الرئيسية / اصدارات جديدة / مصطلحات رثة … ” الأقليات ” مثالآ ..

مصطلحات رثة … ” الأقليات ” مثالآ ..

السيمر / الاثنين 07 . 12 . 2015

د . صادق اطيمش

قبل اسابيع اصدرت دار ميزوبوتاميا في بغداد كتاباً بعنوان ” الرثاثة في العراق ، إطلال دولة … رماد مجتمع ” يتضمن ” نصوصاً تشريحية للوظيفة الهدمية للإسلام السياسي ” ساهمت فيه نخبة من الباحثين العراقيين وحرره المفكر والباحث العراقي الدكتور فارس كمال نظمي، وعلق عليه استاذ المفكرين والباحثين الدكتور كاظم حبيب تحت الرابط ادناه:
http://http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=495038
وشاركنا فيه ببحث تناول ” رثاثة الشعار ووهم الدولة في فكر الإسلام السياسي ـ العراق تطبيقاً “. ونرغب في هذا المقال إضافة رثاثة اخرى إلى الرثاثات التي قذف ، ولا زال يقذف بها، الفكر المتخلف للإسلام السياسي في العراق بشكل خاص وعلى جميع الفضاءات التي ينتشر فيها هذا الفكر عموماً، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر مصطلح ” الأقليات ” الذي اوغل فكر الإسلاميين في التشديد عليه في وطننا إثر الإتيان بهم من قبل الإحتلال الامريكي على قمة السلطة السياسية في العراق، واضافوا إليه مزيجاً من المصطلحات التافهة التي عمقت مجالات استعمالاته مقارنة بما كانت عليه هذه الإستعمالات قبل استيلاء هذه الزمر الفاسدة على توجيه العملية السياسية في العراق.
لقد طرح النائب يونادم كنا هذا الموضوع في احدى لقاءاته التلفزيونية قائلاً:
“” مصطلح الأقليات لا ينطبق علينا لاننا سكان البلد الاصليين فنحن لسنا أقليات نحن كنا موجودين قبل سبعة آلاف سنة نحن من ابناء العراق و مصطلح الأقليات لم يذكر في التشريعات و الدستور العراقي بل ذكر كلمة المكونات العراقية و مصطلح الأقليات باللغات الغربية ليست كما هي بالعربية. و نحن تعايشنا مع العرب المسلمين منذ 14 قرن و أسوأ مراحل التاريخ الذي نمر به هي ال15 السنة الاخيرة و يحمل المسؤولية للأحزاب الكبيرة و يناشد المراجع الدينية في النجف الاشرف وكربلاء ان يوجهوا توجيه وطني جيد لان يوجد اختراق للشريعة الإسلامية و القانون العراقي. و نحن اسسنا وحدات حماية سهل نينوى للمدافعة عن ارضنا و لسنا تابعين لاي احد فنحن من ابناء العراق فنحن تابعين للعراق بلدنا و ندافع عن شعبنا و أهلنا و ثبات وطننا و نحن هم أول من دافع و يدافع عن الوطن و ليس لنا هوية أخرى غير الوطن “”
حينما يتكلم البعض عن الديمقراطية ويصفها بحكم الأكثرية مع تعميم هذا الفهم على مختلف المجتمعات بغض النظر عن خصائص ومميزات واقعها الذي تمر به ، فإن هذا البعض طالما يلجأ إلى إستعمال مصطلحات كالأكثرية أو الأغلبية والأقلية مشيراً بذلك إلى تطبيق الفهم الكلاسيكي للمبدأ الديمقراطي الذي كان المعني به حكم الشعب للشعب .
ربما ان الديمقراطية بمفهومها هذا قد افرزت واقعاً مغايراً لما يسمى بحكم الشعب بحيث نتج عن هذا الواقع ، واستناداً إلى هذا الفهم الكلاسيكي للديمقراطية ، حكومات إبتعدت تدريجياً عن الشعب واقتصرت على تسلط فئة معينة على كل الشعب ، حتى وإن جاءت هذه الفئة إلى السلطة عبر صناديق الإقتراع وبشكلها الصحيح غير المزوَر . والتاريخ يقدم لنا أمثلة حية على ذلك ابرزها المانيا النازية وإيطاليا الفاشية وإيران الملائية وتركيا الأردوغانية وروسيا البوتينية ومؤخراً مصر الإخوانية. وقد يشمل هذا الفهم للديمقراطية وما ينتج عنه من حكومات كل تلك المجتمعات التي يبرز فيها الإسلام السياسي اليوم وكأنه يمثل ، بكل ما يأتي به من هرطقات وأكاذيب وفتاوى وعنف وتكفير واحتيال وكل ما من شأنه إرهاب الآخرين ، الأكثرية في المجتمع فيجعل من هذا الفهم للديمقراطية ، التي يعاديها ويرفضها اصلاً ، مدخلاً للحكم والتسلط على رقاب الناس باسم الأكثرية هذه وباسم هذا الفهم للديمقراطية .
وإذا جاز لنا الإختصار في الحديث هنا عن المنطقة العربية وما يتعلق بمجتمعاتها في هذا الشأن ، فيمكننا القول بأن هذه المنطقة وارتباطها بالحداثة ، التي أتت بنشر مفهوم الديمقراطية ، فإن تاريخ هذا الإرتباط يمكن ان يُعزى إلى الفترة التي إنتهت فيها سيطرة الدولة التي كانت تعتبر نفسها تحكم باسم الدين في دولة الخلافة المتقدمة ثم في دولة السلاطين المتأخرة والتي إنتهت مع نهاية الحرب العالمية الأولى .
بعد الحرب العالمية الأولى تنازعت هذه المنطقة ثقافتان . الثقافة القادمة مع هذه الحداثة التي قضت على مقومات الدولة القديمة ، اي الثقافة القادمة مع جيوش وشركات ورأسمال وسياسة الدول التي حلَّت محل الدولة الدينية بما يسمى بالحكومات الوطنية كما في العراق ومصر والسودان وغيرها من الدول التي وقعت تحت الإنتداب البريطاني .أو من خلال الدول التي ارادت جعل المناطق العربية التي وقعت تحت نفوذها نماذج مصغرة من الدولة الأم كما في الجزائر والمغرب وتونس بالنسبة لفرنسا ونوعما لبنان ايضاً . اما المشايخ العربية التي تأسست بعدئذ في منطقة الخليج والتي لم تكن كنتيجة لإنتهاء الحرب العالمية الأولى فقد كان لتأسيسها حسب هذه التقسيمات القبلية بواعث أخرى غير تلك التي جرى على اساسها وضع الحدود للدول العربية القائمة الآن .
أما الثقافة الأخرى فهي ثقافة محاولة الإستمرار على ما عاشته المجتمعات العربية منذ قرون وما ورثته هذه المجتمعات من مجتمعات البداوة السابقة بكل ما تحمله هذه البداوة من العادات والتقاليد والشعائر والممارسات التي إختلط فيها الديني بالإجتماعي والتاريخ بكل ازمنته وأمكنته التي تفاوتت في هذه الإفرازات حتى تجسمت تفاوتاتها هذه ليس بين منطقة ومنطقة فحسب ، بل وحتى بين قبيلة وقبيلة في نفس المنطقة .
إذن فإن إنسياق المجتمعات العربية إلى العالم الجديد ، بما فيه من سلبيات وإيجابيات ، خلق واقعاً تاريخياً لا يمكن تجاهله او تغييره بسهولة . إذ بدأ هذا الواقع ينعكس على الممارسات اليومية في حياة المجتمع سواءً بقصد تم ذلك او بدون قصد او لتلبية حاجة آنية او لمسايرة حالة معينة . وبهذا القدر او ذاك بدأت تتبلور داخل هذه المجتمعات مفاهيم جديدة في السياسة والثقافة والإقتصاد وحتى في التأثير على بعض العادات والتقاليد المتوارَثة . فنشوء الدولة الحديثة تحت هذه المؤثرات ظل ملازماً لترقب المؤسسة الدينية التي ظلت محاصَرة بين أُطر ما تربت عليه وتوارثته عبر القرون العديدة الماضية والتي لم تستسغ او تهضم بعد زوال الخلافة الإسلامية ، بالرغم من تحول هذه الخلافة إلى سلطة سلاطين آل عثمان الذين نقلوا إلى سلطناتهم ثقافة بيئات تختلف تماماً عن ثقافة البيئة الصحراوية البدوية التي نشأ عليها وفي كنفها الإسلام .
المؤسسة الدينية التي كانت تقرر المسيرة الثقافية والتربوية وطبيعة الحياة في المجتمع لقرون عديدة كانت لها ردة فعل على دخول الثقافات الجديدة إستعملت فيها وبشكل اساسي العاطفة الدينية التي اصبح لها طابع إجتماعي وتقليد عام في المجتمعات العربية والذي لا يعني التدين بأي حال من الأحوال . فبدأت هذه المؤسسة الدينية بتوظيف العاطفة الدينية الإجتماعية هذه بما يتفق وواقع الدولة الحديثة الناشئة على العمل السياسي الذي برز فيه الحديث عن احزاب وتجمعات وكتل سياسية وما شابه ، بحيث وضعت المؤسسة الدينية هذه نفسها داخل هذا الإطار الجديد حتى تبلورت من داخلها أحزاب سياسية ذات واجهات دينية والتي بدأت بحزب الأخوان المسلمين الذي أسسه حسن البنا في مصر عام 1928 .
فالدولة الحديثة إذن هي دولة مؤسسات وأحزاب وكيانات وتجمعات مختلفة الرؤى والأهداف . وفي دولة كهذه يتحدد الأسلوب الذي يرى فيه كل تجمع وكل حزب الطريق الأمثل لتحقيق اهدافه من خلال وصوله إلى الحكم في هذه الدولة . وليس بعيداً عن التصور ان تبرز الصيغة الدكتاتورية للحكم حتى بعد وصول هذا الدكتاتور وحزبه عن طريق الإنتخابات التي حققت له الفوز باكثرية اصوات الناخبين . والأمثلة التي ذكرناها اعلاه في المانيا وإيطاليا وإيران وتركيا وروسيا وآخرها في مصر إخوان المسلمين شاهدة على ذلك . لا نريد في هذا المجال الخوض في اسباب تحول الوصول إلى السلطة بالطرق الديمقراطية إلى دكتاتورية ، إذ ان لذلك الكثير من الأسباب التي تحتاج إلى دراسة هذه الظاهرة دراسة معمقة قد نتناولها يوماً ما . إن ما نصبوا إليه الآن وفي هذا المجال هو إيضاح بعض هذه الأسباب التي تقود إلى الدكتاتورية والمتعلقة بشكل اساسي بفهم مصطلح الديمقراطية بالشكل الذي اصبح اليوم في متناول الأبحاث والدراسات العلمية .
إن فهم الديمقراطية وتطبيقها بالشكل الكلاسيكي المنطلِق من مبدأ الأكثرية او الأقلية العددية فقط يمكن ان يؤدي بالنتيجة إلى خروج مَن وصلوا إلى كرسي الحكم عبر هذه الأكثرية عن جوهر الفكر الديمقراطي العلمي الحديث الذي لا ينطلق من العدد فقط مهما كثرت الأرقام الموضوعة لهذا العدد . فمؤشرات الديمقراطية الحديثة ومدى نجاحها يجري تحديدها، بالإضافة إلى عامل العدد الذي يشكل الأكثرية، بعوامل أخرى تلتصق إلتصاقاً لا إنفكاك له عن جوهر الديمقراطية ولا تكتمل هذه الديمقراطية بدون تحقيق هذه العوامل ، لابل وإن إحتمالات تحولها إلى دكتاتورية ستكون واردة جداً وتأتي متسارعة .
العامل الآخر الذي يلازم العامل العددي هو العامل الذي يسير باتجاه معاكس تماماً والذي ياخذ الفرد الواحد بنظر الإعتبار . وقد دخل هذا العامل على المفهوم الحديث للديمقراطية بعد الإعلان العالمي لوثائق حقوق الإنسان والتي تمت بشكل متتابع إبتداءً بالإعلان عن وثيقة حقوق الإنسان من قبل الأمم المتحدة عام 1948 ، ومن ثم وثيقتي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لسنة 1966 ، حيث تشكل هذه الوثائق الأسس للائحة الحقوق الدولية التي جرى الإعتراف بها من قبل الأمم المتحدة واصبحت لها قوة القانون الدولي الذي يجب على كل الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة الإلتزام به وتنفيذه وعدم السماح بتجاهله في كافة السياسات التي تتبناها الدولة تجاه المجتمع ككل وتجاه الفرد الواحد في هذا المجتمع ايضاً . فحقوق الإنسان تتكلم في لوائحها عن حق الفرد الواحد في المجتمع ولا تعترف بمدى تمثيل هذا الفرد في النسيج الإجتماعي عددياً . وهي تنص على ان هذا الفرد له من الحقوق وعليه من الواجبات في الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة تماماً كما لأي مجموعة أخرى صغيرة او كبيرة .
إستنادأ إلى ذلك يمكن ان يجري الحديث تحت هذه المعطيات عن الديمقراطية السياسية التي تنطلق من العامل العددي في حسابات الأكثرية والأقلية والتي قد تُوصل هذا الحزب او ذاك إلى السلطة السياسية . وعن الديمقراطية الإجتماعية التي تأخذ كل فرد في المجتمع بنظر الإعتبار دون النظر إلى تمثيله العددي في مجتمعه وتضمن له كل الحقوق التي تنص عليها الوثائق الأممية لحقوق الإنسان .
وكما اسلفنا اعلاه فإن وثائق حقوق الإنسان لا تشمل الحقوق السياسية للفرد الواحد فقط ، بل وتشمل الحقوق الأخرى المتعلقة بحياة هذا الإنسان في مجتمعه والمتمثلة بالحقوق الإقتصادية والثقافية وكافة الحقوق المدنية الأخرى . أي انه يمكن إدخال عامل آخر لإعطاء الديمقراطية مفهومها الحديث فيما إذا تم تحقيق العدالة الإجتماعية في توزيع الثروات وفرص العمل على كل افراد المجتمع دون النظر إلى قربهم او بعدهم عن السلطة او عن المكون الأكثر دينياً او قومياً او اي صفة اخرى تتخذها هذه الأغلبية . أي ان الديمقراطية الإقتصادية تسير جنباً إلى جنب مع الديمقراطية السياسية والديمقراطية الإجتماعية .
وهكذا يمكننا إدخال اي عامل آخر يتعلق بحياة الإنسان الفرد في المجتمع ثقافياً ودينياً وما إلى غير ذلك بحيث يصبح المفهوم الديمقراطي مفهوماً إنسانياً يحقق للجميع حقوقهم ويحافظ على ممارسة هذه الحقوق ضمن النسيج الإجتماعي . أي ان المفهوم الحديث للديمقراطية يتبلور من خلال أنسنة الديمقراطية الذي لا يسمح بتراجع اي ركن من الأركان المؤسِسَة لهذه الديمقراطية امام الأركان الأخرى طالما يتعلق الأمر بالإنسان باعتباره الحجر الأساس لكل مكونات المجتمع . وبعبارة اخرى نقول أن إمكانية تفويض الأكثرية العددية بإدارة شؤون الدولة يجب ان لا يعني بأي حال من الأحوال بان هذه الإدارة تكون منفصلة عن تحقيق اي جانب آخر من جوانب العدالة الإجتماعية والحقوق الثقافية والإقتصادية لكل فرد من افراد المجتمع كونه إنسان اولاً يعيش ضمن هذا المجتمع وضمن ضوابطه ثانياً .
كثيراً ما تتبجح قوى الإسلام السياسي وكل القوى التي تجنح إلى الدكتاتورية والحكم التسلطي في المجتمعات التي تحصل فيها هذه القوى على الأغلبية السياسية العددية بانها تسعى لتحقيق العدالة الإجتماعية من خلال ” منح ألأقليات ” حقوقها ، واضعة بعض المواد الدستورية التي طالما تكرر مصطلح ” والأقليات الأخرى ” معتبرة ذلك هو قمة الديمقراطية التي تسعى إلى تحقيقها في المجتمع الذي تتحكم بشؤونه .وما ذلك إلا الكذب والهراء بعينه وذلك لأسباب عدة اهمها :
أولاً : إن قوى الإسلام السياسي لا تؤمن بالديمقراطية اساساً ، وهي إن تتحدث بها فهي إنما تقوم بذلك لإستعمالها كوسيلة تحاول بها خداع الجماهير والكذب عليهم بالوعود الباطلة وإستغلال الدين للوصول إلى السلطة . وما ان تمسك بالسلطة السياسية للدولة حتى تنقلب على كل إدعاءاتها وتقولاتها حول الديمقراطية وتستبدل كل هذه المصطلحات فوراً بالمصطلحات الدينية الخادعة كالشرعية وإطاعة الحاكم وعدم جواز الخروج عليه وتكفير المخالفين، كما تسعى إلى إشاعة العنف والكراهية في المجتمع كوسيلة من وسائل تثبيت اركان حكمهم. وقد اعطت لنا سياسة معلمهم الأكبر حزب الأخوان المسلمين في مصر شاهداً واضحاً على ذلك كله بالرغم من وجوده على قمة السلطة فترة زمنية قليلة إستطاع من خلالها ان يكشف عن كل عوراته . كما كشفت عن هذا التوجه الإجرامي عصابات الدولة الإسلامية مؤخراً في بشاعة عمليات القتل وإباحته بحق الآخر المخالف والتي يجري تطبيقها بدم بارد ” وجهادية إسلامية ” بامتياز حتى وإن كان هذا الآخر ينطق شهادتي الإسلام ، فما بالك بما سيلحق بغير المسلمين، وقد رأينا ذلك فعلاً من خلال تعامل عصابات الدولة الإسلامية مع المسيحيين والإيزيدين في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم في العراق وسوريا على وجه الخصوص.
ثانياً : الإسلام السياسي يؤمن إيماناً كاملاً بأنه يملك فقهاً متكاملاً لكل مناحي الحياة بدءً بالأذان في أذن الوليد الجديد مروراً بكل مرافق محطات حياته الأخرى وحتى إنزاله إلى القبر وذلك حسب المواصفات التني تركها له السلف ” الصالح ” وما سار عليه هذا السلف . لذلك فإن هذا الإسلام ورواده لا يعترفون بأي تغيير يجري على هذه الطقوس التي يعتبرونها منزلة من السماء وما هي بالحقيقة إلا طقوس الفقهاء . وعلى هذا الأساس فإنهم يحاربون الدولة المدنية الحديثة التي تشكل الديمقراطية ركناً أساسياً من اركانها ويعتبرون قوانينها وضعية لا يجوز إطاعتها والعمل بها . فلنا ان نتصور دولة يحكمها سكنة القبور بكل ما جاءوا به من تعليمات وشرائع لزمانهم ويظل إنسان القرن الحادي والعشرين محاصَراً ضمن هرطقاتهم التي تبيح لهم قتل من لا يعمل بهذه الهرطقات . ولكي يحققوا ذلك فإتهم يلجأون الى نشر الأكاذيب بين الناس ومن ضمنها ان دولتهم هي دولة مدنية ايضاً معرفين الدولة المدنية بانها الدولة التي يوجهها المدنيون وليس العسكر. وعلى هذا الأساس الغبي فإن دول المشايخ في الخليج هي دول مدنية بامتياز.
ثالثاً : إن الإسلام السياسي بتصرفاته هذه يؤكد اكاذيبه التي ينشرها يومياً على المجتمع . فهو لا يخبر الناس كيف توصل إلى هذه الاحكام التي يعتنبرها سماوية في حين ان دستور الإسلام ،القرآن ، لم يعالج المسائل الشرعية الخاصة بحياة الإنسان إلا في مواقع قليلة جداً وجدت لها تفسيرات وتأويلات وإضافات واجتهادات من قبل فقهاء السلاطين لتصبح التوجيهات القرآنية القليلة والواضحة مجلدات وصحاح وكتب تفسير وحديث لا حصر ولا عد لها . وهنا يتبادر السؤال إلى ذهن أي إنسان يريد ان يعي هذه الأمور : أليس هذا كله من وضع الإنسان ؟ ألم تأت هذه التعليمات والتفسيرات والتأويلات من بشر يصيبون ويخطئون ؟ فلماذا إذن لا تعتبر قوانين هؤلاء الفقهاء قوانين وضعية في الوقت الذي تُرفض فيه قوانين الدولة المدنية باعتبارها قوانين وضعية ؟
رابعاً: قد يلجأ الإسلام السياسي إلى المقولة التي طالما يوظفها على هواه والمتعلقة بالمصدر الثاني للإسلام ، السنة النبوية. وهنا يتبادر السؤال المهم حول هذا الإدعاء والمتعلق بالسُنن النبوية التي يدعيها كل منهم وليس السنة النبوية الحقيقية التي أتى بها نبي الإسلام. .فإذا ما تجاوزنا إدعاءات وأكاذيب الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي حول مصداقية السنة التي يمثلها ونتطرق إلى السنة التي تعمل بها الفرق الإسلامية المختلفة والتي يعتبرها فقهاء الإسلام قد وصلت إلى ثلاث وسبعين فرقة وربطوها بحديث يقول على ان فرقة واحدة هي الناجية والبقية جميعها في النار ، فكيف يمكننا ان نمنع اية فرقة من ان تدعي بأنها على طريق الحق وإنها الفرقة الناجية ؟ بمعنى آخر يمكننا القول بأن السنة التي يعتبرها البعض مصدراً اساسياً موازياً للقرآن لا ثانياً مكملاً له لا تمثل وجهاً واحداً للدين إلا من خلال الأحاديث او الممارسات التي يجري عليها الإتفاق باعتبارها صحيحة . وهذه قليلة بشكل لا يمكنه جعل الفقه الذي يتبناه الإسلام السياسي في شؤون الحياة كافة فقهاً إلهياً ، بل بشرياً وضعياً .
خامساً: الإسلام السياسي يكذب حينما يتكلم عن الدستور لأنه يتكلم عن شيئ لا يؤمن به إطلاقاً لا لكونه يضم قوانين وضعية ، كما اسلفنا في حالة دستور الدولة المدنية الديمقراطية ، بل لانه لا يعترف بوجود شيئ اسمه الدستور طالما هناك النص القرآني والسنة النبوية التي يعتبرونها دستورهم الذي يفسرونه كما يريدون وحسب مقاساتهم . فدولة آل سعود مثلاً ، موطن السلفية ، لا تعمل بدستور يجري على اساسه تنظيم امور الدولة .
سادساً: الإسلام السياسي لا يعترف بالوطن اصلاً ولا بالمواطنة في الوطن لأن وطنه هو كل الديار الإسلامية حسبما يزعم . وعلى هذا الأساس ترى تحركاتهم الإجرامية التي ينشرونها من خلال المفخخات وجرائم التفجيرات ينفذها مجرمو الإسلام السياسي في بلدان مختلفة لا علاقة لهم بها من قريب او بعيد بعد ان يرحلوا لهذه البلدان من بلدهم الأصلي مُدَّعين الجهاد . فعمليات غسل الدماغ التي يخضعون لها لا تمكنهم في مثل هذه الحالات من السؤال : الجهاد ضد مَن ؟ وهل يجوز الجهاد باسم الإسلام ضد مَن إعتنق الإسلام بغض النظر عما في قلبه من إيمان ؟
تحت هذه المعطيات ومعطيات اخرى كثيرة يتحرك ضمنها فكر الإسلام السياسي بكل منظماته وأحزابه وتجمعاته حتى وإن أخفى البعض ذلك تقيةً في الوقت الحاضر فإنه سيعكس ذلك على كل تصرفاته تجاه الآخرين في المستقبل ، إذ أنهم جميعاً جُبلوا على ذلك.
فكيف يمكننا والحالة هذه ان نتعامل مع هذا الفكر المتخلف الذي يجد طريقه اليوم إلى التربع على السلطة السياسية في بعض المجتمعات العربية والتي ينشر فيها الرعب والفساد والتزوير والجريمة المنظمة التي تسندها بعض قوى أمن الدولة التي تتحكم بمقدراتها هذه الفئات المجرمة . إن جل عملنا على الساحة السياسية يجب ان ينطلق من فضح الإسلام السياسي بكافة توجهاته المذهبية والسياسية ، فلا يوجد في جميع توجهاته هذه من هو أحسن من الآخر . وقد برهن الإسلام السياسي في المواقع السياسية التي يحتلها اليوم بأنه مؤهل لتدمير كل شيئ في سبيل بقاءه على رأس السلطة واحتفاظه بها . وتجربة الجرائم التي قامت بها حركة طالبان بعد سقوطها في افغانستان، او ممارسات الأخوان المسلمين الإرهابية في مصر بعد ان لفظ الشعب المصري تسلطهم على رقابه، او ما تقوم به عصابات الدولة الإسلامية من جرائم وحشية، ما هي إلا قليلاً من الأدلة الكثيرة على مثل هذا التوجه الإجرامي الذي يتبوء فيه الإسلام السياسي موقع الصدارة اينما وُجد وكيفما وُجد.
والتجربة التي عاشها الشعب العراقي بشكل خاص من تبعات سياسة الإسلام السياسي وأحزابه التي إحتلت قمة السلطة السياسية وما رافقها من فساد واختلاس وتزوير وسرقات وتلاعب بمقدرات الوطن الإقتصادية والثقافية وكل المرافق الخدمية في حياة المواطن العراقي للسنين الماضية، تقدم لنا الدليل الواضح عن جوهر هذا الإسلام الذي تدعيه الأحزاب التي غطت محتواها السياسي بواجهات دينية .
وما نريد التأكيد عليه في هذا المجال هو موقف أحزاب الإسلام السياسي وكل تجمعاته وتنظيماته في العراق من أهل العراق المخالفين لهذا الفكر المتخلف الذي تمثله هذه الأحزاب بغض النظر عن دين او قومية هؤلاء المخالفين . وإذا ما القينا نظرة عابرة على ضحايا الإسلام السياسي فسنجدها تمثل كافة طبقات وأديان وقوميات الشعب العراقي شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً . فقد قتلوا وهجروا واختطفوا واغتصبوا وأحرقوا بيوت عبادة المسلم والمسيحي والصابئي والإيزيدي والشبكي والعربي والكوردي والتركماني وكل عراقي لم يأتمر باوامرهم ولم يعتبر بما يدعون إليه وما يتبعونه من وسائل إستغلال الدين وتوظيفه لأغراض اقل ما يقال عنها بأنها أغراض لادينية ، والجرائم التي اقترفتها عصابات الدولة الإسلامية في العراق وسوريا خصوصاً تشير إلى كل ذلك بوضوح.
ونرغب ان نخص بالذكر هنا المآسي التي حلَّت بالمسيحيين العراقيين، اهل هذا الوطن منذ آلاف السنين وقبل آلاف من السنين من وصول أجداد هؤلاء المتأسلمين إلى ارض هذه الأرض التي وضع السومريون والكلدانيون والآشوريون والسريانيون اسس حضاراتها الأولى فأعطوا بذلك لهذا الوطن صفة الوطن الذي شكل كل كيانهم وبلور طبيعة حياتهم وانتج أسس مجتمعهم الذي إمتد كمجتمع عراقي لآلاف من السنين وما زال يمتد حتى يومنا هذا في المناطق التي ظل فيها بعيداً عن الإقصاء والتهميش الأموي والعباسي وأخيراً العثماني . وحينما حلت الكارثة التي لم يكن يتتظرها العراقيون بعد سقوط صنم البعث وبعد ان اعتلى الإسلام السياسي قمة السلطة في العراق لجأت قواه إلى تفتيت المجتمع العراقي ،وبالتعاون مع بعض القوى القومية المتطرفة في كوردستان العراق، إلى قوميات ومذاهب وأديان مستخدمة في ذلك مصطلحات رثة هزيلة الشكل والمضمون ” مثل ” الأقليات ألأخرى ” او ” القوميات الأخرى ” وغيرها من المصطلحات التي تعبر فيها عن مفهومها للديمقراطية من خلال الأكثرية والأقلية العددية الإنتخابية التي يفسرها فكر الإسلام السياسي المتخلف كانعكاس لإرادة شعبية مطلقة حتى وإن كانت الأصوات التي ملأت صناديق الإقتراع لا تتجاوز العشرين بالمئة في بعض المناطق الإنتخابية ، ناهيك عن طرق التزوير والرشاوي التي تمت بموجبها هذه الإنتخابات.
إن مناطق الشعب العراقي المسيحي تتعرض منذ سنين طويلة إلى عمليات إجرامية مبرمجة من قبل قوى الإسلام السياسي التي تتحدى بكل صلافة كل النزعات والمشاعر الإنسانية والدينية والقومية لسكنة هذه المناطق من العراقيين الذين يتشبثون بوطنهم وبأرضهم وبتراثهم على هذه الأرض منذ آلاف السنين رغم كل ما يتعرضون له من جرائم تحاول النيل من كل ذلك والقضاء عليه .
لذلك فإن المهمة الملقاة على عاتق كل عراقي غيور على وحدة وطنه ارضاً وشعباً ان يسعى إلى بذل اقصى ما يمكن من الجهد للمساهمة، كل من موقعه، بإيصال الصوت العراقي الحريص على عدم تشويه تاريخ العراق من خلال تشويه ثراثه والتلاعب بطبيعة حياته وتغيير توزيع سكانه مهما كانت الحجج التي يسوقها العاملون على ان يجعلوا من العراق وطناً على مقاساتهم الدينية وتوجهاتهم الإسلاموية التي لا يبغون من وراءها غير التسلط والتحكم برقاب الناس وبالتالي الإثراء الفاحش على حساب هؤلاء الناس.

new_book_23567