الرئيسية / مقالات / البكالوريا.. غش الدين والوطن / 1

البكالوريا.. غش الدين والوطن / 1

السيمر / الاثنين 06 . 06 . 2016

معمر حبار / الجزائر

كان من المفروض أن يكتب صاحب الأسطر الحلقة الثانية عن أيامه خلال بكالوريا هذا العام، لكن تسريب مواضيع البكالوريا بشكل رهيب فضيع، لم يسبق له مثيلا في جزائري الحبيب، دفع إلى تأجيل موضوع اليوميات والتطرق بألم شديد لموضوع التسريبات.
ولمعرفة هول وخطورة الغش، يكفي المرء أن يقف بجانب تلميذ مجتهد، ينهض من الثالثة صباحا إلى الثانية عشرة ليلا، وهو يراجع ويعيد المراجعة، مانعا نفسه متعة الشباب وزهرة الأيام.
يقول لي.. إن قاموا بالتصحيح بشكل طبيعي كما هو معهود، فقد ظلمونا نحن النجباء، لأنهم ساووا بين كسول ومجتهد في التصحيح، وأكيد نتائج الغشاش ستكون أفضل بكثير من نتائجنا الذين سهرنا الليالي.
وإن شدّدوا في التصحيح فقد ظلمونا نحن النجباء. فلماذا يتساءل النجيب والدمع يسبقه، يتساوى الكسول والنجيب، وهذا عملنا خالص دون غش ولا تسريب؟.
ثم ينهض التلميذ النجيب قائما، ويهمس إلي بصوت حزين والدمع يغلبه.. لن أتحصل على الشعبة التي كنت أريدها، وسهرت الليالي لأجلها، وحرمت نفسي الأكل والشرب والراحة من أن أجل أن أنالها. اسأله لأخفف عنه: ستنال كل ماتريد لأنك النجيب. يجيب بمرارة..
ألا ترى إلى النسبة العالية من المعدلات التي سيتحصل عليها كل غشاش، وكل من نال البكالوريا بالتسريب دون سهر ولا عناء. فسيتحصل هؤلاء على كل التخصصات العالية التي تتطلب معدلا، سواء كان التصحيح عاديا كما هو في الحالة الأولى، أو مشددا قاسيا كما هو في الحالة الثانية.
أحاول أن أواسيه وأقف بجانبه، وأقول له: لا عليك سيعيدون البكالوريا. يجيب بمرارة: أتظن أن نفس الحماس والنشاط يبقى للمجتهد بعدما أفنى طاقاته في التحضير الأول، ولم يعد منها إلا القليل الذي لايفي بالغرض المطلوب للقيام بالدورة الثانية.
هذه عيّنة صغيرة عن الجرح العميق الذي تركه تسريب مواضيع البكالوريا على طالب مجتهد، يرى أن جهد الأيام وعرق الليالي ذهب أدراج الرياح ، بسبب عصابة إمتهنت الغش، وزمرة ورثت الحقد والغش ضد كل من يجعل من النجاح غاية ، ومن والوسائل النظيفة لتحقيقها غاية يتبعها، ولو كلفه ذلك متاع الدنيا.
حين يقف الأب أمام دموع إبنه المجتهد، تعرف حينها هول نتائج تسريب إمتحانات البكالوريا، ولا يملك من ربى وسهر، إلا أن يواسي إبنه بكلمات يعرف معناها جيدا، ويخاطبه قائلا..
عليك أن تدرك جيدا، أن الله سبحانه وتعالى عادل لا يظلم عند أحد. ومن تمام العدل أن لايظلم عنده المجتهد النجيب، وإن لحقه بعض الضرر إلى حين، فسيخرج منه أشد صلابة من ذي قبل، وأكثر عزما على الصفاء والنقاء مما كان.

اترك تعليقاً