الرئيسية / مقالات / داعش في الحديث النبوي

داعش في الحديث النبوي

السيمر / الاثنين 23 . 01 . 2017

صالح الطائي

يرفض البعض أي حديث عن الغيبيات مهما كان واقعيا، ومهما كانت له من مصاديق حقيقية تُلمس لمس اليد، وتترجم فعلا على أرض الواقع، وأنا لا أعترض عليهم فهم أحرار فيما يذهبون إليه ويؤمنون به، ولكني أقول: إن كان من حقهم رفض مثل هذه الأحاديث، فمن حقي أن أؤمن بها وأصدقها، إذ يكفي أنهم لا يملكون دليلا على بطلانها، بينما أملك عشرات الأدلة على يقينيتها وصدقها، وأنا هنا لا أريد التحدث عن الغيبيات بشكل عام وسأكتفي بالحديث عن خوارج العصر الدواعش، الذين وردت بحقهم عشرات الأحاديث الغيبية التي تصفهم، وتصنفهم، وتحث على محاربتهم وقتلهم، كأنموذج على صدق الكثير من الغيبيات التي وصلتنا. ومعنى هذا أن الداعم والمؤيد لهم كافر يحشر معهم سواء كان دولة أو نظام حكم، أو مجرد شخص مفرد. ومن يحاربهم ويقتلهم يثاب يوم الجزاء.
ووفق سلسلة من التفكيك المنطقي، سأبدأ الربط بين: الموقع، والفكر، والصفات العامة لتنظيم داعش عبر التاريخ، والنهاية.
فمن ناحية موقع ولادتهم ونشأتهم ونشأة فكرهم، حصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) المكان الذي ستظهر منه فتنة داعش بأرض الحجاز دون غيرها من الكرة الأرضية، ولهذا مصاديق بالجملة تخص أوائل الخوارج، وبدايات ظهورهم، فجميعهم، خرجوا من أرض نجد والحجاز، والمعروف أن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) روايات عديدة تشير إلى مكان خروجهم وتحدده بنجد دون غيرها، منها:
أخرج البخاري في كتاب الفتن عن ابن عمر(رض) حديث رقم 7617 قال: ذكر النبي: “اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان”. وهو حديث صريح لا يقبل التأويل يشير دون مواربة إلى أن نجد هي الأرض التي يطلع منها قرن الشيطان.
وأخرج أحمد بن حنبل(رض) في مسنده، الجزء الثاني، ص 119 ، عن ابن عمر أن النبي قال: “اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا في نجدنا، قال: هنالك الزلازل والفتن، منها، أو بها، يطلع قرن الشيطان”.
والغريب أن الكذابين الدجالين يحاولون صرف هذا الموضوع عنهم، وتبرئة أنفسهم من حمل وزره، بتكذيب رسول الله، فيدعون أن المقصود بالمشرق إيران والعراق، جاء هذا بالرغم من كونهم يرفضون الأخذ بأي حديث لم يورده البخاري، ولذا تراهم يتغاضون عن هذا الحديث، ويضربون بالبخاري عرض الحائط، ويأخذون برأي الألباني المعاصر الذي أورد عن عبد الله بن عمر في السلسلة الصحيحة: “اللهم بارك لنا في مكتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في صاعنا، و بارك لنا في مدنا. فقال رجل: يا رسول الله! وفي عراقنا، فأعرض عنه، فرددها ثلاثا، كل ذلك يقول الرجل: و في عراقنا، فيعرض عنه، فقال: بها الزلازل والفتن، وفيها يطلع قرن الشيطان” علما أن العراق لم تكن يومها على خارطة الحدث، وكانت محتلة من الفرس، ولا أثر للإسلام فيها، ولا توجد أحاديث أخرى عنها، سوى هذا الحديث المتهافت الغريب!
هذا عن مكان ولادتهم، أما من حيث الفكر فالخوارج وخلفهم الدواعش يحملون فكرا لا يقل جفافا وجفاءً ويباسا عن أرض نجد، فهم فهموا الدين وفق رؤى خاصة بهم تختلف عن جميع المسلمين، ومن ذلك:
أخرج البخاري في كتاب المناقب حديث رقم 2711، باب علامات النبوة: “سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة”.
وهذا الحديث يصفهم وصفا دقيقا فهم شباب في الغالب، سفهاء الأحلام، لا حكمة ولا عقل لهم، أما إيمانهم الذي يتحدثون عنه ويتبجحون به فلا يجاوز حناجرهم بدلالة سنة جهاد المناكحة التي سنوها وهي الزنا بعينه، وعثور القوات في العراق وسوريا على قناني المشروبات الكحولية في مقارهم ومخابئهم.
وفي صحيح مسلم، كتاب الزكاة حديث رقم 1707، الجزء الثاني، ص 629، باب التحريض على قتال الخوارج: يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، يقرأون القرآن يحسبونه أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لاتكلوا على العمل”.
وورد في صحيح الترمذي في أبواب الفتن، الجزء التاسع ص 26، باب صفة المارقة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”.
وأما من حيث صفتهم فهناك قول مشهور للإمام علي (عليه السلام) في وصفهم، وهو قول لا غبار عليه، والنص أورده نعيم بن حماد في كتاب الفتن: حدثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، قال: “إذا رأيتم الرايات السود، فألزموا الأرض، فلا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى، ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم، ثم يؤتي الله الحق من يشاء” علما أن نعيم بن حماد الخزاعي صاحب كتاب الفتن، هو من شيوخ البخاري. والوصف جاء في منتهى الدقة، وكأنه (عليه السلام) رسم صورة حقيقية لهم لا يختلف عليها اثنان، فالناظر إلى أي واحد منهم سواء كان في العراق أو سوريا أو أفغانستان سيجد الصورة نفسها التي رسمها الإمام علي.
أما من حيث نهايتهم وزوال خطرهم فقد وعد الإمام علي(عليه السلام) أنهم سيبقون إلى آخر الزمان، لهم ظهور في كل حين، نقل المسعودي في مروج الذهب عن نهج البلاغة، أن الإمام لما قتل الخوارج، قال له أتباعه: يا أمير المؤمنين: هلك القوم بأجمعهم، فقال: “كلا والله، إنهم نطف في أصلاب الرجال، وقرارات النساء، كلما نجم قرن قطع، حتى يكون آخرهم لصوصاً سلابين”!.
وفي رواية أخرى قال المسعودي: مر علي (عليه السلام) بالخوارج وهم صرعى فقال: “لقد صرعكم من غرّكم! قيل ومن غرّهم؟ قال: “الشيطان وأنفس السوء”، فقال أصحابه: قد قطع اللّه دابرهم إلى آخر الدهر. فقال (عليه السلام): “كلا والذي نفسي بيده، وإنهم لفي أصلاب الرجال، وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلا خرجت بعدها مثلها حتى تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط، يخرج إليه رجل منا أهل البيت، فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلى يوم القيامة”
وفي رواية ثالثة أوردها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، قال: قال حبّة: لما فرغنا من النهروان، قال رجل: واللّه لا يخرج بعد اليوم حروري أبدا. فقال علي (عليه السلام): “مه لا تقل هذا. فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، ولا يزالون يخرجون حتى تخرج طائفة منهم بين نهرين، حتى يخرج إليهم رجل من ولدي، فيقتلهم، فلا يعودون أبداً”.
ومع كل الحزن الذي خلفته داعش المجرمة والدمار الذي ألحقته بالعراق وسوريا، إلا أن خروجهم هذا يحمل بشرى الخلاص منهم إلى الأبد، فالعراق يقع على نهرين وسوريا تقع على نهرين، وفي كلا البلدين هناك رجال من أبناء علي(عليه السلام). إن الرجل من ولد علي(عليه السلام) إما أن يكون الإمام المهدي المنتظر (عج)، وهذا يعني أن ظهور المنقذ أقرب مما نعتقد، أو يكون أحد أولاده من السادة الأشراف، وهذا يعني أن الدولة الممهدة للظهور سوف تعلن عن نفسها وتمهد الفرج عن قريب بعد هزيمة داعش.
المتحصل مما تقدم أن خرجة الدواعش هذه هي آخر خرجاتهم حسب الأحاديث التي تقدم ذكرها، وستكون نهايتهم قريبة جدا، سواء بسبب هزيمتهم في العراق وسوريا، أو بسبب الضائقة المالية التي ستطيح بالدول التي كانت تدعمهم، فيذهبون إلى جهنم وبئس المصير، هم ومن احتضنهم، وجهزهم، ودافع عنهم، وروج لفكرهم، ولكن آثارهم لن تزول بيسر بعد أن تسببوا بحرف الفكر الإسلامي، وجاءوا بفكر مشوه بثوه بين الناس، وبسبب بولادة جيل كامل من اللقطاء الذين لا يعرف لهم أب، ولكنهم يحملون جينات آبائهم الكثر، ويحقدون على جميع البشر!

اترك تعليقاً