السيمر / فيينا / السبت 20 . 07 . 2019
د . ماجد احمد الزاملي
لقد نجم عن الثورة الصناعية مشكلات التلوث بالمواد الكيميائية التي تُقذف بالهواء والماء والأرض، وما يحدث ذلك من تلويث لمأكل الإنسان ومشربه. وهكذا تدرجت العلاقة بين الإنسان والبيئة الى ان اَلت الى ضرر كبير أحدثه الإنسان في البيئة وفي مكوناتها، وأصبح هم الإنسان الأكبر هو حماية البيئة من غوائل فعل الإنسان. إذ برزت هنالك قضايا بيئية عديدة، فرضت على الإنسان ضرورة تنظيم العلاقة بينه وبين البيئة، تنظيم أساسه محافظة الإنسان على البيئة وإستغلاله لكنوزها بشكل صحي، وإلا فان الدمار والزوال هما النهاية الحتمية لحياة الإنسان على هذا الكوكب. ومن هنا فقد إنعكست الصورة، فبعد أن كان هم الإنسان حماية نفسه من المشاكل البيئية، تحوّل هم الإنسان الى حماية البيئة من مشاكل الإنسان(حماية البيئة من الإنسان) .والخوف من البيئة حديثاً، فقد بات مرعباً ومستواه عالياً، إذ أنه يهدد سلامة الجنس البشري، ومن بعده الكرة الأرضية التي تحتضنه بأكملها. ذلك ان المشكلات البيئية الجديدة، كالتلوث بأنواعه، وضعف طبقة ألأوزون، والأمطار الحمضية، وندرة المياه، وقلة الغذاء قياساً بالإنفجار السكاني الهائل، واستخدام الاسلحة الكيمياوية والمحظورة دوليا في الحروب، باتت تشكل كوارث بيئية ضخمة، تنذر بكارثة عالمية. وعليه فان الخوف من البيئة شعور لازم الإنسان قديماً وحديثاً. وإذ كانت معظم مصادر هذا الخوف من البيئة في القديم ترجع لعوامل الطبيعة، فان الصورة قد تغيّرت، وأصبحت معظم مصادر الخوف من البيئة في العصر الحديث ترجع لعوامل بشرية صناعية. فالاهتمام بمسالة البيئة برز من خلال استحداث المؤسسات المختصة بشؤون البيئة. فعلى الصعيد الدولي أحدثت منظمة الأمم المتحدة جهاز خاص للبيئة تحت اسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهذا البرنامج يخطط ويشرف ويرعى أهم النشاطات الموجهة لحماية البيئة في العالم. كما أحدثت الكثير من الدول أما وزارة أو هيئة حكومية أو وكالة رسمية متخصصة تتابع شؤون البيئة. إن موضـوع حمايـة البيئــة يهـم كل الدول بحيـث تسعـى كل واحـدة إلى وضــع قواعـــد قانونيـة لمواجهــة الأخطــار البيئيــة ولقــد أولى المجتمــع الدولـي اهتماما بهـا ونبّـه إلى خطـورتها وحـرص على الوقايــة منها ووضـع الحلــول لها إلى حــد طبـع قواعـد حمايـة البيئــة بمسحة دوليـة، فاغلب قواعـد قانــون حمايـة البيئـة هـي ناتجــة عـن اتفاقيات جماعيــة أو ثنائيـة عملت الدول على وضعها باعتبارها الأنسب و ذلك لان الأخطار التي تهـدد البيئة عالمية الآثـار بالإضافة إلى أن فعالية الحفاظ على البيئة تقتضـي تنسيق سياسة دوليـة موحدة في مجال وضـع القواعد والأنظمة المتعلقـة بالبيئـة . ونشير هنا إلى أن القانون الدولي البيئي قد اهتم بمشكلات المجتمع الدولي المعاصر، حيث أنه قانون متطور فلم يعد قاصراً في موضوعه على معالجة المسائل التقليدية لذلك المجتمع مثل: السيادة، الإقليم، المعاهدات، التنظيم الدولي، التمثيل الدبلوماسي، الحرب والحياد والخ، ولكنه تفاعل مع المشكلات الجديدة التي تهم الدول في وقتنا الراهن، والقانون هذا حاله لا يمكنه أن يغض الطرف عن البيئة والأخطار التي تهددها، بل على العكس كان له السبق في التنبيه إلى المشكلات البيئية. وتمثل ذلك عندما دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي حول البيئة الإنسانية من أجل إيقاف هبوط مستوى تلك البيئة، ووضع القواعد القانونية للحفاظ عليها، ومكافحة مصادر تلوثها والتعدي على مكوناتها ومواردها الطبيعية. وقد انعقد المؤتمر بالفعل في الفترة من 5 ـ 16 يونيو عام 1972 في مدينة استوكهولم بالسويد، وانتهى إلى تبني مجموعة من المبادئ والتوصيات على درجة بالغة من الأهمية شكلت اللبنة الأولى في بناء القانون الدولي البيئي. وقرر مؤتمر هامبورج بشأن الحماية الجنائية للوسط الطبيعي المنعقد في سبتمبر من عام 1979 أنه لا تستقيم الأمور بمحاولة الحماية الجنائية للبيئة علي المستوي القومي، ولكن لا بد أن يتعدي ذلك إلى المستوي الدولي لمواجهة كل صور الإضرار بالبيئة. والذي يمكن ان يصيب بالضرر دولاً أخرى غير التي مورس بها النشاط. كما أوصي المؤتمر أيضاً باعتبار جرائم البيئة التي تسبب ضرراً بالغاً للحياة الطبيعية من الجرائم الدولية وتقدر لها العقوبات اللازمة، وتدخل ضمن اتفاقيات دولية لحماية البيئة إلى جانب ضرورة إيجاد نوع من التعاون الدولي في هذا المجال يتمثل في تبادل المعلومات الهامة ومحاولة حل أي تنازع في القوانين المنظمة لحماية البيئة، سواء على مستوى القضاء الوطني أو القضاء الدولي، وهذا يعد اعترافاً صـريحاً بفشل مبدأ الإقليمـية وحده في مواجهة جـرائم تلويث البيئة. وهو الأمر الذي يصير معه الأخذ بمبدأ الإقليمية وحده في صدد المصلحة المحمية في جرائم تلويث البيئة أمراً غير كاف، بل ينبغي أن تتكامل معه الاتفاقيات الدولية في مجال تسليم المجرمين ونقل المحكوم عليهم واتفاقيات الاعتراف بالاحكام الجنائية الصادرة في دول أخرى. ولأن كانت الجرائم ضد البيئة يمكن أن تقترف بواسطة مجموعة أو جمعية أو شخص أو أحد الأشخاص العامة بل وعن طريق الإدارة، ويظهر ذلك بوضوح في الأنشطة الاقتصـادية والتجـارية التي تباشر على نطاق واسع بواسطة تلك الشركات والمشروعات والأشخـاص وآليات النقل البري والبحري، فإنه ليس ما يمنع من إسناد المسـئولية الجنائية لمدراء هذه المجموعات القانونية إلى جانب مسئولية الشخص المعنوي ذاته، وإن أتت العقـوبة التي يواجـه بها كل منهم مغايرة على نحو يتفق مع طبيعته، فالمدير يُسـائل عما اقترفه من جرائم باســم ولمصلحة الشخص المعنوي رغــــم عـدم اســتفادته منها شخصياً، وهي قد تكون عن جرائم عمدية أو خطئية، ومن ثم يسأل عن تعمده الجريمة في الحالة الأولى ولتقصيره عن عدم مراعاة ما تقضي به القوانين واللوائح في الحالة الثانية ولعدم قيامه بواجب الرقابة على مرؤسيه. يلعب القانون الجنائي دوراً هاماً في مجال حماية البيئة من خلال تجريم بعض من الأفعال الإيجابية أو السلبية التي تلحق الضرر بالبيئة أو ببعض من عناصرها، لابل يعد من أوائل القوانين التي تدخلت لمصلحة البيئة عن طريق حماية بعض جوانبها وخاصةً في مجال النظافة العامة وتجريم بعض الأفعال التي تضر بالبيئة. إن الاتجاه الحديث فى الفقه القانونى الدولى يمنح الإنسان الحق فى بيئة نظيفة ملائمة وهذا لا يتأتى بعقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية بالانضمام والتوقيع عليها فحسب وإنما أيضاً بترجمة هذه المعاهدات إلى واقع لتنفيذ الالتزامات الناشئة عنها، وبمعنى آخر كيفية صياغة وصناعة آليات للتنفيـذ تخلق المناخ الفعلى المتناسـب وتلزم الدول الأعضاء باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والتنظيمية لتنفيذ ما ورد بها من نصوص ومواد، تأخذ الصفة القانونية الإلزامية وهو ما يعرف بالالتزام القانونى بما يضمن قوة تطبيقها بدلاً من أن تأخذ مجرد شكل توصيات غير ملزمة للدول الأعضاء وتأخذ الصفة المعنوية الدولية والإقليمية والأدبية وهو ما يعرف بالالتزام الأخلاقي. ونستطيع أن نؤكد أن علاج مشاكل البيئة لا بد أن يكون علاجاً دولياً، لأن البيئة تترابط عناصرها ولا يعرف لها حدود. فالملوثات يمكن أن تنتقل عبر البحار أو الأنهار أو الفضاء الجوي دون حاجتها لتأشيرة مرور. وحماية البيئة أمر مُكلف للغاية مما يحتم التعاون الدولي لمحاربة ما يهددها من أخطار كالتلوث، والتصحر، واستنزاف الموارد الطبيعية وغيرها. إذا كان العلم قد وفّرَ لنا مجموعة من الوسائل والأساليب العلمية والأجهزة والآلات والطرق التي من شأنها حماية البيئة والتخفيف من حدة المشكلات التي تواجهها، فانه لابد من تنبيه الإنسان للمحافظة على البيئة، وتحذيره إذا ما حاول الإعتداء عليها، وردعه ومعاقبته إذا ما إعتدى عليها فعلاً، وذلك هو دور القانون في حماية البيئة. إذ ان القانون، بشكل عام يجب ان يتماشى، بقواعده الملزمة المنظمة للسلوك البشري، مع ما يطرأ في المجتمع من تطورات، ويلبي نداء ما يستجد في الدولة من حاجات. وغني عن القول إن من أخطر التطورات التي أصابت المجتمع ليس المجتمع المحلي او الوطني فحسب، بل المجتمع الدولي بشكل عام، تلك المشكلات التي باتت تهدد سلامة الإنسان وسلامة الكوكب الذي يعيش عليه… وهذه هي مهمة قانون البيئة أو كما يسمى أحياناً قانون حماية البيئة أو القانون البيئي. وقانون البيئة هو ذلك الفرع من فروع القانون الذي يسعى الى إيقاف كل مسلك إنساني (أو الحد منه) إذا كان من شأنه او يؤثر على العوامل الطبيعية التي ورثها الإنسان على الأرض. الاقتصاد ليس انتاجا للثورة فحسب، والبيئة ليست حماية للبيئة الطبيعية فحسب، انهما مسؤولان بنفس القدر عن تحسين حياة البشرية جمعاء. البيئة والتنمية ليسا تحديين منفصلين، انهما مرتبطان ارتباطا لا يقبل التجزئة. والتنمية لا يمكن ان تستمر على قاعدة موارد بيئية متدهورة، كما لا يمكن حماية البيئة عندما لا تضع التنمية في حساباتها تكاليف تخريب البيئة. ولا يمكن معالجة كل من هاتين المشكلتين على حدة بمؤسسات وسياسات جزئية، انهما مرتبطتان في شبكة معقدة. و المشاكل البيئية لم تحل او تثار في الحوار العام بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة النمو، وفيما بينها. ولكن يجب التشديد على انه نظرا للانشغال بالمسائل الاقتصادية والمالية التي تبدو اكثر الحاحاَ لم يحظ البعد البيئي بالأولوية التي يستحقها، ويمكن القول في الواقع بان الازمة الاقتصادية الحالية لن يتسنى التغلب عليها بدون استنباط انماط جديدة لاستخدام الموارد، تكون سليمة بيئيا واقل تبديدا. وفي هذا السياق، يتعيين ايضا ان توضع في الاعتبار طبيعة بعض القضايا البيئية في منظورها الزمني. وهنا نرجع الى الاوضاع المزرية التي وصل اليها وطننا ,فقد أكدت تقارير أن العراق يواجه مأساة إنسانية نتيجة الأحداث التي خلفتها الانفجارات وعمليات القتل والاختطاف والسجن والتشرد والترحيل ومشاهد الرعب التي سادت الحياة العراقية على مدى سنوات الديكتاتورية والحروب العبثية ,وبعدها الاحتلال حيث إن عدداً كبيراً جداً من أطفال العراق تأثروا بنتائج الحروب، وأصيبوا بـما صدمات ، وهي من أشد النتائج المحزنة المنسية في حروب العراق.والوضع النفسي للأطفال، يتأثر غالباً بالانفجارات اليومية، وعمليات القتل والاختطاف، وتهديدات الفوضى والضوضاء التي تخلفها الانفجارات في معظم المدن العراقية الرئيسة، والصدمات الإجهادية يمكن أن تصيب أدمغة الأطفال، وتقود الى تأثيرات طويلة الأمد والتي تتدخل مباشرة في إحداث تغييرات جسيمة الأذى في سير حياتهم المقبلة. جدير بالذكر ان الرقابة الدوائية غائبة ومغيبة في العراق نتيجة الفوضى في الادارة والفساد المنتشر في جميع ميادين الحياة. وتتوفر في الاسواق الادوية المهربة مجهولة المنشأ وخاصة الامبولات التي تتميز بسعرها الرخيص وهامش الربح الكبير الذي يجنيه تجار الدواء من الدواء الاجنبي، وتعاني صيدلة العراق من المسخ المهني الحاد وترويج الثقافة الصحية بالمقلوب عبر البيع المباشر للادوية الى المرضى والمتمارضين دون وصفات طبية، بسبب الكشفيات المرتفعة للاطباء والاتفاقيات الجانبية مع مختبرات التحليل والاشعة . لذا ينبغي تفعيل قواعد تحريم استخدام أسلحة الدمار الشامل النووية ، الكيماوية والبيولوجية ، والسعي الدولي لإلزام جميع الدول بالتوقيع على منع استخدامها حفاظا على الأمن والسلم الدوليين. : الضغط على الأمم المتحدة عن طريق المنظمات البيئية المدافعة عن حقوق الإنسان والحكومات لتشريع قوانين تلزم كافة دول العالم بإحترام البيئة وحقوق الإنسان ومعاقبة من يتسبب بالتلوث البيئي. وضع الضوابط والمعايير القانونية الرامية الى منع قيام الدول الكبرى بدفن المخلفات النووية في البلدان النامية فضلا عن تصريف مخلفات المنشآت الصناعية والزراعية والبترولية والمنزلية في الأنهار من قبل بعض المؤسسات وفرض عقوبات رادعة عليها.