الرئيسية / مقالات / ميناء الفاو الكبير: أولُهُ عثرة وآخرُهُ حسرة..!

ميناء الفاو الكبير: أولُهُ عثرة وآخرُهُ حسرة..!

السيمر / الاحد 25 . 11 . 2018

أ . د. حسن خليل حسن

يقول المثل ((ان من فوائد الفشل رضى العامة وتعاطفهم معك لأنك بالأخير لن تكون
منافساً لهم في الحياة))
لعل اهم ما يميز البصرة خلال العشرة اعوام الماضية كثرة المشكلات الاقتصادية والبيئية وتلاشي البُنى الارتكازية والموت السريري لمعظم مشاريعها المهمة والحساسة، فبين جسور مشاة بلا سلالم ومشروع مياه اسالة له بداية وليس لها خاتمة وملوحة وتلوث انهار بلا اصحاح بيئي ونقص مياه بلا خطوة واحدة للحل، وغير ذلك قائمة تطول وتطول ولم تعد تخفى على احد، وميناء الفاو الكبير اسم آخر يضاف الى تلك القائمة فهو المشروع الحاضرُ- الغائب ..! حاضرٌ بإسمه وفكرته وتصاميمه التي انطلقت في العام 2005، وغائبٌ بإنجازه على ارض الواقع حتى امسى حُلماً صعب المنال على ما يبدو، هذا المشروع المتعثر منذ 2005 ((وليس في 2010 كما يشاع)) متلكئ لغاية يومنا هذا لأسباب مجهولة، في الوقت الذي مضت فيه الكويت بمراحل تنفيذية في ميناءها المنافس(مبارك الكبير) بالرغم من ان فكرته بدأت في 2006- 2007 بعد التخطيط لفكرة ميناءنا الحاضر-الغائب عام او عامين، والميناء الكويتي الذي يمضي بوتيرة عمل وانجاز متسارعين زاد من صعوبة وضع الانجاز للميناء العراقي المقترح، فهو ميناء ضخم ويتمدد على خط الملاحة المشترك في خور عبدالله ويصادره، اذ خططت الكويت في مرحلته الرابعة لاقامة 36 مرسى بواخر كبيرة وجزيرة اصطناعية تغلق القناة الملاحية لخور عبدالله بشكل نهائي (كما هو معلن من الجانب الكويتي).
ولهذا يمكن اختزال حال ميناء الفاو المقترح بأنه (اول الفعل عثرة – وآخر القول حسرة)، ونقول حسرة بعد ان سمعنا تصريح السيد عادل عبدالمهدي الاخير قبل ايام حول ميناء الفاو الكبير، فتصريحه يعكس مدى سطحية النظرة الرسمية غير المقبولة الى واجهتنا البحرية الوحيدة، واستمرار مسلسل الفشل في انجاز مشاريع حقيقية تغير واقع العراق البحري وتنقذ مستقبل منفذه الوحيد لموانئ الاستيراد والتصدير البحرية اذا اردنا الاستمرار بالوجود البحري..! واستمرار تدفق الحياة في شريان الصادرات النفطية للعراق عن طريق موانئه العائمة، التصريح الرسمي فيه ثغرات معرفية وتصورية لا ينبغي ان تصدر من اعلى سلطة تنفيذية في العراق، اذ تصف ((الواجهة البحرية بانها مسافة امتدادية قدرها 32 كم من حدود الكويت غرباً الى حدود ايران شرقاً ..!!))، ((وان مقترح ميناء الفاو الكبير يهدف الى اقامة منشآت بحرية في البحر المفتوح بعمق 30كم..!!) وهنا نضع الملاحظات التالية على هذا التصريح غير الدقيق:
1- في كلام السيد رئيس الوزراء خلط واضح في الوصف بين ميناء الفاو الكبير والمشروع الذي تقدّمت به شركات حنا الشيخ الذي لم يحظى بموافقة الحكومة في حينه، والخريطة المرفقة توضح ذلك.

2- اخطأ السيد عادل عبدالمهدي خطئاً فادحاً بالرقم الخاص بالمسافة الكلية للساحل العراقي المواجه لخور عبدالله (ما بين الحدود الايرانية شرقاً والحدود الكويتية غرباً) اذ ذكر ان طوله سواحلنا 32 كم بينما الرقم الدقيق هو الضعف (64 كم) واذا اعتمدنا الخط المستقيم (بدون تعرجات) يكون حوالي 58 كم تقريباً .
3- توهم رئيس الوزراء بوصف القناة المخطط ان تمتد من المياه الضحلة قرب ميناء الفاو الكبير باتجاه البحر المفتوح الاكثر عمقاً على انها جبهة العراق البجرية المخطط لها في مشروعه الحالي، وهذا خطأ آخر اذ ان ما اشار اليه هو مخطط اخر تقدّمت به شركات حنا الشيخ بإنشاء جزيرة لإقامة منشآت الموانئ وهذا خطأ لا يُغتفر عند المُخطط اللبيب.
وكم كنتُ اتوسم بالسيد عادل عبد المهدي وهو في بداية عمله بمنصب رئيس الوزراء ان يصرّح بأنه سوف يفتح ملف ميناء الفاو الكبير ويستقصي دوافع التأخير الكارثي فيه بعد مرور 13 عاماً دون تقدّم يذكر، وكنت اتمنى ان تبدأ رئاسة الوزراء بداية قوية وعملية تعيد ثقة اهل البصرة بحكوماتها الاتحادية، وتضع موعداً محدداً لإنجاز الميناء الاستراتيجي الذي يرفع طاقة الموانئ العراقية والقدرة الملاحية للعراق لأكثر من الضعف، وكنت اتمنى ان نبدأ بوضع خطة مدروسة لنسابق الزمن في وضع اساس بحري في خور عبدالله وهو ممره الوحيد المهدد نحو الخليج لمواجهة اطماع جيران العراق.
ونقول ان الاستنتاج الابرز في هذا التصريح هو اننا ما زلنا في زمن الانشاء اللفظي وساستنا بعيدون كل البعد عن المصداقية في البدء بعمل حكومي مدروس قوامه التخطيط الواعي لإنجاز مشاريع استراتيجية حقيقية للبصرة والعراق.

* مركز علوم البحار / جامعة البصرة

اترك تعليقاً