السيمر / فيينا / الخميس 18 . 07 . 2019
من المفارقة أن معظم العراقيين لم يرتادوا سواحل بلدهم المطلة على الخليج، ولم يستمتعوا بنزهات بحرية في المياه الإقليمية، فالعراق هو البلد الوحيد في المنطقة الذي لم يستغلّ سواحله وجزره في مشاريع سياحية وترفيهية، ولا تلوح في الأفق بوادر تنفيذ مشاريع من هذا النوع.
سواحل مقفرة
يمتدّ الشريط الساحلي للعراق إلى عشرات الكيلو مترات، وهي مساحات شبه مقفرة، كما يحظر على المواطنين القيام بنزهات بحرية، والمنع يعود إلى أسباب أمنية تتعلق بمكافحة التسلل والتهريب وحماية المنشآت النفطية، حيث توجد مستودعات وشبكات أنابيب نفطية في مناطق ساحلية، كما يصدّر العراق أكثر إنتاجه النفطي عبر منصات تقع ضمن مياهه الإقليمية في شمال الخليج.
كاظم فنجان الحمامي وهو نائب حالي ووزير نقل سابق أمضى أكثر من 30 عاماً في العمل كمرشد ملاحي للبواخر، قال لـ”اندبندنت عربية”، إن “السواحل العراقية كلها جرداء تخلو من أي مشاريع باستثناء مملحة قديمة تقع مقابل جزيرة وربة الكويتية، وهو مشروعٌ مهجور منذ أعوام كثيرة”، مضيفاً “من يمر ليلاً في زورق بمحاذاة السواحل العراقية سيجدها موحشة غارقة في الظلام، لكن إذا التفتَ باتجاه السواحل الكويتية أو الإيرانية سيرى من بعيد الأضواء وملامح مجمعات سكنية ومنشآت صناعية وتجارية وترفيهية”.
جزر مهملة
يتكوّن شط العرب من التقاء نهرَي دجلة والفرات، ويقطع محافظة البصرة من شمالها إلى أقصى جنوبها قبل أن يصب في الخليج، وعلى امتداده يوجد العديد من الجزر الصغيرة، منها جزيرة الطويلة البالغة مساحتها 608 دونمات، وجزيرة الشمشومية البالغة مساحتها 113 دونماً، وجزيرة أم الرصاص التي كان اسمها قديماً “أم الخصاصيف”، و”أم الحبابي” التي كان يمتلكها خلال القرن الـ 19 متسلّم البصرة عزيز أغا، وجزيرة الكطعة المقابلة لجزيرة صلبوخ الإيرانية، وجزيرة البحرية التي تعاقبت بعض الأسر البصرية الثرية على امتلاكها خلال العهد العثماني، ومعظم هذه الجزر مهملة في الحاضر، وأكثرها غير مأهولة بالسكان.
وبحسب الحمامي فإن “جزر شطّ العرب ليست أفضل حالاً من السواحل العراقية، فهي منسية أيضاً، ولم تبدر محاولات جدية للاستفادة منها في مشاريع استثمارية سياحية أو ترفيهية على الرغم من الطبيعة الجميلة المحيطة بها، وسهولة الوصول إليها بزوارق نهرية”، معتبراً أن “تعقيدات إدارية وقانونية واقتصادية تحول دون الاستفادة سياحياً من جزر شطّ العرب”.
جزيرة السندباد
جزيرة السندباد هي أشهر جزيرة في شط العرب، وقديماً كان اسمها المحمودية، ثم أطلقوا عليها أم الفحم لأن القوات البريطانية استخدمتها خلال الحرب العالمية الأولى في تجميع الفحم وتخزينه لتصديره إلى روسيا. وخلال الستينيات اكتسبت اسمها الحالي، وصارت جزيرة سياحية جذبت ملايين السياح من داخل العراق ودول الخليج، وكانت تضمّ حدائقَ ونواديَ ترفيهية ومطاعمَ ومنتجعاً سياحياً.
خلال حرب الخليج الأولى (1980-1988) أصبحت الجزيرة منطقة عسكرية لقربها من جبهات القتال، ثم لفَظَها الإهمال الحكومي خلال التسعينيات، وبعد العام 2003 اجتاحها السكن العشوائي، فتحولت منشآتها السياحية الى أطلال، وفقدت كل شيء جميل يتعلق بها باستثناء اسمها.
جزر غير ثابتة
كأحوال العراق لم تستقرّ جزر شطّ العرب على حال، فهي تخضع لتغييرات مستمرة مع مرور الزمن لأسباب طبيعية، ويتّضح الأثر التراكمي لمثل تغيرات كهذه عند النظر إلى جزيرة بوبيان الكويتية القريبة من السواحل العراقية، إذ نشأت الجزيرة من تراكم الطين الذي تحمله الأمواج والتيارات المائية أثناء ظاهرة المد والجزر عبر مجرى شط العرب الذي كان يسمى قديماً دجلة العوراء، وهكذا ظهرت إلى الوجود أكبر جزيرة كويتية، وثاني أكبر جزيرة في الخليج.
المقيم البريطاني المفوّض في الخليج جون غوردن لوريمر ذكر مطلع القرن الماضي في القسم الجغرافي من “دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية” أن “جزر شط العرب غير ثابتة إلى حد ما، بمعنى آخر المجرى الرئيس للشط غير ثابت، ففي العام 1836 كانت جزيرة العجيراوية تضم جزءاً من جزيرة الطويلة، ولم تكن بقية جزيرة الطويلة قد تكونت بعد، كما لم تكن جزيرة الشمشومية قد ظهرت إلى حيّز الوجود، وكانت جزيرة أم الخصاصيف أصغر حجماً مما هي عليه الآن”.
أما أكثر الجزر أو أشباه الجزر غرابة في شط العرب فهي تلك التي ظهرت خلال العقدين الماضيين بفعل ترسبات الطين فوق هياكل سفن غارقة من جراء الحروب والحوادث الملاحية، وهي غير مثبتة جغرافياً كجزر لصغر مساحتها وعدم استقرارها، كما لا تحمل أسماء رسمية، وأكثرها تختفي تحت المياه في حالة المدّ، وتعاود الظهور حين تنحسر المياه عند الجزر.
هيئة الاستثمار
رئيس هيئة الاستثمار في البصرة علاء عبد الحسين قال إن “السبب الرئيس لعدم الاستفادة من السواحل والجزر في تنفيذ مشاريع استثمارية، هو طموح الشركة العامة للموانئ في السيطرة على مساحات واسعة منها على أمل تنفيذ مشاريع مستقبلية تخصها”، مبيناً أن “هيئة الاستثمار حاولت منح رخصة لتنفيذ مشروع استثماري على أراض ساحلية في ناحية أم قصر تعود ملكيتها إلى البلدية، إلا أن الشركة العامة للموانئ اعترضت على المشروع، ما أدى إلى تعطيله”.
في ظلّ إهمال الجزُر والمناطق الساحلية، وندرة المتنزهات والحدائق العامة والأماكن الترفيهية في البصرة، فإن الآلاف من سكان المحافظة الغنية بالنفط يسافرون يومياً إلى وجهات متعدّدة، في مقدمها إقليم كردستان في شمال العراق، وبعض المدن الإيرانية مثل عبادان وأصفهان وشيراز من أجل السياحة المفقودة في محافظتهم.
المصدر / اندبندت