الرئيسية / مقالات / تركية على عتبة حرب أهلية
الصحفي التركي یاووز بایدار

تركية على عتبة حرب أهلية

السيمر / الأربعاء 16 . 11 . 2016

بقلم الصحفي التركي یاووز بایدار*

adel_haba_324567

ترجمة عادل حبه

لا يريد رؤساء الدول الأوربية ولجنة الاتحاد الأوربي الاعتراف بأنهم يحدقون في أوهام سياسية بقدر ما يتعلق الأمر بتركية. ولكن الواقع في تركية ينطوي على الكثير من المؤشرات التي تتراكم يوماً بعد يوم والتي تستدعي التأمل.
إن ما يدور في أدمغة حكام تركية من حلم بامبراطورية عظمى لأمة عن طريق إلحاق (Irrdentinism) أراض خارج الحدود الفعلية يمكن أن يكون حلماً تدريجياً وبطيئاً، ولكن هناك وجهة أخرى يجب الانتباه إليها وهي الإعلان عن العسكرة الشاملة لحزب الحكومة في تركية، حزب العدالة والتنمية.
بعد بضعة أيام من الانقلاب الفاشل في الخامس عشر من حزيران، شُرع بتحويل الحزب إلى قوة عسكرية. فتحت شعار ” أبدا مرة أخرى”، راح بعض كوادر الحزب يرددون بأن الهدف من تسليح المواطنين هو إجراء ضروري لمنع أية محاولة انقلابية آخرى. وقد أكد على ذلك ” شرف مالکوش” أحد مشاوري اردوغان البارزين، الذي أعلن عن توزيع الأسلحة على أفراد الشعب.
لقد رحبت المنظمة شبه العسكرية المسماة “واحد عثماني 1453″( الوحدة العثمانية 1453)، التي اقتبست اسمها من احتلال القسطنطينية بعد أن أعلن على شبكة التويتر عن خطوة تسليح حزب العدالة والتنمية (AK- Selahlenma) ونشرت هذا الترحيب على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي. وكتب زعيم هذه المنظمة امین کانپولات قائلاً :” إن هذه الدعوة موجهة لجميع الأخوان. تسلحوا من أجل الدفاع عن أرض الآباء، ومن أجل العلم ومن أجل أردوغان”. واستطرد قائلاً:” إننا نموت من أجل أردوغان ونَقتُل من أجله”. وانتشر هذا التويتر بسرعة ليعُلَن عن شعار آخر هو :” نحن على استعداد بالحرب حتى آخر قطرة من دمنا، هدفنا المقدس هو الشهادة”.

توزيع الأسلحة في كل مكان
إن الوحدة العثمانية هي منظمة جديدة تم تأسيسها في عام 2009 . ودشنت أولى فعالية لها في الهجوم على مقر صحيفة “جمهوريت” وتدميرها في السابع من حزيران عام 2009. وألقت الوحدة العثمانية الضوء على أهدافها وهي:”اجتذاب الجيل المذهبي، وإحياء نمط الحياة على أساس القرآن، والسعي لإحياء الخلافة الإسلامية وتحويل الكنيسة التاريخية “حاج صوفيا” إلى مسجد. ودافع الصحفيون الموالون للحكومة عن هذه الهدف. فقد كتب عبد الله شانلیداغ الصحفي المتطرف في صحيفة “ینی اکتي” قائلاً:” لا تخشوا هذه الحكومة لأنها تدرك جيداً من الذي يجب أن يُقتل”. إن هذه الكراهية المنفلتة لا تتعلق بضرب من الهمجية السياسية (Hooliganism). فهذه الأفكار هي تكرار للتعهدات التي أطلقها حزب العدالة والتنمية. ففي اجتماع لحزب الحكومة في شهر آفيون من محافظة أناضول، صرح وزير الداخلية الجديد سليمان سويلو قائلاً:” إننا سننقذ جميع كوادر حزبنا. إذ سوف نعين حارس شخصي لكل عضو ونضمن استخدام أسلحة بعيدة المدى للحفاظ على أرواحهم”.
إن هذه التصريحات ما هي في الواقع سوى ردود فعل على تكرار الهجمات ضد سياسيي حزب العدالة والتنمية خاصة في المحافظات الواقعة في شرقي وجنوب شرقي تركية التي يشكل الأكراد الغالبية فيها، والتي أدت في الآونة الأخيرة إلى جرح وقتل عدد من أقطاب الحزب. فما هي نتيجة حمل السلاح من قبل كلا الطرفين في منطقة متأزمة؟ إن تصريحات المسؤولين في الحكومة تأكد بإصرار على استمرار حزب العدالة والتنمية بتوزيع السلاح على أعضائه. فقد أعلن أردوغان بكتاش محافظ مدينة رايتس الواقعة في شمال شرقي البحر الأسود أنه سيتم توزيع السلاح على كل من يؤمّن الدعم المالي للحزب. ويقارن هذا المحافظ نسبة توزيع السلاح في الفترة التي تسلم خلالها منصب محافظ مدينة مانيسه الواقعة على بحر أيجه وبين ما تم من توزيع الأسلحة قائلاً أن النسبة الأخيرة تفوق سابقتها بخمسة أضعاف. ويضيف هذا المحافظ عضو حزب العدالة والتنمية:”إذا ما جرى السعي صوب انقلاب جديد، فإنه سيتولى شخصياً مهمة توزيع الأسلحة على المواطنين”.
إن مثل هذه التصريحات ما هي إلاً نموذج لما يجري في سائر أنحاء تركية. وقد أشارت جريدة “جمهوريت” أخيراً إلى سعي الحكومة لسن قانون جديد للطوارئ يمكن بموجبه جرد كل الإسلحة في جميع المناطق.
وما يثير الاهتمام هو خبر تشكيل وحدات شبابية في المساجد تحت غطاء منظمة “التدين” التركية. هذه المنظمة هي في الأصل تعود إلى منظمة “المسائل المذهبية”، التي تمتعت في عهد أردوغان بإمكانيات مالية ضخمة ونفوذ واسع، والتي أعلنت رسمياً أن الوحدات الشبابية ستشكل في 45 ألف مسجد من مجموع المساجد في تركية والبالغ عددها 85 ألف مسجد. إن منظمة “التدين” على إيمان راسخ بأنه مع حلول عام 2021 سيجري بناء 20 ألف مسجد جديد.
ويضاف إلى كل ذلك ما تورده الصحيفة المستقلة “جمهوريت” في أحد تقاريرها، حيث أشارت إلى أن أكبرالشركات الأمنية الخاصة في تركية تعود ملكيتها إلى حزب العدالة والتنمية. إن ما يثير القلق هو تسليح المواطنين الأوفياء لحزب العدالة والتنمية وتسييس شبكة المساجد. كما يضاف إلى ذلك سيطرة أردوغان على جميع مخاتير القرى وإجبارهم على تقديم أدق التقارير عن كل حركة تحدث في قراهم. ففي خطاب له قبل فترة وجيزة أمام المئات من المخاتير أشار إلى :”أنني المختار الأكبر، وأنني أسيطر على كل شيء”.

نتائج انقلاب مزور أحتمالاً
إن الاستقطاب في تركية والانقسام الاجتماعي فيها أضحى أعمق بعد انقلاب الخامس عشر من حزيران، مما يضع تركية على عتبة حرب داخلية. ففي الآونة الأخيرة طرح أحد العاملين في صحيفة “جمهوريت” الغراء السؤال التالي:” هل أن هذا الانطباع خاطئ بأن حزب العدالة والتنمية سوف يشكل جيشه الخاص؟. هذا الرعب لا يتحسسه هذا الصحفي فحسب. فقد عبر أحد المحامين المعروفين قائلاً:”ماذا لو يجري تسليح کمال خلیجداروغلو زعيم المعارضة التركية؟ وأين سيؤدي ذلك؟ فالدعوة إلى التسليح سيؤدي حتماً إلى حرب أهلية. وسينزل السراق إلى الشوارع في عز النهار بأسلحتهم، وإذا لم تتطابق نتائج الانتخابات مع مذاق البعض، فسوف يصبح من غير الممكن السيطرة على أمن البلاد.
أما آخر معلومة أوردتها منظمة التعاون الاقتصادي والأمن في أوربا فتشير إلى أن 35% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 29 سنة لا يتمتعون بتعليم مناسب وعاطلون عن العمل مما يشير إلى السقوط التاريخي لتركية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ياووز بايدار صحفي ومدون تركي ومؤسس البرنامج الصحفي المستقل “بي 24″ في اصطنبول. حائز على جائزة الصحافة الأوربية في عام 2014. ويعيش الآن خارج تركية، ويتولى أحياناً الكتابة في صحيفة ” زود دویچه” الألمانية ككاتب ضيف. وكانت آخر مقلاته هي تركية على عتبة حرب أهلية والتي أثارت الكثير من ردود الفعل، حيث أشار بالاستناد إلى العديد من الوثائق على أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى تسليح كوادره وتحويلهم إلى قوة عسكرية من أجل قمع المعارضين. ويذلك يستنتج ياووز بايدار إلى أن هذه السياسة ستدفع بالبلاد إلى آتون حرب داخلية مدمرة.
ومما يثير القلق أن هذه الأفكار التي يطرحها رجب طيب أردوغان في وقت يضع فيه علامات سؤال على اتفاقية لوزان عام 1923 والخاصة باستسلام تركية في الحرب العالمية الأولى. ومن ناحية أخرى يفتعل الأزمات مع حيرانه من خلال على التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وافتعال الأزمات مع جاراته اليونان والعراق. كما أن يفتعل الأومة مع الجارة إيران بذريعة تقديمها المساعدة والدعم للحشد الشعبي في العراق. وهة يستغل كل هذه الأزمات كذريعة من أجل قمع مخالفية في الداخل.
إن مقالة ياووز التي نشرت في صحيفة ” زود دویچه تسایتونگ”في 28 اکتوبر 2016، تلقي الضوء وتفضح سعي حزب العدالة والتنمية الأسلاموي في أمور لم تثير اهتمام الرأي العام العالمي. ومن بين هذه المؤشرات تنامي نوع من الفاشية القائمة على القومية التركية والرجعية الدينية وتوزيع السلاح على أكثر الفئات رجعية في المجتمع التركي.

اترك تعليقاً