السيمر / فيينا / الثلاثاء 02 . 07 . 2019
رجمن الفياض
عرقنا الجنوبي دساس يميل ويحن دائما الى سلالة أور وزقورتها، وبعض ما تبقى من عيدان القصب و البردي، وما تحويه “دهلتهم” من خيرات كادت أن تصبح أرثا كمعبد قديم خاوي. اتذكر حديث أبي عن مضيف جدنا المبني من قصب أنكيدو، وبردي لكش فقد كان “معبدا” حقيقيا بكل معنى الكلمة تحل فيه المشاكل وتدار من خلاله القبيلة، ويسمع فيه صوت جدي الشجي يؤذن لصلاة الفجر، ليلتحق بعدها “بمسحاتة” التي عشقها كعشق شتلات ” تمن العنبر.. لدهلة دجلة الخير”. من هذه السلالات بدأت القصة ما بين كفاح وجهاد، فما أن بدأت طلائع جيش الإنكليز بالدخول الى أرض أجدادي، حتى بدأ الرجال يتوافدون الى مضيف جدي السومري يتسألون ويتحاورون عن رأي المرجعية في دخول تلك القوات الغازية لبلادهم، وماهي إلا فترة وجيزة ليأتيهم الخبر اليقين من النجف الأشرف بأن تضرب اصوات الهاون في كل مضيف، ولتفوح رائحة القهوة الممزوجة بعطر الهيل ودخان سعف النخيل وأن ترتفع راية الجهاد. أجدادي تشبعوا حد التخمة بملح الجنوب العراقي الخشن، ليسطروا ملحمة تعجز الكلمات عن سردها، فأسطورة الملك لوكالباندا تقف عاجزة مطأطأة الرأس أمام بطولات أولئك الرجال الأفذاذ “الطوب أحسن لو مگوراي” شعار لازال صداى يرن في قصر برمنگهام الشهير ويتردد في بلاد الضباب. من مضيف جدي الكبير ومن دهاليز دجلة والفرات، خرج ذاك السيل الجارف ليمرغ أنف أعتى إمبراطورية عرفها التاريخ في وحل الهور، وليعلن عن إنطلاقة شرارة ثورة العشرين من أرياف الجنوب لتشمل جميع أنحاء العراق، “فالفالة “التي طالما أستخدمها جدي لصيد السمك أصبحت مدفعا رشاشا بيده. معارضة جدي العسكرية تحت أمرة المرجعية في ذلك الوقت، كانت لوضع اللبنة الأولى لبناء الدولة العراقية وتأسيس نواة حقيقية، لحكومة تدير شؤون البلاد، وتصحيح المسار الذي كاد أن يفرض بقوة الأمر الواقع من قبل المحتلين. كانت تشخيصية وواقعية تنم عن دراية كبيرة وفهم عميق لواقع البلد وتشخيص عميق لمشاكله فهو من وضع البذرة الأولى للمعارضة السياسية لكنها كانت عسكرية بامتياز . حين نستذكر تلك الثورة ونتائجها يخيل لي أن جدي رسم خارطة لكل زمان فعدم رضاه عن ذالك الواقع، يعاد اليوم على أيدي أحفاده الراغبين في تكرار تجربة المعارضة وتأسيس نواتها ولكن هذه المرة بأسلوب المعارضة السياسية لا العسكرية، لتشخص بصورة عقلانية هادفة وشجاعة ودقيقة أخطاء الحكومة لننبري معا لتعديل المسار وتصحيح الخلل في جسد الدولة العراقية التي بناها أسلافنا بقوة المگوار .