السيمر / الأربعاء 28 . 06 . 2017 — اندلاع حرب كبرى في منطقة الشرق الأوسط أصبح محتملاً بشكل كبير في ظل تصعيد كل الأطراف في جبهات متعددة. فالوضع في سوريا ومنطقة الخليج الفارسي ينذر بالتصاعد إلى صراع إقليمي وربما حتى عالمي، حسب تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
خطوات التصعيد
وتصاعدت التوترات بشكل كبير بين الولايات المتحدة وروسيا في أعقاب إسقاط طائرة حربية سورية من قبل القوات البحرية الأميركية في 18 من يونيو/حزيران.
ورداً على ذلك، أصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً حذَّرت فيه من أنَّها ستتعقب مقاتلات التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، والطائرات بدون طيارٍ التابعة له التي تجدها روسيا عاملةً غرب نهر الفرات كأهداف. كما علَّق الروس فجأةً خطاً ساخناً كانوا قد فتحوه مع واشنطن يهدف إلى تجنب الصدامات بين القوات الروسية والأميركية العاملة في سوريا، لكن المسؤولين الأميركيين ادعوا أنَّ الخط الساخن لا يزال قيد الاستخدام.
وفي التاسع عشر من يونيو/حزيران 2017، اعترضت مقاتلةٌ روسية طائرة استطلاعٍ أميركية فوق بحر البلطيق. ووفقاً لمسؤولين أميركيين في القيادة الأوروبية الأميركية، كانت المقاتلتان على بُعد بضعة أقدام فقط في بعض الأحيان.
وقبل ذلك بيوم، 20 من يونيو/حزيران 2017، أسقطت مقاتلة أميركية طائرة بدون طيار فوق سوريا.
وفي حادثةٍ أخرى ربما أكثر خطورة وقعت في الحادي والعشرين من يونيو/حزيران، اقتربت مقاتلةٌ تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) من طائرةٍ روسية فوق بحر البلطيق، وكان على متنها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وظهرت مقاتلة روسية مرافقة من طراز سو-27 ورفعت أجنحتها لإظهار أسلحتها، ثُمَّ طارت مقاتلة الناتو المتطفلة بعيداً.
وفي حادثةٍ أخرى، وبحسب جيش الاحتلال الإسرائيلي، هاجم سلاح الجو في 26 يونيو/حزيران 2017 مواقع مدفعية تابعة للقوات الحكومية السورية بعدما سقطت 10 قذائف في مرتفعات الجولان المحتل.
ومما قد يثير القلق أنه منذ عام 2013، تكهّن دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة ستدخل في مواجهة مع إيران، وآنذاك، كان ترامب مجرد رجل غني يُقحم نفسه في الأمور السياسية ويوجه انتقادات لاذعة لوزير الخارجية جون كيري على قناة “فوكس نيوز”. لكن في وقت لاحق، كمرشح رئاسي ثم كرئيس، كان خطابه وسياساته المعادية لطهران لافتة للانتباه حسب تقرير لمجلة Vice الكندية.
حرب الكلمات
وفي أعقاب التطورات الأخيرة في العلاقات الأميركية الإيرانية، زاد إسقاط الطائرة الحربية السورية والطائرة بدون طيار التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بشكلٍ حاد، وهو التوتُّر الذي من المحتمل أن يتصعّد إلى صراع أوسع نطاقاً.
ففي البداية، دعا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في 14 يونيو/حزيران 2017 إلى تغيير النظام في إيران. وادعى أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إنَّ إيران تزعزع استقرار المنطقة، ووعد بدعم الولايات المتحدة لـ”تلك العناصر داخل الجمهورية الإسلامية التي قد تُحدث انتقالاً حكومياً سلمياً” بحسب زعمه.
ورداً على ذلك، انتقد قائد الثورة الاسلامية آية الله خامنئي، في خطاب ناري الحكومة الأميركية قائلاً: “الحكام الأميركيون لا يعرفون الدولة الإيرانية. إنَّ قادة البيت الأبيض الجدد يشبهون الشباب الهمجيين الذي يرعبون الناس بالتلويح بسكاكينهم حتى يلكمهم شخص ما ويضعهم في مكانهم الصحيح”.
واضاف آية الله خامنئي، في إشارة إلى بيان تريلسون: “يقولون: نريد تغيير نظام الجمهورية الإسلامية.. في أيّ زمنٍ لم تكن هذه هي إرادتكم؟ دوماً ما أردتم، ودوماً ما ارتطمتم بالجدار، ودوماً ما مُرّغ أنفكم بالتراب، وسيكون هذا هو حالكم بعد اليوم أيضاً”.
وتوجد أيضاً جبهة قتال جديدة بين وكلاء روسيا وإيران في سوريا من جهة، والولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها من جهةٍ أخرى للسيطرة على جنوب شرقي سوريا، وهي المنطقة القريبة من الحدود العراقية حيث يمر الطريق السريع بين دمشق وبغداد. وبالنسبة لإيران، يُعَد هذا الطريق ذا أهمية استراتيجية لأنَّه يربط سوريا بالعراق ثُمَّ إيران في الشرق. وستمكِّن السيطرة على ذلك الطريق طهران من الاتصال بحليفها الرئيسي في المنطقة حزب الله اللبناني عبر سوريا.
وكما أوضحت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يعتزم الأميركيون السيطرة على شرق سوريا لأنَّه بعد هزيمة “داعش” سيكون “ما يوجد على المحك حقاً قضايا أكثر أهمية. فهل ستعيد الحكومة السورية السيطرة على البلاد وصولاً لحدودها الشرقية؟ وهل ستبقى الصحراء المتاخمة للحدود السورية العراقية غير خاضعة لأحد وتحت سيطرة المسلحين؟ وإن لم يكن ذلك، من سيبسط هيمنته هناك – قوات متحالفة مع إيران، أم روسيا، أم الولايات المتحدة؟ وأي الفصائل السورية ستحظى بأكبر قدر من التأثير؟”.
لماذا تزايدت احتمالات الحرب؟
وتشير الصحيفة إلى أنَّه “مع وجود كل تلك القوى على مسارٍ تصدامي، فإنَّ التصعيدات الأخيرة قد أثارت مخاوف من مواجهةٍ مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، أو حتى روسيا”.
ويُمثِّل هذا الوضع وصفةً للحرب. فقد قال دوغلاس لوت، الجنرال المتقاعد الحاصل على ثلاث نجوم، وممثل الولايات المتحدة في الناتو حتى يناير/كانون الثاني: “في أي وقت يكون لدينا عدة قوات مسلحة تعمل في نفس ساحة المعركة بدون عمليات لتخفيف التصعيد، يكون هناك مجازفة خطيرة بأن تخرج الأمور عن السيطرة.. إذ يمكن أن يُساء فهم الأعمال التكتيكية على الأرض أو في الجو فوق سوريا ويؤدي ذلك إلى سوء تقدير”. وكما يقول أحد خبراء العلاقات الدولية: “يمكن أن تندلع الحرب دون سوء فهم، ولكن نادراً ما يحدث ذلك”.
حديث ولي العهد السعودي عن الحرب
ما يجعل الوضع أكثر سوءاً هو العداء غير المسبوق بين إيران والسعودية. ففي 7 يونيو/حزيران 2017، شنَّ تنظيم “داعش” هجمات على البرلمان الإيراني ومرقد الامام الخميني(ره)، بعد تهديداتٍ صريحة من الأمير السعودي محمد بن سلمان في أوائل مايو/أيار 2017.
وقال بن سلمان: “لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل نعمل على أن تكون المعركة لديهم في إيران”. ولم يكن لدى مسؤولي الحكومة الإيرانية، بداية من القائد حتى أصغر مسؤول، من شكٍ في أنَّ السعوديين يقفون وراء الهجمات الإرهابية الأخيرة.
ويعد محمد بن سلمان مهندس السياسة الخارجية السعودية الجديدة العدائية صراحةً تجاه طهران. ففي 21 يونيو/حزيران، جرى تعيينه ولياً جديداً للعهد في السعودية، ما يجعله الوريث المقبل للعرش. والسياسي المبتدئ، الذي سيحتفل بعيد ميلاده الـ32 في أغسطس/آب 2017، هو المسؤول عن السياسة الخارجية للمملكة، وسيحافظ على منصبه كوزيرٍ للدفاع .
وفي حين أشاد الإسرائيليون بهذا التعيين باعتباره “أخباراً جيدة لإسرائيل والولايات المتحدة”، وصفه السفير الأميركي السابق لدى “إسرائيل” دانيال شابيرو بأنَّه “خطيرٌ” بالنسبة لإيران. ويجعل تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد إمكانية نشوب نزاعٍ إيراني – سعودي أكثر احتمالاً.
ومن الأمثلة الصارخة التي تعطي للعالم الخارجي لمحة عن السياسة الخارجية الخطيرة للحاكم الفعلي الجديد للسعودية، قائمةٌ من الشروط التي قُدِّمت لقطر في 23 يوليو/تموز 2017 من أجل رفع العقوبات المفروضة عليها من المعسكر الذي تقوده السعودية.
وبحسب وكالة أسوشيتد برس، فإنَّ القائمة تنص على 13 شرطاً، بما في ذلك إغلاق شبكة الجزيرة المُموَّلة قطرياً، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية، وتقليص كل العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
وأكَّد العديد من المراقبين أنَّ فرض قيود على العلاقات مع إيران شرطٌ محوري في القائمة. وتنتهك المطالب المبادئ الدولية تماماً، وأولاً وقبل كل شيء مبدأ سيادة الدول. ولم تُفرَض مطالب من هذا النوع حتى على الديكتاتور العراقي صدام حسين بعد هزيمة العراق في حرب الخليج الفارسي 1991.
وعد ترامب المنسي
إزاء هذه الظروف المحفوفة بالمخاطر، لا يُظهِر أي طرفٍ أي نيةٍ لتخفيف التصعيد، خصوصاً القوتين العظميين النوويتين. ففي أثناء حملة دونالد ترامب الانتخابية، أعطى المرشح الجمهوري أملاً بأنَّ الولايات المتحدة ستسعى إلى التعاون مع موسكو بخصوص القضايا الدولية.
وأَمَلَ الكثيرون في تكوين تحالفٍ بين القوتين لاستئصال “داعش” في سوريا ووضع حدٍ للكارثة الإنسانية المستمرة في البلاد. ونتيجةً لذلك التعاون الأميركي – الروسي، كان يؤمل أن تتوقف تلك الحالة الهوبزية (نسبةً للمفكر الإنكليزي توماس هوبز) من “حرب الكل ضد الكل” في سوريا، وأن يتوافق المتنافسان الإقليميان الرئيسيان، إيران والسعودية.
وفي أول مؤتمرٍ صحفي له بعد انتخابه، قال ترامب مِراراً إنَّه سيكون من “الإيجابي”، و”الجيد”، بل و”العظيم” حتى إذا “كان بمقدورنا التوافق مع روسيا”.
وفي ظل غياب التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، وفي ظل بيئةٍ عدائية بين القوتين، قد ينفجر الشرق الأوسط إلى جحيمٍ مستعر نتيجةً لحربٍ واسعة التأثير.
المصدر : هافينغتون بوست / العالم