السيمر / الأربعاء 30 . 01 . 2019
ماجد علاوي
عند سن أي قانون أو تشريع أو نظام هناك “كليشة” تتكون مواد شكلية إجرائية لا بد من ذكرها مثل التعاريف أو إلغاء العمل بالقانون السابق أو إضافة عبارة ان القانون لا ينفذ إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية. وهناك أيضا مواد تنظيمية تخص تنظيم العمل الداخلي لما شرع له القانون في حالة تشكيل هيئة أو دائرة أو شركة، حيث يجب تحيد مهام الرئيس وحدود رأس المال والهيكل التنظيمي..إلخ. أما ما تبقى، فهي المواد الجوهرية في عمل وأختصاصات ومهام ما شرع القانون لأجله وإطار عمله.
وعند النظر إلى قانون شركة النفط الوطنية من هذه الزاوية وعلى ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا يتبين هول مصيبتنا وبؤس الواقع في المؤسسات المسؤولة عن السهر على صيانة الدستور، رئاسة الجمهورية والهيئة التشريعية والسلطة التنفيذية.
يتكون قانون شركة النفط الوطنية من 21 مادة.
8 مواد منها شكلية (المادة 1: التعاريف، المادة 2: تأسيس شركة، المادة 10: التزام الشركة بالسياسة العامة للدولة، المادة 14: تنظيم حسابات الشركة، المادة 15: إلغاء القانون السابق، المادة 19: ممارسة النشاط خلال ستة أشهر، المادة 20: عدم حل الشركة إلا بقانون، المادة 21: ينفذ هذا القانون بعد نشره في الجريدة الرسمية).
وهناك 4 مواد أخرى تنظيمية شبه شكلية ( المادة 5: رأسمال الشركة، المادة 6: الهيكل التنظيمي للشركة، المادة 9: المهام الإدارية الداخلية لرئيس الشركة، المادة 17: تملك العقارات التي تحتاجها الشركة.
وعلى هذا يتبقى 9 مواد ( المادة 3: أهداف الشركة، المادة 4: وسيلة تحقيق أهداف الشركة، المادة 7: صلاحيات رئيس الشركة ، والشركات التي ستلحق بها، المادة 8: مهام مجلس الإدارة، المادة 11: الاستقطاع من الأرباح، المادة الكارثة 12: الإيرادات وتوزيع الأرباح، المادة 13: استثناء العاملين من قانون الرواتب، المادة 16: استثناء الشركة من مجموعة قوانين، المادة 18: مساهمة الشركة في تنمية القطاعين الزراعي والصناعي) هذه المواد تم الحكم بعدم دستوريتها جميعا بلا استثناء لمخالفتها مواد الدستور، وكما يلي:
المادة 3 من القانون (مهام الشركة) لتعارضها مع المادة 112 بفقرتيها أولا وثانيا والمادة 114 لسلبها صلاحيات الحكومة.
المادة 4 الفقرتان ثالثا وخامسا (تسويق النفط).. لتعارضها مع المادة 112 (صلاحيات الحكومة)
المادة 7 أولا (ان يرأس الشركة موظف بدرجة وزير) لتعارضها مع المادة 62 ثانيا
المادة 7 ثانيا – ح – (احتواء شركة تصدير النفط “سومو”) لتعارضها مع الدستور (المادة 110 أولا وثالثا)
المادة 8 من القانون (مهام مجلس إدارة الشركة) لتعارضها مع مواد الدستور 78 و 80 و 112
المادة 11 من القانون (استقطاع الشركة كلف التشغيل والاستثمار مباشرة من حساب وزارة المالية لدى البنك المركزي) لتعارضها مع مواد الدستور 78 و 80 و 111 و 112
المادة 12 من القانون (الإيرادات المالية للشركة وارباحها وتوزيعها) لتعارضها مع مواد الدستور 78 و 80 و 106 و 111 و 112
المادة 13 من القانون (نظام حوافز لا يخضع للقانون العراقي) لتعارضها مع الدستور المادة 62 ثانيا..
المادة 16 من القانون (استثناء الشركة من القوانين العراقية) لتعارضها مع الدستور المادة 5 التي لا تجيز الغاء قانون بنظام او تعليمات
المادة 18 سادساً من القانون (اسهام الشركة بتنمية القطاع الزراعي.. الخ) لتعارضها مع الدستور المادة 78 و 80
أي أن القانون خالف الدستور بموجب قرار المحكمة الاتحادية، 23 مرة في تسع من مواده، أكرر خالف الدستور 23 مرة في تسع من مواده (خالف المواد الدستورية: المادة 112: 6 مرات، المادتين 78 و80: 4 مرات لكل منهما، المواد 62 و 110و111: مرتين لكل منها، المواد 5 و106 و 114 مرة واحدة لكل منها).
وهذه المواد التسعة المنقوضة وبخاصة المادة الكارثة 12: (الإيرادات وتوزيع الأرباح) هي جوهر القانون وغرضه والإطار الذي ينظم عمل واختصاصات وصلاحيات الشركة، أي باختصار هذه المواد هي القانون وباقي المواد أطار وزخرف له. وهنا المصيبة الكبرى، والفضيحة التي أشار إليها الأخ صائب خليل.
هل يعلم أي متابع بوجود سابقة فضيحة تشريعية مثل هذه في أي بلد من بلدان العالم!!
أن الأنسان ليحار كيف مررت الهيئة التشريعية بالإجماع قانونا جميع مواده غير دستورية وتخالف الدستور في 23 موضع منه. وأقول بالاجماع حيث لم نسمع عن نائب واحد تذكر ما أؤتمن عليه عند التصويت، وصوت ضد القانون. وأتمنى صادقا أن تكذب سجلات المجلس ظنوني.
أما ذلك الرئيس الذي صدع رؤوسنا بسهره على الدستور، وتحفظاته في المصادقة على الكثير من القوانين بحجة دراسة دستوريتها، فإنه لم يتورع عن المصادقة على القانون في نفس الليلة التي استلمه فيها، ولم يلحظ هو أو خبراؤه الدستوريون واحدة من 23 مخالفة للدستور بحكم أعلى هيئة قضائية.
ولم يكن موقف السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء بعد تشريع القانون غير المماطلة حتى في إبداء الرأي في قانون أكل من سلطاتها الدستورية وجعل كل السياسة المالية للدولة تحت رحمة وقرار هيئة غير منتخبة. ولم تتحرك وتبدي رأيها إلا بعد بعد إقامة دعوى الطعن بالقانون، وبعد أن اضطرتها المحكمة على ذلك بإدخالها لمجلس الوزراء كطرف ثالث في الدعوى. ولم يكن أمامها من خيار إلا الطعن بدستورية المواد الأساسية في القانون، الذي كان سيشل عمل الحكومة ويجعلها تحت الوصاية المالية للشركة، فأوعزت عندئذ رئاسة الوزراء لوزارة المالية والبنك المركزي بالطعن في دستورية القانون. ولكن فيما بعد حاول ممثل رئاسة الوزراء في الجلسة قبل الأخيرة تأجيل اتخاذ المحكمة لقرارها في الدعوى متحججا بتقديم دراسة جديدة من قبل رئاسة الوزراء، فأمهلته المحكمة لتقديمها قبل الجلسة التالية، إلا أنه لم يقدمها متعللا بمشغولية الرئاسة بتشكيل الحكومة. ولم تاخذ المحكمة هذه المرة بهذه الأقوال، وأصدرت قرارها التاريخي بعد تسعة أشهر طويلة من الأخذ والرد، تناهبتنا فيها الهواجس الحقيقية والمتوهمة.
فيا أيها السلطتين التشريعية والتنفيذية، لقد استحفظتم أمانة السهر على حماية الدستور…فهل حفظتم الأمانة؟
الجواب في قرار المحكمة الاتحادية …
ولولا هذا القرار التاريخي، لأخذ القانون طريقه إلى التطبيق ولبدأنا مسيرة الآلام التي تتقزم أمامها كل مصائبنا السابقة، مسيرة إعادة تكوين دويلات المدن العراقية المتقاتلة التي رسمتها القوى التي كانت وراء القانون، وشتان ما بين دويلات مدن متقاتلة كانت صاعدة في مرحلتها التاريخية، وبين الارتكاس المبيت إلى الهمجية.
29/1/2019