الرئيسية / اصدارات جديدة / قراطيس نجاة عقلَ حبلُ البيان قليلها وكثيرها ذرته ريحُ النسيان

قراطيس نجاة عقلَ حبلُ البيان قليلها وكثيرها ذرته ريحُ النسيان

السيمر / الخميس 05 . 01 . 2017

د. نضير الخزرجي

عندما حبّرت نهاية العام 2016م مقالة تتضمن قراءة موضوعية وإعلامية عن الجزء السادس من “معجم المقالات الحسينية” للمحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، استوقف البعضَ عنوان المقال: “ملهم كوني لا يعدم تحبير المقال ماتح تسنيمه” وطلب شرحًا له، ذلك أن بعض الكلمات مفهومة المعنى وبعضها نادرة التداول وغير مألوفة على السمع وإن كنّا نقرأها في كتاب الله العزيز، ولما كانت المقالة عن الإمام الحسين (ع) ونهضته المباركة، فمن الطبيعي أن يكون هو “الملهم الكوني” لكل من يريد أن يكتب مقالة تستمد القصبة حبرها من نمير الحسين (ع) وهي عين جارية فوارة مزاجها من تسنيم يمتح منها العطشان ويغترف الصادي زلالها، وفيها قال ربنا تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ. تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ. يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ. خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ. وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ. عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) سورة المطففين: 22- 28.
فمن يقرب يراعه من قرطاس أهل البيت (ع) ويدس قصبته في محبرة الإمام الحسين (ع) فلا يعدم من تحبير المقالة تلو المقالة، ويأتي عطاؤه غزيرًا، من هنا كانت المقالات التي تتناول النهضة الحسينية منذ فجر التاريخ الأول وحتى يومنا هذا، أكبر من أن تعد وتحصى، والكثير الكثير ضاع مع الزمن، وعصر التنضيد والطباعة والنشر على حداثته أودع في جعبته الآلاف المؤلفة من المقالات الحسينية وبلغات مختلفة تتأتى من مشارق الأرض ومغاربها، ومع تعدد وسائل الإعلام وبخاصة شبكة الإتصالات الكهربية (النت) صار من السهل، بتدوير مكوك البحث، الوقوف على حجم المقالات التي يكتبها أصحابها، على أنها تختلف في الجودة من كاتب لآخر، لكنها في المحصلة النهائية تقع في خانة فن المقالة، وإن كان كاتبها في أول السلّم.
ولما كان الكتاب أوسع باعاً من المقالة وأكبر حجما ويحسب بالصفحات لا بالأسطر والكلمات كما في المقالة، فإن المتبادر الى الذهن أن الكتاب الحسيني هو الأقل حضورًا في سوح الكتابة وميدان التأليف، لكن الحقيقة المضيئة هو أن “الملهم الكوني” لم يزل تسنيمه تتلاعب في زلاله أصابع الكتاب والمؤلفين، حلو المذاق سلس رقراق، تمتح من عينه محابرهم وتغترف من عبابه قصباتهم، وهذا ما يكشف عنه باب “معجم المصنفات الحسينية” من دائرة المعارف الحسينية، فالجزء الرابع منه الصادر حديثا (2017م) عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 638 صفحة من القطع الوزيري، ضمّ (295) كتابًا ومؤلفًا ليصبح العدد الكلي في الأجزاء الأربعة (938) عنوانَ كتاب، وكلها واقعة في خانة حرف الألف من الحروف الهجائية الثمانية والعشرين، وبتعبير الناشر في مقدمته: (تسعمائة وثمانية وثلاثون مصنفًا في أربعة أجزاء حتى الآن صدرت من باب معجم المصنفات في دائرة المعارف الحسينية الكبرى، ومازال الإحصاء في حرف الألف .. تلك عبارة بسيطة في مفرداتها، لكنها عظيمة في مضامينها وإيحاءاتها، بحيث تترك القارئ أو الباحث يسرح في ذهنه نحو تفسير وتحليل مضمونها وما توحيه له، ليسأل مستفسرًا عن هذا الكم الهائل من المصنفات في شخص واحد، إلا أنه سريعًا سيعرف أن تلك الشخصية فريدة في مزاياها كما هي فريدة في نهضتها التي كانت بحجم أمة، بل من أجل رفعة أمة وخيرها وقوامها ورشدها وسعادتها).

بلدان ولغات
بحساب الأرقام ضمّ الجزء الرابع من “معجم المصنفات الحسينية” (295م) عنوان كتاب، من الرقم (644) حتى الرقم (938)، وهي أحجام مختلفة وبصفحات متفاوتة ما بين العشرات والمئات، وباللغات: العربية، الفارسية، الأردوية، الألمانية، التركية الآذرية، التركية الاستانبولية، البلتية، والأنكليزية، لنحو (192) مؤلفا وكاتبا توزعوا على البلدان التالية: الإمارات، باكستان، البحرين، تركيا، زنجبار، السعودية، سوريا، العراق، كندا، الكويت، لبنان، مصر، المملكة المتحدة، والهند، وبواقع نحو (208) دورَ نشر ومطابعَ ومؤسسات، وأقدم مصنف ورد في هذا الجزء يعود إلى ما قبل عام 311 للهجرة (923م) وهو كتاب “الأنوار في تواريخ الأئمة الأطهار” باللغة العربية للنوبختي إسماعيل بن علي البغدادي المتوفى سنة 311ه، وأحدثها صادر في عام 1435هـ (2014م) وهو كتاب “أهل بيت عرشيان فرش نشين = أهل البيت ملائكة الأرض” باللغة الفارسية للكاتب المعاصر الشيخ حسين بن محمد باقر أنصاريان المولود في مدينة خوانسار الإيرانية سنة 1363هـ (1944م).
وربما يتساءل المرء عن سبب التفاوت بين عدد المصنفات وعدد المؤلفين؟ ويُعزى هذا إلى أمور عدة:
الأول: بعض المؤلفات الواردة هنا هي لكاتب واحد وبترجمات مختلفة، بيد أن العناوين تقع ضمن حرف الألف.
الثاني: بعض المؤلفات لها أكثر من طبعة وبعناوين متفاوتة، والعناوين على اختلافها تقع في إطار حرف الألف.
الثالث: بعض المؤلفين له أكثر من كتاب ورد في هذه المعجم تحت حرف الألف، فعلى سبيل المثال أورد هذا الجزء تسعة مؤلفات للفقيه المعاصر السيد محمد تقي المدرسي المولود في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1945م وكلها في حرف الألف خاصة بالنهضة الحسينية، وأورد خمسة مؤلفات للفقيه المعاصر السيد صادق الشيرازي المولود في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1942م، وأورد أربعة مؤلفات للفقيد الشيخ محمد مهدي شمس الدين المتوفى في بيروت سنة 2001م، وللشيخ حسين أنصاريان ثلاث مؤلفات، ولعدد من الأسماء الواردة في المعجم مؤلفان.
واحتل كل كتاب في بيان معالمه وبشكل عام صفحة واحدة، وعلى النحو التالي: إسم الكتاب، إسم المؤلف، اللغة، الحجم، عدد الصفحات، عدد الأجزاء، الطبعة، تاريخ الطبع، الناشر، الموضوع، وعن الكتاب، وفيه يقدم المحقق الكرباسي في هذا الحقل شرحًا مختصرا عن فحوى الكتاب وأبوابه وفصوله وعناوينه.

أغراض وخزائن
ومن خلال تتبع موضوعات المصنفات والكتب الواردة في المعجم يتضح أنها متماسطة إلى الأغراض التالية: إجتماع، أحاديث ومرويات، أخبار واقعة كربلاء، أخلاقيات، أدب حسيني (المنثور والمنظوم)، أدعية وزيارات، أراجيز، إرشادات، استعراض، استنهاض بالحسين، ألبوم مصور، بحث تاريخي، بحث معاصر، تاريخ، تحقيقات، تراجم وسير، تقارير، تقريظ، ثقافة، حكم وعبر، حوادث ووقائع، حواريات، خصائص حسينية، خطابات وبيانات، خطب حسينية، دراسات، رثاء وبكائيات، سلسلة نسب، سنة نبوية، سياسة، سيرة حسينية، شعائر وممارسات، طقوس ورموز، عرفانيات، عقائد ومعارف إسلامية، فقهيات، فلسفة، قرآنيات، قصص وكرامات، ومضات من حياة الإمام الحسين، كلمات حسينية، محاضرات، مسرح، مقاتل وملاحم، مناظرات، مناقب وفضائل، مواعظ ووصايا، ونقد أدبي.
وعمد المؤلف في الأجزاء السابقة من هذا الباب الى توثيق خزانات الكتب المطبوعة والمصورة والمخطوطة والمكتبات العامة والخاصة، وهذا دأبه في هذا الجزء، حيث شرع في تتبع مآل هذه المكتبات وخزائنها وما حلّ بها بعد رحيل المالك، وبيان سيرة مختصرة لمالكها أو خازنها أو مشتريها، وهي على النحو التالي: مكتبة آل شبيب (أم الحمام- السعودية)، مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة (النجف- العراق)، مكتبة التستري الجزائري (النجف- العراق)، مكتبة حسن يوسف الأخباري (كربلاء- العراق)، مكتبة دار الكتب والوثائق الوطنية العراقية (بغداد- العراق)، مكتبة عبد الرسول الغفاري (قم- إيران)، مكتبة المحقق الطباطبائي (قم- إيران)، ومكتبة الميرزا محمد الطهراني العسكري (سامراء- العراق).
كما ورد شرح مختصر لعدد من المكتبات سبق شرحها بالتفصيل في الأجزاء السابقة، وهي: مكتبة الإسكندرية (الإسكندرية- مصر)، مكتبة الجوادين العامة (الشهرستاني) (الكاظمية- العراق)، المكتبة الرضوية (مشهد- إيران)، ومكتبة المتحف البريطاني (لندن- المملكة المتحدة).
إلى جانب الجهد المعرفي الذاتي في تقصي الكتب الحسينية ومضامينها حيث تضم مكتبة الإمام الحسين الخاصة في المركز الحسيني للدراسات بلندن الملحقة بدائرة المعارف الحسينية نحو 30 ألف كتاب، فإن المحقق الكرباسي عاد في توثيق المصنفات الواردة في الجزء الرابع الى 78 مرجعًا ومصدرًا ما بين كتاب وموقع كهربي.

رائعة الموسوعات
ومن معالم دائرة المعارف الحسينية، الفهارس المعرفية الكثيرة الملحقة بكل جزء، وإذا كان بعض المؤلفين يعمد الى وضع فهرس للأعلام والأسماء الواردة في متون كتابه وهوامشه كحد أدنى، فإن المحقق الكرباسي لا يكتفي بفهرس واحد أو إثنين، بل تتعدى معظم الأجزاء الثلاثين فهرسًا تضفي على كل جزء قيمة معرفية تسهل على القارئ والباحث الدروب لاستخراج المعلومة.
وتختلف أنواع الفهارس من جزء إلى آخر حسب الباب الذي يتناوله، وفي معجم المصنفات الحسينية، فإن القارئ سيلاحظ 34 فهرسًا، وهي حسب ترتيبها في حقل الفهارس العامة: فهرس الأعلام والشخصيات، القبائل والأنساب والجماعات، الأشعار، التـأريخ، الآيات المباركة، الأحاديث والأخبار، الفهرس اللغوي، مصطلحات الشريعة، المصطلحات العلمية والفنية، الطوائف والملل، الوظائف والرتب، الآلات والأدوات، الإنسان ومتعلقاته، الحيوان ومتعلقاته، النبات ومستحضراته، الفضاء ومتعلقاته، الأرض ومتعلقاتها، فهرس المعادن، الأماكن والبقاع، فهرس الزمان، الوقائع والأحداث، المؤلفات والمصنفات، المخطوطات والمصورات، الخزائن والمكتبات، فهرس موضوعات المصنفات، مؤسسات النشر والمطابع، فهرس اللغات، فهرس المؤلفين للكتب الحسينية، تاريخ الطباعة، أحجام الكتب، المصادر والمراجع، فهرس مؤلفي المراجع، فهرس عام لعناوين المصنفات، وفهرس المحتويات والمندرجات.
ولأن كل جزء ينتهي برؤية عن الإمام الحسين (ع) ونهضته المباركة، وما يتعلق بدائرة المعارف الحسينية وهذا الجزء أو ذاك، يسطر أحرفها من قاده حظه الطيب الى واحة الحسين (ع)، فإن أستاذة علم الكيمياء الحيوية في أكاديمية القديس كليمنت (St Clement of Bitola) في مدينة بيتولا بجمهورية مقدونيا (Republic of Macedonia)، السيدة كاترينا ميهيل (Katerina Mehail) وقفت طويلا أمام التحولات السياسية في عهد النهضة الحسينية وفي الوقت الحاضر، وهي تقدم للجزء الرابع من “معجم المصنفات الحسينية” باللغة المقدونية، الذي يعدُّ المجلد السادس بعد المائة مما طُبع حتى الآن، من بين نحو تسعمائة مجلد، ورأت أن: (مقتل الحفيد الحبيب للنبي محمد وبهذه الطريقة البشعة جعل المسلمين يفيقون من رقدتهم وغفلتهم، ووضعتهم أمام وحش كاسر يريد الاستحواذ على مبادئ الإسلام وتحويرها، ولكن وعلى عكس ما كان يخطط له يزيد فإن التضحية جعلت من الحسين حيّا الى يومنا هذا)،
وتؤكد مهيل وهي من أتباع كنيسة الشرق الأرثوذكسية أن: (من التحولات الكبيرة في العصر الحديث المتصلة أسبابها بالنهضة الحسينية هي قيام الثورة الإسلامية في إيران وتحرير لبنان)، وعبّرت عن قناعتها بأن: (الموسوعة الحسينية التي تتناول في أحد أبوابها توثيق الكتب والمؤلفات والمصنفات ذات العلاقة بالنهضة الحسينية تمثل رائعة من الروائع في عالم التأليف).
وعودعلى بدء: لا يعدم القدرة والمكننة على تحبير المصنفات ماتح تسنيم الملهم الكوني.

الرأي الآخر للدراسات- لندن

اترك تعليقاً