السيمر / الأربعاء 24 . 08 . 2016
محمد الحنفي / المغرب
1) قديما قالوا “الحياء من الإيمان” و نحن نقول “الحياء احترام لكرامة الإنسان”. لأن الإيمان، و احترام كرامة الإنسان متطابقان، و الإنسان لا تقوم له قائمة إلا باحترام الآخر، بقطع النظر عن لونه أو سنه أو جنسه أو مستواه المعرفي، أو عرقه، أو لغته. لأن الإنسان إنسان كيفما كان، و أينما كان، و احترام الآخر على أسس موضوعية، هو الذي يكسب الإنسان إنسانيته، و تلك الإنسانية هي العصب الذي يربط بين الناس جميعا و تشكل منهم وحدة متكاملة على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية.
2) غير أننا نصاب بالهول العظيم و الدهشة المباغتة عندما نجد أناسا يدعون أنهم يعملون على احترام حقوق الإنسان الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و مع ذلك يقومون، و دون حياء، بأمور لا علاقة لها بما يدعون فيصدق عليهم المثل القائل : ” إذا لم تستحي فافعل ما شئت”. و هذا النوع من المدعين للنضال، يغطون عن أفعالهم المشينة بادعاء النضال من اجل تحسين الأوضاع المادية و المعنوية. و ينطلقون من ممارسة الاستبداد المكشوف على الجماهير الشعبية الكادحة التي يتعاملون معها على أنها غبية، و غير معروفة من لدن المدعين للنضال المتنوع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي. و هم في ذلك إنما ينتهزون الفرص، و يعملون على تحقيق ما يمكن من التطلعات الطبقية. لأن هذه التطلعات أو تلك هي محرك الممارسة الانتهازية التي لا تتوقف أبدا، حتى و أن صار الانتهازي من كبار البورجوازيين.
3) و من سمات الانتهازي، حرص الانتهازي على انتهاز الفرصة ما أمكن، حتى تحقيق التطلعات و ما فوق التطلعات المنشودة. فالمعلم الانتهازي يستغل نفوذه على التلاميذ ليمارس عليهم الابتزاز. و الإداري يمارس الابتزاز على أصحاب الحاجات الإدارية، و رجل السلطة ينتهز الفرص باستغلال نفوذه من اجل ممارسة الابتزاز على المواطنين لتحقيق تطلعاته الطبقية مما يؤدي بالضرورة إلى نشر الفساد الإداري، و الطبيب يبتز المرضى في القطاعين العام و الخاص. و المحامي يبتز موكليه، و القاضي يبتز المتقاضين، و هكذا إلى أن يصير الابتزاز السائد في الواقع و متخللا لجميع مناحي الحياة بسبب ممارسة الانتهازيين.
فانتهاز الفرص المواتية يصير هاجسا يوميا في سلوكك الخاص و العام على السواء بسبب ما يؤدي إليه ذلك إلى تحقيق التطلعات الطبقية، و كل من لا يمارس الانتهازية لا يمكن أن يكون إلا مغفلا في مجتمع محكوم بممارسة الانتهازية التي تقف وراء تراجع القيم النبيلة و المتقدمة في المجتمع المغربي.
4) و من سمات الانتهازي أيضا إظهار خلاف ما يخفي قبل الإقدام على الممارسة الانتهازية. لأن أهم ما يهتم به الانتهازي هو حرصه على ثقة الناس به و عمله على ادعاء النضال و الإخلاص فيه في الإطارات النقابية و الجمعوية، و الحقوقية، و الحزبية حتى يصير موثوقا به، و حينها يمارس انتهازيته بشكل مفضوح متقمصا منطق التبرير حتى يتأتى إقناع المعنيين بادعاء النضال بالشروط التي تجعله يعمل بخلاف ما يدعي.
و ممارسة كهذه لا تحضر فيها مصلحة الجماهير الشعبية الكادحة، لا يمكن أن تخدم العمل النقابي، و لا العمل الجمعوي، و لا العمل الحزبي، و لا العمل المهني، و لا أي شيء آخر بقدر ما يخدم المصلحة الانتهازية المتمثلة في تحقيق التطلعات الطبقية.
و الانتهازي عندما يدعي خلاف ما يمارس إنما يقوم بممارسة التضليل المادي و المعنوي على الجماهير الشعبية الكادحة المعنية بالادعاء مما يؤدي بالضرورة إلى تكريس التخلف على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. كما يجعل الجماهير الشعبية الكادحة، معنية بفقدان الثقة بالإطارات النقابية و الجمعوية و الحقوقية و الحزبية التي يقودها الانتهازيون، مما يجعل الحركة النقابية و الحركة الحقوقية و الحركة الجمعوية، و الحركة الحزبية فاقدة للامتداد الجماهيري الواسع.
5) و الانتهازيون يستغلون غياب الوعي عند الجماهير الشعبية الكادحة، و عند الطبقة العاملة و سائر أفراد الشغيلة بالخصوص لتمرير ممارستهم الانتهازية التي تتحول إلى “ممارسات نضالية” بفعل التضليل الذي يمارسه هؤلاء الانتهازيون.
و قد كان في إمكان هؤلاء الانتهازيين القيام بإيصال الوعي الطبقي الحقيقي إلى سائر الكادحين، إلا انهم لم يفعلوا ذلك و لن يفعلوه، لأنهم يدركون جيدا أنه يتناقض مع انتهازيتهم، و أن هذه الانتهازية لا يمكن أن تتعايش مع انتشار الوعي الطبقي الحقيقي الذي يقف سدا منيعا أمام العمل على تحقيق التطلعات الطبقية.
و الانتهازيون عندما يدعون قيادتهم النضال الطبقي الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، و يظهرون و كأنهم يعملون على بناء جسور قوية يمكن أن يمروا منها إلى الضفة البورجوازية الإقطاعية المتخلفة التي يحتمون بها و يعملون على هدم كافة الجسور التي تربطهم بالطبقة العاملة و بسائر الكادحين حتى لا يكون هناك ما يدعو إلى قيام ارتباط عضوي مع الكادحين، و تصير علاقة الكادحين مع الانتهازيين علاقة تناقض طبقي حقيقي بعد أن يحقق الانتهازية عن طريق النضال النقابي و النضال الحزبي و النضال الحقوقي و النضال الاجتماعي و الثقافي و السياسي تطلعاتهم الطبقية، و ينكشف أمر انتهازيتهم أمام الطبقة العاملة و أمام سائر الكادحين، و الأمثلة كثيرة في هذا المجال و ما حصل خلال التسعينيات من القرن العشرين، و في بداية القرن الواحد و العشرين خير دليل على ذلك.
6) و نظرا لهمجية الممارسة الانتهازية فإن التطلعات الطبقية يمر عبر دوس كرامة الكادحين و كرامة الإنسان في نفس الوقت. لأن الإنسانية في عرف الانتهازيين، و في ممارستهم اليومية غير واردة. و لذلك نجد أنهم لا يطالبون ب :
أ- تحقيق المطالب الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، إلا بالقدر الذي يمكن من تحقيق بناء الجسور الوطيدة مع الطبقة الحاكمة التي تقوم بتقديم المزيد من الامتيازات للانتهازيين نظرا لدورهم في تضليل الكادحين.
ب- تحقيق الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي سعيا إلى تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. لأن تحقيق الديمقراطية، و بذلك المضمون يتناقض مع سعي الانتهازيين إلى ممارسة الطبقية التي تمكن من التمتع بالامتيازات التي تساعدهم على التموقع إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف.
ج- احترام حقوق الإنسان كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. و العمل على اجرأتها من خلال الدستور، و من خلال القوانين المحلية و الوطنية، و من خلال أنظمة مختلف الهيئات المحلية و الوطنية حتى تصير حقوق الإنسان قائمة في الواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي. لأن احترام حقوق الإنسان يتعارض تعارضا مطلقا مع اللجوء إلى الممارسة الانتهازية و يشكل عرقلة أمام تحقيق التطلعات الطبقية.
د- إجراء انتخابات حرة و نزيهة انطلاقا من قوانين تضمن تلك النزاهة، و تعمل على إفراز ممثلين معبرين فعلا عن احترام إرادة الشعب المغربي، و انتخابات من هذا النوع لا ترضي الانتهازيين، و لا تسمح لهم بممارسة العمالة الطبقية التي تمكنهم من القبول بتزوير إرادة الشعب المغربي من اجل الوصول إلى المؤسسات المنتخبة باعتبارها مطية لتحقيق التطلعات الطبقية.
ه- إيجاد حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع حتى تكون مسؤولة أمام ممثلي الشعب الحقيقيين الذين يقومون بمحاسبتها انطلاقا من البرنامج المعتمد و المصادق عليه في المؤسسة البرلمانية. لأن حكومة كهذه، لا يمكن أن تقبل أبدا بالممارسة الانتهازية مهما كان مصدرها حتى لا تخضع للمحاسبة العسيرة، و من اجل أن يستمر الانتهازيون في البحث عن الفرص التي تمكنهم من تحقيق تطلعاتهم الطبقية.
و انطلاقا من رصدنا للممارسات الانتهازية التي يحرص الانتهازيون على القيام بها، و عن سبق إصرار و ترصد، فإننا نخلص إلى ما ابتدأنا به هذه المقالة من أن الانتهازيين ليست لديهم ذرة واحدة من الحياء، لأنهم لا إيمان لهم بمصالحهم الطبقية التي يعملون على تحقيقها بطريقة انتهازية. و لذلك فهم يفعلون ما يشاءون :
1.بالعلاقات الاجتماعية التي تصير في خدمة انتهازيتهم.
ب- بالعلاقات المهنية التي يوظفونها لتحقيق التطلعات الطبقية.
ج- بالمنظمات النقابية التي يحولونها إلى مجال للممارسات الانتهازية في العلاقة مع الشغيلة، و في العلاقة مع الإدارة في القطاعين العام و الخاص.
د- بالجمعيات الثقافية التي يوظفونها كمجال للممارسة الانتهازية.
ه- بالجمعيات الحقوقية التي تصير وسيلة لممارسة الابتزاز على الجهات المنتهكة لحقوق الإنسان الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية على حساب ضحايا الخروقات المختلفة.
و- بالأحزاب السياسية التي تصير مجرد مطية للوصول إلى تحقيق التطلعات الطبقية عن طريق الوصول إلى المؤسسات المنتخبة.
فهل يمكن نسج وعي متقدم للحد من تأثير الانتهازية على الواقع ؟