السيمر / الثلاثاء 01 . 01 . 2019
أثار تصريح رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة العراقية السيد عادل عبد المهدي مساء يوم الأحد الماضي خلال مؤتمره الأسبوعي بشأن عدم وجود قواعد أمريكية في العراق , حالة من الاستغراب والسخرية حول حقيقة الوجود العسكري الأمريكي في العراق , فقد نفى دولة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة وجود أي قواعد أمريكية في العراق وقال ( لا توجد أي قواعد أمريكية صرفة في العراق , بل هنالك قواعد عراقية تضم جنودا أمريكيين في البلاد ) , وقبل تسليط الضوء على هذا الموضوع الخطير والحسّاس ومدى مصداقية تصريح السيد عادل عبد المهدي , لا بدّ من الإشارة إلى أنّ السيد عادل عبد المهدي لا يتحمّل أي مسؤولية قانونية للوجود العسكري الأمريكي اللا شرعي في العراق , ويتحمّل سلفه السيد حيدر العبادي المسؤولية القانونية حول هذا الوجود اللا شرعي , والذي تمّ بدون علم وموافقة مجلس النواب العراقي , باعتبار أنّ المصادقة على المعاهدات والاتفاقات الدولية يجب أن تتمّ بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب , كما جاء في المادة 61 رابعا من الدستور العراقي , خصوصا إذا كانت هذه الاتفاقات تتعلّق بإنشاء قواعد عسكرية ثابتة أو مؤقتة وجلب قوات عسكرية أجنبية إلى البلاد . والنفي الذي أدلى به دولة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة السيد عادل عبد المهدي , يندرج تحت احتمالين لا ثالث لهما , فهو أمّا أن يجهل حقيقة الوجود العسكري الأمريكي في العراق وعدد الجنود والقواعد الأمريكية المنتشرة في شمال وغرب البلاد , وهذه كارثة , أو أنّه يمارس سياسة الكذب والخداع والتضليل التي مارسها وتعمّد بها سلفه حيدر العبادي في إخفاء هذا الحقائق المهمة والخطيرة عن مجلس النواب والشعب العراقي , وهذه كارثة أكبر من الأولى بالنسبة لرئيس وزراء جائت به المرجعية الدينية العليا وأصرّت عليه كتلتي الفتح وسائرون , والحقيقة إنّ نفي دولة رئيس الوزراء قد اثار سخرية المراقبين السياسيين والعسكريين , لا لأنّ نفي وجود هذه القواعد غير صحيح فحسب , بل لأنّ مهمة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي غير الشرعي في العراق , هو أحد أهم الشروط التي قبل بها السيد عادل عبد المهدي ليكون رئيسا للوزراء , فالجهات التي جائت بعبد المهدي تدرك جيدا مدى خطورة هذه الوجود وتعاظمه ليس على الامن الوطني العراقي فحسب بل على أمن المنطقة بأسره . ويثير تزايد أعداد القوات العسكرية الأمريكية في العراق خلال السنوات الثلاث المنصرمة تساؤلات مهمة وملّحة حول الغايات والأبعاد السياسية والعسكرية التي ترسمها واشنطن للبلد الذي انسحبت منه أواخر عام 2011 على يد رئيس الوزراء الأسبق السيد نوري كامل المالكي , فقد شهدت عودة القوات الأمريكية إلى العراق تناميا متزايدا بعد توّلي السيد حيدر العبادي رئاسة الوزراء في العراق خلفا لنوري المالكي , تحت ذريعة المستشاريين والمدربين , فقد وقّعت أمريكا اتفاقات عسكرية مع حكومة إقليم كردستان على بناء خمس قواعد لها بمناطق تقع تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان , وهذه القواعد الخمسة قد توّزعت على الشكل التالي .. قاعدة قرب سنجار وأخرى في منطقتي آتروش والحرير , إضافة إلى قاعدتين في حلبجة في محافظة السليمانية وأخرى في منطقة آلتون كوبري في محافظة كركوك , وفي محافظات الغرب العراقي اتخذت أمريكا قاعدتي عين الاسد والحبانية كقاعدتين عسكريتين عقب سيطرة تنظيم داعش على محافظات الغرب العراقي عام 2014 , وتشير مصادر عسكرية إلى أنّ أمريكا قد قاربت الانتهاء من إنشاء قاعدة لقواتها في مطار القيارة العسكري جنوب الموصل , وقاعدة أخرى عند سد الموصل لكنّها ليست بحجم قاعدة القيارة , أمّا في صلاح الدين فقد اتخذت واشنطن قاعدة بلد الجوية مقرا لها للتّحكم بطلعات طائرات أف 16 التي باعتها إلى العراق . ويفسر معظم الباحثين في الشؤون الدولية أنّ التواجد الكثيف للقواعد الامريكية في العراق بأنّها تأتي في سياق التهيؤ والترتيب لأي صدام عسكري مسلّح مع إيران في المنطقة , وأمريكا كانت ولا زالت تخطط لاحتلال المساحات الجغرافية التي انهزمت منها داعش لبناء قواعد ثابتة لها في العراق , وفعلا وبفضل رئيس وزراء العراق السابق حيدر العبادي الذي أعاد القوات العسكرية الأمريكية إلى العراق , تمّكنت أمريكا من ترسيخ وجودها العسكري وجعلته مستقرا وثابتا , وهدف أمريكا من بناء هذه القواعد كي تكون مسرحا للانطلاق نحو إيران وسوريا ولبنان كما أشار لهذا الموضوع الرئيس الأمريكي ترمب خلال زيارته لقاعدة عين الاسد قبل أيام , فالحديث عن عدم وجود قواعد أمريكية في العراق أمر مضحك ولا يتناسب مع المهمة الوطنية في ضرورة إخراج هذه القوات من العراق وبأسرع وقت , ليس بسبب عدم شرعية وجودها بل للمخاطر الأمنية والسياسية على الأمن الوطني العراقي من جهة وأمن المنطقة بأسره من جهة أخرى . فالوجود العسكري الأمريكي في العراق والمنطقة لا يتعلّق بمحاربة الإرهاب والتّصدي له , بل هو الداعم لبقاء واستمرار هذا الإرهاب لأسباب يعلمها الجميع تتعلّق في الصراع السياسي القائم في المنطقة بين المشروع الأمريكي الذي تقوده أمريكا وإسرائيل والسعودية , وبين مشروع المقاومة الأسلامية الرافض للمشروع الأمريكي , والذي تقوده إيران وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن , وما تريده أمريكا هو السيطرة على مناطق غرب العراق وقطع طريق الإمدادات العسكرية الإيرانية إلى سوريا وحزب الله في لبنان , وهذا هو الهدف الستراتيجي للوجود العسكري الأمريكي في العراق , فليس من مصلحة العراق والشعب العراقي المسلم أن تتواجد على أراضيه قواعد وقوات عسكرية هدفها الأول والأخير محاربة إيران وسوريا وجزب الله في لبنان , ومهمة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق لم تعد مهمة الحكومة لوحدها , بل هي مهمة مجلس النواب والأحزاب والقوى الوطنية والمرجعيات الدينية بشقيها الشعي والسنّي , بل هي مهمة الشعب العراقي بأسره , فلا سيادة ولا استقرار سياسي وأمني في العراق والمنطقة في ظل هذا التواجد العسكري الأمريكي على أرض العراق .