أحمد الشرقاوي / مصر
أثار الدخول الروسي على خط المواجهة مع الإرهاب في المنطقة، قلقا بالغا لدى الإدارة الأمريكية والحلف الأطلسي من جهة، وقلق كبير على مستوى الأدوات الإقليمية التي تتخوف من نهاية دورها في حال فشل المشروع الأمريكي في المنطقة وانتصر مشروع تحالف بكيـن – موسكـو – محور المقاومة..
فــي الخلفيـــة..
دخول روسيا الحرب على الإرهاب في سورية، لم يكن قرارا وليد اللحظة، أملته الضرورة المستعجلة لإنقاذ النظام السوري من السقوط كما روج لذلك إعلام الزيت الغبي الذي لا يرى محللوه أبعد من أرنبة أنوفهم، ومنهم الإعلامي المفلس أخلاقيا “جمال خاشقجي” الذي تحدث عن مجموعة خيارات يملكها النظام الوهابي الإرهابي لمواجهة روسيا، وكأن المهلكة “السعودية” قوة عظمى تملك قرارها السيادي وليست مجرد أداة تنفذ أجندات أسيادها في واشنطن وتل أبيب..
والحقيقة أن هؤلاء المفلسون، مثلهم كمثل المغفل الذي يقف خلف الشجرة ويعتقد أنه يرى الغابـة، في حين أن أوراق اللعبة الإقليمية هي بيد الدول العظمى، ودخول روسيا الحرب مباشرة على الإرهاب في المنطقة، له حسابات مغايرة تختلف جملة وتفصيلا عن حسابات الأدوات العميلة..
ولو كان هؤلاء المتطفلون على التحليل السياسي استمعوا جيدا لما قاله سماحة السيد في إطلالته الأخيرة من على قناة المنار، وما كشفت عنه تقارير مراكز الدراسات الدولية (الأمريكية والروسية)، لأدركوا أن الإنزال الروسي الضخم على شواطئ سورية في ما يشبه إنزال “النورماندي” خلال الحرب العالمية الثانية على الشواطئ الفرنسية، قد تم التخطيط والإعداد له قبل التنفيذ بأشهر عدة، بتنسيق وثيق مع إيران وسورية والعراق وحزب الله على مستوى الإقليم، ومع الصين وبقية أعضاء منظمة ‘شانغهاي’ (نظير الحلف الأطلسي) على المستوى الدولي..
فــي الأهـــداف..
الخطة الروسية التي تمت بتنسيق مع الحلفاء لها مجموعة أهداف إستراتيجية، منها ما له علاقة باستعادة روسيا والصين لدورهما كقوى دولية عظمى على أساس قواعد جديدة للنظام العالمي تنهي الهيمنة الأحادية الأمريكية إلى الأبد..
ومنها ما له علاقة بإعادة تحديد خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، وإدماج إيران كقوة إقليمية وازنة وفاعلة في ضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة..
ومنها ما له علاقة بإنهاء دور “السعودية” التخريبي الذي يعتمد على توظيف سلاح الإرهاب للعبث بأمن الدول بمن فيها روسيا والصين وتهديد السلم العالمي، والتوظيف اللا أخلاقي للنفط كسلاح اقتصادي لاستنزاف روسيا وإيران وبقية الدول المنتجة الحليفة كفنزويلا على سبيل المثال لا الحصر..
ومنها ما له علاقة بإسقاط أوهام أردوغان السلطانية وأطماعه التوسعية في المنطقة من مدخل سورية، ووضع نهاية للعبة دخول الإرهابيين من تركيا إلى سورية والعراق بالتحالف مع “السعودية” وقطر و”إسرائيل” والأردن، لتقويض الأمن والاستقرار في هذين البلدين تنفيذا لمشروع التقسيم الصهيو – أمريكي.
ومنها ما له علاقة بتحجيم دور “إسرائيل” وإنهاء عربدتها في سورية ولبنان وجنونها في فلسطين، وإسقاط أوهامها التوسعية المراهنة على إقامة شرق أوسط صهيوني جديد على حساب خراب الدول وتفتيت
الجيوش وتمزيق المجتمعات..
ومنها بالنهاية، ما يمكن تسميته بالهدف “القنطرة”، والذي من خلاله يتم تغيير التوازنات القائمة وفرض المعادلات الجديدة، ونقصد بذلك الحرب على الإرهاب، كل الإرهاب باختلاف أسمائه ومسمياته دون تمييز بين متطرف ومعتدل، وفي الساحتين السورية والعراقية، لأن الساحة اليوم أصبحت واحدة والعدو واحد وأهداف المشروع الصهيو – أمريكي هي أيضا نفسها بالنسبة للبلدين لجهة التقسيم..
ونتيجة الحرب على الإرهاب هي التي ستفتح المجال أمام المفاوضات على ملفات المنطقة بين الكبار.
بــوادر حــرب عالميــة تتجنبها أمريكــا وحلفهــا الأطلســي..
وهذا يعني في المشهد العام، أننا أمام مقدمات لحرب عالمية جديدة بامتياز، لكن بالأصالة، لأن دخول روسيا المعترك مباشرة يعني ببساطة نهاية حروب أمريكا بالوكالة عبر الأدوات الإقليمية التي تتحكم في الجماعات التكفيرية، وروسيا مصممة على الذهاب بعيدا في تحقيق أهدافها وأهداف حلفائها مع احترام مصالح أمريكا ومجال نفوذها، شاء من شاء وكره من كره، ومن له اعتراض على ذلك فلينزل إلى الميدان ليقول كلمته الفصل..
هذه الرؤية الجديدة لموازين القوى في المنطقة لم تأتي نتيجة توافق مسبق بين الكبار، بل فرضتها لعبة الصراع على النفوذ والقدرة على تغيير المعادلات، والبداية كانت حين قررت الولايات المتحدة تفجير انتفاضة “النازيين الجدد” في أوكرانيا وما تبعها من إجراءات عزل سياسي وعقوبات اقتصادية ضد روسيا، وتدريب لمقاتلين متطرفين من روسيا والقوقاز وآسيا الوسطى من قبل المخابرات التركية والأمريكية والأطلسية، بالإضافة لإعلان أوكرانيا وتركيا (عضوان في حلف شمال الأطلسي) عن إنشاء “لواء إسلامي دولي”، مكون من مقاتلين من “القاعدة” و”داعش”، مقره في خيرسون (أوكرانيا) لقتال روسيا في القرم بعد تدريبهم في سورية من قبل المخابرات الأطلسية وتركيا..
ثم جاء الحشد العسكري للحلف الأطلسي على الحدود الروسية، وبشكل غير مسبوق لم يشهد العالم مثيلا له منذ نهاية الحرب الباردة لمحاصرة روسيا عسكريا أيضا.. فكانت القشة التي قسمت ظهر البعير ودفعت بالرئيس بوتين لبلورة رؤية كاملة ومتكاملة للرد العسكري والأمني والسياسي في منطقة الشرق الأوسط الحيوية والبالغة الحساسية بالنسبة لأمريكا والحلف الأطلسي، بل وللعالم أجمع..
الدخول الروسي جعل الإدارة الأمريكية تعيد حساباتها، خصوصا بعد تحذير دبابات الفكر الإستراتيجي الأمريكي من مجارات الدب الروسي وتبعات ذلك على مصالح أمريكا في المنطقة، وتتحدث تقارير غربية عن أن إيران هي القوة الوحيدة القادرة على فرض الأمن والاستقرار في الإقليم، وأن مستقبل أردوغان ليس مضمونا، والرهان عليه من قبل واشنطن هو رهان على الوهم، وأن “إسرائيل” لا يمكن التعويل عليها كقوة إقليمية فاعلة، لأنها مرفوضة من قبل الشعوب ومن قبل مكونات محور المقاومة وترفض السلام مع الفلسطينيين، وأن “السعودية” انتهى دورها وآن الأوان للتخلص من نظامها وتقسيمها إلى 5 إمارات، مع عزل الأماكن المقدسة وتسليم إدارتها لمجلس إسلامي عالمي، خصوصا بعد كارثة منى، وأيضا لوضع حد لاستغلال ‘آل سعود’ للدين في السياسة بالرهان على سلاح “الجهاد”، فالعالم لم يعد يحتمل تبعات الحروب الدينية الخطيرة والتي أصبحت اليوم تهدد العمق الأوروبي.
المفكر الإستراتيجي الكبير ‘زبيغنيو بريجنسكي’ الذي أسس “القاعدة”، كتب أمس مقالا يطالب فيه الصين بلعب دور أمني بدل الاكتفاء بالدور الاقتصادي، والقيام بوساطة بين روسيا وأمريكا، وإقناع روسيا بالانضمام إلى الحلف الأمريكي لمحاربة الإرهاب، لأن القوى الكبرى يجب أن تتعاون وتنسق في ما بينها لا أن تتصادم.. لكن وبسبب رفض الصين لهذا الدور باعتبارها طرفا في الصراع الجديد لا وسيط، هدد الرئيس أوباما اليوم الصين بالقول، أنه لن يسمح لها بوضع قواعد جديدة للاقتصاد العالمي.
وبالتالي، كل المؤشرات تدل على أن أوباما لن يستسلم بسهولة، وأنه عازم على التصعيد ضد روسيان لكن بالوكالة، اعتقادا منه أنه سيوفر على بلده السقوط في مستنقع المواجهة، وهو بذلك يعرض أدواته في المنطقة للخراب من حيث يدري أو لا يدري، لأن الدب الروسي هذه المرة لا يمزح، ومصمم على سحق كل من يعترض طريقه.
علـى مستـوى العمليـات الميدانيـة..
لو كانت روسيا ركزت على محاربة تنظيم “داعش” فقط دون غيره، لما ثارت ثائرة أمريكا وحلفائها وأدواتها، لكن موسكو استهدفت رأسا جيش أوباما السري المكون من “جيش الفتح” و”النصرة” و”أحرار الشام” و”جيش الإسلام” وغيرها من التنظيمات الإرهابية المموهة التي دربتها المخابرات الأمريكية، الأمر الذي أثار موجة من التصريحات العدائية ضد روسيا، حيث تبين وفق رئيس الوزراء البريطاني ‘كامرون’، أن 95 % من الضربات الجوية الروسية استهدفت ما أسماه بـ”المعارضة السورية” في حين أن5 % فقط هي التي استهدفت مواقع لـ”داعش”.
وذكرت صحيفة ‘وول ستريت جورنال’ الثلاثاء، نقلا عن مصادر حكومية أمريكية أن التوجه الروسي في سورية يركز على استهداف “المعارضة المسلحة” المرتبطة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمر الذي يعد “حركة متعمدة”، لأنه كان بالإمكان اعتبار الأمر مجرد خطأ في البداية، لكن أن يتكرر في اليوم الثاني والثالث والرابع، فلم يعد من شك حول الطابع المتعمد للغارات الروسية، فالروس يدركون جيدا “ماذا تستهدف طائراتهم”، مستندين في ذلك إلى معلومات وإحداثيات يزودهم بها الجيش السوري والمواطنون المحليون الذين يتنقلون بين المناطق..
عدم تركيز روسيا على قصف “داعش” فقط كما كانت ترغب واشنطن وحلفائها، مرده أن موسكو لا تريد تنظيف زبالة واشنطن نيابة عنها وإهداؤها نصرا معنويا وسياسيا فشلت في تحقيقه منذ أكثر من سنة من القصف الفلكلوري ضد هذا التنظيم، كما وأن ما يهم موسكو بالدرجة الأولى هو إفشال مشروع أمريكا لتقسيم سورية أولا، ثم الانتقال لسحق “داعش” في العراق الذي يعتبر بلد المنشأ والمقر الرئيس والعمق الإستراتيجي الإقليمي للتنظيم..
وبحكم معرفة روسيا بطريقة تفكير وعمل تنظيم “داعش”، كانت تدرك أن عناصره سيتبخر من سورية بمجرد بدأ القصف العنيف والدقيق على التنظيمات الأخرى التي لا تملك عمقا إستراتيجيا يمكن أن تهرب إليه، وهو ما حدث بالفعل ميدانيا، حيث رصدت الاستخبارات الروسية هروب مئات من مقاتلي “داعش” نحو الموصل مع عوائلهم، في حين هرب حوالي 600 إرهابي إلى تركيا، ومن هناك تم تهجيرهم نحو أوروبا حسب معلومات روسية، لكن الخطر الأكبر هو هروب 3000 داعشي نحو الأردن بشكل مؤكد، ما يرشح هذا البلد لفوضى عارمة داهمة، وهذا بالتحديد هو ما يرعب أمريكا وأدواتها في المنطقة، والروسي فهم اللعبة من أصولها وغير مستعد لمطاردة الساحرات حماية للمتآمرين على سورية، بل يسمح لهم بالعودة إلى حضن من دعموهم ليذيقوهم وبال ما ذاقت سورية من شرهم الذي تزول من هوله الجبال.
هذه الخطة التكتيكية الروسية جاءت ببساطة، ردا على قول أوباما أن روسيا “ستفشل في سورية”، الأمر الذي دفع بموسكو للتركيز على ضرب أدوات أمريكا التي يعول عليها أوباما لإفشال روسيا في سورية، في رسالة واضحة تقول.. انتهى زمن الحروب بالوكالة يا سيد أوباما، والكلمة اليوم للميدان وللحروب بالأصالة، ومن لا يعجبه ما تقوم به روسيا في سورية فليحاول مواجهتها في الجو أو البحر أو على الأرض، اللعبة مفتوحة على مصراعيها، وروسيا ليست في وارد تقاسم انتصارات حلفها مع من تآمروا عليها وعلى حلفائها، بل الهدف هو تعرية واشنطن وكشف عورتها للعالم، وأنه لم تعد القوة القادرة على إدارة اللعبة وفق هواها.
لأنه لو كانت أمريكا صادقة بالفعل في محاربة الإرهاب، لقبلت على الأقل بتسليم موسكو إحداثيات مواقع “المعارضة” التي تعتبرها واشنطن “معتدلة”، لـ”التنسيق معها إن وجدت أصلا”، كما قال الوزير ‘لافروف’ أمس الإثنين، لكن واشنطن لم تفعل، خوفا من احتمال وقوع هذه المعطيات في أيدي الجيش السوري الذي سيستخدمها لزيادة دقة ضرباته الجوية ضد خصوم دمشق، وفق الذريعة الواهية التي قدمتها واشنطن لروسيا حين طالبتها بذلك.
رسائــل سياسيــة بطعــم عسكــري..
ثم جاءت حادثة الخرق الروسي للمجال الجوي التركي، في رسالة سياسية تحمل تحديا بالغ الخطورة للحلف الأطلسي بشحمه ولحمه، وقد تعمدت روسيا أن يتم الخرق مرتين متتاليتين في يومين، الأمر الذي أثار حفيضة أمريكا وحلف الناتو وتركيا، فكرت التصريحات المنددة بهذا الفعل الذي يعتبر خرقا للسيادة التركية وحدود الحلف الأطلسي معا، لكن موسكو وفي رد يسخر من أمريكا وحلفها الأطلسي، قالت أن مرد ذلك إلى الأحوال الجوية السيئة، وهي تعلم أن أمريكا وحلفائها يعرفون حق المعرفة، أن الأحوال الجوية كانت مستقرة بل ومنفرجة باستثناء بعض السحب الخفيفة، وأن طائرة (سو – 30) مزودة بأحدث تكنولوجيا الملاحة وتستطيع التحليق بمرونة وضرب أهدافها بدقة عالية حتى في الظروف الجوية السيئة.
والرسالة الروسية المشفرة هذه المرة تقول، أنه إذا كانت الطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والتركية وغيرها تستبيح المجال الجوي السوري بدعوى محاربة الإرهاب من دون قرار من مجلس الأمن ومن دون تفويض من الحكومة الشرعية السورية، فلماذا تحرمون روسيا من مطاردة الإرهابيين الهاربين إلى تركيا، أو أولئك الذين يتحضرون لدخول سورية بالآلاف؟.. (8000 إرهابي يتم تسلحهم حاليا من قبل أمريكا والحلف الأطلسي باقتراح من تركيا لدخول سورية وفق إعلان أوباما السبت)..
الرسالة تقول أيضا، أن ما تعتبرونه حلالا عليكم لا يمكن أن يكون حراما على روسيا، لقد انتهى زمن الكيل بمكيالين والتصرف وفق معايير مزدوجة، فإما أن نحترم جميعا سيادة الدول وقواعد القانون الدولي أو نلعب لعبة حافة الموت من دون قواعد..
كما أن أهم ما في هذه الرسالة الاستفزازية الواضحة، هو أن موسكو ترفض سعي تركيا بدعم من أمريكا والأطلسي إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري بحجة وقف هجرة اللاجئين إلى أوروبا، هذا خط أحمر لن تقبل به موسكو، وفق ما صرح بذلك الإثنين نائب وزير الخارجية الروسي السيد ‘بوغدانوف’، وروسيا وفق رسالة الخرق للمجال الجوي التركي تقول، أن موسكو مستعدة لحماية المجال السيادي السوري بالقوة العسكرية إن اقتضى الأمر.
هذه الخطوة الروسية المتقدمة التي مثلت صفعة لتركيا والحلف الأطلسي معا، ما كانت موسكو لتقدم عليها لولا الشعور بفائض القوة، فوجود حاملة الطائرات الصينية بميناء طرطوس والبوارج الحربية المرافقة لها رسالة تقول أن الصين لم تأتي في نزهة سياحية إلى سورية، بل هي طرف أصيل في الحلف الروسي الجديد، وعلى استعداد للتدخل في حال تطورت الأمور، وأمريكا وحلفها الأطلسي يفهمون ما الذي يعنيه الوجود الصيني في سورية، ولا يملكون إلا الصراخ والنباح..
بل أخطر من ذلك، لقد كشفت معلومات عسكرية روسية عن دخول بارجة عسكرية روسية إلى ميناء طرطوس، تعتبر القلعة الأخطر في مجال الحرب الإلكترونية، فهي قادرة بكبسة زر على تعطيل كل الإشارات والمعدات الإلكترونية فوق المجال الجوي السوري بشعاع 400 كلم، وهذا يعني، أن الطائرات والصواريخ المعادية ستتعطل في السماء حال دخولها المجال الجوي السوري، وتسقط على الأرض كحجارة هامدة دون حاجة لقصفها أو اعتراضها.. فأين تذهب أمريكا وحلفها الأطلسي و”إسرائيل” من هنا؟..
تحالـف “جهـادي” إقليمـي لمحاربـة روسيـا..
لقد تبين اليوم بالواضح الفاضح، أن أمريكا لا تملك إستراتيجية لمواجهة روسيا، وليس من الوارد أن تنازلها عسكريا بمعية حلفها الأطلسي لما يعنيه ذلك من حرب عالمية قد تنهي اللاعبين جميعا وليس اللعبة فقط، وبالتالي، عادت حليمة إلى عادتها القديمة، وها هو أوباما يوحي لأدواته باستدعاء خزان الجهاديين في العالم العربي والإسلامي وتوحيد جميع التنظيمات المقاتلة في سورية بما في ذلك “داعش” و”النصرة” ومشتقاتهما، وتأجيل الخلافات بينها إلى حين الانتهاء من الحرب “المقدسة” ضد روسيا وحلفائها في المنطقة..
هذه الإستراتيجية الجديدة، تعتبر استدعاءا خطيرا لحرب دينية قد تحرق المنطقة برمتها، وقد تطال نيرانها الغرب أيضا، لكن من الواضح أن هذا هو ما قصده بالتحديد الرئيس أوباما حين قال أن “روسيا ستفشل في سورية”، وبالتالي، لا يملك أوباما العاجز والفاشل غير الإرهاب يواجه به خصومه، لكن هذه المرة من مدخل حرب سنية ضد روسيا “الأرثودكسية” وحلفائها الشيعة، بل والصين الشيوعية أيضا.
وبالفعل، فبعد بيان علماء لبنان وبيان علماء “السعودية” وبيان “الإخوان المجرمين” بمن فيهم حركة حماس الإرهابية (إلا من رحم الله من الجناح المقاوم)، صدرت تعليمات تركية – قطرية – “سعودية”، بضرورة توحيد كافة الفصائل والتنظيمات والجماعات الجهادية في حلف إقليمي “سني” لمواجهة روسيا وحلفائها، حتى مفتي الناتو شيخ الفتنة القرضاوي، طالب أمريكا بـ”غضبة لله في سورية ضد روسيا”..
هؤلاء الشياطين لم نسمعهم يطالبون “الجهاديين” بغضبة لله في فلسطين لإنقاذها من الصهاينة المغتصبين، ولا بغضبة لله لإنقاذ المسجد الأقصى وأولى قبلة المسلمين من التدنيس والتهويد والحرق والهدم في أفق إقامة الهيكل المزعوم، ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنهم إخوان الشياطين مجندون لخدمة أمريكا و”إسرائيل” مقابل مال الزيت “السعودي” والقطري، هؤلاء باعوا آخرتهم بدنياهم، ولا خلاص لأمة محمد من شرهم إلا بشنقهم على الأشهاد بمصارين ملوك وأمراء الصحراء، عكس ما فعلت الثورة الفرنسية حين شنقت آخر الملوك بمصارين آخر رجال الدين..
والمصيبة هذه المرة عظيمة، لأن نداء ما يسمون بـ”العلماء” وهم إلى حاخامات اليهود أقرب منهم إلى علماء المسلمين الشرفاء، اعتبر “الجهاد” ضد روسيا وحلفائها “فرض عين” لا فرض كفاية، بمعنى أنه واجب على كل مسلم عاقل قادر من كل أنحاء العالم، ما يعني أننا أمام مؤشرات لحرب دينية خطيرة قد تحرق الجميع بنيرانها..
ولإدراكها لخطورة الدعوة، أبلغت موسكو، عبر القنوات الديبلوماسية كل من “السعودية” وقطر والأردن وتركيا، رسالة قصيرة واضحة مفادها، أن اللعبة انتهت أيها السادة، ولن نسمح لكم بعد اليوم بتوظيف الإرهاب الديني لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية والعراق والمنطقة، وأن تحريضكم المضللين على “الجهاد” ضد روسيا وحلفائها في سورية والعراق أمر مرفوض، وفي حال حدث شيئ من هذا القبيل، فاستعدوا لتلقي الرد القاسي..
جاء ذلك بعد تسريب معلومات استخباراتية تتحدث عن خطة وضعتها المخابرات “السعودية” والتركية والأطلسية لتقوم “داعش” باستهداف سياسيين عراقيين وعسكريين كبار إيرانيين في العراق كرد على التدخل الروسي في سورية والعراق..
لكن ما رشح من معلومات حول الحلف الإقليمي “الجهادي” الجديد يؤكد، أن “السعودية” تعمل بـ”الريموت كونترول” من واشنطن، ولا تعير اهتماما للتهديد الروسي، وقد يكون سحب المهلكة مؤخرا لمبلغ 70 مليار دولار من أحتياطاتها له علاقة بتمويل الحرب الدينية الجديدة..
وفي اعتقادي، أن ما قاله الرئيس الأسد حول “انفجار المنطقة برمتها في حال فشل حلف روسيا في الحرب على الإرهاب”، له علاقة بهذا التطور الخطير الذي كان متوقعا .
بانوراما الشرق الاوسط