الرئيسية / مقالات / الحج إلى القتل

الحج إلى القتل

معمر حبار / الجزائر

لنبدأ بحديث القلوب. الحجاج الذين قتلوا جرّاء سقوط رافعة، رحمة الله عليهم جميعا. ورزق أهلهم الصبر والثبات. ورزق الجرحى الشفاء العاجل، والعودة السريعة الآمنة لمواصلة شعائر الحج. ونسأل الله التوفيق والنجاح للقائمين على الحجاج ، للتخفيف عنهم وعن ذويهم آثار الصدمة والخسائر الفادحة التي لحقت بهم.
أما فيما يخص حديث العقل، فإن المرء وهو يتتبع الأخبار والتعاليق المختلفة المتضاربة، يقف على جملة من النقاط، هي..
أقرأ الآن عبر يومية “الحياة”، أن الرافعة التي سقطعت لم تكن مثبتة بالشكل الجيد الذي يمنعها من السقوط. وسبق للأرصاد الجوية السعودية أن حذرت من سوء الأحوال الجوية، ولم تأخذ تحذيراتها بعين الاعتبار.
إذن المسألة لا علاقة لها بقضاء وقدر، إنما لها علاقة بالإهمال والتسيّب. فوجب معاقبة المتسبب في قتل الحجاج.
يبقى سؤال يراود المتتبع. كم كانت سرعة الرياح؟. هل كانت فعلا قوية بالقدر الذي يسقط رافعة؟. أم كانت ضعيفة وسقطت الرافعة لأنها لم تكن مثبتة جيدا.
إن الرياح القوية الشديدة التي تشهدها الموانئ والمصانع والمباني العملاقة في مختلف دول العالم، لم يعرف عنها أنها أسقطت رافعات عملاقة. فكيف بالرياح السعودية الخفيفة الرقيقة مقارنة بالرياح العاتية، تسقط رافعة وتحدث كل ذلك الدمار والقتل.
المسألة ليست في الرافعة، بل في تكرار القتل في الحج. لايخلو عام دون قتلى وجرحى. ولم نقرأ ولم نسمع أن عقابا سلّط على المتسبب، أو معاقبة المتسببين.
إن من مقاصد الحج الكبرى، المحافظة على الأرواح. فكيف يتم المحافظة على هذا المقصد، وقتلى وجرحى كل عام.
أقرأ أن المملكة السعودية فتحت تحقيقا فيما يخص قتلى الرافعة غير المثبتة بإحكام. وهذا عمل تشكر عليه المملكة، ونتمنى لها التوفيق والنجاح. لكن نتمنى في نفس الوقت نشر نتائج التحقيق، لأن الأمر يهم قتلى المسلمين وجرحى المسلمين، حتى لا يتهم المتتبع بأنه يتدخل في الشؤون الداخلية للسعودية. وكذلك معاقبة المتسببين، وليكن من يكون، وتصحيح الأخطاء حتى لاتتكرر كل عام، وبنفس البشاعة والضخامة في الأرواح.
العنصر الثاني، يتمحور حول إستغلال الحادثة من طرف بعض الذي يخالفون السعودية الرأي والعقيدة، فاستغلت للشتيمة والشماتة، وهذا عمل لايليق، ويدل على صغر في العقل ،وضيق في الصدر، وقصر في النظر، وحقد لم تمحه القرون.
فالحجاج رحمة الله عليهم جميعا، لابد أن يكونوا بعيدين عن الأحقاد السياسية، والخلافات التاريخية، بل المطلوب تقديم المساعدة، ومواساة الأخ، وتضميد الجراح، والكف عن الأحقاد، على الأقل ودماء الحجيج مازالت تنزف، وهذا أضعف الإيمان.
وفي نفس الوقت، لايعقل أن يوصف سقوط الرافعة، وتحدث 107 قتيل و203 من الجرحى، بأنه تسبيح لله تعالى، وبأنه خشوع لله تعالى. فكيف يمكن أن نسمي تهاون الإنسان وعدم تثبيت الرافعة بالتسبيح والخشوع.
إن مشكلة الأمة في هذا الذي يستغل أرواح القتلى في إحياء أحقاد تجاوزعمرها 14 قرنا، وآخر يستغل الدين لتصوير الجريمة على أنها خشوع وتسبيح. وآخرون يطمسون الحقائق ولا يعاقبون المجرم المتسبب في القتل والكارثة.