أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / لماذا عراك سياسيَّيْن أشد خطورة من تسليم الموصل والرمادي لداعش؟
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

لماذا عراك سياسيَّيْن أشد خطورة من تسليم الموصل والرمادي لداعش؟

الجمعة 27 . 11 . 2015

محمد ضياء عيسى العقابي

السياسيان المعنيان هما كاظم الصيادي النائب عن إئتلاف دولة القانون، وبليغ أبو كلل الناطق الرسمي بإسم كتلة المواطن. كلا الجهتين تنضويان تحت مظلة “التحالف الوطني” ذي الأغلبية البرلمانية المشتتة.
حصل شجار بينهما بعد الإنتهاء من حوار على قناة “دجلة” الفضائية(1). لا تهمني تفاصيل ما حصل بينهما من مناوشات كلامية تطورت إلى تدخل الحمايات واستخدام السلاح الناري. هذه التفاصيل هي من إختصاص القضاء للبت فيها. الذي يهمني هو حصول شجار تطور الى استخدام السلاح الناري بين طرفين يُراد لهما ولجميع أطراف التحالف الوطني الإقتتال على أي مستوى بـأمل أن يمتد الى الشارع لتفتيت التحالف برمته وتنفيذ المشاريع اللئيمة.
أعتبر هذا الحدث أشد خطورة من تسليم الموصل لداعش يوم 10/6/2014 وتسليم الرمادي لها في وقت لاحق كانت فيه، الرمادي، تحت حماية الطائرات الأمريكية “المعادية” لداعش و “الصديقة” و “الحليفة” للعراق ولصباح وصهيب!!! …. لماذا؟
ببساطة أفشل العراقيون المخطط الكبير الكامن وراء داعش بسبب توفر الحد الأدنى من التضامن بين المستهدَفين بإبادة مماثلة لإبادة أحبتنا الأزيديين والمسيحيين وإضطهاد الشبك والتركمان وغيرهما. ما فعله هذان السياسيان قد يفتح الطريق لسقوط الشارع في نيران قتال الأشقاء ما يفتح الباب واسعاً أمام داعش لمعاودة إستكمال المشروع وبنجاح حسب التصميم الأمريكي، كما سيأتي.
عليه أرى:
1- يجب رفع الحصانة النيابية عن النائب الصيادي وتقديم الإثنين الى القضاء وطردهما من تنظيميهما.
2- هذه الحادثة، بتقديري وكما قلت، أخطر من تسليم الموصل ثم الرمادي الى داعش. كيف؟ لما فشل الأمريكيون والإسرائيليون وعملاؤهم حكومات تركيا والسعودية وقطر وعملاؤهم الطغمويون(2) والبرزانيون وأذنابهم – لما فشلوا في تمكين داعش من احتلال كامل الأرض العراقية وإنتزاع النفط من أهله بعد قتلهم بالجملة وتهجير الباقين قسراً، عمد الأمريكيون وعملاؤهم الى محاولة شق صفوف التحالف الوطني وخلق قتال شيعي – شيعي على مستوى الشارع لأنه، وبدعم المرجعية الرشيدة، القوة الوحيدة القادرة على الوقوف بوجه الأمريكيين مما دفع المصالح الأمريكية الإمبريالية الى محاولة إزالة هذه العقبة الكأداء بوسائل مختلفة. لقد وقف التحالف فعلاً كقائد للمسيرة الوطنية الديمقراطية فأخرج قواتهم واسترجع السيادة والإستقلال.
عليه، فإذا ما حصل إنشقاق وإقتتال فستنشأ الظروف اللازمة لإعادة الكَرَّة ثانية لإسقاط الحكومة المنتخبة بالقوة وتنفيذ المشروع الذي مازالت تسعى أمريكا لتنفيذه. يتضح ذلك من أسلوبها في الجرجرة والتحايل وتحريك العملاء ونشر الدعايات المسمومة وزرع الفتن بين العراقيين في سبيل تأخير وعرقلة دحر داعش بانتظار “الفرج” أي التشتت والاقتتال بين أبناء الشعب. هنا تكمن خطورة العراك الذي جرى بين السياسيين الصيادي وأبو كلل.
كان بالإمكان دحر داعش يوم 10/6/2014 عندما تَوَفَّر الحد الأدنى من التآلف بين قيادات وجماهير أطراف التحالف الوطني لأن داعش هددتهم جميعاً. أما إذا نشأ قتال بين هذه الجماهير الآن فإقرأ، عندئذ، السلام على التحالف الوطني وجماهيره والعراق والديمقراطية والمرجعية. وهذا هو الذي رفع منسوب التداعيات التي قد تترتب على مثل هذه التصرفات الخطرة للصيادي وأبو كلل.
بجانب كل ذلك فإن الشجار وبهذه الطريقة الواطئة وفّر مادة دسمة لمزيد من مبررات النيل والطعن بالديمقراطية العراقية الناشئة من جانب كارهيها والمستهينين بها والساعين الى إطاحتها بكل الوسائل بضمنها وسائل تتيحها الديمقراطية نفسها لهم فيسيئون إستخدامها.
3- ألوم وأنتقد بشدة جميع قيادات أطراف التحالف الوطني بسبب عدم عقدهم الاجتماعات المتواصلة والمعمقة والمطوَّلة لوضع استراتيجيات موحدة مع رسم خطوات عمل مناسبة لبلوغ الأهداف وعلى رأسها إستكمال بناء دولة المؤسسات وتحقيق العدالة الإجتماعية، خاصة وأنهم ومعهم العراق وديمقراطيته يواجهون كمّاً هائلاً من الأعداء المتنوعين من دول عالمية وإقليمية وجماعات محلية من طغمويين وبرزانيين وفاشلين يميناً ويساراً (بالإدعاء)، وبمجموعهم يتمتعون بقدرات إرهابية وتخريبية ومالية وإقتصادية وإعلامية وحذلقية هائلة تمتد بين الداخل العراقي مروراً بالمنطقة وصولاً الى العالم الإمبريالي الواسع.
إني أحمّل قيادات التحالف الوطني أضاً مسؤولية إنحطاط الوضع الفكري والسياسي في العراق لدرجة أن كل من هب ودب، بضمنهم الطيبون، صاروا يستدعون تدخل الخارج لإدارة شؤون العراق ونبذ شعب العراق جانباً فهذا يصفه بـ”القطيع”(3) وذاك يصفه بألـ”المغيَّب”(4) وهكذا. إن هذا التدني هو نتيجة منطقية لإرتهان الطغمويين والبرزانيين لحكام تركيا والسعودية وقطر ومن يقف وراء هؤلاء الحكام أمريكا وإسرائيل ومشروعهما الرهيب ضد الأمة العربية والإسلامية.
لقد هبط بعض متظاهري مدينة الديوانية يوم الجمعة الماضية إلى أسفل درك إذ طالبوا بتدخل الأمم المتحدة لـ”تنقذهم” من سطوة الأحزاب(5). هذا عمل غير وطني مهما كانت مصداقية المبرر الذي ساقه ذلك البعض. كان عليهم اللجوء الى الشعب؛ وإذا خانتهم الشجاعة في مواجهة الشعب والإستعانة به أو أنه قد خذلهم فليصمتوا ويراجعوا أنفسهم ويحترموا الوطن وسيادته والشعب والديمقراطية.
4- لابد من الإشارة الى أن نواب وسياسيي كتلتي الأحرار والمواطن كثيراً ما ينالون من إئتلاف دولة القانون ظلماً حيث يحملونه كل مشاكل الحقبة الماضية تحت رئاسة المالكي حينما يتناقشون في فضائية الحرة مع الطغمويين متناسين دور هؤلاء المخرب والمقيِّد لدور الحكومة والداعم للإرهاب والفساد وإصرارهم على استعادة سلطتهم بأي ثمن كان سواءً بالإرهاب أو بالتخريب من داخل العملية السياسية.
وأشعر أن الصدريين والمجلسيين يعتقدون أنهم باستطاعتهم كسب ود الطغمويين وإبعادهم عن الطائفية والتخريب وذلك بالنيل من إئتلاف دولة القانون والمالكي بالذات. وهذا، بالمناسبة، نهج يتبعه الدكتور حيدر العبادي أيضاً. هذا ليس وسيلة مبدئية وقويمة لإصلاح الطغمويين بل على العكس يعتبره الطغمويون تملقاً لهم ودعماً لإدعاءاتهم بالتهميش والإقصاء وبالتالي يصبح تشجيعاً لهم.
لا أعرف إن كان هذا السلوك ناجماً عن “الشعور بالدونية” أو لمحاولة الكسب غير المشروع والكاذب من جانب هتين الكتلتين والدكتور العبادي أكثر مما هو الإلتزام بـ”الواقعية”. وهذا الشعور بالدونية مرض مصاب به الكثيرون وخاصة قيادات الصدريين والمجلس الأعلى وأبو كلل مثال على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): أدناه رابطا تقريرين عن الحادث:

http://http://www.qanon302.net/news/2015/11/24/75568#comment-71713:

http://http://www.qanon302.net/news/2015/11/26/75645
(2): الطغمويون هم لملوم من جميع أطياف الشعب العراقي حكموا العراق منذ تأسيسه وفق صيغة تبادل المصالح مع القوى الإمبريالية وبالحديد والنار للإنتفاع الطبقي من ثرواته المادية والمعنوية بذرائع مختلفة منها إدعاء القومية. لقد مارسوا في العهد البعثي سياسة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي فاقترفوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ ولم يعد قادراً على إطاحة النظام سوى الله أو أمريكا. وأطاحت به أمريكا لأهدافها الخاصة ولكنها ساعدت على تأسيس النظام الديمقراطي ومن ثم أخرج العراقيون قواتها واستعاد العراق استقلاله وسيادته في 1/1/2012. غير أن الأمريكيين ركبوا حصان داعش الذي أوجده الطغمويون وحكام تركيا والسعودية وقطر بعلم الأمريكيين، ودخلوا العراق من الشباك. بعد سقوط نظامهم في عام 2003 أثار الطغمويون الطائفية بأعلى وتيرة، بعد أن كانت مبطنة منذ تأسيس الدولة العراقية، وذلك لشق صفوف الشعب والمحافظة على ولاء أعوانهم ودفعهم الى عرقلة بناء العراق الديمقراطي الجديد عبر الإرهاب والتخريب من داخل العملية السياسية؛ وللإصطفاف مع المشروع الطائفي السعودي المطروح على نطاق المنطقة والعالم لدرء خطر الديمقراطية على النظام في المملكة. وقد انتفع الامريكيون من اثارة الطائفية في العراق بقدر كبير جداً لإضعافه وربما كانوا المحرضين على تأجيجها وذلك من أجل تنفيذ مشروعهم الحقيقي وهو الهيمنة على منابع البترول في العالم للي أذرع جميع الدول المؤثرة عالمياً للقبول بنتائج ما بعد الحرب الباردة التي جعلت الولايات المتحدة القطب الأعظم الأوحد في العالم. فرض الطغمويون والأمريكيون، بالإبتزاز، المحاصصة ومفهوم الشراكة والتوافق المغشوشين، مقابل مجرد المشاركة في العملية السياسية أي العملية الديمقراطية المعترف بها عالمياً. يصر الطغمويون، بعد أن خسروا هيمنتهم المطلقة على الحكم عبر صناديق الإقتراع، على استرداد سلطتهم بكل الطرق بضمنها التخريب ونشر الفساد عبر العملية السياسية والتستر والتعاون مع الإرهاب وذلك للحيلولة دون إستكمال بناء دولة المؤسسات الديمقراطية. شكل الطغمويون والبرزانيون العنصريون تحالفاً غير رسمي مع الأمريكيين وتوابعهم في المنطقة حكام السعودية وتركيا وقطر كل لغايته؛ ولكن يجمعهم دفعُ العراق باتجاه الديمقراطية المشوهة والدولة الفاشلة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني القاضي بتفتيت البلدان العربية من داخلها. الطغمويون لا يمثلون أية طائفة أو مكون لكنهم يدعون تمثيلهم السنة لتشريف أنفسهم بهم والخروج من شرنقة الطغموية الخانقة الى ساحة الطائفة الأرحب. غير أن السنة براء منهم خاصة بعد توريط الجماهير فدفعوا بها الى حياة النزوح في المخيمات تحت رحمة البؤس والشقاء وتهديدات داعش.

للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995

(3): هذا وصفٌ أطلقه على الشعب العراقي رئيس التحالف المدني الديمقراطي في فضائية (الحرة – عراق) / برنامج “بالعراقي” قبل عام تقريباً.

(4): هذا وصف أصبح ملازماً لطروحات قياديي الحزب الشيوعي العراقي في فضائية (الحرة – عراق) لتبرير فشلهم الذريع والمتلاحق في عدة جولات من الإنتخابات البرلمانية والمحلية الذي أعزُوه الى الاستهانة والإستهتار بالمسيرة الديمقراطية والوقوف، موضوعياً، في خندق الطغمويين الذين يحتقرون الشعب ويرفضون الآخر. “يُغيَّب” الشعب مرة أو مرتين ولكن لا يمكن تغييبه لعديد من المرات وعلى مدة عشر سنوات بالأقل.

(5): أذاعت هذا الخبر فضائية (الحرة – عراق) في نفس يوم الجمعة الماضية.