الرئيسية / مقالات / الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (67) / موشيه يعالون يهدد ويتوعد ويطمح ويتطلع

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (67) / موشيه يعالون يهدد ويتوعد ويطمح ويتطلع

السيمر / الأحد 20 . 12 . 2015

د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين

ما زال موشيه يعالون يحمل بندقيته ويتنقل بها، ويلبس بزته العسكرية ويتبختر بها، ويراكم ماضيه ويعدد إنجازاته ويفاخر بها، ويحلم أن يحقق وهو وزيراً للدفاع ما عجز عن تحقيقه عندما كان رئيساً للأركان، وقبلها ضابطاً كبيراً في جيش العدوان، إذ أن أحلامه ما زالت كبيرة، وأطماعه كثيرة، وعينه على ما هو أكبر من وزارة الدفاع، وهو وإن بدا أنه يحب بزته العسكرية، ويحرص على أن يلبسها من حينٍ إلى آخر، فهو يتطلع إلى خلعها والتخلي عنها، ليلبس بدلاً عنها بدلةً رسمية مدنية، يكون فيها زعيماً لحزب الليكود ومنه رئيساً للحكومة الإسرائيلية، ولا يهمه أن يطيح بصديقه الذي جاء به وزيراً، وعينه في هذا المنصب الرفيع، بل إن همه الأكبر أن يحل محله، وأن يجلس في مكانه، رئيساً للحكومة الإسرائيلية، بكامل الصلاحيات التي تجعل منه وزيراً لكل الوزارات، وآمراً على كل الوزراء.
أما بنيامين نتنياهو المطمئن إلى نفسه، والواثق في قدراته، والمتطلع إلى ولايةٍ خامسة وسادسةٍ وربما أكثر، فهو لا يشعر بخوفٍ من يعالون، ولا يرى فيه منافساً له، ويعتقد أنه دون موشيه موفاز وأقل منه، لذا فهو يفوضه حيناً ببعض صلاحياته، وينقل إليه في حال مرضه كل صلاحياته، وهو مطمئنٌ إليه أنه سيكون عليها أميناً، وسينفذ ذات السياسة التي كان سينفذها لولا المرض أو أثناء الغياب، وسيساعده في القضاء على الانتفاضة التي تقض مضاجعه، وتقلقه على مستقبله، وهو ذات الهدف الذي يتطلع إليه يعالون ويطمح أن يلعبه.
لهذا فقد عزم يعالون أن ينفذ خطته القديمة الجديدة في منهجه العسكري، الهادفة إلى فرض الهدوء على الضفة الغربية، وإخماد الانتفاضة ومحاربة نشطائها، فقرر القيام بأوسع عملية اعتقال في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية، ممن تصنفهم مخابراته بأنهم نشطاء وفاعلون، وخاصةً أولئك الذين ينتمون إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأصدر أوامره بالفعل بمنع دخول الفلسطينيين إلى المدن والبلدات الإسرائيلية، ومنع اقترابهم أو مرروهم من أمام المستوطنات، أو الوقوف بالقرب من بواباتها، وأمر بسحب بطاقات المهمات بمختلف فئاتها من الفلسطينيين، وتقليل التصاريح الممنوحة للزيارة إلى قطاع غزة أو منه إلى الضفة الغربية.
كما وضع خطةً واسعة تقضي بإبعاد نشطاء الانتفاضة إلى قطاع غزة، أياً كان عددهم وعمرهم وجنسهم، فمن يثبت في حقه أنه يحرض على العنف ويدعو له، فإن سلطاته قادرة على حملهم وإلقائهم خلف الأسلاك الشائكة في قطاع غزة، وهو يفضل هذا الإجراء ويشجع عليه، ويرى أن خلعهم من الضفة الغربية وطرحهم بعيداً عنها، يريح كيانه كما يرتاح الجسد بعد خلع الضرس الفاسد، وهو علاجٌ ينهي الألم كلياً ولا يسكنه مؤقتاً، ويرى أن على حكومته أن تلجأ إليه لتضمن مستقبلها.
وأمر يعالون أجهزته الأمنية بمداهمة أماكن عمل ومبيت العمال الفلسطينيين، الذين يعملون في الأرض المحتلة عام 48، واعتقالهم والتحقيق معهم، والتعامل معهم وفق حالاتهم، وذلك باعتقال المخالفين الذين يعملون دون تصاريح خاصة وإحالتهم إلى القضاء العسكري، ونقل حملة التصاريح إلى مناطقهم في الضفة الغربية، بعد سحب البطاقات منهم، لمنعهم من العودة مرةً أخرى، كما يدعو يعالون إلى فرض حظر التجوال والحصار لفتراتٍ طويلةٍ على القرى والبلدات التي توصف بأنها خطيرة، ويشارك أبناؤها في فعاليات الانتفاضة.
وقد بدأ بالتعاون مع رئيس أركان جيشه أيزنكوت بتصنيف المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية إلى مستوياتٍ أمنيةٍ حسب خطورتها وكثافة العمليات العسكرية فيها، أو تلك التي ينطلق منها منفذو عمليات الطعن، على أن يُفرض حصارٌ مشدد على المناطق المصنفة بأنها خطرة، وأن يتم رفع عدد الوحدات العسكرية العاملة فيها، وبناءً عليه فقد تم إسناد جنوده في محافظة الخليل بلواء كاملٍ بكل تجهيزاته وقدراته، وهي المنطقة التي صنفها بالأكثر خطورةً، وبناءً على ذلك فقد سحب تراخيص أكثر من 1200 مواطنٍ فلسطيني من سكان الخليل، كانوا يتمتعون بتصاريح تخولهم التنقل عبر بعض الحواجز.
بهذا يكون موشيه يعالون قد نصب نفسه عدواً للانتفاضة، ومقاوماً لها، وساعياً لإخمادها والسيطرة عليها، وهو لا يرى وسيلةً مجديةً غير العنف لإنهائها، وعلى الرغم من كل القمع الذي تمارسه حكومته ضد الفلسطينيين، إلا أنه يوجه النقد لها ويتهمها بالتقصير والعجز، ويدعوها لممارسة المزيد من القوة ضد كل من يشارك في الانتفاضة، وإلا فهو يحذر من أنها قد تستمر لسنواتٍ طويلةٍ كالانتفاضات السابقة، وهذا أمرٌ يضر بأمن إسرائيل، ويعرض اقتصادها للتدهور، فضلاً عن أن استمرار العنف في المناطق سيؤدي إلى خلخلة سكانية كبيرة في البلاد نتيجة السفر الطويل الأمد والهجرة المعاكسة.
ومن المعروف عن موشيه يعالون عندما كان رئيساً لأركان جيش العدوان، أنه كان صاحب نظرية “كي الوعي”، وذلك باستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، لتحدث صدمةً نفسيةً وتغييراً داخلياً كبيراً في طريقة تفكيرهم، تجبرهم على التفكير في اتجاهاتٍ أخرى غير تلك التي كانت تسيطر عليهم، وهو اليوم في منصبه وزيراً للدفاع يدعو إلى استخدام القوة المفرطة وفق نفس النظرية، للوصول إلى الأهداف المرجوة، وإلا فإن جهود الحكومة سيكون محكوماً عليها بالفشل والعجز والتردد.
هذه هي طبيعة موشيه يعالون المتطلع إلى الأعلى، والطامح إلى المجد، والساعي إلى المركز الأكبر، والحالم بكرسي الملك وصولجان الحكم، وقد وجد ضالته في الانتفاضة الفلسطينية، إذ أنها بوابته الواسعة لكسب المزيد من المؤيدين، واستمالة المناصرين له، وهو يعلم أن الشارع الإسرائيلي اليومَ شارعٌ متطرفٌ متشددٌ، وأن الأفكار التي تسود فيه هي أفكار العنف والتطرف والعنصرية، ولهذا فقد التقط الراية ورفعها، ولم يتأخر في التصريح عن مواقفه وبيان سياسته، وهو في ذلك بين أملٍ في إنهاء الانتفاضة ووضعِ حدٍ لها، وغابةٍ أكبر في أن يكون له اسمٌ كبيرٌ وحضورٌ لافت، وكأنها بالنسبة له مرحلة دعايةٍ انتخابية، وفرصة مواتية لإظهار الأفكار وعرض المشاريع، وهو في هذا لا ينافق ولا يداهن، ولا يخدع ولا يتظاهر، إذ أنه يؤمن بهذه الأفكار ويدعو لها، وهو الذي ينفذها ويشرف عليها.

اترك تعليقاً