السيمر / الثلاثاء 04 . 09 . 2018
معمر حبار / الجزائر
أتذكّر جيّدا وأنا طالب في الجامعة 1986-1990، كنّا يومها نتابع المجلات الآتية من إخواننا الكرام من لبنان الحبيب، وكان كلّ طالب يقرأ الجريدة من زاويته وحسب ميولاته والجمر الكامن في صدره.
ومن المواضيع التي يتذكّرها صاحب الأسطر، أنّ إحدى المجلات اللبنانية لا يحضرني الآن اسمها بالدقة الكافية، كانت تنشر يوميات الأديب المصري توفيق الحكيم رحمة الله عليه على شكل حلقات. و ميزة هذه الحلقات أنّها جاءت في أواخر حياته وراح صاحبها يذكر التفاصيل الدقيقة، ومنها كيف أنّ توفيق الحكيم وهو الشاب يومها مع زملائه يختارون فتيات تلك البيوت حسب معايير ذلك الزمن.
أتذكر جيّدا أن العالم محمد الغزالي رحمة الله عليه، انتقد يومها بشدّة تطرق توفيق الحكيم لتفاصيل حياته الجنسية، خاصّة وأنّه قريب من القبر، وسيكون قدوة سيّئة للشباب، وسيتحمّل مسؤولية الفساد الأخلاقي الذي سينتشر بسببه.
أعترف أنّي يومها وأنا في عزّ الشباب، وقفت إلى جنب العالم محمد الغزالي، وقفت مع المعطيات التي قدّمها، والنقاط التي شرحها، والمخاوف التي تخوّف منها، والنقد الموجّه لتوفيق الحكيم.
اليوم وبعد مرور 30 سنة على تلك الأيام، يعيد صاحب الأسطر نظرته للأحداث يومها بمنظور كلّه هدوء وتجربة، وبعيدا عن حماس الشباب، ويقول و يضيف ويؤكد:
كتابة الأيام من حقّ صاحبها لأنّه يسأل عنها وحده، خاصّة وأنّ المذكرات تكتب وقد تعدى الإنسان مرحلة من العمر واكتسب تجربة تجعله يعي ما يقول ويدرك عواقب الأيام التي تحدّث عنها.
العيب كلّ العيب أن لا يتحدّث المرء عن أيامه أو يمنع من الكتابة عنها بقرار سياسي كسجنه مثلا أو المنع عن طريق أهل الفكر والدين، فكلاهما يسئ للكتابة وللتعبير عن ما بداخل المرء، ويحرم أجيالا وأمة من الاستفادة من أيام المرء ومن تلك الحقبة الزمنية التي كتب عنها صاحبها، وبغضّ النظر عن لونها، وشكلها واتّجاها، وصدقها، وكذبها، واتّفاق المرء معها أو مخالفته لمحتواها.
لا أدعو لكتابة كافّة تفاصيل الحياة كما فعل توفيق الحكيم في مذكراته، فقد يكون هناك مانع شخصي، أو أسري، أو وطني، أو سياسي، أو عرفي، أو دولي، أو ديني، ولا يوجد فيما يعلم المرء ويراه ويلمسه يوميا، أنّ هناك من لم يتعرّض وما زال يتعرّض لإحدى الموانع المذكورة أو غير المذكورة. وفي نفس الوقت لا أدعو إلى منع التفاصيل التي يكتبها المرء عن حياته كما فعل محمد الغزالي، فإنّ ذلك تدخلا في الحياة الشخصية وتفاصيلها، ولا يحقّ لأحد الإملاء على شخص ما يكتبه وما لا يحقّ أن يكتبه، لأنّ ما يراه المرء جزئية لا قيمة لها قد يراها صاحب الجزئية مهمة يجب الوقوف عليها وعدم ذكرها في نظره تعني الاستهتار وإهانة جزء من حياته. وكلّ له الحقّ في التصرف في جزئيات حياته دون أن يتدخل فيها أحد، وله الحقّ حينها أن يفصّل فيها أو يحجبها من الذكر ما دام يسأل عنها لوحده، وله من القارىء المتتبّع كامل التقدير والاحترام.
ورحم الله الأديب توفيق الحكيم، ورحم الله العالم محمّد الغزالي.