السيمر / الثلاثاء 01 . 01 . 2019
معمر حبار / الجزائر
توفيت الجارة، فذهبنا صباح الغد للمقبرة، وهو ما يعرف لدى المجتمع الجزائري بـ “الم۫صٙاب۫حٙة”. فقلت له بعدما عاتبني: المرأة في عرف المجتمع الجزائري لا تذهب للمقبرة، ولا تشهد تشييع الجنائز، لذلك تذهب في الغد رفقة زوجها وأبنائها إن كانت متزوجة، ورفقة أبيها وأخيها وأمّها إن كانت عازبة. فـ “الم۫صٙاب۫حٙة” فرصة للنّساء للتنفيس عن مابداخل النفس من حزن وكآبة، ومواساة النسوة بعضهن بعض، والترحم على موتى المسلمين. وقد تستغلّها بعض النسوة مناسبة لزيارة أقارب لهم في نفس المقبرة، وقراءة القرآن الكريم على الميت. ويتمّ عبر المناسبة توزيع التمر، وخبز البيت حسب الزمان وظروف العائلة، كصدقة على المحتاجين، والمساكين، والفقراء، والأطفال. وبهذا تكون المرأة قد نالت حظّها من التنفيس عن ما أصابها من حزن جرّاء موت زوجها، أو ابنها، أو ابنتها، أو والديها، وتتصدّق عليهم بما استطاعت، وتدخل الفرح على من مسّه حظّ من الصدقة، وتعود إليها السّكينة، ثمّ تعود لحياتها وشوؤون بيتها، وهذه الأخلاق الفاضلة تعتبر نتاج عادة قديمة تسمى في العرف الجزائر… “الم۫صٙاب۫حٙة”. من عادات المجتمع الجزائري وبالتالي دول المغرب العربي منذ 14 قرنا: قراءة القرآن جماعة، والغرض منه تثبيت القرآن الكريم، وتسهيل عملية الحفظ، والمراجعة، والتدرج في الحفظ، وتعلّم كيفية مخارج الحروف، وإتقان الوقف في حينه، والتأدب مع المشايخ والكبار باعتبارهم هم الذين يقودون الجمع، ولا يمكن التقدم على الشيخ، وتصحيح الأخطاء من خلال المتابعة والإنصات، لأنّ القرآن الكريم يعتمد على التلقي والسّمع من الشيخ أي على الصدور وليس على السطور كما يقول أرباب علم وتحفيظ القرآن الكريم. وقد ساهمت فضيلة قراءة القرآن جماعة في المجتمع الجزائري والمغربي على المحافظة على كتاب الله عزّوجل من الضياع والاندثار، وقد ذكر محمّد متولي الشعراوي ذلك، فقال: لم أعرف معنى قوله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” الحجر – الآية 9، إلاّ بعد أن زرت الجزائر ورأيت رأي العين فضل القراءة الجماعية للقرآن الكريم. ومن عادات المجتمع الجزائري في عاشوراء، أن تقام مجالس الذكر التي تتحدّث عن فضائل الله عزّوجل على نبيّه موسى عليه السّلام، ويستغلّها الجزائري فرصة لإخراج الزكاة المترتبة عليه، فيستفيد منها الفقير، والمسكين، والمحتاج، وفي نفس الوقت ينفق على أهله وأبنائه مما استطاع من أفضل الطعام، ويجمع أبناءه ووالديه على مائدة واحدة، ويوزّع بما يقدر على الجيران والمساكين. وبهذه الطريقة في إحياء المناسبة، تكون بالتّالي مناسبة عاشوراء فرصة لمساعدة الفقراء والمساكين، وتقريب القلوب، وتصفية الأموال وإعطائها لأصحابها ومستحقيها عبر الزكاة. ومن عادات المجتمع الجزائري في إحياء المولد النبوي الشريف: إطعام الفقراء والمساكين، وإدخال الفرحة على الأهل والولد، وإقامة مجالس الذكر التي تذّكر المجتمع بفضائل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأسيادنا آل البيت وأسيادنا الصحابة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم جميعا. سبق أن تطرق صاحب الأسطر في مقالات عديدة ومنشورات كثيرة عبر صفحته، كلّما أتيحت الفرصة، ومن زاوية مختلفة كلّ سنة حسب مايفرضه الوضع، وما وصل إليه من قناعة وإيمان بعد قراءة واطّلاع مستمر، وهي منشورة منثورة لمن أراد أن يعود إليها وينتقدها. غاية التطرّق لموضوع تقاليد المجتمع، أنّ كلّ مجتمع له تقاليده الخاصّة، التي تناسب ظروفه ومعتقداته، والمرء مطالب أن يحترم عادات وتقاليد مجتمعه مادامت تقرّ بمساعدة اليتيم، ومعاونة المسكين، وتحثّ على التشبّث بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والفضائل الحميدة، وشيم المروءة والرجولة، والكرم، والجود، وحب الوطن والدفاع عنه، والإيثار، واحترام الجار، وتوقير الكبير، وغيرها من المحاسن التي يعتمد عليها المجتمع في بناء أسسه، والمحافظة على أبنائه، والفضل مما يملك من عاداته. المجتمع لا تفرض عليه عادات ليست من تربته، ولا تمتد لجذوره، و لا تسقى من مائه. ويظلّ في نفس الوقت يستفيد من مجتمعات أخرى بما يعزّز عاداته ويحافظ على أحسن ما فيها وقد عرف بها. ولا ينكر مجتمع على عادات مجتمع آخر، لأنّ للعادات والتقاليد تاريخ ورجال، والمرء المتابع من بعيد، يحترم عادات المجتمع الآخر وإن كان يرفضها ولا يتبناها، وبهذا يسود الاحترام بين المجتمعات، وعدم التدخل في تقاليد الآخر. تعرّضت لهذا العام بالخصوص ومن قبل لوابل من الانتقادات من إخواننا في المشرق العربي حفظهم الله ورعاهم وبالأخصّ من إخواننا العراقيين الكرام، حول مقالاتي ومنشوراتي التي كتبتها حول الاحتفال بيوم عاشوراء بالنسبة للجزائريين، وأجبت وأظلّ أجيب، تلك من عادات الجزائري التي لا يفرضها على أحد من إخواننا في المشرق العربي مادامت لا تمسّ إخواننا بسوء، والأصل أن يحترم كلّ أخ عادات وتقاليد غيره ولو خالفها وأنكرها في باطنه، وذلك ممّا يوثّق المحبّة والأخوّة.