الاثنين 09 . 11 . 2015
ثريا عاصي / لبنان
لا شيء ناقض حرارة النقاشات الأردنية حول سوريا في الأيام القليلة الماضية سوى البرد القارص الذي رافق فيضانات الأمطار في عمان. كاد المطر وانسداد المجاري يحدث كارثة طبيعية فعلية، لكن سرعان ما انحسر المطر. مع ذلك ثمة من دفع ثمناً سياسياً لسوء الإدارة . أقيل أمين عمان العمدة عقل بلتاجي . كادت الحرب السورية تحدث كارثة سياسية في الأردن، لكن الشبح ينحسر قليلا ولم يدفع أحد الثمن .
الداخل الى الأردن، يكاد يعتقد أنه في بلد آخر، غير ذاك الملتهبة حدوده مع سوريا، والمستنفرة حدوده الأخرى أمام تجدد الأطماع الإسرائيلية بالرغم من جودة العلاقات بين البلدين التي عكرتها مؤخراً هجمات المستوطنين وحماتهم من رجال الشرطة والأمن في إسرائيل على المسجد الأقصى.هدوء الحياة ورتابتها في عمان الحجرية المباني، والتي غسلها المطر فزادها بياضاً، يناقضان تماماً، تعدد الاتجاهات في السياسة الخارجية الأردنية. فالأردن الذي ما كاد يودع موجات اللاجئين العراقيين حتى جاءت موجات عاتية من اللاجئين السوريين واليمنيين والليبيين يريد ان يرضي الجميع فلا ينجح تماماً، ويحلم باستقلال القرار تماماً عن أزمات المنطقة فلا يستطيع. اتهمه البعض بالتورط ضد سوريا، وعاب عليه البعض الآخر بعدم التورط بما يكفي.
الجديد في نقاشات الصالونات الأردنية هذه الأيام، مجاهرة الكثيرين بالرغبة بنجاح الجيش العربي السوري في حسم المعركة. الأردنيون قلقون من الأرهاب وانعكاساته. العرش يساير هنا ويقمع هناك، ينفتح على معتدلي الاخوان كي يضرب أكثر متطرفي السلفية، ثم يترك الباب موارباً أمام الإسلاميين، يقترب من اليسار كي يحافظ على كل الأوراق، ثم يتنافر مع اليسار وبعض الأطراف الاخرى.
يتشابه الداخل مع الخارج، فثمة من يقول ان الأردن اضطر لفتح أراضيه وأجوائه لتدريب مسلحي المعارضة السورية، وسمح باجتماعات إقليمية ودولية على أرضه ضد النظام السوري، لكنه لم يقطع الخيوط. يحلو للبعض في صالونات عمان، ان يقول مثلاً ان الأردن كان يدرب جماعات مسلحة لعدم إغضاب الخليج الذي يساعده مالياً وعدم إغضاب الأطلسي، لكن لا أحد ينفي إمكانية أن يكون بين وقت وآخر قد سلم الأمن السوري معلومات ساهمت في القضاء على مجموعات مسلحة كي لا يغضب تماماً النظام السوري.
يحكى عن اتصالات وتهاني في الأعياد المنصرمة بين القيادتين السورية والأردنية، ثمة من يكشف عن أن السيدة أسماء الأسد تبادلت حديثاً هاتفياً طويلاً مع الملكة رانيا. لكن لا أحد يستطيع أن يؤكد تماماً هذا.
المؤكد أن ثمة مناخاً جديداً في عمان، يختصره تاجر أردني وصناعي كبير كان يعيش في حلب بالتالي: «كنا نعرف منذ كنا في حلب، ان ثمة أصابع مشبوهة أرادت اختراع حراك شعبي لتدمير حلب ونهب مصانعها، لكن الناس هنا في الأردن غرقوا في موجة الإعلام الموجه ضد الأسد. الآن الصورة صارت أوضح، والأردنيون ثلاثة أقسام، منهم من يحب الأسد مهما فعل ومنهم من يكرهه مهما فعل، أما القسم الثالث فصار يشعر أكثر فأكثر أنه لا بد من استعادة الدولة السورية دورها وسيطرة الجيش على الأمر، وذلك لأن البديل هو الإرهاب الذي يقلق الأردنيين حتى اولئك الذين ربما يتعاطفون مع «داعش» وغيرها. «لا بأس ان بقي الاخوان المسلمون وبعض العشائر ضد الأسد، فالاخوان في الأردن يُنظر إليهم أيضا بعين الريبة لأن معظمهم فلسطينيون ولأن أطماعهم برزت على نحو واضح حين تولى محمد مرسي الرئاسة في مصر»، كما يقول البعض هنا في عمان .
وفي الصالونات يمكن أن تسمع سياسياً أردنياً سابقاً كان في منصب حساس، يروي حكايات عديدة عن كيفية تلاعب دول خليجية بالجامعة العربية وبالقرارات العربية لجعل العرب ضد الأسد وسوريا. لكن يبدو ان الأمور تتبدل وتتوضح أكثر فأكثر.
العلاقات الروسية الأردنية جيدة. العلاقات الأردنية الأميركية ممتازة. العلاقات الأردنية السعودية جيدة. العلاقات الأردنية الإيرانية شهدت لقاءات واتصالات وليست سيئة.
لا يقطع الأردن مع أحد. لكن القلق على السعودية ومنها واضح. ليس غريبا ان تسمع كلاما عن أخطاء السعودية القاتلة في اليمن. ثمة قناعة عند الأردنيين بأن اهتزاز السعودية يعني بالضرورة انتقال العدوى الى الأردن.
يهطل المطر على نحو لم يشهد له الأردنيون مثيلاً، جاءهم هذا العام مفاجئاً بتوقيته وحجمه. لعلهم يفكرون بمفاجآت كثيرة على الجبهات المشتعلة من حولهم. يغسل المطر يافطة مكتوب عليها «دوار جمال عبد الناصر» وتحت اسم عبد الناصر سهم يشير الى «وزارة الداخلية». حضور الزعيم العربي بين بعض المثقفين الأردنيين أوضح من السابق. السبب أن الغرق الطويل في العصر الأميركي لم ينتج سوى مصائب فوق المصائب. واحتمالات الغرق في الإرهاب تقلق الكثيرين. لا شيء سينقذ هذه الأمة سوى العودة الى العروبة، يقول ذاك القيادي الفلسطيني السبعيني المؤمن وأكثر من أي وقت مضى بأن سوريا ستخرج من كبوتها وأن الأسد ليس من النوع الذي يتراجع أمام الضغوط. يقول ذلك عن معرفة بالرئيس السوري فهو زاره غير مرة.
ولأن شيئاً من عبد الناصر لا يزال هنا رغم عواصم الإقليم وضغوط الأطلسي، فان الأمل عند بعض القيادات الفلسطينية معقود في الأردن على السيد حسن نصرالله. يدركون ان أي كلام اليوم عن مقاومة حزب الله او ايران لن يؤدي الا الى الغضب الخليجي على الفلسطينيين، لكن بعضهم لا يزال يذكر بكثير من الحنين الى تلك الأيام التي كان ينتظر أياما في جزيرة بريم اليمنية ليشاهد بام العين بواخر إيرانية محملة بالسلاح الى المقاومة الفلسطينية، او ليشن عملية ضد زورق إسرائيل. «يكفي الثورة الإيرانية فخراً انها حولت إيران من دولة داعمة لإسرائيل في عهد الشاه، الى دولة مقاومة» يقول مسؤول فلسطيني بارز.
في عمان ليس غريباً ان ترى الكثير من النساء المحجبات. ليس غريباً أيضا ان تتقاطع نظراتك مع نظرات أكثر قسوة فوق اللحى . لكن يمكنك ان تمر بين المحجاب وأصحاب اللحى لتدخل الى ملهى ليلى تشرب نبيذاً وتشاهد أناساً مثلك من مختلف الأعمار، يأتون الى هنا ليقولوا ان الإرهاب ليس قدراً.
يوحي الأردن كأنه مسافر يقف عند محطة قطار، لا يعرف أي قطار سيمر، لكنه ينتظر. وفي وقت الانتظار يسعى لأن يرضي الجميع، لعل في هذا ما ساهم في عدم اهتزازه … على الأقل حتى الآن. هو تماماً كالراقص على خطوط النار، ربما يحرق قدميه لكنه يستمر في الرقص لينسى الحرائق.
بانوراما الشرق الاوسط