الرئيسية / دراسات ادبية وعلمية / “مذكرات آن فرانك” تجسد الخلود الأدبي بعد مرور 80 عاما على وفاتها في معسكر نازي
بدأت آن فرانك كتابة مذكراتها في الثاني عشر من يونيو/حزيران عام 1942. لأكثر من عامين، ومن مخبئها في أمستردام التي احتلها النازيون، سردت الفتاة البالغة من العمر 13 عاما يومياتها وأدلت بشهادتها... © أ ف ب

“مذكرات آن فرانك” تجسد الخلود الأدبي بعد مرور 80 عاما على وفاتها في معسكر نازي

فيينا / الأحد  02 . 03 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية

توفيت آن فرانك شهر مارس/آذار 1945 في معسكر بيرغن بيلسن بألمانيا، متأثرة بمرض التيفوس. وولجت هذه الفتاة البالغة من العمر 15 عاما، العالمية من بابها الواسع بعد نشر مذكراتها التي دونتها وهي مختبئة مع عائلتها بأمستردام هربا من الاضطهاد النازي لليهود.

فمنذ طبعته الأولى في العام 1947، أصبح هذا العمل واحدا من الكتب الأكثر قراءة في العالم.

في الخفاء، ومن حياة طبيعية ككل فتاة في عمرها، إلى أخرى مليئة بالمخاوف والشكوك حول مستقبل غامض ومهيب، سردت المراهقة آن فرانك حياتها اليومية وروت يوميات عائلتها. كما تطرقت إلى أحلام وآمال من هم في سنها وهي التي حلمت بأن تصبح صحفية أو كاتبة. وفي الأول من شهر أغسطس/آب عام 1944، خطت آن فرانك آخر أسطر مذكراتها…

ترجم عملها الأدبي إلى 70 لغة وبيعت منه أكثر من 30 مليون نسخة، وأصبح من أكثر الكتب مبيعاعلى المستوى العالمي. كتاب ألفته شابة ألمانية، وافتها المنية قبل 80 عاما في معسكر بيرغن بيلسن بالقرب من هانوفر. ويبقى تاريخ وفاتها غير معروف بالتحديد. وقال الصليب الأحمر إن آن وأختها الكبرى مارغو توفيتا بسبب مرض التيفوس في الفترة ما بين 1 و31 مارس/آذار 1945.

وفي شهر يوليو/تموز من نفس العام، تلقى أوتو فرانك، والد الفتاتين الصغيرتين، تأكيدا باختفائهما. وهو الناجي الوحيد في العائلة من معسكرات الموت. وفي الوقت ذاته، تلقى من زميلته السابقة، ميب جيس، مذكرات ابنته آن. ساعدت هذه المرأة عائلة فرانك على الاختباء في ملحق سري من بناية تابعة للشركة التي كان يديرها أبوها أوتو بأمستردام. وبعد إلقاء القبض عليها في أغسطس/آب 1944، تمكنت من الاحتفاظ بكتابات آن فرانك الثمينة.

“سمعت الأبواب تفتح، والموظفون يصلون، ويلقون التحية على بعضهم البعض ويدردشون حول كوب من القهوة. فتحت آخر درج في مكتبي وأخرجت الأوراق التي انتظرت عودة آن منذ نحو عام كامل. لم ألمس تلك الأوراق، لا أنا ولا أي شخص آخر. واليوم، أعرف أن آن لن تعود لتأخذ مذكراتها”، هكذا جاء في كتاب يروي قصة حياتها يحمل عنوان: “كان اسمها آن فرانك”.

على مدى عامين، وصفت آن حياة عائلتها اليومية في هذا الملحق السري للبناية الرئيسية لشركة أبيها. وأصبح هذا المأوى السري الضمان الوحيد لحمايتهم ضد اضطهاد اليهود في هولندا. وتحدثت عن مشاعرها وأفكارها كفتاة مراهقة وما يجوب في رأسها. وعندما اكتشف والدها أوتو هذه المذكرات، تلقى صدمة شديدة، جعلته يرفض نشر كتابات ابنته.

وفي هذا الشأن، يقول توماس سبار، وهو متخصص في الأدب بألمانيا، ومهتم بتاريخ كتابات آن فرانك: “في البداية، لم يكن مؤيدا لنشر كتاباتها. ولم يكن يعرف ما الذي سيفعل بها. وكان هو الناجي الوحيد من هذه الكارثة من بين الثمانية أشخاص الذين اختبأوا في الملحق”.

ويضيف مؤلف كتاب “مذكرات آن فرانك، قصة كتاب” (إصدارات كالمان-ليفي)، قائلا: “ثم أدرك أن هذه الأوراق كانت استثنائية، وأنه كان عليه أن يشارك الجميع ما قرأه”.

مذكرات “تجسد كل وحشية الفاشية”

في البداية، كانت هذه المذكرات مكونة من نسختين وهما: النسخة الأصلية، المعروفة بالنسخة “أ”، والنسخة “ب” التي تم تصحيحها. فبعد أن سمعت على أمواج إذاعة لندن أنه سيتم نشر شهادات عن القمع الذي تعرض له الشعب الهولندي تنشر بمجرد انتهاء الحرب، بدأت آن بتصحيح كتاباتها قبل أن يتم القبض عليها.

وبنية إعطاء النص نوعا من الانسيابية والانسجام، أجرى أوتو فرانك تعديلات عليه في مسودة ثالثة أطلق عليها النسخة “ج”. فقام بحذف بعض المقاطع التي بدت له صادمة أو غير لائقة، مثلما يوضحه توماس سبار: “لقد حذف عناصر بدت له حميمية جدًا كتلك التي توحي إلى بداية وعيها الجنسي، أو عندما كانت آن تنتقد والدتها أو عند انتقادها الكبير للألمان… لكنه لم يضف شيئا. إنها حقا مذكرات آن فرانك”.

في العام 1946، خصص المؤرخ يان رومين مقالاً أولا لمذكرات آن في إحدى الصحف اليومية الهولندية. واعتبر آنذاك أن هذه الكتابة “الآتية من تلعثم صبية، تجسد كل القسوة الفاشية، أكثر من كل الأدلة التي استطاعت محاكمات نورمبرغ جمعها”. وفيما لم يتلق أوتو فرانك حينها سوى الرفض من الناشرين، فإن هذا المقال لفت انتباههم في النهاية، وتم نشر المذكرات بعد عام في هولندا بطبعتها الأولى التي بلغت 3000 نسخة.

وسرعان ما تجاوزت مذكرات آن فرانك حدود هولندا، البلد الذي لجأت إليه عائلتها في العام 1933. ونُشر الكتاب في فرنسا في العام 1949، ثم في ألمانيا، بلد منشأ عائلة فرانك عام 1950، وفي الولايات المتحدة في العام 1952. ولكن تضاعف نجاحها الهائل ليبلغ عشرة أضعاف بعد تأليف مسرحية مستوحاة من المذكرات، عُرضت على ركح مسرح برودواي بنيويورك في العام 1955. توالت الليالي وقُدمت كل العروض بشبابيك مغلقة.

ويكشف توماس سبار قائلا: “بعد رؤية المسرحية، توجه الجمهور في اليوم التالي إلى المكتبات لشراء كتاب المذكرات.” وفي السنوات التالية، جالت المسرحية العالم بأسره، وتمت ترجمة المذكرات إلى عديد اللغات. وفي العام 1959، تم إنتاج فيلم “مذكرات آن فرانك” وأحرز على ثلاث جوائز أوسكار.

“يوم آن فرانك”

لقد أثارت الحياة اليومية لهذه الفتاة اليهودية المضطهدة اهتمام القراء في جميع أنحاء العالم. وأصبحت رمزا بل وجها للستة ملايين يهودي الذين اغتالهم النازيون خلال الحرب العالمية الثانية. وباتت المذكرات ظاهرة حقيقية حتى في البلدان التي لم يرتبط تاريخها بالمحرقة النازية. فقد حققت الرواية نجاحا باهرا في اليابان مثلا، ويوضح توماس سبار قائلا: “لم يقرأها اليابانيون كرواية تاريخية، بل كقصة فتاة مراهقة، نمت وكبرت وعبرت عن حبها ورغباتها…”

وسمح هذا الكتاب لأجيال من اليابانيات الشابات بالاستعداد لفترات حيضهن من خلال قراءتهن لمذكرات المراهقة. واللافت أنه في هذا البلد، يطلق على بداية الدورة الشهرية أيضا اسم “يوم آن فرانك”.

وما يثير الدهشة أيضا هو أن نيلسون مانديلا قرأ هذا الكتاب أثناء احتجازه في جزيرة روبن. وفي العام 1994، بعدما أصبح رئيسا لأفريقيا الجنوبية وانتهاء نظام الفصل العنصري، قام السجين السياسي السابق بتدشين معرض مخصص لآن فرانك في جوهانسبرغ.

وفي تلك المناسبة، قال مانديلا مشيدا بشجاعة المراهقة: “لقد تشاركت نظام الفصل العنصري والنازية نفس الاعتقاد الشرير المتأصل في تفوق بعض الأجناس على غيرها. هذا ما دفع أتباع هذه الإيديولوجيات إلى ارتكاب جرائم شنيعة والاستمتاع بمعاناة إخوانهم من البشر. ولكن بما أن هذه المعتقدات زائفة طبعا، كما كانت وستظل دائما، عندما يتحداها أشخاص مثل آن فرانك، فإن مصيرها الفشل لا محالة.”

توفي أوتو فرانك في العام 1980، لكنه سعى إلى التعريف بكتابات ابنته لأكبر عدد ممكن من الناس، إلى غاية نفسه الأخير. ويؤكد توماس سبار قائلا: “بدونه، لما وُجدت هذه المذكرات “. ويضيف: “إنها معركة أب”.

لقد واضب العمل في مؤسسة آن فرانك، التي أسسها وظل يساهم دوما في توجيه عائدات بيع المذكرات نحو تمويل المشاريع التي تسعى لتعزيز التفاهم بين الشعوب.

في العام 1960، وبفضل هذه المؤسسة، تم افتتاح منزل آن فرانك، الموجود بمبنى الملحق بأمستردام. ويستقبل المنزل أكثر من مليون زائر سنويا، ممن يريدون اكتشاف المكان الذي كتبت فيه المذكرات.

الخلود الأدبي

يذكر أنه في ثمانينيات القرن الماضي، تم إنتاج النسخة “د” من المذكرات، تلك التي نعرفها اليوم. وقد تم تكليف الكاتبة والمترجمة الألمانية ميريام بريسلر بتحريره. ويؤكد توماس سبار قائلا: “إنها نسخة كاملة… لا ينقصها شيء”.

ويشار إلى أن عمل آن فرانك لا يزال موجودا في أشكال جديدة كل يوم. في العام 2021 مثلا، تم إصدار فيلم رسوم متحركة بعنوان “أين آن فرانك!” للمخرج آري فولمان. وهو فيلم كرتوني يجعل المشاهد يكتشف قصة المراهقة من منظور الوضع المأساوي الحالي للاجئين في العالم.

كما أن كتابات آن فرانك لا تزال موجودة على وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا. فعلى إنستاغرام أو تيك توك، الكاتبة الشابة حاضرة في كل مكان، إما على شكل صور أو مقاطع فيديو أو نصوص. ويكرر مستخدمو الإنترنت بعض العبارات الموجودة بالمذكرات، وبشكل خاص، إحدى أشهرها: “أنا ما زلت أؤمن بالخير الفطري لدى لإنسان”.

يرحب توماس سبار بهذا الحماس الكبير والمتواصل حول عمل المراهقة: “إنها تلعب دورا رئيسيا في جميع المجتمعات التي تواجه تهديدات…هذا يتجاوز ما تعرض له اليهود من إبادة جماعية“.

ولكن بالنسبة لهذا المتخصص في الأدب، من المهم دائمًا العودة إلى المصدر: “يكمن الخطر على شبكات التواصل الاجتماعي في تجزئة المذكرات. من الضروري قراءتها بالكامل لنفهم جيدا من هي آن، من كانت وما الذي عاشته، ونفهم أنها قصة اضطهاد وعنصرية ومعاداة للسامية. يجب ألا ننسى أبدًا القصة وراء المذكرات، وأنا متأكد أن أجيالا قادمة ستواصل اكتشافها”.

في سردها، كتبت آن: “أريد أن أستمر في العيش، حتى بعد وفاتي”. فمنحتها مذكراتها الخلود.

المصدر / فرانس 24

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً