السيمر / الأربعاء 13 . 01 . 2016
وفاء نزار سلطان / سوريا
تعتبر الأراضي السورية اليوم ساحةً لأكبر صراع عالمي ، فالأطراف المتنازعة مع اختلاف غاياتها إلا أنها اشتركت على الهدف برغبتها بالسيطرة على المساحة الجيوسياسية المتمثلة بقلب الشرق الأوسط “سوريا ” ، ولذا فإن اتساع مجال المناورات الإقليمية للقوى العظمى خلق معيار متسارع للحصول على مواقع مهمة في محافل السياسة الدولية ، فكلما سُجل عمل عسكري بادرت الأطراف للإسراع بإمساك خيوط اللعبة وفق مقتضيات التحالفات وضرورة المشاريع ، لتناسب ارتباكات التحولات بالمسارات التي فرضتها التعقيدات العسكرية والسياسية .
فالصراع في ظاهره بين النظام السوري والقوى المعارضة المسلحة يتشعب منه صراع عالمي بين القطبين الروسي والأمريكي ، ودولي بين “تركيا” و”قطر” و”السعودية” من جهة و”سوريا” و”إيران” و”حزب الله” من جهة أخرى ، وديني بين النظام السوري والجماعات التكفيرية ، وقومي بين النظام السوري والجماعات الراغبة بالانفصال كـ “الأكراد” من جهة وفي الضفة المقابلة الجارة العدو “إسرائيل”، والهدف للجميع واحد هو الأرض التي جعلت منها الأزمة مسرحاً لجميع اللعب السياسية .
ورغم كل ما روجت له دوائر القرار العالمية عن وجود اتفاقية للتحركات الروسية في المضمار العسكري السوري إلا أن هذا لا يعدو كونه دعاية لمقايضات دبلوماسية قادمة ، فـ “بوتين” قرر تحريك اللعبة من البداية وانتظار كافة الحركات التالية لـ “أوباما” بعين المراقب بعد أن وضع خطة متكاملة لتهميش كافة الأدوار الإقليمية والخروج من الحرب السورية رابحاً لا شريك له ، فإدراكه للخطر الإرهابي في اسقاط الأنظمة دفعه لحرب استباقية لتغيير بوصلة الأحداث وإعادة تشكيل الشرق الأوسط من المنظور الروسي لا الأمريكي وربط المسار السياسي للمفاوضات بالتقدم العسكري في مكافحة الإرهاب ، وفتح منافذ ضيقة للحلول بعيداً عن الهيمنة الأمريكية ولكن تحت ظل النظام الدولي دون الحاجة للصدام مع الغرب.
ولكن “أمريكا” لا تزال تناور وتحرك بعناية بيادقها على الرقعة السورية ، ومع عدم قدرتها على التدخل العسكري المباشر، تحولت أخيراً من دعم “داعش” الأبن البار لـ “أوباما” المقصوفة بالطيارات الإعلامية والقنابل الصوتية ، لدعم “قوات سوريا الديمقراطية” المولود الجديد على ساحة الصراع السوري ، وطالما أن اليد الأمريكية ستقبض النتائج فلا يهم من يتقدم ويسيطر على المساحة الجغرافية لأنها ستصب في البلوعة الأمريكية بعيداً عن الأهداف الروسية، لذلك وجدت في تقدم “قوات سوريا الديمقراطية” استدارة المفتاح الجديد لزعزعة النظام السوري ، خصوصاً بعد الفشل الذريع لتشكيل تحالف إسلامي عسكري تقوده “السعودية” يُعبد الطريق لها للسيطرة على “سوريا” ، ولكن النظام السوري لا زال يحكم قبضته على جميع مفاتيح الحلول رغم تراجع قواته عن بعض المناطق فهو يراقب تبدل الأدوار واختلاف الفرقاء وينتظر الحسم في الميدان الحربي غير عابئ بمفاوضات “جنيف” ولا أوهام “أنقرة” ولا تنبؤات “الرياض”.
وحده الفلك الأمريكي يدرك الأهمية القصوى التي تمثلها “سوريا” في أي سياق تنافسي دولي قادم ، فمع دخول “أوباما” سنته الأخيرة مارس سياسات الاحتواء ويرغب بتوضيب الملف السوري مع انتهاء ولايته ، ومع الوضع الاقتصادي المتردي تتطلب الأحداث إعادة تموضع للاعب الأمريكي في ساحة الصراع ، وإعادة ترتيب كل الأوراق والسيطرة على بعض المناطق عسكرياً ، وربما فرض منطقة عازلة على طول الحدود السورية بوجه جديد بعيداً عن الإخوانجية التركية تُشكل فيها حكومة انتقالية يعترف بها الغرب ، لتصبح الساحة الحربية مشتعلة بصراع بارد (أمريكي_ روسي) ، فسد تشرين الذي سيطر عليه الأكراد هو بداية المسير وهم اليوم الطامحون الجدد في المنطقة ، والطربوش الأردوغاني سيقع ما أن تبدأ تحركاتهم نحو “منبج” و”طرابلس ” كما تروج بعض وسائل الإعلام .
ولأن الصراع على “سوريا” صراع جيوسياسي وجيواستراتيجي ، كانت مغازلة “أمريكا” لـ “ايران” عبر الملف النووي املاً بضمها لحلفها ، وهو ما يفسر الشرخ الكبير بين الأميركي وحلفائه بخصوص الملف السوري ، وبعد فشل مخططاته كان القبول بالوضع الراهن على قاعدة حرب باردة ذات وتيرة خفيفة لإلهاء الوجود الروسي في المنطقة ، لذلك لا نستغرب توجه البوصلة الأمريكية صوب دعم للأكراد عبر المال والسلاح فهم بمثابة حجر الأساس لمستقبل “أمريكا” في الشرق الأوسط ، وللتذكير فأن “كردستان العراق” أحد أهم مصادر النفط لـ”الولايات المتحدة” ، والمرحلة المقبلة هي لخلق صراع سوري كردي عسكري لضمان إطالة أمد الأزمة لما بعد الانتخابات الأمريكية .
أن الاستدارة الأمريكية الجديدة بالبيدق الكردي على رقعة الشطرنج السورية ، هي لفرض وقائع جديدة تتجاوز حدود التسويات السياسية وتعيد صياغة التحالفات والمسارات وتسهم بتشكيل قوانين الطاعة الأمريكية للنفخ في ربيع الأزمة وبث المزيد من الفوضى نحو التقسيم .
بانوراما الشرق الاوسط