الرئيسية / مقالات / أمي.. أول عيد أضحى دونك

أمي.. أول عيد أضحى دونك

معمر حبار / الجزائر

كانت أمي تستقبلني حين أدخل كبش العيد، وتسألني عن السعر والمكان الذي إشتريت منه الكبش، وتشفق على إبنها حين يكون السعر مرتفعا. وعيد هذا العام لم يسألني أحد عن الكبش وكأن شيئا لم يكن، باستثناء أصغر الأبناء، الذي راح يفتخر بالكبش ويباهي به أطفال الجيران.
كانت أمي رحمة الله عليها، كل عيد أضحى، تزيّن الكبش بالحناء على جبهته، وتتفقده طيلة ليلة العيد. تقوم في الصباح الباكر من يوم العيد، تحضر القهوة وبعض خبز الملوي، نشرب القهوة سويا، بما صنعته يداها الكريمتين.
أول عمل أقوم به حين أعود من صلاة العيد، هو إلقاء السلام عليها وأهنّئها بالعيد، ثم أشرع في تهيئة مكان ذبح الكبش وإعداد السكاكين والحبل ولوازم الرفع والسلخ.
تظل واقفة طيلة عملية ذبح الكبش، تطلب مني أن أكون رفيقا لطيفا به. وتظل تمدني بالنصائح.. إفعل كذا، لا تفعل كذا، أسرع فإن فلانا أسرع منك، كيف لم تكمل لحد الآن؟. وتغضب حين أمس الهيدورة بثقب غير مقصود، لأنها تريدها أن تكون كاملة سليمة، لتستعمل فيما بعد فراشا في الشتاء.
كنت الوحيد ضمن الأخوة والأصهار الذي يقوم بعملية الذبح بمفرده، بل حتى في وسط الجيران المجاورين والمقابلين لي. كانت أمي تفتخر بي دوما بكوني أقوم على عملية الذبح والسلخ بنفسي، خاصة وأني لست محترفا وحديث عهد بعالم ذبح الكباش.
في الصباح الباكر لليوم الثاني من العيد، وأحيانا اليوم الأول بعد صلاة العشاء، أقوم بتنفيذ أوامر أمي في كيفية تقسيم الكبش، وتوزيعه.. جزء للشربة، وجزء الآخر للطعام وأهل البيت. ويقسم الباقي على الأخوة والأخوات وبعض الجيران والأحباب. لم أتدخل يوما في عملية تقسيم وتوزيع الكبش، وكنت أفعل ذلك بفرح وحب وطاعة للأم.
كنت أرافق أمي في اليوم الثاني من عيد الأضحى إلى مقبرة سيدي العروسي، حيث يرقد أبي رحمة الله عليه، ونزور جدتي وأقارب آخرين، تعرف أمي قبورهم جيدا، وهي التي لا تحسن قراءة الشاهد الموضوع على القبر. ثم نعود مسرعين إلى البيت لاستقبال الضيوف طيلة أسبوع بأكمله، نظرا للزوار الكثر الذين يتوافدون لزيارة أمي ورأيتها.
وطبعا أظل طيلة أيام العيد أستقبل الضيوف ولا أغادر البيت. ومن حين لآخر يضاف زائر لقائمة المستفيدين من اللحم، فتقدم له أمي قطعة لحم لم تكن في الحسبان.
في اليوم الأول من عيد الأضحى لهذا العام أقول لجاري، كان الزوار والضيوف يأتون لأمي لزيارتها، فكان الجيران يتخذونها فرصة للقاء بعض الزوار الذين يزورون أمي، فانقطعوا برحيل أمي، فحرم الإبن من الزيارة، وحرم الجار من لقاء من كان يزور أمي.
وأقول لأبنائي، لا تنتظروا أحدا يزوركم. فقد كانوا يأتون للكبير أمي، ونحن الآن نعود لأصلنا الطبيعي، أزور الأخوة والأخوات كما كنت أفعل من قبل حين كنت طفلا.
جديد عيد الأضحى هذا العام، أن أكبر الأبناء وتحت إشرافي وتوجيهي، ذبح كبش العيد لأول مرة. وكانت عملية موفقة ناجحة، وقد بدت علامات الفرح والسرور على الإبن وأسرتي، حتى أنه كان يتباهى بما فعل أمام كل الذين زرناهم، وراح يحدث الجيران بذلك، وينشر خبر ذبح الكبش عبر صفحته، التي أطالعها وأتصفح ردود زملاءه ومتتبعيه.