السيمر / الاثنين 07 . 12 . 2015
سمير عيطه / سوريا
تُرِكَت «داعش» تتوسّع بشكلٍ كبير في العراق وسوريا، واليوم تتصاعد وتائر انخراط الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة في «الحرب» ضدّها. لكن ماذا وراء خطاب هذه الدول واستراتيجيّاتها ومن هي القوى المحليّة التي سيتمّ دعمها بحيث يُكتب لها الانتصار على الأرض وتأسيس ما بعد «داعش»، عراقيّاً وسوريّاً؟
ليس هناك ما يشير إلى أنّ هذا التصاعد يرتبط برغبة إعادة الاستقرار إلى منطقة مشتعلة، بقدر ما هو ردّ فعلٍ على الأحداث الإرهابيّة في باريس والتخوّف من عودة الإرهابيين الأوروبيين الذين انضمّوا للتنظيم إلى بلادهم. وأكثر من ذلك هو مؤشّر على التخبّط الذي تعاني منه النخب الحاكمة الأوروبيّة أمام تصاعد الخطاب اليميني المتطرّف واحتمال كسب أحزابه مواقع أكبر في الانتخابات القادمة… في سياق ما يسمّى أزمة الهجرة الكبيرة إلى أوروبا.
من المتوقّع أن تبلغ أعداد اللاجئين إلى أوروبا المليون خلال سنة، لكنّ قليلاً من السياسيين الأوروبيين يجرؤون على الإفصاح أنّ جزءاً كبيراً منهم يأتي من دول البلقان. تلك الأزمة الأخرى التي عالجها الأوروبيّون والولايات المتحدة بالحرب والتقسيم. بل إنّ اللاجئين من ألبانيا وصربيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك.. يفوقون في أعدادهم أعداد السوريّين الذين جعلوا الرأي العام يستفيق إلى الأمر.
ليس تدفّق اللاجئين شيئاً جديداً، وقد سبق تفجّرات «الربيع العربي». وليست أوروبا أكثر من يعاني من الأمر، بل البلدان العربيّة ومنذ زمنٍ طويل، مع اللاجئين الفلسطينيين والسودانيين والعراقيين والصوماليين وغيرهم، وبأعدادٍ شكّلت نسبة ملحوظة من سكّان بلدان اللجوء. وكانت أوروبا قد دعمت الحكومات في البلدان العربيّة بالتحديد لمنع تدفّق هؤلاء اللاجئين نحوها. ولم ترَ كيف تمّ إنهاك المجتمعات المحليّة العربيّة في احتواء من اعتبرتهم ضيوفاً وإخواناً في أغلب الأحيان وليس لاجئين. لكنّ هذه الرؤى والسياسات ذات المدى القصير فشلت أمام معضلة بنيويّة أساسها غياب التنمية في البلدان العربيّة، التي سيبلغ عدد سكّانها قريباً مستوى عدد سكّان أوروبا جمعاء.
وتتساءل أوساط أوروبيّة اليوم عمّا يدفع اللاجئين إلى الهجرة بعيداً كثيراً عن دول الجوار، وإن كانوا سيعودون إذا ما عاد الاستقرار إلى بلادهم. بالتأكيد تفعل فعلها فوضى الحرب والأعداد الضخمة للنازحين المحليين وإلى دول الجوار، وكذلك أزمة عدم دعم الدول المانحة لبرنامج الأمم المتحدة الغذائي ولغيره، حتّى بمستوى الالتزامات التي أعلنتها. لكنّ الهجرة البعيدة ترتبط أكثر بانهيار الخدمات الأساسيّة كالصحّة والتعليم، أي بمستقبل العائلة والأطفال. فكلّ طبيب يرحل عن سوريا يُخرج معه آلاف المهاجرين الذين لن يستطيع القيام بتطبيبهم. وكلّ مدرّس يرحَل قد يتبعه آلافٌ آخرون. وتوجّه اللاجئين إلى بلادٍ بعينها دون غيرها دلالة على ذلك، لأنّ هذه البلاد تؤمّن عبر قوانينها الحماية الاجتماعيّة بالحدّ الأدنى، خاصّة أنّ الأطباء والمدرّسين السوريين لا تتمّ الاستفادة منهم حتّى في مخيّمات اللجوء القريبة. ويحصل الأفضل بينهم كما كلّ المتفوّقين في مهنهم على معاملة تفضيليّة في الدول الأوروبيّة حيث تحفّز الإجراءات العمليّة للجوء والإقامة… «هجرة الأدمغة»، دون الاهتمام كثيراً بتعليم الشباب.
هكذا تحوّلت «أزمة اللاجئين»، برغم صغر الأعداد الحاليّة مقارنة بأعداد سكّان البلدان المضيفة، إلى قضيّة جوهريّة في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة كما في الانتخابات الأوروبيّة، وإلى موضوعٍ يسرّع التفاوض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، شرط أن تغلق حدودها مع سوريا والعراق وتوقف بصرامة التدفّق البشريّ. هذا إلى جانب الربط الصحيح مؤخراً بين أسباب الهجرة والتغيّرات المناخيّة.
لكنّ كلّ هذا لن يخلق محفّزاً أساسيّاً لكبح الرغبة القويّة في الهجرة إلى بلدان الشمال، فما يكبح ذلك هو حقيقة عودة الأمل في حياةٍ كريمة في بلدان المصدر. ولن يعود الأمل إلاّ إذا تمّ العمل جديّاً على وقف الحرب وشرذمة البلدان وإنهاك المجتمعات. ولن يعود الأمل إلاّ إذا فتحت أوروبا والولايات المتحدة والبلدان الأخرى، كما المؤسسات الدوليّة، آفاقاً إيجابيّة للتنميّة في البلدان العربيّة، لمعالجة أسباب نموّ «الإرهاب»، وكي يشعر الآباء والأمّهات أنّ أطفالهم قد يحصلون على الكرامة التي قامت الدنيا ولم تقعد من أجلها.
إلاّ أنّ إعادة الأمل تتطلّب تواجد نخب وقادة على مستوى صياغة المستقبل والتاريخ. وهم نادرون في بلدان الهجرة… كما في البلدان العربيّة!
* معارض سوري
النهار اللبنانية