السيمر / فيينا / الخميس 27 . 07 . 2023
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كنت بطريق العودة من مدينتي العزيزة مدينة قضاء الحي الى مملكة الدنمارك، بعد أن فرضت علينا أن نترك العراق مجبرين وليست من ارادتي، عارضنا نظام البعث الطائفي وتحملنا سنوات من الاعتقال والسجون في سجون العربان، وسقط نظام البعث وكان يرادوني حلم العودة، لكن خطأ موظف في لجنة الفصل السياسي في الأمانة العامة لرئاسة العراق، تسبب لي ضررا كبيرا بحيث حصلت على قرار رفض جائر يشبه تماما قرارات نظام البعث التعسفية الجائرة في اعطائي رفض دائم وقطعي في رفض عودتي لوظيفتي في وزارة الدفاع العراقية والى الأبد.
كنت بطريق مغادرة العراق، واستقليت عجلة لنقل الركاب من الناصرية إلى مدينة البصرة، صعد بالسيارة عدد من النساء من أهالي البصرة كانن في حضور مجلس فاتحة لدى اقاربهن بمدينة الناصرية، كان مع النسوة شاب ربما عمرة لايتجاوز سن عشرسنوات ، عندما اتجهت السيارة من البصرة صوب الناصرية، وقبل وصولنا إلى نقطة تفتيش تل اللحم، بدأ يتكلم، هذا الشاب الصغير الذي هو بعمر العشر سنوات مع السائق بوجود قبر سيدة هولندية، ويوجد علامة صليب والصليب للكنيسة….الخ.
من كان في العجلة الصغيرة تعجبوا من هذا الكلام، كانت بجانبي امرأة كبيرة بالسن قريبة لهذا الشاب الصغير الجميل، الذي كان متحمسا بدافع إنساني لزيارة هذا القبر، سألتها، عن القبر، قالت لي انه قبر سيدة هولندية ماتت بالعراق ودفنت في هذا المكان، فعلا لدى وصولنا إلى نقطة تفتيش تل اللحم رأينا علامة صليب على قبر يقع بالجانب الأيسر من الطريق في اتجاه ناصرية بصرة.
بقيت اسأل، أريد أعرف حقيقة ذلك، كان معنا بالسيارة رجل وقور من أهالي الناصرية يعمل كابتن في البحرية العراقية، قال لهذا الشاب صار لي اعمل بالبحرية ٤٢ سنة وانا من الناصرية وطريقي في اتجاه البصرة يتم من هنا لكنني لم اعلم بوجود قبر إلى امرأة أوروبية هنا.
في هذه الاثناء قمت في توجيه السؤال إلى الست العزيزة في الانترنت ست غوغل عن حقيقة وجود قبر مواطنة هولندية بجنوب العراق في محافظة الناصرية، الست غوغل المحترمة زودتني معلومات قيمة ووجدت أبحاث وصور يتحدث أصحابها عن حقيقة وجود قبر لعاشقة تحمل الجنسية البولونية وليست الهولندية ماتت بالعراق في زمن الحقبة السوفياتية، هذه الفتاة العاشقة قدمت لرؤية عشيقها البولندي الذي كان يعمل في شركة بولندية في العراق، جائت للعراق لتحتفل مع عشيقها في أعياد رأس الميلاد في اليوم الاخير من عام ١٩٨٢، أرادة أن تعمل مفاجئة إلى زيارة عشيقها لتحتفل معه في عيد رأس السنة الميلادية، لكن وقع لها قدر حادث سير وماتت قيل أن تصل إلى عشيقها، قصة مؤلمة يتعاطف مع هذه الضحية كل بشر لديه قليل من الانسانية، بعد ان قرات الاخبار المكتوبة في غوغل حول العاشقة شهيدة الحب والوفاء التفتت إلى هذا الشاب المشبع بالانسانية وقلت له اشكرك عمو فقد كنت سبب لي أن اعرف هذه القصة المؤلمة، وقلت له اوعدك في كتابة مقال انشرة بالصحف حول قصة وجود قبر هذه العاشقة البولندية وليست الهولندية، سألني عن كيفية النشر، قلت له عمو انا كاتب وصحفي وسوف اكتب مقال واذكر اسمك في المقال لأنك كنت سبب لي بمعرفة قصة غريبة بالنسبة لي سألته عن اسمه قال لي اسمي صادق من قبيلة ال عايش، والمعروف أن هذه القبيلة العربية الأصيلة الكريمة تنتشر باليصرة والناصرية والسماوة.
قصة شهيدة الحب الفتاة البولندية، والتي اسمها تالا واسم حبيبها جاكوب، أي يعقوب باللغة العربية، قصة مؤلمة يعبر يوميا آلاف المسافرين المتجهين صوب البصرة ومن البصرة ناصرية حيث يشاهد الكثير من المسافرون بالقرب من سيطرة تل اللحم في مكانا صحراويا قبرا وسط الصحراء لفتاة بولندية تدعى تالا، القصة تقول جاءت إلى العراق لمقابلة حبيبها جاكوب الذي كان يعمل في شركة لإكساء الطرق، وتوفيت في حادث سير.
القبر قريب بعض الشيء من الشارع العام الواصل بين مدينتي الناصرية والبصرة، وهو على ارتفاع لا يتجاوز المتر الواحد، وقد حفر على سطحه علامة الصليب، ووضع على أعلى القبر حرفين، الحرفين هما أوّل حرف من اسمي العاشقين، منطقة صحراوية قاحلة لكنها قابلة أن تكون واحة زراعية حيث تقع بمسافة لاتتجاوز اربعين كيلو متر عن مصب نهر الفرات، وببساطة يتم حفر بئر ارتوازي ورخيص الثمن لزراعة بستان حول قبر شهيدة الحب تالا عشيقة جاكوب، الحادثة وقعت قبل ٤١ سنة، بعد تصفحي إلى ماتم كتابته حول قصة العاشقة البولندية تالا وجدت حوار مع مدير مفتشية آثار محافظة ذي قار، السيد عامر عبد الرزاق، وقد اسهب في شرح القصة وقال، إن شركة بولندية كانت تنفذ مشروعا لإكساء الطريق السريع بين الناصرية والبصرة عام 1982، وكان العاملون في الشركة يقيمون في منطقة يطلق عليها تل اللحم، وهي منطقة صحراوية تقع عند مثلث البصرة وذي قار والمناطق المحاذية للحدود السعودية، وكان في تلك الشركة مهندس بولندي له حبيبة أو كما يسميها أهل المنطقة التي وقعت بها الحادثة يسموها العاشقة.
يقول السيد مدير الآثار الأستاذ عبد الرزاق خلال حديثه للصحفيين، أن المهندس البولندي جاكوب كان يتبادل الرسائل مع حبيبته بانتظار الزواج، وحين حانت أعياد رأس السنة في ذلك العام أرادت تالا مفاجأته بالسفر إلى العراق ليحتفلا معا وتكون قريبة منه، لكن القدر كانت له كلمة أخرى، إذ تعرضت لحادث سير وهي في طريقها من بغداد إلى الناصرية لمقابلته، وتوفيت على إثر ذلك.
وحسب قول السيد مدير أثار الناصرية أشار إلى أن العاشق البولندي دفن حبيبته في مكان الحادث على الطريق السريع، وتحوّل قبرها إلى مزار يومي له بشكل يومي ولمدة تزيد على 8 سنوات، حتى أنهت شركته العمل في المشروع عام 1990 قبل حرب الخليج، وغادرت العراق، وظل القبر وحيدا غريبا كما يطلق عليه الأهالي، وصار رمزا للوفاء والتفاني.
حسب وجودي بالغرب وفي مملكة الدنمارك منذ ثلاثين سنة، أن الاوربيون يهتمون بقضية نقل جثث امواتهم لتدفن داخل بلدانهم، فكيف تمكن هذا العاشق أن يدفن جثة عشيقته في صحراء الناصرية، ربما كان السبب، كانت بولندا بتلك الحقبة تحت ظل حكم رفاقنا الشيوعيين وكانت بولندا تمثل حلف وارسو للمعسكر السوفياتي الشرقي، ولم يعيروا اي أهمية لنقل جثث الموتى لبلدانهم أسوة بالنظرة الوهابية السلفية التي تعتبر نقل جثث الموتى ووضع علامة على القبر بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار.
حسب رئيي المتواضع توجد فرصة يمكن مفاتحة مؤسسات الاتحاد الأوروبي من خلال منظمات المجتمع المدني العراقي لتقوم المنظمات الحقوقية في إقامة قرية سياحية وتنظيم زيارات للعاشقين إلى قبر شهيدة الحب والوفاء المواطنة البولندية تالا وجعل المنطقة منطقة سياحية يمكن استثمار المكان، من قبل وزارة السياحة والآثار العراقية، وتحويله إلى معلم سياحي للسياح الأجانب الذين سيتوافدون على المدينة لزيارة هذا الضريح رمز الحب والعاشقين، وأيضا الناصرية تعج في الآثار مثل أثار أور الأثرية وسومر وبيت نبي الله إبراهيم عليه السلام، ووجود الأهوار، أن استثمار هذا المكان بالتأكيد سيكون مصدرا اقتصاديا مهما ويسهم في تشغيل مزيد من الأيدي العاملة.
خلال تصفحي إلى قبر تالا وجدت أن هذا القبر ورغم قلة التغطية الإعلامية وعدم وجود اهتمام من قبل المسؤولين في وزارة السياحة والآثار لكن هذا القبر أصبح قبر رمزً للوفاء وللحب، بين أهالي الناصرية بشكل عام واهالي قضاء سوق الشيوخ والذي يقع القبر ضمن أراضي قضاء سوق الشيوخ، وجدت أن الكثير من أهالي سوق الشيوخ ورغم قيام نظام صدام الجرذ بحرق قضاء سوق الشيوخ في انتفاضة عام ١٩٩١ واعدام آلاف الشباب وهروب آلاف الشباب والعوائل من أهالي الناصرية في اتجاه السعودية وإيران، لكن هذا القبر يذهب إليه الكثير من العشاق والأدباء، والذين يواظبون لزيارته بين الحين والآخر، خصوصاً في اعياد رأس السنة أو في عيد الحب من كل عام حيث يضع بعض الشباب من أهالي الناصرية ومن ابناء المكون الشيعي بشكل خاص الشموع والماء على القبر ويطلبون من الله عز وجل خالق جميع البشر الرحمة والمغفرة لصاحبة القبر الذي لا يزال حتى الآن يسمى بالقبر الغريب
وقد استوقفتني كلمات معبرة ومؤلمة إلى الروائي العراقي الأستاذ حسن عبد الرزاق الذي كتب عن قصة شهيدة الحب تالا فيقول، رمال تل اللحم الذارية تخفي ملامح الوجوه، وقبرها لم يتجمّل بصورتها، لكني أتخيلها تشبه وجه الحب، مشرقا، وديعا، ومزوقا بلون الورد
ويضيف أن قبرها، على جانب الطريق الساخن أبدا لفرط نيران الحروب، يلوّح هناك منذ أن طارت على جناح العشق ذي حنين، آتية نحو جنوب العراق لتسقي قلبها الظامئ من عيون الحبيب، ويعتقد أن القدر، اختار لها هذا السرير الأبدي عندما رماها قتيلة على الرمال الغريبة.
لكنه يرى أن القلوب الرقيقة منذ عرفت بحكايتها صارت تزرع حول مقامها زهور القصائد وتقيم للجمال بين حين وآخر طقوسًا بقربه، لذا فهو يعدّها فقيدة العشق، استقبلتها أرض الجنوب بصدق قلب عندما دسّوا جسدها فيها، وقد احتضنت علامة الصليب، لتؤكد أن هذا التراب يجيد منح الحب لكل البشر، لذا فهو يطالب بتحويل قبرها إلى مزار تقصده الأرواح العاشقة حاملة إليه نذور الحب الصادق العفيف.
قصة شهيدة الحب والعشق البولندية تالا لم تكن خافية عن شعراء أهالي قضاء سوق الشيوخ، رئيس التجمع الثقافي في مدينة سوق الشيوخ الأستاذ الأديب علي مجبل، يقول، إن القبر تحوّل إلى رمز للوفاء مثلما هو رمز للحب، مشيرا إلى أن الناس كانوا يذهبون لزيارة القبر حتى وقت قريب سواء في أعياد السنة أو أعياد الحب حيث يضعون الشموع ويرشّون الماء على سطح القبر كما يفعلون عند زيارة قبورهم، نعم إنه كرم أبناء العشائر العربية الشيعية في جنوب العراق، تعاطف ابناء شيعة العراق ومنهم تعاطف الشاب الصغير الذي يبلغ عمره عشر سنوات صادق البصراوي، والذي كان صادق المشاعر والأحاسيس الإنسانية الصادقة البعيدة كل البعد عن عقد الكراهية، صادق العياشي كان سبب لي بمعرفة قصة صاحبة القبر المؤلمة، مواقف هذا الطفل الصغير ابن البصرة وابن جنوب العراق دليل ان ابناء جنوب العراق وبالذات الشبعة العراقيين لا يفرقّون بين الأديان و متسامحون مع أنفسهم ومع من يأتي به الزمان إلى ارضهم، فعلا قصة شهيدة الحب والغرام تالا قصة فريدة لهذه المرأة الشابة المسيحية التي أصبح قبرها في العراق يتغنّى به الشعراء وحتى كتّاب السرد من أدباء المنطقة من أهالي قضاء سوق الشيوخ الكرام على وجه الخصوص .
أفضل مكسب في زيارتي هذه للعراق وربما تكون الاخيرة لي بعد أن رفض من يملكون قرار عودتي للعراق بطريقة منحطة وسافلة بحرماني من العودة لوظيفتي لكي اكمل ماتبقى من حياتي في العراق، هو معرفة قصة رمز الوفاء للحب الفتاة تالا رحمها الله، لذلك اطالب المنظمات الحقوقية وأبناء أهالي سوق الشيوخ في إقامة قرية بالقرب من قبر فقيدة العشق والحب المواطنة البولندية تالا وتحويل مكان القبر إلى مكان سياحي، وإحاطته بصندوق زجاجي، وإدخاله في موسوعة خرائط الخطة السياحية في العراق، ووضع له معلومات في محرك البحث في الانترنت غوغل، نعم ترقد (تالا) البولندية التي قادها قلبها العاشق من بولونيا إلى العراق، لتنتهي قصتها هنا في قبر غريب وموحش في أقصى جنوب الناصرية.
تحيط بالقبر من جميع جهاته أرضا ترابية، ومنذ الوهلة الأولى للوصول إليه يمكن مشاهدة آثار الأقدام لأناس اكيد يعرفون قصة قبر هذا العاشقة البولندية حيث مروا عليها، للتعاطف معها، أكيد وجود الآثار للاقدام حول القبر يكشف أن هناك أعداد كثيرة من ابناء قضاء سوق الشيوخ قد زاروا قبر الحب والعشق، وهم يمرون أو يلتقطون صورا بالقرب من هذا القبر الذي يشرح قصة مؤلمة، قبر يقع عند الطريق الرئيسي الذي يربط الناصرية بالبصرة.
في الختام الشكر الجزيل للشاب صادق العياشي ابن البصرة الذي كان سبب لمعرفتي قصة وجود قبر لشابة بولونية قدمت من بولندا لرؤية عشيقها وحبيبها جاكوب في العراق والذي كان يعمل بشركة بولندية وتوفيت اثر حادث مؤسف، الرحمة والرضوان لكل الأشخاص الذين قادهم الظرف أن يتركوا اوطانهم ويموتون خارج بلدانهم لأسباب متعددة منها اسباب نضالية وجهادية مثل ماحدث مع آلاف المواطنين العراقيين الشيعة الذين قتلوا وماتوا وغرقوا في البحار والمحيطات خارج بلدانهم، مايعرف حقيقة آلام من يموتون غرباء إلا الاسخاص الذين يعيشون في بلدان المهجر، تبا وتعسا لكل شخص يقبل أن يصبح مسؤول ويكون سبب في حرمان الكثير من الناس من حق العودة إلى اوطانهم للعيش بها، وانا واحد من هؤلاء الذين كتب عليهم العيش بشكل قسري خارج العراق ظلما وعدوانا، رحم الله الاحرار بكل إسقاع دول العالم، انها كانت قصة مؤثرة ومؤلمة تستحق من كل الشرفاء والعشاق والمحبين وأصحاب الضمائر الإنسانية التعاطف مع شهيدة الحب والوفاء المواطنة البولنية تالا التي احتضنتها أرض شيعة العراق في جنوب العراق أرض الحضارة والإنسانية، أرض الحضارات أرض سومر، نعم أنهاالأرض التي وطأتها ارجل الإمام علي بن أبي طالب ع لدى محاربته أهل البغي والضلال في معركة الجمل عندما توجه إلى البصرة، وذكرت كتب التاريخ أن الإمام علي بن أبي طالب ع صاحب القول الماثور الخلق اما اخ لكم في الدين أو شبيه لك في الخلق، مؤسس قانون العدالة الإنسانية بعيدا عن الدين والقومية والمذهب، الكتب التاريخية تقول أن الإمام علي ع كان يخصف بنعله وساله ابن عمه عبدالله بن عباس، وكما هو مذكور في خطب الإمام بذى قار 2183 – نهج البلاغة – في ذكر خطبة للامام (عليه السلام) عند خروجه لقتال أهل البصرة، قال عبد الله بن عباس، دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي، ما قيمة هذا النعل؟ فقلت، لا قيمة لها. فقال (عليه السلام) والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا. ثم خرج فخطب الناس فقال،
إن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) وليس أحد من العرب يقرأ كتابا ولا يدعي نبوة، فساق الناس حتى بوأهم محلتهم وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم واطمأنت صفاتهم.
أما والله، إن كنت لفي ساقتها حتى تولت بحذافيرها، ما عجزت ولا جبنت، وإن مسيري هذا لمثلها، فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه.
مالي ولقريش، والله، لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم، والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم.
25/7/2023