السيمر / السبت 09 . 03 . 2019
معمر حبار/ الجزائر
صليت صلاة الجمعة بمسجد “الشهيد دهنان عبد القادر”، وهو المسجد الكبير بالشلف، والمجاور لمحطة القطار بالشلف. ألقى الدرس والخطبة العالم الفقيه المفتي يوسف العجري، فكان في غاية العظمة وهو يتحدّث بلغة عربية فصيحة، ويحثّ المصلين للدعاء للجزائر ، ويكفيه فخرا أن ظلّ يدعو للجزائر في خاتمة الدرس ومن فوق منبر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبمجرّد ما خرج الجمع الكريم حتّى امتلء وسط المدينة بأبناء الجزائر وشبابها وهم يقودون المسيرة، ويطوفون عبر وسط المدينة ، فكانت هذه الأسطر:
- بما أنّ اليوم هو اليوم العالمي للمرأة، فقد كانت المرأة الجزائرية ضمن المسيرة السّلمية المناهضة للعهدة الخامسة، وبكثافة هذه المرّة، وأبدعت بزغاريدها التي تهزّ الجبال. ولم يتقرّب إليهن أحد من الشباب بربع نظرة، ولا همز ولا غمز، وهم الشباب المشتعل الملتهب. وقلت لزميل لي: إنّهنّ الآن أكثر أمنا وسلامة من مكان آخر بسبب أخلاق الشباب، ورجولتهم، وشهامتهم في حفظ الجزائر وبنات الجزائر.
- رأيت رأي العين فتيات في مقتبل العمر وفي غاية الجمال وهن يلبسن “الحٙايٙك۫” ويجبن شوارع وسط المدينة في أمن كامل، وسلم دائم، واحترام بالغ، وستظلّ الجزائر تفتخر به أمام الأجيال وعبر الزّمن.
- بمجرّد ماوصلت البيت وأنا عائد من المسيرة كتبت عبر صفحتي: رأيت اليوم رأي العين المرأة الجزائرية في المسيرة بالزغرودة والحايك. كانت الزغرودة عاملا من عوامل مواجهة الاستدمار الفرنسي إبّان الثورة الجزائرية، فقد كانت المرأة الجزائرية تزغرد حين يستشهد الابن، والأخ، والزوج. ويكفي أن الاستدمار الفرنسي قتل في إحدى المناسبات 50 جزائري بسبب زغاريد النسوة، لأنّه كان ينتظر اللّطم وشقّ الجيوب إذ به يواجه بزغاريد النّسوة. أمّا الحايك، فيكفيه فخرا أنّ المرأة الجزائرية كانت تحمل تحته القنابل، والرسائل، والمسدسات لمواجهة الاستدمار الفرنسي. إليك أيّتها المرأة العظيمة كلّ المحبّة والتقدير والاحترام.
- أبدع شباب الجزائر في ترديد وكتابة الشعارات الجديدة المثيرة التي يظلّ الجيل يفتخر بها. اقتربت من أحد الشباب وهو يحمل شعارا على شكل معادلة رياضية وطلبت منه أن يزيدني توضيحا، فقال باللّغة الفرنسية: إذا استمرّ نحو الخامسة حسب السّهم الموجّه، فإنّ نتيجة المعادلة ستكون مجموعة خالية Ø، أي لا حلّ للجزائر إذا أقيمة الخامسة.
- تابعت البارحة عبر فضائية غربية أحد الجزائريين وهو يستهزئ بالشباب الذي يقود المسيرات، متّهما إيّاه أنّه شباب ملاعب كرة القدم، وجاء للمسيرات ليخرج غضبه وعنفه وكبته. وقد رأيت رأي العين وأنا أتابع مسيرة الشباب، وكانوا في غاية الأدب، والأخلاق، وحسن اختيار الشعارات، واحترام وحماية مؤسّسات الدولة والمجتمع، وتقدير المرأة المشاركة معه في المسيرة، ويكفيه فخرا أنّه لم يقترب منها بل ظلّ يحميها ويرعاها طيلة المسيرة، مايدلّ على أنّ الشاب الجزائري في كامل وعيه، ومتحضّر، ومسالم، وآمن، ويغير على وطنه.
- التقيت مع بعض تلامذتي الذين كان لي شرف تدريسهم منذ سنوات، فقلت لهم: أنا الان التّلميذ ولست الأستاذ. وأفتخر بكوني تلميذ يشجّع الشّباب وينصحه إذا قبل النصيحة.
- طلب منّي أحد الزّملاء أن يجري معي حوارا فرفضت قائلا: اليوم يوم الشباب، والكلمة لهم، والقيادة لهم، ولا يحقّ لأحد أن يتحدّث نيابة عنهم، أو يشغل النّاس بحوار الشباب أحقّ به.
- عدد متظاهرين اليوم أي 8 مارس 2019 كان أكثر بكثير إن لم يكن ضعف العدد مقارنة بمظاهرات 2 مارس 2019، من حيث مشاركة المرأة القوي والكثير، و التحاق آخرين من شباب وكبار من مختلف الوظائف والرتب ممن لم يلتحق من قبل.
- الأخوّة، والمحبّة، زادت متانة وقوّة وصلابة بين المتظاهرين ورجال الشرطة من أبناء الجزائر، من حيث شعارات الشباب اللّطيفة والمساندة لأبنائنا من رجال الشرطة، والتقاط الصور معهم وبرفقتهم، ما يدلّ على صلابة المجتمع الجزائري وبين أبناء الوطن الواحد.
- قلت لمن حولي من الزّملاء: لن يحرق الجزائري وطنه بيديه لأنّه سبق أن اكتوى بجمر العشرية الحمراء من القرن الماضي. فالجزائري لم يخرج هذه المرّة ليجرّب مآل المظاهرات إنّما خرج عن تجربة قاسية مازال يحمل آثارها وقد سبق أن كلّفته يومها البلد والولد. فهو من وعي إلى وعي، ومن تجربة إلى تجربة.
- ما ميّز المظاهرات انّها لا تحمل شعارات دينية كما كانت أثناء مظاهرات التسعينات من القرن الماضي مثل: “قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النّار”، و”الدولة الإسلامية”. ولا يقودها إمام، ولا شيخ زاوية، ولا متعصّب لشيخه، إنّما يقودها شباب جزائري يعرف ربّه بالفطرة، ويحبّ وطنه بالفطرة، ويدافع عن الجزائر بفطرته السّليمة النّقية.