فيينا / الاحد 25. 08 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
أغلب الروايات عن انفصال أوروبا الحديثة عن الدين تتبع قصة تحوُّل لغوي. تقول القصة إن اللغة اللاتينية كانت لقرون هي اللغة المهيمنة في المنطقة التي كانت تشكلها الإمبراطورية الرومانية الغربية، وكانت تُستخدم في الدراسة والطقوس الكنسية. هيبة اللغة اللاتينية كانت تكمن في كونها لغة الحقيقة المسيحية، مما أتاح لمستخدميها وصولًا فريدًا لحقيقة الوحي الإلهي، وكانت هي اللغة الوحيدة التي تُدرّس في معظم أنحاء القارة.
لكن، مع بدء التطورات العلمانية بعد العصور الوسطى بنظرة تحدي للنظرة المسيحية التقليدية التي وحدت معظم أوروبا لغوياً، تراجعت سلطة وهيبة اللغة اللاتينية. فأولاً جاء عصر النهضة الذي أنتج الكثير من المعرفة الإنسانية وعرّف الأوروبيين بكلاسيكيات العصور القديمة. ثم جاء عصر الاستكشاف الأوروبي الذي وضع القارة في اتصال مع حضارات جديدة مثل الأمريكتين. وهذا الضغط دفع الأوروبيين للاعتقاد بأن التاريخ المسيحي ضيق الأفق للبشرية قد لا يفسر التنوع العالمي، وأن اللاتينية قد لا تكون اللغة الفريدة الوحيدة للتعبير عن الحقيقة.
وهكذا بدأ تراجع هيمنة اللاتينية في العالم المسيحي الغربي، لتحل محلها تدريجيًا اللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية ولغات أوروبية أخرى. ولكن، لم تكن فقط مكانة اللاتينية التي تراجعت، بل تحول الفهم الأوروبي تماماً لطبيعة اللغة بحد ذاتها. كما قال بنديكت أندرسون في كتابه “المجتمعات المتخيلة“، إن انتصار اللهجات العامية على الكنيسة اللاتينية لم يكن مجرد إزاحة للدين، بل كان تحولًا في الأساس للمفهوم الديني للعالم إلى مفهوم علماني. لم تعد اللغات تُعتبر وسائل للوصول إلى الحقيقة المطلقة، بل باتت تُفهم على أنها أنظمة تمثيلية لعالم مشترك بين الجميع. ولم تعد اللغات تربط الفرد مباشرة بالإلهية، بل أصبحت إبداعات بشرية تنتجها المجتمعات عبر الزمن.
وأشار أندرسون إلى أن الكنيسة اللاتينية لم تكن الوحيدة التي تأثرت بهذا التحول، بل جميع “لغات الحقيقة” في العالم واجهت تراجعًا، وإن لم يكن إلى حد عدم الإهتمام بها تماماً، فإنه على الأقل إلى تحددت في المجال الخاص بالطقوس الدينية.
أنيت دامايانتي لييناو تحدت أطروحة أندرسون في دراستها لتاريخ اللغة العربية، إحدى لغات الحقيقة التي اقترح أندرسون أنها تأثرت بنموذج اللغة العامية. في كتابها “اللغة المقدسة، والفروق العامية: الأدب العربي العالمي والأدب المضاد للإمبريالية“، فككت ليناو فكرة أن أطروحة العامية تنطبق على العربية، حيث واجهت اللغة العربية تاريخًا مختلفًا تمامًا. فرغم مواجهتها لضغوط قومية وعلمانية مثل اللاتينية، بقيت اللغة العربية حيوية للسياسة والأدب، حتى خارج العالم العربي. وزعمت لييناو أن اللغة العربية، وبسبب التشويه الاستعماري الأوروبي لها، تحولت إلى لغة مضادة للإمبريالية، يدافع عنها مستخدموها ضد التشويه الأوروبي. وقد تناولت تاريخ الاستخدامات المناهضة للاستعمار للغة العربية في السنغال ومصر وإندونيسيا، وسعت لكشف دور اللغة العربية كلغة للسياسة والأدب والتحرر.
اللغة العربية انتشرت على نطاق واسع في فترة ما قبل الحداثة، ويعرف المؤرخون هذه الحقيقة جيدًا، حتى وإن لم يُقدّر البعض أهمية الأدبية المستمرة للغة خارج ما يُعرف بالعالم العربي. فبفضل انتشار الإسلام، امتدت العربية جغرافيًا لتشمل أجزاء واسعة من أفريقيا وآسيا وأوروبا. لم تكن اللغة مجرد وسيلة للطقوس الإسلامية بل أيضًا للتجارة. يُشير ليناو إلى أن المتحدثين بالعربية يمكنهم الانتقال من مضيق جبل طارق إلى مضيق ملقا دون الحاجة إلى مترجم. كما أن النص العربي أصبح أداة رئيسية لمحو الأمية وأسّس لأنظمة كتابة متنوعة للغات أخرى في أماكن مثل إندونيسيا والسنغال.
هذا الانتشار الواسع للمعرفة والقراءة والكتابة بالعربية أثار قلق الأنظمة الاستعمارية التي احتلت تلك المناطق. ففي جزر الهند الشرقية الهولندية وغرب أفريقيا الفرنسية، كان المسؤولون الاستعماريون يخشون أن معرفة السكان باللغة العربية قد تفتح أبوابًا “للتعصب الإسلامي” والتحريض ضد الاستعمار، مما يسهل الوصول إلى مفاهيم القرآن والتقاليد العربية التي تتحدى الحدود الثقافية القومية. لذلك، اعتمدت الأنظمة الاستعمارية سياسات لإستبدال اللغة العربية باللغات الأوروبية مثل الفرنسية في غرب أفريقيا، أو قمع نظام الكتابة العربية لصالح الكتابة بالحروف اللاتينية كما في إندونيسيا.
دعمت هذه الجهود سلسلة من الانتقادات من قبل المستشرقين والمسؤولين الاستعماريين لقيمة اللغة العربية نفسها. من أبرز هذه الانتقادات كانت كتابات المستشرق الفرنسي إرنست رينان، الذي ادعى أن اللغة العربية، مثل جميع اللغات “السامية”، تعاني من قصور لغوي مثل جمود بناء الجملة والإملاء التراجعي، وهي ميزات قارنها رينان سلبًا بقدرات اللغات الهندية الأوروبية مثل اليونانية. ورأى رينان أن اللغة العربية لغة مغلقة ومعزولة، مشابهة للعرق “السامي” الذي ينتمي إليه العرب.
تبنى المستشرقون والإداريون الاستعماريون لاحقًا موقف رينان، معتبرين أن العربية لغة خاصة بالعرب وغير مناسبة لتنظيم التنوع العرقي والقومي في السياسة والحياة العامة. واقترحوا أنه إذا لم يكن من الممكن إزالتها بالكامل من المجتمعات الإسلامية غير العربية، فيجب على الأقل تقييدها في حدود المسجد والمجال الخاص للطقوس الدينية لتقليل تأثيراتها السلبية ذات الطابع الرجعي.
هذه الافتراءات الاستشراقية والسياسات الاستعمارية لم تنجح في القضاء على الارتباط باللغة العربية، بل على العكس، أوجدت التزامات جديدة تجاهها كلغة مضادة للإمبريالية. ففي جزر الهند الشرقية، حاول النظام الاستعماري الهولندي تقليل استخدام اللغة العربية بين الإندونيسيين بترويج قواعد الكتابة بالحروف اللاتينية بدلاً من النص العربي. لكن هذه السياسات جعلت اللغة العربية رمزًا للهوية الوطنية الإندونيسية. ففي الخمسينيات، كان الكاتب والسياسي الإندونيسي هامكا يرى أن العربية والإسلام هما جزء أساسي من الجنسية الإندونيسية، وأن الكتابة بالحروف اللاتينية تمثل إهانة لهوية إندونيسيا. لقد حيرت هذه الادعاءات الأوروبيين، الذين كانوا لا يصدقون أي تأكيد على أن اللغة العربية يمكن تصورها على أنها “أصلية” لأي شخص آخر غير العرب.
القوميون المناهضون للاستعمار دعموا استخدام اللغة العربية والنص العربي بالدفاع عن الإسلام، مؤكدين أن الإسلام جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية في إندونيسيا والسنغال، وأنه ليس دينًا خاصًا بالعرب فقط. أشار الكتاب القوميون إلى أن التعاليم الإسلامية سبق وأن تحدثت عن القيم الديمقراطية مثل المساواة والتعددية الدينية، متحدين بذلك الانتقادات الاستشراقية لها.
استخدم أحمدو بمبا مباكي، مؤسس الطريقة المريدية الصوفية في غرب أفريقيا، شعره بالعربية لتأكيد المساواة بين السود والبيض، مستندًا إلى التعاليم الإسلامية التي تميز الأفراد بناءً على التقوى والصلاح وليس لون البشرة. ورغم مواجهته للتمييز من قِبل المسلمين البيض في موريتانيا ونفيه من السنغال، إلا أن بمبا استمر في تأكيده على المساواة العرقية استنادًا إلى الإسلام واللغة العربية.
لم يتفق الجميع على أن اللغة العربية يمكن أن تكون “أصلية” للهويات القومية الناشئة في أماكن مثل السنغال وإندونيسيا، أو أن الحجج المؤيدة للتعددية والمساواة يجب أن تستند إلى تعاليم الإسلام. على سبيل المثال، ليوبولد سيدار سنغور-الشاعر وأول رئيس للسنغال- رأى أن الفرنسية أكثر ملاءمة للتعبير عن “الروح السوداء” أكثر من العربية. في نفس الوقت، استخدم الروائيان السنغالي عثمان سمبين والإندونيسي برامويديا أننتا تور رواياتهما للتأكيد على أن الحرية من الاستعمار تعتمد على الوحدة الإقليمية عبر الاختلافات الدينية، وهو الموقف الذي تجلى في بعض الأحيان في معارضة الهيمنة القرآنية والكتابة بالعربية.
هؤلاء المفكرون، حسب لييناو، واجهوا توترًا متواصلًا في العالم العربي المستعمر بين الأيديولوجيات “أحادية اللغة” و”متعددة اللغات”. كان هذا التوتر بين التمسك بلغة واحدة توفر وصولاً مميزًا إلى “الحقيقة الأسمى”، والاعتقاد بقيمة “تعدد اللغات” والثقافات.
يكشف كتاب “اللغة المقدسة، والفروق العامية” عن ميول نحو تقدير أولئك الكتّاب الذين فضلوا التعددية اللغوية على الالتزام الأحادي، حتى مع إظهار التعاطف مع من سعوا للجمع بينهما. يتجلى هذا التفضيل بوضوح في الفصل الختامي من الكتاب، حيث تقوم لييناو بدراسة أدب الروائي المصري الكبير والحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ، الذي تناولت رواياته بشكل صريح قضية تنوع اللغات. فما يثير الإعجاب في رواية محفوظ “الحرافيش” هو التحول اللغوي الجريء الذي تقوم عليه. فعوضًا عن تمجيد الفصحى القرآنية، نجد أن الآيات “المقدسة” المكتوبة بالعجمية -وهي لغة تُعتبر غامضة وغير مفهومة مقارنة بالعربية القرآنية الواضحة- تشكل قالباً متكررًا في هذا النقد الأدبي. ومن خلال السماح للعجمية بلعب دور الوسيط في تجربة التجاوز المقدس، يقدم محفوظ نقدًا لفكرة أن العربية وحدها قادرة على الوصل بالإلهي، مستبدلاً ذلك بلغة غير مفهومة تمثل التنوع اللغوي بذاته. ووفقًا للييناو، أن محفوظ قد أبدع في تحويل اللغة من وسيلة مقدسة مرتبطة بالدين إلى أداة دنيوية تحمل تعددية في الأصوات والأفكار. فبدلاً من أن تظل اللغة العربية حكراً على الوحي والنصوص الدينية، ارتقى بها محفوظ إلى مستوى يعكس تنوع الإنسان وتعدد طرق تعبيره، جاعلاً من هذا التنوع قيمة أعلى من الالتزام الصارم بلغة الوحي الديني الواحدة.
تؤكد الأعمال الأدبية التي تناولها الكتاب لمحفوظ وغيرهم على حقيقة دامغة: أن النموذج الأوروبي للتعمية اللغوية لا يتناسب مع التاريخ الحديث للعربية، تلك اللغة التي حافظت على دورها في السياسة والأدب وتجاوزت حدود العالم العربي. بل وأكثر من ذلك، يُظهر الكتاب كيف أبدع الكُتاب في مناطق التفاعل بين العربية والإسلام في التوفيق بين تعلقهم بالعربية كلغة شعائرية مقدسة وبين تقديرهم للتنوع اللغوي البشري. هذا كله في مواجهة الادعاءات الاستعمارية التي صورت العربية والإسلام على أنهما معاديان للتعددية، وهي ادعاءات عززتها النظرة الاستشراقية التي وصفت العربية كلغة مغلقة والإسلام كدين متعصب لها. يكشف الكتاب عن تراث من الأفكار التعددية والمساواتية التي انتشرت بين المجتمعات المسلمة والناطقة بالعربية خلال الفترات الاستعمارية وما بعدها.
استطاعت لييناو في مراجعتها لتاريخ اللغة العربية كلغة مضادة للإمبريالية أن تفنّد بنجاح الادعاءات الاستشراقية التي تشير إلى أن العربية والإسلام لا يرحبان بالتنوع. ومع ذلك، ينبغي علينا التوقف للتفكير فيما إذا كانت محاولتها لدحض هذا الموقف قد تركت بعض الجوانب دون معالجة.
منذ زمن بعيد، شن المستشرقون في القرن التاسع عشر والمبشرون المسيحيون، ومعهم بعض الباحثين المعاصرين في الدين، هجومًا على الإسلام يرتكز على فكرة أن القرآن لا يُمكن ترجمته. فقد رأوا أن رسالة القرآن لا تنفصل عن اللغة العربية التي جاءت بها، مما يجعل اللغات الأخرى غير قادرة على حمل هذا المعنى العميق للإسلام. ولطالما كانت هذه الفكرة في تناقض مع موقف المسيحية، التي تؤمن بقدرة نصوصها على الترجمة إلى لغات شتى، بحيث تكون كلمة الله في متناول الجميع، بغض النظر عن اللغة. وقد وصف الباحث الراحل لامين سانيه هذا التوجه في المسيحية بروح ‘التعددية الجذرية’، وأن هذا ما يفتقده الإسلام وفقًا لمنتقديه بسبب تمسكه بأهمية النص العربي الأصلي للقرآن.
تنتقد لييناو هذه الفكرة التي تقول إن اللغة العربية لا تقبل الترجمة، حيث تستعرض في كتابها ممارسات ترجمة متنوعة في أنحاء العالم الإسلامي، مع التركيز على مواضع تساوت فيها العربية مع لغات أخرى. فهي ترى أن الادعاء بأن العربية لغة مغلقة، تعصى على الترجمة بسبب مكانتها كلغة للوحي، يتناقض مع التاريخ الحديث للعربية وما لعبته من دور في الآداب عبر حدود الثقافات واللغات المختلفة
توضح لييناو بشكل قوي أن الموقف الاستشراقي الذي يصور الإسلام كمعادٍ للتنوع ويعتبر أن اللغة العربية القرآنية غير قابلة للترجمة ليس قائمًا على حقائق التاريخ، بل على أوهام عنصرية. ولكن ما يظل بعيدًا عن النقد في كتابها هو الحكم الذي اعتمدته الانتقادات الاستعمارية للغة العربية نفسها. رغم أن لييناو تتبنى موقفًا مناهضًا للاستعمار، فإن تحليلها لا يستطيع أن يتحرر من النظرة الغربية التي تقيس قيمة الدين أو اللغة أو الثقافة بمدى انفتاحها على التأثيرات الخارجية، وقدرتها على التخلي عن الحق في الوصول الحصري إلى “الحقيقة الوجودية”، واعتبار نفسها كجزء من تعددية إنسانية. فماذا عن الذين يرون في الإسلام ولغته العربية رسالة إلهية تفوق كل التصورات البشرية؟ وماذا عن المسلمين الذين يعتبرون القرآن نصًا مقدسًا وفريدًا لا يقبل الترجمة؟
يقول الأنثروبولوجي طلال أسد إن القداسة في التقاليد الإسلامية لا تكمن في اللغة العربية بحد ذاتها بقدر ما تتجلى في تلاوة القرآن. فالعبادة في الإسلام، التي تتمثل في “التلفظ بالفضائل الإلهية” أمام “قوة إبداعية متسامية”، تُعد عند المسلمين فعلًا غير قابلة للترجمة. ووفقًا لأسد، لا يتطلب هذا الرأي الانتقاص من اللغات غير العربية ولا تفضيل اللغة العربية باعتبارها متفوقة بطريقة متسامية فريدة. بل إن هذا الفهم يفترض أن معنى القرآن لا يمكن فصله عن الوسيط الذي يُنقل من خلاله ويُنفذ شعائرياً، وأن فصل الاثنين يعني استحالة تحقيق ما يسميه أسد “الذات القرائية/التلاواتية/الدينية”، التي هي غاية الممارسة الإسلامية. إن هذا الإصرار على عدم انفصال الإسلام عن النص العربي للوحي القرآني يتجاوز مجرد التعلق بلغة واحدة. فهو يتطلب شيئًا يتعدى الالتزام بفردية اللغة العربية كلغة متفوقة على سائر اللغات، بل هذا يشير لفهم بديل لطبيعة اللغة نفسها. ففي التقاليد الإسلامية، تُفهم اللغة ليس فقط كوسيلة للتواصل، بل كجزء لا يتجزأ مما يسميه فيتغنشتاين “نمط حياة كامل”.
من هذا المنطلق، يحق لنا أن نتساءل: هل يكفي لدارسي اللغة العربية والإسلام أن يواجهوا انتقادات المستشرقين للعربية والإسلام بمجرد إثبات قدرتهما على التوافق مع مبادئ إنسانية كالتعددية والمساواة والتحرر؟ هذا ما يبرع فيه كتاب “اللغة المقدسة، والاختلاف العامي”، لكن هل يجب علينا أن نتوقف عند هذا الحد؟ أليس من المهم أن نتأمل أيضًا في ما إذا كان هذا الدفاع عن العربية والإسلام، على أسس علمانية وإنسانية، يعزز وجهة نظر على حساب أخرى؟ هل بذلك نتخلى عن أولئك الذين يرون في الإسلام ولغته الطقوسية هدفًا يتجاوز الحس الليبرالي الكوزموبوليتاني الذي يثمّن التنوع اللغوي البشري؟ فإذا كان التوتر بين الفهم الإسلامي للغة، المبني على قداسة العربية القرآنية، وبين الفكرة العلمانية للتعدد اللغوي التي ترفض أي ارتباط جوهري بين الوسيلة والرسالة، أمرًا واقعًا، فهل يجب على الباحثين تفضيل هذا الفكر العلماني على الرؤية الإسلامية؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تعزيز النقد الاستشراقي للإسلام؟
إثارة هذا السؤال لا تنتقص من إنجازات أنيت دامايانتي لييناو في هذا الكتاب، الذي يعرض لنا بوضوح أن المسار التاريخي للعربية يتجاوز النموذج الأوروبي للتحول إلى اللهجات المحلية. لكنه يلفت النظر إلى أن التصدي لتحريفات المستشرقين حول المسلمين والإسلام يجب أن يترافق مع نقد للأرضية الفكرية التي قامت عليها هذه التحريفات، وإلا سنجد أنفسنا أمام أحكام استشراقية جديدة تتوالد من جديد. علينا أن نسأل: هل نحن مضطرون لتفضيل تلك المثل العلمانية؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تعزيز النقد الاستشراقي للإسلام مستقبلاً؟
مترجم من مجلة publicbooks
المصدر / مدونة قراءات كانوية