السيمر / الاحد 19 . 11 . 2017
حسين أبو سعود
كان كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب في مكتبتي منذ زمن طويل دون ان اقرأ منه شيئا ولا أدرى لماذا كنت احتفظ به؟ هل من باب التفاخر مثلا؟ ام ان الوقت لم يكن يسعفني لقراءته ام ان المادة جافة وصعبة الفهم، ومهما يكن من امر فقد اتخذت قبل أعوام قرارا حازما جازما بضرورة التفرغ التام لقراءة النهج من الغلاف الى الغلاف ممسكا بالقلم الأحمر للتأشير على الفقرات المهمة والتي تحتاج الى تفكير وتبصر فتوقفت عند الكثير من مفرداته ومعانيه واحداثه لاسيما تلك التي لها علاقة بالأحداث السياسية والحروب فاحدث في داخلي انقلابا فكريا مروعا، وبعد الانتهاء من القراءة وجدت لزاما علي ان اكتب في ذلك كتابا وأسميه (علمني نهج البلاغة) واذكر فيه مع الشرح النصوص التي غيرت عندي الكثير من المفاهيم الموروثة المغلوطة، ولكن بسبب الوقت والتسويف وطول الامل لم اكتب شيئا فقلت في سري (مالا يدرك كله لا يترك جله) فشرعت في كتابة هذا المقال المختصر لأذكر فيه ما تعلمت من نهج البلاغة وقبل ذلك اود ان أقول بان الشيعة يقدسون هذا الكتاب ولكن لا يقرؤونه ولا يتمعنون في معانيه وخاصة تلك التي تتعلق بالصحابة وامهات المؤمنين ولو قرأه المرء بتمعن وروية وحياد لتغيرت عنده المفاهيم الخاصة بهذا الشأن ، أقول لقد علمني نهج البلاغة التوحيد وما ادراك ما التوحيد ، فهو درب الخلاص والنجاة وعلمني نبذ الغلو والشرك وخفف عندي غلواء الحقد وعلمني الحب والتعايش وغير نظرتي لأزواج النبي ولا سيما السيدة عائشة، علمني ان لا أكون سبابا ولا شتاما ولا لعانا وغيّر نظرتي للصحابة والخلفاء الراشدين.
علمني نهج البلاغة حسن الخلق والادب مع الاخرين وعلمني الزهد والكرم وكظم الغيظ.
علمني نهج البلاغة العفو والحب والنصيحة والتضحية والإحسان والادب والصبر والإخلاص والورع والتوكل والثقة بالله وذكر الموت وخدمة الناس.
علمني نهج البلاغة القدرة على تمييز الصحيح من المتناقضات والابتعاد عن الخرافات والمبالغات.
وباختصار أقول لقد علمني نهج البلاغة احترام أمهات المؤمنين وعدم التجرؤ والتجاوز والتطاول عليهن، وترك السباب والشتم واللعن والتنابز، نعم لقد انتزع من قلبي الكثير من الكراهية والبغض والحقد وعلمني ادب الخلاف مع الاخرين.
عرفت الامام علي عليه السلام من خلال الكتاب بصورته الحقيقية، لان عليا على المنابر هو غيره في نهج البلاغة فلا حقد ولا خنوع ولا اعتزال للمجتمع، عرفته بشرا يأكل ويشرب ويجوع ويتزوج ويتعبد ويجهد نفسه في العبادة وللفائدة أقول بان هناك كتاب مغمور اسمه لا يحضرني اسمه ويحتوي على الكثير من القصص الخرافية والشرك والغلو أحدث عند بعض العامة خلطا عجيبا فصاروا ينسبون بعض الاخبار الغريبة الى كتاب النهج وهو في الحقيقة ليس منه وانما من الكتاب الباطني الذي يحتوي على جملة من الاسرار.
ويظل كتاب نهج البلاغة كتابا مهما وسفرا جليلا وقد لا يكون كل ما فيه صحيحا حيث تحدّث بعض الفضلاء في صحة نسبته للإمام علي (ع) ولكن لا احد يستطيع ان يجزم بان كل ما في الكتاب منتحل ومجعول ومن تأليف المتأخرين.
سلام على هذا العملاق وهذا المعلم والمربي يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.