما الإسلام المؤدلج المعبر عن مصالح المتنبئين الجدد، فإنه يوحي بضرورة ممارسة الإرهاب الذي يسمونه جهادا ضد كل من لا يخدم تلك المصالح و لا ينصاع لإرادة المتنبئين الجدد. فأشكال الإرهاب التي أشرنا إليها تحضر بكثافة في ممارسة مؤدلجي الدين الإسلامي.
و أول شيء يجب أن يحضر في ممارسة المسلمين هو التمييز بين الإسلام الحقيقي و الإسلام المؤدلج حتى يتبينوا أن الإسلام الحقيقي لا علاقة له بالإرهاب. و أن الإسلام المؤدلج هو الذي يقود إلى ممارسة الإرهاب نظرا للفروق القائمة بين الإسلاميين ذلك :
1) أن الإسلام الحقيقي ينبع من روح النصوص و يهدف إلى التربية الروحية و العقلية و الجسدية للمسلمين من اجل مواجهة كل أشكال الإرهاب التي قد تمارس عليهم كما مورست على المسلمين الأوائل و في مقدمتهم محمد صلى الله عليه و سلم.
2) أن الذين أدلجوا الإسلام لم يستطيعوا النفاذ إلى عمق الإيمان الإسلامي لزحزحة قناعة المسلمين الحقيقيين بحقيقة الإسلام و دوره في إعداد المسلمين لحفظ كرامتهم من الاستغلال لصالح مؤدلجي الدين الاسلامي.
3) إن حفظ الدين الإسلامي هو مهمة جماعية توكل إلى الشعوب المومنة به بإرادة الله تعالى الذي لم يوكل ذلك الحفظ لبشر معين أو لجماعة معينة بل أوكله لنفسه “إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون” و كما نعلم فإن إرادة الشعوب من إرادة الله.
4) أن الإسلام المؤدلج لا علاقة له بالإيمان، لأنه لا يسعى إلى حفظ كرامة الإنسان كما يسعى إلى إهدارها بكل الوسائل لجعل المسلمين في خدمة المستفيدين من تلك الادلجة.
5) أن الإسلام المؤدلج يلجأ موظفوه إلى كل أشكال الإرهاب لفرض سيادة المتنبئين الجدد على مجمل الشعوب الإسلامية حتى يتمكنوا من السيطرة على مجمل الخيرات المادية و الأدبية.
و المسلمون عندما يدركون هذه الفروق يستطيعون امتلاك وعي إسلامي حقيقي، و يعرفون أن حقيقة الإسلام لا تتناقض مع تحقيق العدالة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية.
هذه العدالة التي ترفض أن يصبح الدين الإسلامي في خدمة المتنبئين الجدد لتناقض ذلك مع كونه موجها للناس جميعا، و لاستحالة أن يكون الله غير عادل بين عباده.
فهل يمكن أن يصير الإسلام الحقيقي إرهابيا ؟
إن ما أوردنا في الفقرات السابقة من هذه المعالجة يؤكد أن الإسلام الحقيقي لا يمكن أن يكون إرهابيا لأن طبيعته –التي هي من إرادة الله- تتناقض مع الإرهاب سواء كان ماديا أو معنويا. فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم ” عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتهم “. و لذلك لا يصير إرهابيا بقدر ما يرمي إلى الرغبة في التخلص من الإرهاب، و توفير الحياة الكريمة للناس جميعا، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء، و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، و آتوا اليتامى أموالهم و لا تبدلوا الخبيث من الطيب و لا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم انه كان حوبا كبيرا ” و هذا النص و غيره من نصوص القرآن الكريم الذي يقرر في هذه الجزئيات لا يمكن أن يجعل الإسلام الحقيقي يسعى إلى الإرهاب لتناقضه مع التقوى التي تعني عدم ارتكاب أفعال تلحق الضرر بالبشر و تهدر كرامتهم.
و إذا كان الإسلام يتضمن معنى السلام، فإن الإرهاب يعني انعدام الأمن الروحي، و الجسدي، كما يعني إلحاق الضرر المادي و المعنوي بالآخر الذي لا يقوى على المواجهة المادية و المعنوية، مادام السلام و الإرهاب لا يلتقيان، فإن الإسلام الحقيقي يبقى بريئا من الإرهاب إلى ما شاء الله.
و الذي يقف وراء نسبة الإرهاب إلى الإسلام هو التحريف الذي يلحق المفاهيم الإسلامية بسبب التأويلات المؤدلجة للدين الإسلامي، و التي تتعدد بتعدد التيارات المؤدلجة له، و التي تختلف مصالحها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية كما تختلف انتماءاتهم الطبقية و المذهبية.
و التأويلات المغرضة التي تستهدف ادلجة الدين الإسلامي منذ أن انقسم المسلمون إلى مذاهب الشيعة و الخوارج، و الأمويين و الزبيريين ليشرع كل مذهب سياسي في تأويل آيات القرآن الكريم و رواية الحديث بما يتناسب مع ما يقتنع به كل فريق، و ما يمكن اعتماده في إصدار الأحكام و الفتاوى بالتكفير و القتل، و هو ما أدى إلى عملية الاغتيال التي يمكن اعتبارها سنة سيئة في تاريخ المسلمين. و السنة السيئة عمل منبوذ بنص الحديث ” من سن سنة حسنة فله اجرها و اجر من عمل بها إلى يوم القيامة، و من سن سنة سيئة فعليه وزرها، و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة”.
و إذا كان المسلمون الأوائل قد لجأوا إلى توظيف النص الديني تأويلا و اختلافا. فلأن المسلمين في ذلك كانوا يفتقرون الى التراكم النظري الذي يساعدهم على فهم و استيعاب ما يجري بخلاف ما عليه أمر المسلمين اليوم الذين تحيط بهم النظريات السياسية من كل جانب مما يجعلهم في غنى عن توظيف الدين الإسلامي لأغراض حزبية ضيقة.و بالإضافة إلى ذلك، فالوعي الطبقي كان منعدما، و العبودية كانت مترسخة في أذهان المسلمين إلى ابعد حد ممكن مما يعتبر تخلفا حتى عن ممارسة الرسول (ص)، و ممارسة بعض الصحابة كابي بكر الصديق و عمر، و عبد الله بن عمر الدين كانوا يشجعون على تحرير العبيد. و هو ما يجعل الدارسين يعتبرون الإسلام دين الحرية.
و ما راكمته المذاهب السياسية/الحزبية منذ القدم أعطى إمكانية الاعتقاد بأن الإسلام دين و دولة و بأن ما حصل في عهد الرسول و في عهد الخلفاء من بعده يعتبر دولة إسلامية و هو ما يجانب الحقيقة كما أوضحنا ذلك في مكان آخر.
و لذلك نجد أن مؤدلجي الدين الإسلامي في عصرنا يحدون حدو القدامى، و يسعون إلى فرض تأويلاتهم المغرضة على جميع المسلمين مستعملين في سبيل ذلك كل أشكال الإرهاب المادي و المعنوي، و مستغلين انتشار الأمية بنسبة كبيرة في صفوف المسلمين، و استبدادية الأنظمة الحاكمة لجعل الناس يقتنعون بتأويلاتهم الأيديولوجية، و اتخاذ ذلك الاقتناع وسيلة لممارسة الإرهاب على المخالفين كما أوضحنا ذلك في الفقرات السابقة.
و على هذا الأساس، فالإسلام الحقيقي سيبقى نقيضا للإسلام المؤدلج، و للمحافظة على الإسلام الحقيقي لابد من إشاعة الديمقراطية بمفهومه الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي حتى لا تتحول بلاد المسلمين إلى مفرخة للإرهاب بسبب التحريف الذي يصيب مضامين النصوص الدينية عن طريق التأويلات المؤدلجة.
فما هي سبل عدم توظيف الإسلام لممارسة الإرهاب ؟
إن تجاوز مشكل توظيف الدين الإسلامي كأيديولوجية تقود إلى ممارسة الإرهاب على الآخرين يقتضي :
1) إعادة الاعتبار للإسلام الحقيقي عن طريق دعم استحضار التأويل البريء من الأيدلوجية عبر هيئات مختصة، يساهم الجميع في تكوينها من منطلق أن الدين لله، و ليس من حق أحد احتكاره، بدعوى انه من علماء الإسلام، أو فقهاء الشريعة الإسلامية، من اجل إيجاد فهم مشترك للنصوص الدينية حتى تبقى مرجعا الاحتكام إليها في المسائل الخلافية.
2) استحضار ما وصلت إليه البشرية من تطور اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و مدني و سياسي في صياغة ذلك الفهم المشترك حتى لا نبقى محكومين بتأويلات الأقدمين المحكومة بالأيديولوجية التي أصبحت متجاوزة، و موظفة من طرف مؤدلجي الدين الإسلامي.
3) وضع دستور تكون فيه السيادة للشعب في كل بلد من بلاد المسلمين حتى يشعر المسلمون بأن من حقهم أن يقرروا في مصيرهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي.
4) إجراء انتخابات حرة نزيهة بإشراف هيئة مستقلة تشرف على تطبيق قوانين انتخابية تضمن نزاهة الانتخابات، و تردع كل أشكال التزوير التي تطال النتائج الجماعية و البرلمانية.
5) تكوين حكومة ائتلافية وطنية بمساهمة الجميع للإشراف على وضع الدستور و إجراء الانتخابات.
6) العمل على إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تعاني منها الجماهير الكادحة بما فيها إيجاد حلول لمشكلة العطالة و الأمية و الحماية الاجتماعية، و مشاكل الفلاحين الذين يتعرضون لكافة أشكال الاستغلال المادي و المعنوي.
7) العمل على إيجاد تعليم وطني متحرر يهدف إلى بناء الإنسان المتحرر و يلبي الحاجيات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية.
8) العمل على إشاعة حقوق الإنسان بمفهومها التقدمي و الكوني و الشمولي و الديمقراطي و الجماهيري و المستقل.
9) بناء اقتصادي وطني متحرر من التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي.
10) ملاءمة القوانين و التشريعات مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بصفة عامة، و بمختلف الحقوق الخاصة بالمرأة و الطفل، و العمال، و نشطاء حقوق الإنسان … الخ بصفة خاصة .
11) دعم الأحزاب و النقابات و الجمعيات المهتمة بتأطير المواطنين من اجل خلق اهتمامات مختلفة بالأفراد و الجماعات.
و عندما ينشغل المسلمون بأمور الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي، فإن العقيدة تتحول إلى ممارسة تستهدف استحضار التربية الإسلامية في المعاملة. فقد جاء في الحديث الشريف “الدين المعاملة” و مفهوم المعاملة هنا لا يجب أن ينحصر في مجرد أخلاق المعاملة العادية، بل يتجاوز ذلك إلى المعاملات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية باختياراتها و قانونيتها و نظمها. و المعاملة لا تكون إسلامية إلا إذا تحقق في إطارها احترام كرامة الإنسان. و تحققها على ارض الواقع الذي يتمتع كل فرد فيه بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، و التي يجب أن تكون باختيارات شعبية و ديمقراطية.
و بذلك يتم تمهيد الطريق أمام عوامل جديدة تحول دون وجود الإرهاب في مجتمعات المسلمين، لأن ذلك سوف يغير من سلوكهم و من نمط تفكيرهم، و تطهير عقيدتهم من الأيديولوجيا التي تكون مطية لممارسة الإرهاب، من اجل مجتمع للمسلمين بلا إرهاب بلا استغلال أيديولوجي للدين الإسلامي.
و ما يجب أن نقف عنده قليلا هو أن الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي يصدر عن المتنبئين الجدد وحدهم فقط. بل إن الأنظمة القائمة في بلدان المسلمين تعمل على تكريس الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي لتتستر على استبدادها، و تنشئ لهذه الغاية مؤسسات و جمعيات و وزارات، و تجند لغاية الادلجة جيشا من المتنبئين الجدد الذين يضعون أنفسهم في خدمة الأنظمة الاستبدادية القائمة في بلاد المسلمين، و يسمون أنفسهم بعلماء المسلمين بموازاة مع رجال الكنيسة الذي يتخصصون في معرفة النص الديني و تأويلاته المختلفة، وصولا إلى صياغة تأويل يعطي الشرعية للحاكمين، لأن علماء المسلمين هم أنفسهم “رجال الدين” الذين تنصبهم الأنظمة القائمة و توجههم لخدمة النص الديني سعيا الى توظيفه لرغبة الحكام.
و الاستغلال الأيديولوجي من قبل الأنظمة القائمة للنص الديني يترتب عنه إرهاب الدولة الذي يبرره المتنبئون الجدد خدمة لمصالح الأنظمة الاستبدادية من خلال الآلة الإعلامية المتطورة التي تحول كل من خالف تلك الأنظمة الاستبدادية الرأي في أسلوب الحكم الذي تتبعه إلى كافر أو زنديق ..الخ
و الخلاصة أن الإسلام الحقيقي جاء في الأصل لتقويض أسلوب الإرهاب، و ليبث تربية راقية بين البشر حتى يقبلوا على تكريم الإنسان بتمتيعه بكل حقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي هي قوام تلك الكرامة التي أكد عليها الله تعالى ” و لقد كرمنا بني آدم” أما الإسلام المؤدلج فهو لا يخدم إلا مصلحة المتنبئين الجدد، و ارتباطهم بالأنظمة الاستبدادية القائمة في بلاد المسلمين، و لذلك فهو يتناقض مع حفظ كرامة المسلمين كأفراد أو جماعات، فيحرمون من حقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و بسبب حرصهم على المطالبة بتلك الحقوق يتعرضون لكل أشكال الإرهاب المادي و المعنوي سواء من طرف الأنظمة الاستبدادية المؤدلجة للدين الإسلامي، أو من طرف تنظيمات المتنبئين الجدد التي تسعى إلى الوصول إلى السلطة في إطار دولة ولاية الفقيه. و لتجاوز ظاهرة الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي المنتج للإرهاب لابد من إعادة صياغة واقع المسلمين على جميع المستويات سعيا إلى تحقيق مجتمع يسود فيه السلام، و تتحقق في إطاره كرامة الإنسان، و تختفي منه المعاناة الناتجة عن القهر الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي ليحل محلها الاطمئنان إلى الحاضر و المستقبل، و التفرغ لبناء واقع جديد خال من عوامل إنتاج الإرهاب. و متوفر على الإمكانيات المادية و المعنوية الضرورية لسعادة الإنسان في الحياة الدنيا التي تعتبر مطية للسعادة في الحياة الأخرى.
فهل يعمد المسلمون إلى إعادة النظر في فهمهم للإسلام الحقيقي حتى لا يختلط بالإسلام المؤدلج ؟
وهل يميزون بين إسلام السلام و إسلام الإرهاب ؟
وهل يتحمل المسلمون مسؤوليتهم في حماية الإسلام من التحول إلى مجرد أيديولوجية ؟
وهل يعملون على حفظ كرامتهم من خلال حرصهم على التمتع بكل الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ؟
وهل يسعون إلى القضاء على كل أشكال الأمية السائدة بينهم حتى يقووا على مواجهة متطلبات العصر و استيعاب قيم الحداثة ؟
إنها أسئلة نطرحها من اجل العمل على إيجاد مسلم من نوع جديد، يرفض ادلجة الدين الإسلامي و يعمل على طهارته من كل أشكال الأيديولوجية حتى يصير خالصا سائغا لعبادة الله تعالى، و حفظ كرامة الإنسان.

اترك تعليقاً