الرئيسية / مقالات / هل قررت أمريكا ذبح البقرة السعودية بعد حلبها؟..

هل قررت أمريكا ذبح البقرة السعودية بعد حلبها؟..

السيمر / السبت 11 . 06 . 2016

أحمد الشرقاوي / مصر

لفهم خلفية مسلسل التصعيد الذي اعتمدته مؤخرا الإدارة الأمريكية ضد “السعودية”، سيكون من المفيد وضع حلقاته المثيرة في إطار الصورة العامة للمشروع الأمريكي في المنطقة الذي بدأ يتراجع أمام صمود وإنجازات محور المقاومة مدعوما من روسيا، وقرار واشنطن أخيرا التوجه نحو آسيا لمحاصرة روسيا واحتواء الصين، وتمرد الرياض على واشنطن بسبب رفضها لسياسة النعامة التي تعتمدها الإدارة الأمريكية في مواجهة إيران وروسيا في الشرق الوسط بدل الحسم بالمواجهة..
ولأن أمريكا القوة العظمى المتعجرفة لا تقبل الفشل لما يعنيه من انحصار لدورها وتقويض لسمعتها وتراجع لمكانتها، وترفض أن تملي عليها قبيلة رجعية وغبية كـ”السعودية” سياساتها الجيواستراتيجية، التي ترى في روسيا العدو العسكري الأول الذي يقف في وجه مشاريعها الاستعمارية التوسعية، وفي الصين العدو الاقتصادي القوي الذي يسعى لتقويض هيمنتها المالية بخطى حثيثة، ما سيؤدي حتما لانهيار النظام النيو – ليبرالي الذي يعاني أزمات بنيوية برزت على شكل انتكاسات مالية واقتصادية حادة سنة 2008، ويتوقع أن يعرف العالم أزمة ثانية أكثر حدة في المدى المنظور، وفق ما يتوقعه أكثر الخبراء تفاؤلا، ويوصون بتشديد الحصار على روسيا وفرضه على الصين أيضا، لأنها الوسيلة الوحيدة الكفيلة بإنقاذ النظام المالي والاقتصادي النيو – ليبرالي من الانهيار، ما سيمكن الغرب من إنعاش اقتصاده من داخل منظومة الدول التي يتحكم فيها بعيدا عن المنافسة، وفق ما خطط له السبعة الكبار في اجتماعهم الأخير بـ”ايسي – شيما” (اليابان).
لهذه الأسباب، تفضل الدولة العميقة في أمريكا الخروج من منطقة الشرق الأوسط التي لم تعد تكتسي نفس الأهمية القديمة، وتحميل “السعودية” الغبية مسؤولية الهزيمة، تمهيدا لمعاقبتها واستبدال نظامها، تماما كما تستبدل الأدوات بعد استعمالها، خصوصا وأنها تعتقد أن الاتفاق النووي مع إيران قد حيّد بشكل كبير خطر الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أقله لعقد من الزمن، ما سيمكنا من التفرغ للمشاكل العالمية التي تكتسي بالنسبة لها أولوية الأولويات في آسيا والمحيط الهادئ..
وبالتالي، فرهان النظام في الرياض على قدوم إدارة جديدة في واشنطن يكون بمقدوره شراء أحذية جنودها لإحداث التغيير المطلوب في المنطقة هو رهان على الوهم، ينم عن سوء فهم فظيع للمتغيرات التي طرأت على قواع اللعبة الجيوسياسية والجيواستراتيجية في عالم ما بعد القطبية الأمريكية الأحادية، خصوصا مع بروز روسيا كرأس حربة في مواجهة التوسع الأمريكي والأطلسي مدعومة من الصين وإيران ومحورها.
ومعلوم أن الإدارة الأمريكية وبعد فشل “السعودية” في إحداث تغيير نوعي بسلاح الإرهاب في العراق وسورية، وفشلها في احتلال اليمن وإخضاعه للهيمنة الصهيو – أمريكة، آثرت اعتماد سياسة الاستنزاف الذي تفضلها على المواجهة المباشرة بهدف تجنب كارثة إقليمية وعالمية قد تطيح بمصالحها على نطاق واسع، وقد فهمت موسكو وطهران هذا المنحى منذ أن تحدث الرئيس أوباما عن ضرورة التحلي بالنفس الطويل في إطار ما أسماه بـ”الصبر الإستراتيجي”، وهو الصبر الذي لا يبدو أن الأمير محمد بن سلمان المنعدم الخبرة والمعرفة والمتلهف على السلطة يمتلك الحد الأدنى منه.
خصوصا وأنه من غير الوارد أن يتنازل الأمير محمد بن سلمان عن وهمه بتولي العرش بعد رحيل والده الذي يبدو قريبا وفق تقارير دبلوماسية تداولها مؤخرا الإعلام الغربي والعربي، وهو الذي راهن على انتصار ساحق في اليمن ليقدم نفسه لأسياده في واشنطن وتل أبيب كرجل المرحلة لمواجهة النفوذ الإيراني، وأعلن حرب أسعار النفط على روسيا وإيران ليخرب اقتصاد القطبين الصاعدين بقوة ويعرقل طموحهما في معادلة الأمن والمصالح والحؤول دون مشاركتهما بندية في صناعة القرار الإقليمي والدولي، وأقام تحالفات خليجية وعربية وإسلامية من أجل نفس الهدف تحت مسمى محاربة الإرهاب، ليثبت للأمريكي أنه الرجل الأصلح والأقدر على احتواء إيران وزعزعة استقرار روسيا لضمان مصالح أمريكا وأمن “إسرائيل” في المنطقة.
وفي هذا الإطار، وصلت به الخيانة حد استصدار قرارات مشبوهة تصنف حزب الله المقاوم والمجاهد كمنظمة “إرهابية”، ومطالبة واشنطن بتصنيف الحشد الشعبي وأنصار الله أيضا كمنظمات إرهابية، وهو ما رفضه أوباما بشدة خوفا على مصالح بلاده من الحشد الشعبي في العراق ومن الحوثيين في اليمن، فخرج جمال خاشقجي يقول، إن معيار أمريكا لتصنيف الإرهاب هو حين يضرب أمنها ويؤثر في مصالحها، ولهذا الكلام الخطير معنى استراتيجي يضمر تهديدا مبطنا التقطته الإدارة الأمريكية بسرعة، وهي التي كانت تعتقد دائما حسب ما كشف أوباما في بداية ولايته الثانية، أن “السعودية” تمتلك قنبلة نووية خطيرة تتمثل في “الجهاديين السنة”، وأنه سيعمل على تفكيكها لما تمثله من خطر على قيم الغرب الحضارية.
وكان آخر ورقة حرقها الأمير المراهق دون جدوى، هي حين أوغل عميقا في الخيانة والانبطاح وقدم تنازلات مذلة من خلال إعلان تحالف بلاده مع الكيان الصهيوني المجرم، فحوّل العلاقة معه إلى علانية بعد أن كانت سرّية لعقود مضت، وتآمر على القضية الفلسطينية مع فرنسا ليستغلها كورقة سياسية من خلال مؤتمر باريس، وتعهد رسميا بتعديل المبادرة العربية في شأن عودة اللاجئين والمستوطنات بالأراضي المحتلة في الضفة والجولان لتطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية بالكامل، مع تجاهل القدس ومصير مقدسات المسلمين والمسيحيين، المهم بالنسبة له أن تنطلق المفاوضات بين حكومة عباس الفاقدة للشرعية و”إسرائيل” من دون اعتبار للنتائج، ليتمكن من تنزيل مشروعه للتطبيع العربي المشين.. كل ذلك من أجل أن تقبل به واشنطن كرجل “الحزم والسلام” في المنطقة، ولتذهب فلسطين وقضايا الأمة الملحة والمشروعة إلى الجحيم.
وقد رأينا كيف أصبح أنور عشقي لا يُفوّت مؤتمرا يتواجد به الصهاينة إلا وحضره وأدلى بتصريحات استفزازية حول العلاقة بين “السعودية” والكيان الصهيوني المجرم، كان آخرها قوله أن العاهل سلمان سيكون عراب التطبيع مع “إسرائيل”، وأن العلاقة مع هذا الكيان تعتبر إستراتيجية لأنها ستمكن البلدين من تحديد أعدائهما والعمل معا من أجل أمنهما ومصالحهما، وكأن هؤلاء الأعداء لم يتم تحديدهم بعد وحصرهم في إيران ومحورها الممانع والمقاوم.. لكن، حتى هذه الخطوة الموغلة في الخيانة والانبطاح لم تقنع واشنطن بأهلية الأمير محمد بن سلمان لتولي العرش في المملكة.
*** / ***
وقد كان الأمير محمد بن نايف واضحا في تصريحه الأخير لموقع “الوطن” السعودي الذي نفته الرياض وأكد صحته مجتهد، والذي قال فيه، إن تراجع واشنطن عن خيار الحسم العسكري في سورية شكل خيبة أمل كبيرة للرياض، وأن حرب اليمن جاءت عكس التوقعات.. وكيف لا والعالم يرى “عاصفة الحزم” تتحول إلى “عاصفة إجرام” بحق شعب مسالم لا يهدد أحدا، الأمر الذي أطلق العنان لعاصفة انتقادات دولية غير مسبوقة، تناولت الجرائم البشعة التي ارتكبتها “السعودية” بحق البشر والمؤسسات والبنى التحتية للشعب اليمني الفقير، فحصدت جراء ذلك الهزائم والسخط والمذلة، وتحوّلت إلى دولة منبوذة في العالم أجمع، وهي التي اعتادت عدم الظهور المباشر في الصورة من خلال شراء التدخلات العسكرية الأمريكية في دول المنطقة، لفرض زعامتها الوهمية بانتهازية، والتغطية على خيانتها وجرائمها بالكذب والدجل والتضليل ضدا في ثوابت الدين والأخلاق والقيم الإنسانية.
وتاريخ غدر وخيانة وخسة وتبعية وانبطاح وصهيونية آل سعود لا يحتاج لتحقيق أو تدقيق، خصوصا في ما له علاقة بالتآمر على العرب والمسلمين من خلال سلاح الإرهاب ودعمها لمشاريع أمريكا و”إسرائيل” التخريبية، أقله منذ حرب أفغانستان مرورا بأحداث الحادي عشر من أيلول/شتنبر 2001، وانتهاءا باحتلال العراق وحرب لبنان وتدمير ليبيا وتخريب سورية وسحق اليمن بلا رحمة.
فبالنسبة لأحداث الحادي عشر من أيلول/شتنبر مثلا، هناك كم هائل من التقارير المبنية على آراء الخبراء التي تتحدث عن استحالة قيام “القاعدة” بعملية عسكرية من هذا النوع والحجم والدقة من دون تخطيط ومشاركة من المخابرات الأمريكية، وروسيا كانت واضحة عندما أكدت أن هذه الأحداث كانت عملية مدبرة من الداخل.. ومع ذلك، ها هي المؤسسات التشريعية والقضائية الأمريكية تحضر لوليمة استنزاف المذخرات “السعودية” في أمريكا بتحميلها مسؤولية ما حدث، ولا يملك آل سعود الجبناء الشجاعة لقول الحقيقة وفضح خبايا وأسرار العملية خوفا مما هو أبعد من العقوبات المالية.
هذا في حين أن حمد بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية القطري الأسبق مثلا، لم يقبل باتهام واشنطن لبلاده بدعم الإرهابيين في سورية، فأكد لصحيفة ‘فایننشال تايمز’ البريطانية، أن ما قامت به بلاده من دعم للإرهاب كان بضوء أخضر أمريكي لها ولـ”السعودية” وتركيا، بهدف التدخل وتأجيج الصراع في سوريا لتحويله إلى حرب أهلية، موضحا أن ما يحدث في سوريا ليس ثورة وإنما لعبة دولية.. فمن يجرؤ على محاسبة أمريكا عراب الإرهاب في المنطقة والعالم على جرائمها؟..
حتى حرب اليمن ما كان لها أن تكون لولا الضوء الأخضر والغطاء السياسي والدعم الاستخباراتي والعسكري الأمريكي والبريطاني والفرنسي والصهيوني، ولأن “السعودية” فشلت في تحقيق أي إنجاز يذكر في هذا البلد العربي المسلم، فقد قررت واشنطن معاقبتها واتهامها بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية ووضعها على القائمة السوداء للأمم المتحدة تمهيدا لمحاكمتها جنائيا، والمستهدف الأول بهذا الإجراء هو العاهل سلمان بن عبد العزيز وولده الأمير محمد بن سلمان باعتبار الأخير وزير الحرب المسؤول عن كل الجرائم والفظاعات التي ارتكبت في اليمن..
صحيح أن “السعودية” نجحت في إقناع “البو كي مون” الفاسد بإعادة النظر في قراره الذي أسس على تقارير موثقة بالدلائل والشهادات الميدانية، فقط لأن الرياض هددت بقطع المساعدات عن المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وفق ما اعترف الأمير العام بذلك الخميس، لكن هذا لا يعد انتصارا للمملكة بقدر ما يمثل هزيمة أخلاقية تضاف لسجلها الحافل بالجرائم ضد الإنسانية، وقد بلغت الوقاحة بـ”السعودية” حد اعتبار وضعها من قبل الأمم المتحدة على قائمة العار تهديدا للإسلام كما قال ممثلها في الأمم المتحدة، وهذت يعني بالواضح الفاضح أن المملكة ستنتقم من بعثات المنظمة الأممية بالإرهاب، وهذا هو ما أخاف الأمين العام الجبان فتراجع عن قراره ليشكل ذلك وصمة عار في جبينه.
ومهما يكن من أمر، فالأمر لن يمر مرور الكرام أمام ضغط المنظمات الإنسانية الدولية واصرارها على محاكمة “السعودية” على جرائمها في اليمن، وحتى إن كانت أمريكا لا يهمها الجرائم التي تحصل في حق أطفال اليمن، لكنا تعتبرها بابا من أبواب جهنم فتحتها على الرياض لاستنزاف مذخراتها التي لو كانت أنفقت جزءا يسيرا منها على التنمية في العالم العربي لتحول ‘آل سعود’ إلى أسياد العرب، ولتربعوا على عرش القلوب وكسبوا محبة الشعوب وضمنوا دعمها وحمايتها.. ولو كان لـ’آل سعود’ عقل يفكرون به ومنطق يزنون به المصالح والأضرار، لتحالفوا مع إيران المسلمة، ولكان من شأن هذا التحالف أن يجمع سنة وشيعة الأمة على كلمة سواء بدل أن يفرقها، ولكان من شأن هذه الوحدة المنشودة أن تجعل أمريكا تفكر ألف مرة ومرة قبل الإقدام على المساس بأي بلد عربي مسلم.. أما الآن وقد فات الأوان، فلا شك أن يوم سقوط ‘آل سعود’ اليهود سيكون يوما مشهودا في تاريخ الأمة مُفعما بالبهجة والسرور والحبور، وإن كنا لا نتمنى ذلك، لكن لا راد لحكم سنن الله في الخلق. .
وتصريح الأمير محمد بن نايف الأخير، إنما جاء ليؤكد هذه الحقيقة ضمنا ليُميّز موقفه عن موقف ولي ولي العهد في كل ما جرى ويجري من كوارث في المنطقة، وهو التصريح الذي ما كان ليصدر لولا حصوله على ضوء أخضر أمريكي لتحييده عن تبعات ما يحضر للنظام القائم في “السعودية” في المدى المنظور، والذي تؤكد عديد المؤشرات أنه تحول إلى ورقة محروقة حان وقت الاستغناء عنها بإلقائها إلى مزبلة التاريخ واستبدالها بأخرى جديدة لطي صفحة سوداء من تاريخ أمريكا الهمجي والمشين في المنطقة..
وهذا يعني، أن رجل المرحلة القادمة هو الأمير محمد بن نايف الذي تعول عليه واشنطن في محاربة الإرهاب بعد أن تفلت الوحش من عقاله وأصبح يشكل تهديدا داهما للجميع، خصوصا بعد ورود معلومات تتحدث عن مساعي سرية لبعض الجهات المتنفذة في المملكة، لتوحيد صفوف “داعش” و”القاعدة” ليشكلا معا أكبر تهديد سيغير وجه المنطقة والعالم انتقاما من أمريكا والغرب الأطلسي كي لا يتحول الإرهاب بعد هزيمته في العراق وسورية إلى عقر دار ‘آل سعود’.. وهذه آخر ورقة يلعب بها محمد بن سلمان عملا بمقولة “عليّ وعلى حلفائي” (معكوسة).
*** / ***
أما مسألة انتهاك المملكة الوهابية لحقوق الإنسان في الداخل، وخصوصا ضد الطائفة الشيعية المحرومة من أبسط الحقوق المدنية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنعهم من تولي حتى أبسط المناصب الإدارية بالرغم من أنهم يشكلون أكثر من 20 % من سكان المملكة ومنطقتهم ترقد على أكثر من 80 % من احتياطي النفط الذي يستنزفه ‘آل سعود’ في تمويل حروب أمريكا و”إسرائيل” ودعم الإرهاب والخراب والفساد وشراء الذمم، فلا يصلهم من هذه الخيرات شيئ يذكر.. وبالتالي، فهي لا تعني واشنطن في شيئ كما هو الحال في البحرين أيضا، لأن حقوق الإنسان كانت ولا تزال بالنسبة للولايات المتحدة الهمجية والعنصرية مجرد ذريعة تستعملها بانتقائية فجّة لتبرير تدخلاتها السافرة في شؤون الدول المستقلة لاستبدال أنظمتها التقدميّة الممانعة والمعارضة بأخرى تؤمن بالإديولوجية الليبرالية الجديدة وتدين بالولاء لأمريكا دون غيرها.
وقد كان واضحا أن واشنطن وضعت “السعودية” على قائمة الدول التي يجب تغيير النظام فيها منذ أن تحدث الرئيس أوباما عن الخطر الذي يتهدد المملكة من الداخل بسبب سياساتها الاستبدادية التي تعتبر أهم عامل مولد للإرهاب، وحذرها من اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام لتعليق مشاكلها الداخلية على شماعة الخطر الإيراني الذي لا وجود له، لأن إيران العقلانية ليست دولة انتحارية لها طموحات استعمارية توسعية ولا تهدد أي دولة عربية وإسلامية بما في ذلك مشيخات الخليج، ونصحها بعقد سلام بارد مع طهران كي لا يتحول التصعيد إلى مواجهة ستعيد “السعودية” إلى عصر الجاهلية الأولى في ساعات معدودات، وتعرض مصالح أمريكا وأمن “إسرائيل” إلى خطر عظيم.
لا شك أن جرائم الحرب التي اقترفتها “السعودية” وحلفائها الأعراب في اليمن جرائم مرفوضة بكل المعايير الدينية والأخلاقية والإنسانية، لكنها في واقع الأمر لا تمثل من حيث الحجم إلا نسبة بسيطة برغم فظاعتها، مقارنة بالجرائم التي ارتكبتها أمريكا وتحالفها الدولي في أفغانستان وليبيا والعراق على سبيل المثال لا الحصر، ومع ذلك لم تتحرك الأمم المتحدة بشأنها وكأنها لا تدخل في صلب اهتمامها.. ناهيك عن ما اقترفه الكيان الصهيوني المجرم من مجازر ومذابح على امتداد تاريخ احتلاله لفلسطين السليبة ولا يزال، حيث أصبحت الإعدامات الميدانية من دون محاكمة روتينا يوميا لا يجد حتى من يستنكره أو يدينه، في مؤشر واضح على موت الإحساس في قلوب العرب والمسلمين (إلا من رحم الله)..
والمصيبة، أنه حتى الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تتاجر بالإسلام السياسي تخلت عن خيار المقاومة واستبدلته بخيار المساومة من تحت الطاولة وغدرت بإيران واختارت التموقع في الجانب الخاطئ من التاريخ تملقا لـ”السعودية” وقطر وتركيا، ليتأكد للشعب الفلسطيني وشعوب الأمة، أن هذه الفصائل الإسلاموية الانتهازية مثلها مثل محمود عباس وعصابته في الهم سلطة، وليذهب التحرير إلى الجحيم.
*** / ***
لكن الأخطر الذي عجّل باتخاذ واشنطن لقرار حلب البقرة السعودية لاستنزاف ما بدرعها قبل ذبحها، هو رفض النظام في الرياض لتعليمات ونصائح واشنطن التي تكررت في أكثر من إطلالة ومناسبة، واعتماد الأمير محمد بن سلمان الممسك بالسلطة والقرار وخيوط اللعبة سياسة تصعيدية جديدة تعتبر بمثابة تمرّد علني وخروج عن الهيمنة الأمريكية، وذلك من خلال التوجهات الخطيرة التالية:
* تهديد الوزير عادل الزبير بسحب 750 مليار دولار من الاستثمارات التي لدى بلاده في السوق الأمريكية في حال صدور قانون من المؤسسة التشريعية يسمح بمحاكمة “السعودية” على مسؤوليتها في أحدات 11 أيلول/شتنبر2001، الأمر الذي اعتبر عزفا على الوثر الحساس الذي يؤلم أمريكا، فجاء كشف الصحافة الأمريكية عن قيمة هذه الاستثمارات الرسمية التي تتجاوز مبلغ 116 مليار دولار قليلا بمثابة رسالة واضحة مفادها، أن هذا الرقم لن يؤثر كثيرا في الاقتصاد الأمريكي، لكن هناك تريليونات الدولارات المنهوبة من قبل أمراء المملكة في حسابات سرّيّـة بالغرب سيتم الحجز عليها ومساءلة أصحابها عن مصادرها الشرعية، وكانت تقارير تحدثت في عهد العاهل الراحل عبد الله بن عبد العزيز عن نهب الأمراء لما يناهز 8 تريليون دولار أودعت في حسابات سرية.
* اجتماع نادي الملوك العرب الذي استدعي له العاهل المغربي وتم بعث رسائل مشفرة إلى الولاية المتحدة تفيد بتوجه هذه الدول الحليفة لأمريكا للبحث عن تحالفات جديدة مع روسيا والصين، لأن الملوك العرب لم يعودوا يعرفون ما الذي تريده أمريكا منهم كما قال العاهل المغربي.
* إطلاق الأمير محمد بن سلمان لرؤيته الماكرو – اقتصادية في أفق 2030 وزعمه قدرة بلاده الاستغناء عن ريع النفط في أفق 2020، وهو الهدف المستحيل التحقيق وفق كل التقديرات، لكن خطورة هذا المشروع هو محاولة اقتداء “السعودية” بإيران في مجال الإنتاج العسكري، حيث قرر الأمير المراهق بيع جزء من حصص شركة أرامكو العملاقة لتوفير السيولة التي من شأنها تمكينه من تحويل اقتصاد بلاده إلى التصنيع العسكري بمساعدة فرنسا وروسيا و”إسرائيل”، وتوسيع مجاله ليشمل المغرب الذي خصص له 22 مليار دولار، بالإضافة إلى مصر التي يجهل حتى الآن المبلغ المجمع استثماره في التصنيع العسكري على أساس التكنولوجيا الروسية، وإقامة أكبر منطقة حرة في المنطقة بعد ربط مصر بـ”السعودية” والكيان الصهيوني المجرم عبر جسر جزيرة سنافر، الأمر الذي سيضرب اقتصاد الأردن في مقتل ويحوله إلى وطن بديل بالضرورة.
* عقد المملكة لصفقات تسليح بعشرات مليارات الدولارات مع كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا وروسيا و”إسرائيل” في محاولة لتنويع مصادر التسليح في جربها التصعيدية ضد إيران.
غير أن الرد الأمريكي لم يتأخر، فجاءت الصفعة الأولى لملك المغرب من خلال موقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي وصف التواجد المغربي في الصحراء الغربية بـ”الاحتلال”، ثم الموقف الأمريكي بشأن تقرير المصير تلاه تقريرها حول حقوق الإنسان في بلاد “أمير المؤمنين”، والذي أثار ضجة كبرى على مستوى الداخل والخارج بسبب إدراك النظام أن واشنطن قررت إطلاق ثورات ملونة جديدة ضد الأنظمة الملكية هذه المرة.
وبالنسبة لـ”السعودية”، كان لافتا خروج أمير قطر المعزول ليحذر مشيخات الخليج والدول العربية من مغبة التحالف مع المملكة الوهابية التي تتآمر على العروبة والإسلام ولها أطماع توسعية في الخليج.. وطبعا مثل هذا الموقف لا يمكن أن يكون بريئا يعبر عن صحوة ضمير من شخص عرف بتآمره على الأمة العربية والإسلامية وخدمة المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة بسلاح المال والإرهاب والإعلام، وكلنا يذكر دور قطر في الربيع العربي وما ساهمت به من تحريض وإراقة دماء وخراب، ولا زالت قطر تدعم الإرهاب في كل من سورية وليبيا ومصر حتى الآن.
ثم جاء قرار البرلمان الأوروبي بمنع بيع السلاح للسعودية وإلزام لندن وباريس باحترامه، وهما البلدان اللذان وقعا صفقات بعشرات مليارات الدولار مع الرياض، وأصدر أوباما قرارا بمنع توريد القنابل العنقودية وبعض الأسلحة الفتاكة للنظام السعودي واتهامه بارتكاب جرائم حرب في اليمن عبر لسان الأمين العام للأمم المتحدة..
ثم كرت السبحة.. ورأينا كيف انتقد وزير الخارجية البريطاني الانتهاكات السعودية في اليمن، وقررت ألمانيا أخيرا إلغاء صفقة توريد دبابات “ليوبارد” بقيمة 25 مليار دولار، واجتمع البرلمان الكندي لإصدار قرار بمنع تنفيذ عقد بيع أسلحة للمملكة بقيمة 15 مليار دولار، فاشتد الخناق على ‘آل سعود’ من قبل واشنطن لمعاقبتها على تمردها على أسيادها من جهة، وحرمانها من الإقدام على مقامرة عسكرية غير محسوبة قد تشعل المنطقة لخلط الأوراق، وبذلك فهم النظام في الرياض أنه لا يستطيع اللعب على التناقضات، وأن لا من حلفاء أمريكا بإمكانه مساعدة المملكة ضدا في الإرادة الأمريكية.
هكذا إذن أصبحت “السعودية” اليوم أهون من بيت العنكبوت بعد أن تراجع مخزون ذخيرتها بسبب حروب الاستنزاف التي تخوضها في اليمن مباشرة وفي وسوريا والعراق بسلاح الإرهاب، وتحولت إلى مشيخة عاجزة، مقصوصة الجناح، مقطوعة الأذرع، عارية الصدر في وجه العاصفة القادمة، ولم يعد بإمكانها الاستمرار في لعبة التحدي بمنطق المال الذي يشتري كل شيئ، لأنه حتى هذا المال أصبح اليوم مستهدفا وفقد جدواه كسلاح، وبالتالي، كل هذه الإجراءات هي مقدمات لربيع سعودي يطبخ على نار هادئة، لاستبدال السلطة الغبية القائمة بأخرى جديدة تكون أكثر ذكاءا انصياعا وخضوعا وانبطاحا للأمريكي ولا تعرقل استراتيجياته في المنطقة.
*** / ***
إن ما يقلق واشنطن في “السعودية” تحديدا، هي مسألة القيادة والطريقة الآمنة لانتقال السلطة من خلال ركوب ثورة ملونة بمساعدة طابورها الخامس في الداخل، والإجراءات التي اتخذتها بشأن تضييق الخناق على تدفق السلاح إلى المملكة، هدفها الأساس منع الأمير محمد بن سلمان من الإقدام على مغامرة غير محسوبة قد تؤدي إلى صدام إقليمي خطير، أو أن يستغل تجديد مخزون السلاح والذخيرة لافتعال حرب أهلية في الخليج تستقطب إليها “القاعدة” مع “داعش” والفصائل التكفيرية الأخرى وتعلن “الجهاد” ضد التواجد الأمريكي بالمنطقة فتحل الكارثة..
أما عن التوقيت، فقد كان مدروسا بشكل دقيق، لأنه تزامن مع تقارير طبية ودبلوماسية تناقلتها وسائل الإعلال العربية والدولة، تفيد بأن الحالة الصحية للعاهل سلمان بن عبد العزيز عرفت مؤخرا تدهورا ملحوظا، بحيث فقد الرجل القدرة العقلية وأصبح عاجزا عن التركيز فأحرى معرفة ما يجري في مملكته، وأن ابنه محمد بن سلمان وضعه في الحجر الصحي ومنع الزيارة عنه حتى من وليي ولي العهد وأقرب مستشاريه، ليتولى هو زمام شؤون المملكة بعد أن هيمن على مقاليد الحكم وآليات المال والقرار، تمهيدا لعزل الأمير محمد بن نايف ليتولى العرش بعد رحيل والده بانقلاب أبيض يخطط له في الكواليس.
وتصريح الأمير الأخير لجريدة الوطن السعودية لم يأتي من فراغ، بل عنى الرجل كل كلمة قالها، ويعتبر بحق مؤشر قوي على قدوم ساعة الحقيقة لمراجعة السياسات وتقديم تنازلات مؤلمة أبدى استعداده لها بخلاف تعنت الأمير محمد بن سلمان وإصراره على التصعيد والمواجهة، الأمر الذي يؤكد ما ذهبنا إليه من أن القادم من الأيام سيكون حافلا بالمفاجآت والتطورات الدراماتيكية في مسلسل الصراع على السلطة بين المحمدين.

بانوراما الشرق الأوسط

اترك تعليقاً