السيمر / فيينا / الخميس 06 . 07 . 2023
محمد مهدي الشكري
يعد التطور في المفاهيم والآليات التي تحكم التفكير البشري من مميزات هذا العصر, خاصة مع تسارع وتيرة الانفجار السكاني, يصحبه انفجار معرفي معلوماتي كبير جدا, تجاوز كل أطر وآليات العالم القديم, فبات توحيد المفاهيم حول فكرة أو آيديولوجيا موحدة أمر يكاد يكون مستحيلا, وخاصة مع النجاح الكبير في تفعيل العواطف الوجدانية, من أجل صناعة واقع موهوم.
ومن المنطلق أعلاه, نجد أن العالم الاسلامي اليوم (وبالأخص في جنبته العقائدية والفكرية), بات يمر بمرحلة صراع وإثبات وجود كبيرة, ضد الكثير من العوامل والمؤثرات, منها ما كان على صعيد المشاريع الممنهجة المقصودة لضربه, ومنها ما كان نتيجة طبيعية تطورية لعملية التشتت الفكري والانفعالي, الناتجة عن التطور التكنولوجي الذي غزا بشكل كبير جزء كبير من المجتمعات الانسانية.
انقسمت مشاريع ضرب الدين الاسلامي إلى قسمين:
القسم الأول, حاول أن يضرب الدين من حيث كونه عقيدة وفكر, يسير مع الفرد المسلم طيلة ايام حياته, مرشدا وموجها, وكابحا لنزواته, فجاءت المشاريع التخريبية (الغربية منها والشرقية), بمحاولة تحقيق فصل وتباعد موضوعي ما بين روح الفرد المسلم, وما بين مبادئ دينه, فحاولت هذه المشاريع اولا تسفيه الاسس العقائدية والفكرية للمسلمين, وحاولت اكمال مشروعها بخلق بديل فكري وفلسفي وقانوني (حقوقي), ذو ملامح براقة تسر الناظرين.
القسم الثاني, وهو الأعنف والأشد قسوة, حاول ان يضرب الوجود المباشر للمسلمين, في محاولات عديدة لتحقيق اكبر قدر ممكن من التصفية الجسدية للجموع المسلمة, فكانت لغة السلاح اصدق أنباءا من لغة الفكر, فكانت النتيجة مجازر كبيرة ورهيبة, ارتكبت بحق المسلمين (الشيعة منهم على الخصوص), راح ضحيتها مئات اللآلاف, حتى بات وجود العقيدة الدينية اصلا مهددا بالزوال, لزوال عناصره البشرية.
مثل هذا النوع من المشاريع عادة, تحسم فواعل الغلبة فيه لمقدار ما يملكه كل طرف من مصادر قوة عسكرية ومالية وبشرية واقتصادية, ومقدار ما يمكن ان يحيط به نفسه من دعم يصدر من جهات دولية او مؤسسات اقتصادية عملاقة.
قيادة الحروب الوجودية بامكانات بسيطة, وقيادة معادلة النصر فيها مع وجود اختلال كبير في توازن القوى, انما يمثل طفرة نوعية في استراتيجيات الحروب الحديثة, بعد ان اصبحت عاملي السلاح والمال يقفان في الصف الثالث او الرابع, تتقدمها استراتيجيات العقيدة والمبدأ الديني, حيث ثبت ان القيادة الجهادية التي تنطلق من مبدأ ديني حقيقي, وتحمل في خزينها العقائدي هموم المظلومين والمستضعفين, تكون هي الأقوى في معادلة الصراع الوجودي اليوم.
أثبت قادة النصر (الشهيدين الخالدين الجنرال قاسم سليماني, والجنرال ابو مهدي المهندس), انهما قد ملكا خيوط هذه القوة, لذا نجد ان موازين المعارك كانت تختل بمجرد دخول هذين القائدين على خط التماس فيها, حيث كان تحقيق النصر في اغلب ان لم نقل كل, المعارك التي كانا يدخلانها, هو من المحتمات, لما يملكانه من عقيدة راسخة وقوية, ومبدأ ثابت, مكنهما من قلب موازين المعادلة التي كانت تمثل اقوى مشروع في الوجود, لضرب الاسلام وقواعده البشرية.
قيادة أكثر من حرب, في أكثر من جبهة, وفي اختلاف بائن في الجيوسياسيا, من قبل افراد معدودين, كانت تمثل ظاهرة جديدة وغريبة في معادلات الحروب العسكرية, طويلة الأمد.
القدرة التي امتلكها القائدان, انما كانت صنيعة العقيدة, نتاجا للمبدأ, اثبت فيها ان حضور العقيدة القيمية, في مجالات الحياة (ومنها العسكرية), إنما تمثل أهم عامل من عوامل الحسم والنصر؛ لذا نجد ان الحيرة كانت ملازمة لكل ردات فعل اصحاب المشروع الآخر, عندما كانوا يرون كيف أن الغزل الدقيق والناعم لمخططاتهم, يجري تفكيكه وتشتيته, من خلال قدرات قادة, لم يكونوا يرونهم بالعين العسكرية الاستخباراتية المجردة .
وهذا سر من اسرار قوة مبدأ القيادة المعتمدة على الغائب (الحاضر).