السيمر / فيينا / الخميس 27 . 07 . 2023
معمر حبار / الجزائر
الكتاب: طه حسين: “الفتنة الكبرى، الجزء الأوّل، عثمان”، دار المعارف، مصر، (دون ذكر سنة النشر، ولا الطبعة، ولا عدد الطبعات)، من 239 صفحة.
طه حسين كما قرأ له معمر حبار:
من حسن حظّي أن قرأت كتب طه حسين رحمة الله عليه: “على هامش السّيرة”، و”الشيخان”، و”الوعد الحقّ”، التي تتعلّق بالسّيرة النبوية بالإضافة إلى كتب أخرى.
بالغ طه حسين حين اختار “الفتنة الكبرى” عنوانا لكتابه، وكان يكفيه أن يختار عنوان: “سيّدنا عثمان بن عفان”، و”سيّدنا علي بن أبي طالب”، ويكون بهذا عادلا مع أسيادنا الخلفاء الرّاشدين، لأنّ عنوان الكتاب يثير الفزع لدى البعض فيمتنعون عن قراءته، ويدفع البعض لقراءته لقصد غير الذي سعى إليه الكاتب. وفي هذه النقطة كان عباس محمود العقاد، رحمة الله عليه أفضل منه بكثير حين اختار عنوان “العبقريات” لأسيادنا الخلفاء، وبعض الشخصيات، ودون تمييز.
طه حسين رحمة الله عليه رجل لغة، وأدب عربي. قرأ التّاريخ خاصّة التّاريخ العربي من زاوية الشخصيات، والسّيرة النبوية، والفترة الجاهلية قراءة المتمعن، والمتفحّص، والنّاقد. مكّنته لغته العربية العالية جدّا، ومعرفته العميقة في قراءة التّراث العربي بشقيه الجاهلي والإسلامي من الوقوف على سلبيات وإيجابيات كلّ شخصية، وكلّ مرحلة. وصف الفترة الجاهلية ورجالها بصدق وأمانة، ودافع بقوّة عن العرب، والمرحلة الإسلامية بشخصياتها، وفي الوقت نفسه انتقد الجميع، ويعتبر من المراجع مصدر في فهم الفترة الجاهلية، والإسلامية.
أخطا طه حسين خطأ جسيما في كتابه “الأدب الجاهلي”، وتأثّر -حينها- بالأوروبيين المستشرقين، وكانت من أسوء مراحله. ومن حسن حظه أنّه تراجع عن تلك الجريمة، والحماقة ولم يعد إليها أبدا، ومطلقا وتاب توبة نصوح. وكانت تلك من مظاهر قوّته وعظمته، واستدرك الأمر بسرعة وعاد ليكتب عن “على هامش السيرة”، و “الشيخان”، و “الوعد الحق”، و “الفتنة الكبرى، الجزء الأوّل، والثّاني”. وكان عظيما عبر هذه الكتب، ومنصفا، وعادلا، ومبدعا، ومتميّزا، وآية من آيات الله في سحر البيان مع بعض النقائص التي سجّلناها -وما زالنا نسجّلها- عبر قراءتنا له.
طه حسين ليس الفقيه، ولا المحدّث، ولا المؤرّخ. لكنّه تطرّق للفترات السّابقة من جاهلية وإسلام، ولشخصياتها من زاوية النّاقد الذي يملك أدوات النقد، ويتقن ببراعة فائقة عرضها بسحر بيانه، وقد أصاب وأخطأ.
طه حسين ظلمه “المتدينون” حين اتّهموه بـ: “الكفر، والفسوق؟!”، وحذّروا من قراءته. وظلمه غيره حين لم يقرأوا له عمدا، فحرموا أنفسهم زاوية مشرقة كان من المفروض أن يستعينوا بها لفهم ماضيهم، وحاضرهم، والشخصيات الفاعلة.
لو كنت ناصحا لطلبت من الأصدقاء الكرام، والقرّاء، والنّقاد أن يجعلوا كتاب “الفتنة الكبرى”، لطه حسين آخر مايقرؤون في عالم السّيرة النبوية. ولا أنصح أبدا، ومطلقا أن يشرعوا بـ “الفتنة الكبرى”، فإنّه من الفتنة التي لايؤتمن عليها الأصدقاء الكرام، والقرّاء، والنّقاد.
أتعمّد الحديث عن عظمة أسيادنا الصحابة، والخلفاء الراشدين، وأمّهات المؤمنين، وآل البيت، والعلاقات الحسنة والقويّة فيما بينهم.
العناوين من وضع صاحب هذه الورقة، والتي اختارها عمدا لتدلّ على القوّة، والعظمة، والحضارة.
العلاقات الحسنة، والقويّة بين أسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب
قال طه حسين: خلافة أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب سابقة لعصرها، ولم يحلم بها معاصروهم، ولم تصل إليها الإنسانية لحد الآن رغم تطور مختلف أنظمتها السياسية. 5
قال: كانت غاية أسيادنا الخليفتين الصّدّيق، وعمر بن الخطاب أن يسيرا بالمسلمين سير سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمبنية على تحقيق العدل الخالص، مااستطاعا إلى ذلك سبيلا. 10
قال: أشدّ النّاس تمسّكا بسيرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مجالي العدل والقصاص هما أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب. “وما أعلم أن التاريخ الإنساني كله يجد لعمر نظيرا” 15
قال: تكمن عظمة أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب في كونهما ساسا أمّة بدوية لم تعرف الحضارة من قبل، ولا علم لها، ولا احتكاك بالأمم المتقدمة كالروم والفرس، وأمّة لم تتعوّد أن يسوسها أحد، أو يحكمها أحد. 44
قال: “لم يكن عثمان يحب الابتكار”70. أقول: يريد طه حسين أن يقول: أنّ سيّدنا عثمان بن عفان ظلّ على نهج سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب.
قال: هناك فروق كبيرة بين الخليفتين عمر وعثمان ومنها في الطبيعة، والمزاج، والسن وأخرى. 88
أقول: يبدو لي هناك خلط لدى طه حسين في معالجته لسياسة سيّدنا عثمان بن عفان تستوجب -حسب قراءاتي- بعض التوضيح، وهي: سيّدنا عثمان بن عفان رجل دولة، ومن حقّه أن يختار مايناسب دولته ولو خالف أسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب، ولا يحقّ أن يقارن بغيره. وينتقد -وغيره ودون استثناء- لسوء قراره اتّخذه، وليس لأنّه خالف أسيادنا الصّدّيق أو عمر بن الخطاب.
يرى في الفصل رقم 22، أنّ سيّدنا عثمان بن عفان كان له من الفتح ماكان لسيّدنا عمر بن الخطاب، بل زاد في الفتح على ماكان في عهد سيّدنا عمر بن الخطاب. والمؤكّد أنّ دولة سيّدنا عثمان بن عفان كانت قويّة في الخارج، وأقوى ممّا كانت عليه في عهد سيّدنا عمر بن الخطاب. 170
قال: خلافة سيّدنا عثمان صحيحة، وطريقة اختياره صحيحة، وبايعه الجميع، وحتّى الذين تأخّروا بايعوه فيما بعد وحكم بكتاب الله، وسنّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والتزم بما التزم به أسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب. 174.173
عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب من خلال رفضه توريث الحكم لابنه العالم الفقيه المجتهد
قال: تكمن عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب في أنّه سعى لتحقيق العدل، وحقّق العدل، وكان يغلّب العدل على كلّ شيء. فجمع بين فضيلتي السعي، والتحقيق. 9
قال: كانت من سيرة سيّدنا عمر بن الخطاب أنّه كان يقتص من أيّ كان إذا أخطأ، ويأمر الولاة أن يقتصوا من أنفسهم راضون قبل أن يقتصّ منهم وهم له كارهون، وكان يقتصّ من نفسه لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقتص من نفسه. أقول: مايدلّ أنّ سيّدنا عمر بن الخطاب كان يتّخذ من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدوة، ومثالا في تحقيق العدل وتجسيد القصاص على الرعية، والولاة، والقادة، وعلى نفسه. 13
أقول: ممّا فهمته من الكتاب أنّ سيّدنا عمر بن الخطاب كان يبقى نصيبا من المال في بيت مال المسلمين، من خلال الأموال التي كانت تصله من الغنائم. وهذه الطريقة هي التي مكّنته من مواجهة جائحة عام الرمادة باحترافية عالية، ودون خسائر معتبرة.
قال: كانت سياسة عمر بن الخطاب هي السياسة الوحيدة القادرة على ضبط الرعية. 87
أقول: ممّا فهمته من الكتاب: تكمن عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب وهو يعاني آلام الطعن المسمومة، وأنّه ميت لامحالة في كونه راح يفكر في المسلمين وفي من يقوم بشؤونهم من بعده، ولم يفكّر أبدا ومطلقا في ابنه لكي يكون خليفته، وخليفة المسلمين وهذا هو الأسهل خاصّة للمطعون، والهالك لامحالة. إنّما راح يفكّر في مصلحة المسلمين ولو كان الأصعب، وأشدّ تعقيدا وهو اختيار لجنة من أفضل الصحابة الذين نالوا رضا الله تعالى، ورسوله، والمؤمنين ليختاروا من بينهم من يكون خليفة للمسلمين. وبين آلام الطعن، والبحث عن خليفة للمسلمين راح سيّدنا عمر بن الخطاب يرجو سيّدتنا أمّنا عائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق أن تأذن له في أن يدفن بين حبيبيه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وسيّدنا الصّدّيق.
مايعني أنّ رفضه أن يكون ابنه خليفة للمسلمين نابع من حبّه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي لم يورّث ابنته، ولا ابن عمّه، ولا عمّه، ولا أحد من أقاربه من بعده. ونابع من حبّه لسيّدنا الصّدّيق الذي لم يوص لابنه وهو القائد الفاتح، ولا أحد من عائلته وقد ارتضاه المسلمون عن حبّ وطواعية خليفة للمسلمين في أمور دينهم، ودنياهم.
عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب من خلال أسيادنا السّتّة الذين اختارهم، واستشارته لسيّداتنا أمّهات المؤمنين:
أقول: ممّا فهمته من آخر الأسطر التي نقله طه حسين عن البلاذري في “أنساب الأشراف”، صفحة 17.16، أنّ سيّدنا عمر بن الخطاب اختار السّتة عقب مقتله لاختيار الخليفة من بعده، ولم يرشّح أيّ منهم، وكان يرى لكلّ واحد منهم حسنات وعيوب.
قال: حين كلّف سيّدنا عمر بن الخطاب السّتّة باختيار الخليفة، استشار سيّداتنا أمّهات المؤمنين[1] في من يكون الخليفة القادم، وأبدوا رأيهم 63. أقول: وهذا من عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب.
قال: لم يكن الولاة الذين نصّبهم سيّدنا عمر بن الخطاب من قريش، باستثناء أسيادنا عمرو بن العاص على مصر، ومعاوية بن أبي سفيان على الشام، ولم يكن واحد منهم من بني عدي، أي لم يكن أحد منهم من رهط سيّدنا عمر بن الخطاب. 74
عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب من خلال عزل سيّدنا سيف الله المسلول خالد بن الوليد:
يرى طه حسين في الفصل السّادس من الكتاب أنّ من أسباب عزل سيّدنا عمر بن الخطاب لسيّدنا خالد بن الوليد، نابع من معرفته الجيّدة لقريش من حيث نقاط قوّتها، وضعفها وقد ذكرها بالتّفصيل لمن أراد الزّيادة. بالإضافة إلى سوء ظنّه في استعمال قريش لما تحت يديها من قوّة، ولذلك منع كبار أسيادنا الصحابة من الخروج من المدينة.81
مظاهر عظمة سيّدنا عثمان:
يتطرّق طه حسين في الفصل الرّابع إلى الفترة الجاهلية أوّلا، ثمّ الدعوة الإسلامية، وممّا جاء فيه: “ولا يعلم الرواة من أمر عثمان بن عفان إلاّ نسبه” 50.
أقول: وهذه ملاحظة عظيمة من طه حسين. وأنّ نسب سيّدنا عثمان بن عفان نقي، وطاهر، ومعروف بالإضافة إلى مزايا أخرى.
قال: “وكان عثمان، كما كان أبوه، وكما كان بنو أمية في الجاهلية أصحاب تجارة. وذهب عثمان مذهب أبيه وقومه في التجارة، فأفاد مالا كثيرا” 51 .
أقول: المال الكثير لدى سيّدنا عثمان، وبني أمية كان في الجاهلية، وقبل الإسلام، وقبل الفتوحات الإسلامية.
قال: “كان عثمان من السابقين إلى الإسلام، ومن العشرة السّابقين إليه. وكان إسلامه قبل أن يستقر النبي بدعوته بدار الأرقم”. 51
قال: وشهد المشاهد كلّها مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
قال: اشترى سيّدنا عثمان بن عفان بئر رومة ووضعه تحت تصرّف المسلمين، واشترى قطعة أرض ووضعها تحت تصرف المسلمين لتوسيع مسجد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وجهّز جيش العسرة بماله ووضعه تحت تصرّف المسلمين ليواجهوا الروم في غزوة مؤتة. 52
قال: امتاز سيّدنا عثمان بن عفان بـ: سابقته في الإسلام، وإصهاره إلى النبي مرتين، وحسن بلائه في الإسلام بماله ونفسه. 54
أقول: أحسن طه حسين حين عقّب على رسائل سيّدنا عثمان بن عفان للولاة، والتي يأمرهم فيها أن يكونوا “رعاة لاجباة”، وأن “ليس الفتح الإسلامي فتح غلب وتسلط، إنما هو فتح رعاية ورفق وإصلاح”. 69
أقول: أقف مع طه حسين بقوّة في موقفه النبيل، وهو يؤكّد بالحرف: “وما أكثر ماشنع خصوم الشيعة على الشيعة، وما أكثر ماشنع الشيعة على خصومهم في أمر عثمان وغير عثمان”. 134
يتحوّل طه حسين في الفصول رقم: 22، و23، و24، و25 إلى مدافع قوي، وشرس عن سياسة سيّدنا عثمان بن عفان فيما يخص المال، والولاة، وأسرته، والشيخان، وقضايا أخرى.
أبناء سيّدنا عثمان بن عفان وأبناء سيّدنا علي بن أبي طالب:
قال: زوّجه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابنته سيّدتنا رقية. وهاجرا معا إلى الحبشة، وعادا إلى مكة، ثمّ هاجرا إلى المدينة. 52
قال: لم يشهد سيّدنا عثمان بن عفان غزوة بدر، لأنّه ظلّ مع زوجه سيّدتنا رقية التي مرضت، فمنحه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سهما وكأنّه حضر الغزوة.
أقول: كان طه حسين عظيما حين قال: حزن سيّدنا عثمان بن عفان حزنا شديدا على موت زوجه سيّدتنا رقية، لانقطاع الصهر مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثمّ زوّجه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابنته سيّدتنا أم كلثوم. 52
قال: ولد لسيّدنا عثمان بن عفان عبد الله من سيّدتنا رقية، ومات في السّادسة من عمره. ولو كتب له العيش لكان له ولأبيه شأن عظيم. 52
أقول: لو عاش ابن سيّدنا عثمان بن عفان لكان ابنه في نفس مرتبة أسيادنا الحسن، والحسين أبناء سيّدتنا فاطمة الزهراء بنت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، باعتبار ابن سيّدنا عثمان بن عفان هو ابن سيّدتنا رقية بنت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأخت سيّدتنا فاطمة الزهراء، وبنات سيّدتنا أمّنا خديجة بنت خويلد. ولو عاشت سيّدتنا رقية لكانت في نفس منزلة سيّدتنا فاطمة الزهراء، باعتبارهما يشتركان في الوالد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويحملان لقب الأم.
أقول: يشترك سيّدنا عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب في كونهما صهرا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأزواج بناته سيّداتنا رقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء. ويتفوّق سيّدنا عثمان بن عفان على سيّدنا علي بن أبي طالب في العدد، باعتباره تزوّج اثنين من بنات سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وتزوّج سيّدنا علي بن أبي طالب ببنت واحدة لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
لايفرّق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أبنائه، وبناته، ولا يفضّل أحدهم على الآخر. ولا يفضّل صهرا على صهر، ولا زوج ابنته على زوج ابنته. وهذا من تمام كماله، وعدله صلى الله عليه وسلّم.
عظمة سيّدنا عثمان بن عفان من خلال حبّه أن يلقى الله تعالى في المدينة المنوّرة:
كان طه حسين عظيما حين أشار لهذه النقطة، وهو يقول عبر الفصل رقم 23: رفض سيّدنا عثمان بن عفان أن يجعل من مكّة دار قرار أيّام الفتنة، ولا من الشام دار قرار حين عرض عليه سيّدنا معاوية بن أبي سفيان ذلك. والسبّب أنّه فضّل المدينة لفضل جوار سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 180
قال: استقبل سيّدنا عثمان بن عفان وهو يريد أن يسير سيرة صاحبيه لايغيّر منهما شيئا. ولقي ربّه وهو متمسّك بسيرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وصاحبيه حين رفض مغادرة جوار سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأن يقبل احتلالها من طرف أجانب. 216
قال: وعرض سيّدنا معاوية بن أبي سفيان على سيّدنا عثمان بن عفان أن يمده بجيش لحمايته، فرفض سيّدنا عثمان بن عفان أن تحتلّ مدينة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأصحابه من أسيادنا المهاجرين، والأنصار من طرف قوم لم يروا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا يعرفونه. 216
لاأحد يملك عهدا مكتوبا أو غير مكتوب بتولي الخلافة:
قال: نظام الحكم في عهد الخلفاء لم يكن نظاما إلهيا يصدر عن الوحي، لكنّه كان ضمن الوحي. وكان الحكم يدور بقدر تأثر الخليفة، والرعية بالدين ولم يكن يتنزّل من السّماء كما يعتقد البعض. 33
قال: بايع أسيادنا الصحابة الصّدّيق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب لأنّ المسلمين بايعوهم، وارتضوهم حكاما لهم وليس لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أوصى لهم، وهذا مالم يكن. وارتضوهم حكاما بعد أن تعهدوا للمسلمين أن يحكموا بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر. مايعني، لايوجد أبدا ومطلقا وصية من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأحد من المسلمين، ومهما كان. 36
كان طه حسين عظيما حين قال: الخلافة عهد بين المسلمين وخلفائهم، ونظام الحكم ليس نظاما إلهيا، والحكم أيّام النبي لم يكن مفروضا من السّماء. والحكم من أمور النّاس، يقع فيه الخطأ والصواب، ومن حقّهم أن يعرفوا منه أو ينكروا، وأن يرضوا عنه أو أن يسخطوا. ونظام الحكم في الإسلام كان نظاما عربيا خالصا لم يسبق العرب إليه من قبل، ثمّ لم يقلدوا بعد ذلك فيه.
قال: رفض سيّدنا عمر بن الخطاب أن يضع ضمن السّتّة المكلّفون باختيار الخليفة بعده، ابن عمّه سعيد بن زيد بن نفيل، وهو من المبشّرين بالجنة. أقول: هذالسّلوك المميّز من عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب الذي منع ابنه من الترشح للخلافة، ومنع ابن عمّه ليكون مع السّتّة حتّى لايورّث الخلافة لابنه، ولا لابن عمّه . 54
أقول: لاأوافق طه حسين في قوله أنّ سيّدنا عمر بن الخطاب لم يول ابنه سيّدنا ابن عمر الخلافة “لم لمس ضعفا في ابنه للقيام بأعباء الخلافة”. والصواب -حسب قراءاتي-: هو رفض سيّدنا عمر بن الخطاب التوريث لابنه وهو الفقيه، والعالم، والمجتهد، وتتوفّر فيه كلّ الشروط . وقد فعلها مع ابن عمّه سيّدنا سعيد بن زيد حين رفض أن يوليه الخلافة، وهو من العشر المبشرين بالجنة.
أقول: يبغض الحركى الجدد طه حسين لأنّه يرى أن لاتوريث في الإسلام، ولا لدى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا أسيادنا الخلفاء. ويبغص طه حسين غلاة الشيعة لأنّه لاوصية في الخلافة، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يوص لأحد ومهما كان، والخلفاء لم يوصوا بالخلافة لأبنائهم، ولا لأقاربهم. فالتقى الجمعان على بغض طه حسين لأسباب سياسية ولا علاقة لها بالدين.
عظمة أسيادنا الصحابة من خلال لاوراثة في الخلافة،
يرى طه حسين في الفصل الثّالث أنّ أسيادنا الصحابة كانوا يبدون رأيهم، ويناقشون سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في قضايا مصيرية جوهرية كمكان بدر، وأسرى بدر، والخروج، أو عدم الخروج من المدينة لملاقاة العدو يوم أحد، وبنود صلح الحديبية، وعدم أداء العمرة يوم الحديبية وغيرها كثير. مايعني أنّ الإسلام لم يأت بالتّفصيل في شؤون السياسة، والحكم إنّما أمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر دون التّفاصيل التي تركها عمدا للمسلمين ليسيّروا بها شؤونهم وفق الخطوط العريضة كالعدل والإحسان. “ولم يستخلف على المسلمين أحدا من أصحابه بعهد مكتوب أو غير مكتوب”. 24
أقول: ممّا فهمته من الكتاب، أنّ الثّراء، والأموال التي أعقبت الفتوحات الإسلامية أحدثت تنافسا سياسيا حول النفوذ، والمال. وهذه ظاهرة صحية وليست مرضية. وكان هناك اختلاف الرؤى بين كبار أسيادنا الصحابة وصغار أسيادنا الصحابة. 135
وفاء سيّدنا علي بن أبي طالب لأسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان
قال: بايع سيّدنا علي بن أبي طالب سيّدنا عثمان بن عفان دون تردّد، ودون أن ينبّههه إلى ذلك أحد، و”علي أوفى بالعهد وأكرم على نفسه من أن يحتاج إلى مثل هذا التنبيه”. وأضيف: وبايع من قبل أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب دون تردد. 64
أقول: أقف بقوّة مع طه حسين، وكان عظيما في قوله: “ومات النبي ولم يبين عن أمر الخلافة بشيء من نص صريح”. وأقف معه في قوله: “بايع سيّدنا علي بن أبي طالب الخليفتين مخلصا ونصح لهما صادقا، وأشار عليهما كلّما احتاجا إلى نصيحته”. وأقف معه في قوله: “كان سيّدنا علي بن أبي طالب وفيا لسيّدنا عمر بن الخطاب حين وفّى ببيعته حيّا وميتا”. وفي قوله: “بايع سيّدنا علي بن أبي طالب سيّدنا عثمان بن عفان بعدما تعهد بأن يتمسّك بكتاب الله وسنة رسوله وفعل الشيخين”. وأقف معه في قوله: “عرض سيّدنا عبد الرحمن بن عوف أن يكون سيّدنا علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين حين كان ضمن السّتّة، فرفض سيّدنا علي بن أبي طالب وفاء لسيّدنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب. وحين همّ عمّه سيّدنا العباس أن يبايع سيّدنا علي بن أبي طالب بعد مقتل سيّدنا عمر بن الخطاب، رفض سيّدنا علي بن أبي طالب لأنّه كره الفرقة”. وفي وقوله: “لم تكن الخلافة عند سيّدنا علي بن أبي طالب شيء يورّث”. 155
عظمة سيّدنا معاوية بن أبي سفيان من خلال رضا الخلفاء الثّلاثة عنه:
أقول: لاأتّفق مع طه حسين في سبب رفض سيّدنا عمر بن الخطاب طلب سيّدنا معاوية بن أبي سفيان ركوب البحر، “خوفا من كونها مغامرة من قريش للانفراد بالحكم”. والرأي -حسب قراءاتي- أنّ خوض البحر لم يكن من عادات، وثقافة العرب، ولا عهد لهم بالبحر، ولذلك رفض سيّدنا عمر بن الخطاب طلب سيّدنا معاوية بن أبي سفيان ركوب البحر.
تحدّث طه حسين عبر الفصلين العاشر، والحادي عشر عن عظمة سيّدنا معاوية بن أبي سفيان رحمة الله ورضوان الله عليه، فقال: أقرّ سيّدنا عمر بن الخطاب سيّدنا معاوية بن أبي سفيان على الشام، ثمّ الأردن لكفاءته، وقدرته، وحسن تسييره، وحكمته. وقد أحب أهل الشام، وأحبّه أهل الشام، ورضي عنه الخليفتان. واتّسمت ولايته بطول المدّة، والاستقرار، ولم يكن هذا لغيره. وهو االوحيد الذي لم يتم تغييره، ولا عزله في عهدي أسيادنا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، بل ضمّت إليه الأراضي لتكون تحت تسييره. ولا غرابة إذا رضي سيّدنا معاوية بن أبي سفيان على هذه الإنجازات. واتّسمت خلافته بطول المدّة، واستقرارها. وهذه الميزة لم تكن أبدا في غيره. ولو أخطأ سيّدنا معاوية بن أبي سفيان لعاقبه سيّدنا عمر بن الخطاب ولعزله، وهذا مالم يحدث. 118.119
قال: غزا سيّدنا معاوية بن أبي سفيان خمسين غزوة في البحر، ومنذ أن أعاد الطلب على سيّدنا عثمان بن عفان وأذن له، وقد سبق أن كرّر الطلب على سيّدنا عمر بن الخطاب فرفض، بل هدّده إن عاد إلى طلب ركوب البحر من جديد. 120
سيّدنا عثمان بن عفان هو الذي مكّن لسيّدنا معاوية بن أبي سفيان، حيث أصبح أقواهم جميعا من حيث الرقعة الجغرافية، وعدد الجند، والغنائم الهائلة، والنفوذ السياسي. 121
حين تولى سيّدنا علي بن أبي طالب الخلافة، وجد سيّدنا معاوية بن أبي سفيان متحكما في كلّ شيء، بسبب مهارته العالية في تسيير الدولة والمجتمع، ولم يبق لسيّدنا علي بن أبي طالب أيّ شيء. 121
أقول: من مظاهر قوّة وعظمة سيّدنا معاوية بن أبي سفيان: يملك القوّة، والمال، والنفوذ، والعدد، والاستقرار، وحب أهل الشام له وتفضيله على غيره، والدهاء، وطول المدّة، ورضا أسيادنا الخلفاء عنه. وهذه العناصر -وغيرها- مكّنته من الانتصار على غيره.
الشلف / الأربعاء 8 محرم 1445هـ، الموافق لـ 26 جويلية 2023
[1] للزيادة، راجع من فضلك منشورنا بعنوان: #المرأة_العظيمة_التي_تستشار_لاختيار_الخلفاء .