السيمر / الثلاثاء 30 . 01 . 2018
صالح الطائي
كوكبُ نور واحد، أكيد هو كوكب نور واحد، تختلف أشعته كطيف قوس قزح جميل، وكلٌ يراها بعين غير عين الآخرين، بعضهم يراها حمراء، وبعضهم يراها صفراء أو زرقاء أو خضراء أو بيضاء، ومع أنهم جميعهم يعرفون أن مصدرها ذلك الكوكب النوراني، إلا أنهم يتغافلون عن هذه الحقيقة، فيدعي من يدعي أن أشعته قدمت إليه من كوكب خاص به دون غيره، وهذا هو الجهل المطبق.
أنا من جانبي، كنت ولا زلت وسأبقى أؤمن يقينا أن جميع تلك الأشعة، مهما اختلفت ألوانها جاءتنا من مصدر واحد، ومن يدعي غير ذلك غارق في الوهم بالتأكيد، وقد شاءت إرادة الله لي أن أطمئن إلى صحة منهجي بالدليل القاطع، فأنا بعد أن صليت صلاة المغرب، جلست برهة لأقرأ في كتاب الله القرآن الكريم بعض الآيات التي تنزع الهم من نفسي، وتدخل السرور إلى قلبي، ثم اتجهت إلى مكان عملي، وفتحت الحاسوب، وقبل أن أبدأ بالعمل، اخترت أن أسمع بعض القراءة من (الكنزاربا) الكتاب المقدس للإخوة الصابئة(*) لا على التعيين بل لمجرد أن أسمع كلاما إلهيا أخر، فشعرت حينها وكأني أستمع إلى ترجمة للقرآن الكريم، وأقول ترجمة لأن القرآن لم ينقل إلى اللغات الأخرى كما هو، وإنما ترجمت معانيه إلى تلك اللغات، ولذا يشعر من يسمعها أن فيها روح القرآن لا كلماته النصية، من هنا شعرت يقينا أني أستمع إلى كلام الرب، فالوصايا والتعليمات والإرشادات هي نفسها، والوعد والوعيد هما نفسيهما، كلها كنت قد قرأتها في القرآن، ووجدتها في الكنزاربا بمعناها وبشكل يصل أحيانا إلى حد التطابق الكلي، فثمة تقاربا يدعو إلى الدهشة، وهذا مصداق قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} التي تعني أن جميع الأديان السماوية هي من الله تعالى، ولا شك في ذلك، فأسمع إلى ما جاء في التسبيح الأول من الكنزاربا لتتأكد: (لا تأكلوا الدم ولا الميتة ولا المشوه ولا الحامل ولا المرضعة ولا التي أجهضت ولا الجارح ولا الكاسر ولا الذي هاجمه حيوان مفترس وإذا ذبحتم فأذبحوا بسكين من حديد، اطمشوا وأغسلوا وطهروا وأطبخوا وسموا ثم كلوا).
وأسمع إلى ما جاء في سورة المائدة من القرآن الكريم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} وقارن بين القولين ليأتيك اليقين!.
وعن التسمية قبل تناول الأكل جاء في صحيح البخاري: قال رسول اللّه (ص): ”سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ”. وفي سنن الترمذي: “إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعالى في أوَّلِهِ، فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُر اسْمَ اللَّهِ تَعالى في أوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: باسم اللَّهِ أوَّلَهُ وآخِرَهُ”.
وعن الذبح، جاء في صحيح مسلم عن النبي(ص): ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته”.
هذا جزء بسيط من مقارنة بسيطة بين جزء من تسبيح واحد في الكنزاربا، وآية واحدة في القرآن الكريم وحديث نبوي واحد، ولو قيض لنا إجراء المقارنة بين الكتابين لوجدنا مئات المواضع التي نلتقي بها مع إخوتنا ويلتقون بها معنا، ولو قيض لنا إجراء المقارنة مع الأديان الأخرى، سنجد الكثير من المشتركات التي تؤكد أن أصل الأديان واحد، وأن كل منا اختار طريقا خاصا ليسير فيه بحثا عن السعادة والخلاص الأبدي. من هنا أقول: إن من يكَّفِر الآخر واهم ومخالف لتعاليم الله الرب العظيم، وأنه سينال جزاء سوء فعله وسيندم كثيرا،
وهنا لا يسعني سوى الإشارة إلى القول الخالد لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع): “الناس صنفان إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق” وأتحدى التكفيريين أن يأتوني بصنف ثالث!. ويا لسعادتي وأنا أجد شبيها لهذا القول في الكنزاربا: (بأسماء الحي العظيم، رأس المحبة إن تشارك إخوتك في محبة ربك)، وهذا هو عين اليقين.
(*) حينما تُرجم الكنزاربا إلى العربية حصلت على نسخة منه من صديقي الدكتور رفعت لازم مشعل، ولكنها للأسف فقدت مع ما فقد من محتويات بيتي الذي هجرت منه، وكم أتمنى اليوم الحصول على نسخة ورقية منه.