السيمر / السبت 16 . 02 . 2019
معمر حبار/ الجزائر
بلغت 53 سنة في 5 فيفري 2019، وفي كلّ عام من هذا اليوم، قد يكتب للمرء يوما آخر، أو يكتب في أخراه. أكرمني ربّي بأربعة أبناء، هم زينة الحياة الدنيا: وليد، وأكرم، وملاك، وشمس الدين. وأسأل الله تعالى أن يبعد عنهم السّوء وأهل السّوء. رزقني ربيّ الزّوجة الصالحة، والمتعلّمة. وقد رزقت تمام العقل، وكمال الأخلاق. وأعترف في دنياي أنّ فضلها عليّ كبير، وكبير جدّا. وأقرّ علانية وبافتخار شديد، أنّي أعيش حياة زوجية في غاية السّعادة، وزوجتي هي سعادتي، وراحتي. وأسأل الله تعالى أن أوفّيها بعض حقّها علي، الذي لا أراني أبلغ بعضه. أنا الآن متقاعد منذ جوان 2016، حين بلغت 50 سنة، لكن لم أتقاعد أبدا عن القراءة والكتابة، بل زاد الكم، وتحسّن الكيف. لا يمرّ يوم إلاّ وأقرأ كتاب، أو مقال، وأمست حياتي كلّها بين حبر وسطر. ويكفي أن أذكر أنّ في غرفتي كتاب أقرأه، وفي السّيارة كتاب أطالعه، وفي الطابور كتاب يؤنس وحدتي. لم يتغيّر شيء مذ كنت شابا يقرأ بنهم من حيث الكم، إلاّ الاستعانة بالنظارة التي لم تكن في الصغر. لا أنتمي لأيّ حزب، ولست مستعد بحال أن أنتمي لحزب، وقد عرض علي الانضمام إلى الأحزاب في شبابي فرفضت وما زلت أرفض. أحترم خصوصيات الدول والمجتمعات، ولا أتدخل في شؤونها الداخلية التي تعني أهلها وأصحابها. ونستفيد منها، لكن نبدي الرأي حسب المعلومة المتوفّرة، وبما نستطيع من ربط وتحلثيل، دون التدخل في الشؤون الداخلية. لا أتبع دولة، ولا زعيما، ولا قائدا، سواء كان من الأحياء أم الأموات، وبغضّ النظر عن دولته، وجنسيته، ودينه، ولغته. وحين نكتب عن دولة أو قائد أو زعيم، فإنّما نكتب عن خصال ميّزته ورفعته، ونرجو عبر الكتابة أن تحترم الخصال الفاعلة، وتنتشر عبر المجتمع الجزائري، والعربي، والانسانية جمعاء. كلّما امتد بي العمر، وأمست القراءة أكثر عمقا ومسؤولية، أصبحت أنتقد الجميع ودون استثناء. وأرجو من القارىء أن يركّز على كلمة “دون استثناء”، فإنّها أساس من الأسس القوية التي أفتخر بكوني أعتمد عليها. وقد سبب لي هذا الموقف مشاكل كثيرة مع الجزائريين، وإخواني في المشرق العربي، الذي يريد كلّ منهم أن نكون له تبعا في المدح والنقد، وهذا ما لايمكن وقد بلغ المرء 53 من عمره. أمارس الرياضة باستمرار، وقد بدت ثمارها تظهر وللّه الحمد على الجسد، والوزن، والقراءة من حيث طول الوقت المخصّص دون إرهاق، ولا ملل. وهذه النعمة يدركها جيّدا من تدرّب على القراءة في صغره، وحافظ على مايحافظ عليها في كبره كممارسة الرياضة. لم أعد كما كنت في شبابي، أخصّص المبلغ كلّه لشراء الكتب، فأنا الآن لا أستطيع فعل ذلك، لأنّي ملزم بتخصيص جزء منه لشوؤون البيت والأولاد، وجزء منه لشراء الكتب للأبناء. أستعمل في كتاباتي كلمة “الصهاينة” ولا أستعمل أبدا استعمال تلك الكلمة التي لا أستطيع نطقها ولا كتابتها. وأستعمل كلمة “الاستدمار الفرنسي”، ولا أستعمل أبدا الكلمة التي لا تدل على معناها، لأنّ الاستدمار يعني الدمار ، والخراب، والحرق، والنسف. أظلّ أكنّ الاحترام لمن ينتقدنا، ويصحّح أخطاءنا، وأتغاضى عمن يتّهمنا ظلما، ويشتمنا زورا، فالعمر أعزّ من أن يضيّع في الردّ على حاقد مبغض. ما أفتخر به وأتعمّد الآن كتابته والتّعبير عنه، وقد تجاوزت نصف قرن بقليل، أنّ هناك ترابطا وثيقا بين ما أكتب وحياتي الشخصية، ولا يوجد انفصال ولا تناقض بينها، وتلك من النعم التي يفتخر بها المرء، ويرجو أن يكون لها صدى لدى القارىء، وداخل المجتمع. من أبرز ما يميّز هذه المرحلة من العمر، ترك الجدال والخصام ولو كان صاحبه صاحب حقّ، لأنّ للحقّ هيبة فلا يضيّعه المرء بما لا يليق به. والتحدّث عن يقين، والاستماع بأدب، والاعتذار علانية وباستمرار إذا أخطأ، فإنّ ذلك يزيد في هيبة المرء، وحسن ثباته، وكمال أخلاقه.