السيمر / الثلاثاء 16 . 08 . 2016
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
هذا مقالٌ قديمٌ، عهدٌ ووعدٌ مكينٌ، كنت قد كتبته صادقاً بين يدي إخواني في بيتي بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، يوم السادس والعشرين من شهر أغسطس عام 2012، أعيد نشره اليوم من جديدٍ، دون أن أنقص منه حرفاً واحداً أو أضيف إليه كلمةً جديدةً، إيماناً مني بما كتبت، والتزاماً بما عاهدت، وحرصاً على ما قدمت، فأنا العقلُ نفسه والقلم ذاته الذي فكر وكتب، ما غيرتُ ولا بدلتُ، ولا نكثتُ ولا نقضتُ، ولكني سأتبعُ مقالي هذا بآخر أردُ فيه على بعض المارقين المفسدين، مرضى النفوس والقلوب، ممن يبحثون عن الفتنة ويسعون لها، ولا يرون أنفسهم إلا في مستنقعاتها أو في قعور حفرها القذرة، وإن كانوا مسؤولين في مواقعهم، ويدعون أنهم في الحركة قادة في مراكزهم، ومؤثرين في مناصبهم، بينما هم أكثر من يعلم أنهم قيمة بغيرهم، واسماً بسيدهم، وبيدقاً بيد غيرهم، وسلطةً في الخفاء بباطلهم، إلا أنني لن أسميهم بالاسم، وسأترك تسميتهم لوقتٍ آخر إن تمادوا، وسأميط اللثام عن بؤسهم إن تطاولوا، وسأبقى دونهم ملتزماً بما أوردت، ومحافظاً على ما عاهدت.
لأجلكِ حماسُ ينكسرُ قلمي ويجفُ مدادُه، فلا يخطُ إلا حباً أو نصحاً، ولا يكتبُ إلا دفاعاً وحرصاً، ولا يكونُ معك إلا جندياً، يصدُ عنك الهجمات، ويذودُ عنكِ في الملمات، ويخوضُ من أجلك الصعاب، ويتحدى معك من يتطاولُ عليك أو يسيئُ إليك.
في سبيلك حماس ينعقد لساني وتنحبس كلماتي، إلا على منابر الحق مدافعاً، فأكون في الصفوف الأولى دوماً منافحاً، أرد السهام وأميط اللثام، وأرد على من أساء بقلمي ولساني وبياني، فلحركة حماس كل الحب والولاء، ولها كل التقدير والوفاء، ولها عليَّ وعلى كل الأمة حق النصرة والدفاع، وواجب الدعم والمساندة.
وعلى الأمة كلها أن تكلأها بالرعاية، وأن تحميها بالدعاء، وأن تدافع عنها بالدم والروح، فهي حركةٌ إسلامية ذات أصولٍ وجذورٍ، تضربُ في عمقِ الأرضِ والتاريخ، وتنتصبُ قامةً شامخةً على مر الزمان، تواجه الصعاب، وتتحدى الاحتلال، وتقدمُ الشهداء، ويخرجُ منها الرجالُ والأبطالُ، وينبري للشهادة فيها قادتُها ورموزُها ومؤسسوها الشجعان، ما أصبح لها أثراً في كل مكانٍ، وعلامةً في كل ميدان، وفعلاً يخشاه الأعداء، وكانت في كل بيتٍ حاضرة، وعند كل معركةٍ سابقة، وفي ميادين القتال مبادرة، لا تبالي بجرحٍ ولا تبكي من ألم، ولا تضجُ ولا تفجرُ، ولا تخونُ ولا تغدرُ.
أهلي في مخيمِ جباليا الذي فيه ولدتُ ونشأتُ وترعرعتُ، ومنه كانت شراراتٌ كثيرة، وانطلاقاتٌ عديدة، وفيه سكنَ وانطلقَ رجالٌ كبارٌ وقادةٌ عظام، قال لي رجالُه وحملةُ الرايةِ فيه بصريحِ العبارة وبيانِ الكلمة والمعنى، نحن أم الولد، نحبُه ونخافُ عليه، ونحرصُ عليه ونرفقُ به، لا نعرضه للخطر، ولا نغامرُ به ولا نفرطُ فيه، ولا نقبلُ بقسمته ولا التخلي عنه.
قالوا لي فجر يومٍ من أيام شهر رمضان الفضيل، وقد هدأ الكون وسكنت الدنيا ونام الناس بعد صلاة الصبح، إلا قليلاً منهم بقي يسبح أو يتهيأ لعمله … حركتنا واحدة، داخلٌ وخارجٌ، غزةٌ وضفة، سجناءٌ وأحرار، نحب كل أبنائنا، وندافعُ عن كل المنتسبين إلينا، نَحِنُ على أنفسنا، ونرفقُ على بعضنا، ونحيطُ أنفسنا برحمةٍ ومودةٍ، وتتسعُ صدورنا لأخطائنا، ونتجاوزُ بمحبةٍ عمن أساء إلينا، ونشملُ أبناءنا بمحبتنا، ونقربُ ولا نقصي، ونجمعُ ولا نفرقُ، ونبرُ ولا نفجرُ، ونتراحمُ ولا نتلاعنُ، ونوفي ولا نجحدُ، ونساندُ ولا نهربُ، ونحمي ولا نتخلى، وننصرُ ولا نخذلُ، ونكون عوناً لبعضنا، وسنداً لإخواننا، ونعينُ على الحق أنفسنا ولا نعينُ الشيطان على بعضنا، ونفرحُ لبعضنا، ونحزنُ إذا أصاب المكروه أحدنا، فنحن يداً واحدة، وكلمةً موحدة، نحرص على بيتٍ يشملنا، وسقفٍ يظللنا، ورائدٍ يقودنا، يكون بنا رحيماً، وعلينا رؤوفاً، وعلى حقوقنا أميناً.
بموضوعيةٍ قالوا أننا لسنا ملائكة، كما أننا لسنا شياطين، فنحن بشرٌ نصيب ونخطئ، ننجح ونفشل، نحقق غاياتنا ونصل إلى أهدافنا، ولكننا قد نضل الطريق، وقد نعجز عن تحقيق بعض أهدافنا، فنحنا لسنا أنبياءً وقد عجزوا، ولسنا رسلنا وقد فتنوا، ونحن لسنا فوق النقد، وأكبر من النصح، ولا نتعالى ولا نتكبر، ولا ندعي الكمال ولا ننفي النقصان، ولكننا نحب أن يكون صوتنا بيننا، ونقدنا لأنفسنا، وحرصنا على التصويب من الداخل، والتصحيح من الصف، فغسيلنا في الشوارع لا ننشره، وعوراتنا بين الناس لا نشيعها، فهذا أرجأ وأحسن، وأفضل وأنفع، فلا يطلع على سوءتنا أحد، ولا يفضح سرنا كاره، ولا يهدم بنياننا حاقد، نطلب من الله الستر ونسأله العافية.
نعدل بين إخواننا ولا نظلم، ونساوي بينهم ولا نفرق، نمد أيدينا إلى بعضنا، وننتشل من طلب منا المساعدة، ونعين من احتاج إلى العون وطلب النصرة، ونعدل ولا نظلم، ونسوي ولا نهدم، وبالقسط نحكم وبالعدل نمضي، فما دام حكمٌ على ظلم، وما كان للملك أساسٌ غير العدل، فهو مركب النجاة وسبيل الفوز، وهو آلة البقاء ووسيلة الدوام، نحفظ العهود ولا ننسى عطاءات السنين، والأولون السابقون هم المقربون، لهم الحظوة وعندهم المكانة، أهل الفضل والمنزلة، لا يسامون ولا يضامون، ولا يعانون ولا يهانون، تحفظ حقوقهم وتصان أعراضهم، لا يبهتون ولا يظلمون، عهداً لله نقطعه، نحفظه ونلتزم به، ونصونه ولا ننحرف عنه.
قلتُ لإخواني وقد راق لي كلامهم، ولانت نفسي لطيب حديثهم، وصدق لهجتهم، سمعاً وطاعة لكم أحبتي، احتراما وإيماناً، التزاماً ووفاءً، فلكم مني ملء السمع والطاعة في المنشط والمكره، كما تعلمتُ صغيراً ونشأتُ كبيراً، ولكم علي الولاء والوفاء كله كما بايعتُ، حرصاً على الحركة التي إليها انتميتُ، وفيها عملتُ، ومن أجلها ضحيتُ، وبسببها عانيتُ وقاسيتُ.
فلا كلمةً مني تقرأون غير ما تحبون، ولا صوتاً مني تسمعون غير ما تتمنون، ولا مكاناً فيه تجدوني غير ما تأملون، أوفيكم حقكم، وأحافظ على عهدكم، وأكون كما قد كنتُ فيكم أحد جنودكم، باراً بكم، مخلصاً لكم، حريصاً عليكم، فسمعاً وطاعة لكم إخواني الذين شرفتُ بهم، ومرحى بك مخيم جباليا الذي أحب وقطاع غزة الذي به أهيمُ، فأنتم الأرضُ التي عشقتُ وأحببتُ، أرضُ الرجال الذين عرفتُ وخبرتُ.
يتبع …