الرئيسية / ثقافة وادب / سَكرةُ رُوح / (قصة من المجموعة القصصية سكرة روح2016)

سَكرةُ رُوح / (قصة من المجموعة القصصية سكرة روح2016)

السيمر / الجمعة 07 . 07 . 2017

امل رفعت محمد / مصر *

تتزوج الشابة الجميلة زواج صالونات؛ تكتشفت بخله المتواري خلف أبواب الثراء والصيت.. يكنز المال؛ يجمده في كل ما هو ثمين، يغرى أهلها بشبكة من الماس تعدت النصف مليون؛ العروس في حوزته على أى حال بكل ما لديها من ميراث أبويها الأثرياء.. تتصرف أمام عينه حتى في مالها الخاص، ليُحكم قبضته على الفتاة.. تظن المسكينة أن لكل جواد كبوة، منحها ذكاؤها كمهندسة إلكترونيات تحضر الماجستير ثقة بقدراتها تضمن براعتها في حل الألغاز.. بنت العز تعشق المجوهرات والأزياء والتسوق، لن ترضى أن تعيش بحساب أو تتنازل في بيت النرجسي المُقطر.. التقطت كبوة الجواد سريعا؛ يؤمن بالجان والسحر يُنسب للأسياد شقاوة العفاريت ودغدغة الأرواح الشريرة؛ يقص عليها حكاوي أمه عن الأشباح بإيمان وقناعة تامة، وتحذيرها له ألا يُغضب العالم السفلي يا لطيف….دَستور …دَستور….لا يصح إثارتهم أو تعكير صفوهم، ليظلوا هادئين، كم رددت على مسامعه كيف تدخلت الأرواح الشريرة بينها وبين أبيه وفرق بينهما جني يلبس الأم؛ يعبدها عبادة ويغار عليها منه مما أجبرالأب على طلاقها حتى أكله الندم، لم يتزوج غيرها ولم يستطع العودة إليها.. يكمل أحمد قصة أمه التي لقت حتفها في حادث غريب لم يفك أحد غموضه، عندما فكرت في الزواج من أحد المتقدمين لها.
يعود من عمله في الحادية عشركل مساء، يتناول العشاء مع ناهد ويسهرا قليلا لمشاهدة التلفاز، يأوى معها إلى الفراش في الثانية عشرة والنصف، يطفئ جميع الأنوار، تتخبط ناهد عند ذهابها إلى الحمام ليلا بأثاث يقابلها في الظلام ملتزمة بالأوامر.. لم ترحمه الأشباح حين نمت إلى مسامعه اليوم بعض الأصوات الغريبة المتقطعة الخافتة وفي نفس الوقت مزعجة، اعتدل في جلسته، حاول إيقاظ ناهد بدفع كتفها مرددا”ناهد ناهد أنتي مش سامعة “.. فركت ناهد عينيها متسائلة “أيه بس بتصحيني ليه؟”.
_”أنتي مش سامعة الأصوات دي ولا إيه”
_ “لأمش سامعة يا شيخ ما عفريت إلا بني آدم”.. سمعها أحمد وهي تقول عفريت فزادت الشكوك في نفسه وراودته أفكار مخيفة.. عادت ناهد للنوم مرة أخرى؛ وطار النوم من عينه حتى اختفت الأصوات تدريجيا .
أعدت ناهد إفطارا شهيا؛ صرخ في وجها ” أيه يا بنتي كل الأكل ده أنتي أيدك سايبة كدا ليه ” الكلام يتكرر قبل كل وجبة يتناولها، فتح حوار آخر يهمه فسألها “أزاي ملحظتيش الأصوات الغريبة بالليل؟” علامة تعجب كبيرة مرسومة على وجهها قائلة “والله يا أحمد أنا بأسمع الأصوات دى كتير وبطمن نفسي أنها ممكن تكون جاية من عند الجيران”.. نظر لها أحمد متعجبا من هذا الرد فهم يسكنون في حي راقٍ وهادئ، والدور التاسع بأكمله يُكون شقتهما.. تركها ولم يكمل إفطاره وقهوته والتطلع إلى بعض الأخبار فى البورصة كعادته، في طريقه لمكتبه يردد “أعوذ بالله من الخبث والخبائث، أعوذ بالله من الخبث والخبائث”. ليلة أخري غير مُقمرة يسمع فيها الأصوات، الأضواء منعدمة داخل وخارج حجرة النوم.. تعودا على الأصوات، حاولا التعايش معها فلم يعترض على مبيت ناهد مع امها ليلة مرضها ليقضي ليلته وحيدا، استسلم للأمر الواقع، دخل المطبخ يعد لنفسه عشاءً خفيفا، أطفأ جميع الأنوار.. استلقى على الفراش يقلب في تليفونه المحمول قبل أن يستسلم للنوم؛ ضوءه يؤنسه ولا يواري سوءة مخاوفه، يحاول النوم مرارا، يلتقط محمولهُ ثانية، يفتحه ليزيح عن تفكيره ستائر أحاديث والدته وحكاياتها، تنهال عليه أطيافهما لتحيك له سراويلا تبث القشعريرة في بدنه وتثير غبار الرهبة في روعه كالسكون المحيط به والظلمة الكثيفة، أخيرا غط في سُباتٍ عميق، و تليفونه يستلقي على صدره من التعب، بعدما حلت صور الهواجس صور جنسية غير أخلاقية بلا فائدة .. لم تمهله الأرواح أن يهنأ بغفوة فبدأت تتصاعد الأصوات وتتسلل إلى أذنه؛ وقعت عيناه حين فتحهما على خيال طيف من شعاع نور باهت على أحد جدران الغرفة؛ خارت أواصله؛ ارتجفت.. حقيقة أم خيال لا يدري؛ الطيف الرمادي اللون صوته ينطلق أمام المتفرج المشدوه، بدأ يميز الكلمات المتصاعدة”متخفش يابني روح أمك طيبة بس بتحذرك من تانية شريرة لبست ناهد، هي يا بني مش حتسكت مسكينة جعانة محتاجة تاكل أوراق كبيرة متين جنيه؛ لما تشبع حتبعد بشرط متحكيش لحد.. الأرواح جعانة يا أحمد كبيرة يا أحمد جعانة ….جعانة ” ساد الصمت وانقشع كل شئ؛ عادت الحجرة لظلمتها.. ذهنه مزدحم بالأفكار وحاله يحدثه “يا نهار اسود روح شريرة. مراتي انا ملبوسة، متين جنيه.. كتير.. يا نهار أسود” بات ليله يفكر كيف يُسكت الروح .
“عفريت مراتي بياكل فلوس يادي المصيبة يادي الخراب المستعجل” حديثه طيلة الوقت مع نفسه خاصة عندما يخرج من جيب بيجامته خمس ورقات فئة المائتي جنيه يضعها فوق صدر زوجته يوميا؛ يحرص ألا يوقظها ليعطيها ظهره و يغمى عليه نوما ليرتفع معدل الورق المهدورحسب بطون الأسياد.
يحتسي في الصباح فنجان الشاي مختلسا النظر؛ باغتها قائلا”أنا شايف الأصوات بدأت تختفي؟”.. نظرت له في دهشة قائلة ” ازاي يا أحمد أنا صحيت على الأصوات امبارح بتصرخ جعانة أنا لسة جعانة، وحمدت ربنا إنك كنت نايم وما سمعتها “..نظر إليها وفاهه منفرج حتى أذنيه من الدهشة والإنزعاج يحدث نفسه ” يادي الخراب المستعجل”.
يقوده التفكير في التخلص من الأشباح إلى التخلص من ناهد نفسها؛ ليهرول إلى الجراج عندما أخبرته بمقابلة أصحابها فى النادي؛ قطع تيل الفرام؛ لم تفاجأ بتوقف السيارة بعد بضع مترات، دائما يترك التانك فارغ إلا من نقاط لا تقيم أودا لتوقف تاكسي يملأ لها جركن تكمل به الطريق، ولم تندهش من ملاحظة تسرب الزيت فقد أحست بتدبيره منذ فترة؛ جمعت خلالها ثلاثة وأربعين ألف جنيه طعاما للأرواح خلال ثلاثة أسابيع.. جاء وقت تلقينه الدرس على فعلته الشنعاء.
يحمل هم سيارة تذهب في مهب الريح؛ ينتظر الخبر السا.. يطول الإنتظار، له أن يرتاح ويغط في سباته العميق إنتهي الكابوس.. وقع همهمات تتوافد إلى مسامعه تعلو وتعلو؛ فتح عينه على ضوء مسلط علي وجهه أصابه بالعمى، وضع كفه على عينيه يحجبه، بدأ الضوء فى التراجع ليسلط على وجه ملطخ بالدماء حاول أن يتبين معالمه؛ ناهد تصرخ فيه “قتلتني يا أحمد.. خلاص يا أحمد أنا بقيت روح وأنا وقريني عايزين ناكل يا أحمد عايزين ناكل يا أحمد” انتفض جالسا يرتجف، يتصبب عرقا، يهذي “حا حااااضر حاااااضر سامحيني يا ناه…د سامحيني سا..” أزمة قلبية أودت بحياته في الحال مع آخر كلمة نطق بها لسانه.. مشيئة الأقدار أن تودع زوجها إلى مثواه الأخير؛ البيت بأكمله مضاءً حتى بعد انصراف المعزيين ، يتمدد جسدها على الفراش، تراجع في ذاكراتها الأصول الثابتة والأموال السائلة في البنوك وتستعد لتنعم بكل شئ.. تستغرق في النوم لتتتفض على صوت غريب أيقظها.. نظرت مشدوهة .. أأأأأرواح ! لا لا لاااااااااااااااااااااااااااا..

* كاتبة واديبة مصرية

اترك تعليقاً