السيمر / السبت 12 . 12 . 2015
عبد الصاحب الناصر
كشف الاحتلال التركي الغاشم للاراضي العراقية مؤخرا ليثبت حقيقة سياسي العراق. سياسيون لهم ثلاثة مواقف تتوسع او تضيق او تجمد مؤقتا، كلها حسب سرعة تنفيذ هذا المخطط او ذاك ، تلك المخططات التي تدور متوازية افقيا في الخفاء لتثبت مستقبل العراق. يتناغم مع سياسي العراق سياسيو الدول التي تشترك عن بعد و من الأعلى في ادارة شؤون العراق و مصيره. اذاً هناك ثلاث خطط لمستقبل العراق: أولاً، خطة تقسيمه، ثانياً، خطة زجه وإشغاله في حرب ارهابية استنزافية تارة، و حرب اهلية تارة أخرى، فكلتاهما متناغمتان. وثالثاً، خطة ابقاء هذه الحالة الشاذة بكل تفاصيلها لينتهي بتسقيط اثمان الموارد الطبيعية لتلك البلدان، و اعظمها هبوط اسعار الطاقة العالمية في وقت حروب طاحنة شاملة لا تؤمن سهولة تصدير الطاقة كما كنا نعتقد .
اما الموقف الرابع، فهو موقف الشعب العراقي و قوة صموده في مجابة تلك المخططات .
و مع كل الاسف ان يكون هذا الموقف الوطني الحقيقي هو في آخر او اسفل الاحتمالات و ذلك نتيجة المواقف المتدنية للحس الوطني عند الاكثرية، اي ان لغالبية الساسة و المثقفين و الوطنين مواقف انتهازية فرضتها عليهم الظروف و قوة المتنفذين من سياسي الغرب والحكومات الإقليمية التي فرضت سياسة الفوضى الخلاقة، والتي تطورت بسياسة غطرسة القوة الامريكية لتعطيها الدفع و الزخم عن طريق الترغيب و التخويف ، أو العصا والجزرة.و الا فمن المؤكد ان ” لا ” تتجاوز تركيا الخط المرسوم لها من قبل امريكا .
و المؤسف أيضاً، أن يساهم او يشترك في هذه المواقف الانتهازية كثرة من المثقفين و الكتاب و السياسيين من خارج خارطة المحاصصة البغيضة و من خارج اطار الشراكة “الوطنية” المقيتة .
هنا اصبح من الصعب جدا الكتابة بصورة مفصلة دقيقة و شاملة في مقالة واحدة عن هذه الحالة الفريدة في حياة ومستقبل اي شعب كالشعب العراقي. وسبب هذه الحالة هو توسع عدد من يؤمنون بها و يعملون علي تطبيقها، او بالأحرى تطبيق ايهما الاقرب لهم في هذا اليوم، وستتغر هذه الحالة غدا اذا تصاعد الاحتمال الاخر، او عندما يشعرون او يرون اي من تلك الخطط اكثر نجاحاً من غيرها، حتى إذا ما نجح الموقف الرابع فسيتحولون بسرعة البرق الى ابطال صناديد و عناترة اشداء، هي إذاً حالة نفاق خالص و انتهازي بإمتياز، و فريدة في حياة الشعوب، نتيجة قوة و شمولية نجاح مشروع العولمة السياسية المصحوبة بغطرسة القوة .
كذلك اصبح واضحا و جليا ان كثير من قادة بلدان الشرق الاوسط و لو أنهم انقسموا الى معسكرين، الا ان عدم الوضح لما يدور في الافق القريب يرهبهم جميعا، فيتصرفون من يوم الى يوم حسب ما يشعرون بقرب هذا المخطط او ذاك .
ان الموقف الامريكي الاخير من العراق حول دخول القوات التركية هو احسن مثال على هذه الحالة، فهم ضد دخول القوات التركية، لكنهم لا يطالبون الاتراك سحب قواتهم من العراق، بينما يؤكدون بكلام آخر ان تركيا عضو مهم في حلف الناتو. و تأكيداً لصحة هذا القول، حينما زار امس وفد تركي العراق ليتفاوض “عن ماذا ” اذا لا يرغب في سحب القوات التركية من العراق، ناهيك عن رفضه حتى الاعتذار؟ نفس الشيء ينطبق على الطرف العراقي، يتفاوض “عن ماذا ” ، اذا لم يطالبوا بسحب القوات التركية من العراق قبل الدخول في اية مفاوضات، الانسحاب فورا كاشارة لحسن النية ان وجدت، و الا فان تفاوض الطرف العراقي هو اعتراف ضمني بحق تركيا و تواجد قواتها، او تفهم هموم تركيا سبب لتواجد قواتها !. اذاً الكل يسير وفق نظرية الاحتمالات الثلاث المشار إليها أعلاه، ينتظرون من منها سينتصر .
لذلك لا يتجرأ اي من الساسة العراقيين ان يتصرف هذا التصرف ( التشكيك و التسويف) لولا ايمانهم و اعتقادهم و معلوماتهم التي هم على اطلاع تام بها، ان السادة الامريكان يسيرون وفق مخطط ذو احتمالات كثيرة. اهمها ما ذكرته في اعلاه. وهذا تطبيق حقيقي لخطة او لسياسة ( الفوضى الخلاقة) .
لنبدأ بالصفوف الاولى للمنظمات المجتمع المدني مثلا، كيف يساوي مثقفون بين الاحتلال التركي للاراضي العراقية، و بين مجموعة من الزوار الايرانيين البسطاء الذين دخلوا العراق لزيارة الاربعين بدون فيزة، و اعتذرت ايران عن ذلك؟ هل يتساوى الجرم عند هؤلاء مع الجرم الآخر كمبرر لارتياحهم من تسقيط الحكومة العراقية؟
بماذا عاد السيد مسعود البرزاني بعد زيارته لتركيا و حسب المكالمة الهاتفية بينه و بين رئيس وزراء العراق قبل سفره؟ هل يقود السيد مسعود دولة منفصلة عن العراق ام هو جزء من هذا البلد؟ فمنذ سنة 1996 تدخل و تخرج القوات التركية تصول و تجول في شمال العراق بحجة ضرب قوات حزب العمال الكردستاني (PKK). اليس هذا الحزب ذو نزعة قومية كردية؟ ام ان المصالح اصبحت اغلى و أهم من الحس القومي كما سقط الحس الوطني عند كثير من العراقيين؟؟؟
انها حالة سياسة واقعية ( فرضية تتقبل نتائج اي من الاحتمالات المتوترة العالية).
و هي حالة جديدة تفرضها امريكا كثمن لحماية هذا الصديق او ذاك في المنطقة. سياسة التصعيد المطاطي لأعلى درجات تحمله. the ultimate high elasticity ” Tensions
و توقعوا ان يقع انقلاب عسكري في تركيا كما حدث في مصر، و ذلك لتبقي الكل حتى اعز اصدقائها، تبقيهم في دهشة و خوف و خضوع ، سياسة يقودها المحافظون الجدد، و تنشرها و تديرها الصهيونية العالمية بالتنسيق مع السعودية و قطر وتركية اردوغان (حاليا). و مع الاسف اخذ يؤمن بها كثير من الوطنيين و السياسيين و الادباء و المنتفعين و من على شاكلتهم .
ما شذ عن كل هؤلاء هو موقف الشعب العراقي، و بالاخص موقف الحشد الشعبي، بكل قواته و طوائفه و مكوناته. هذه الحالة لم يحسب لها حساب عند مخططي الاحتمالات الثلاث كما ذكرت في اعلاه .