أخبار عاجلة
الرئيسية / الأخبار / كيف سيرد الروس ؟

كيف سيرد الروس ؟

الأربعاء 25 . 11 . 2015

محمد صالح الفتيح / سوريا

قد يبدو كلامي التالي مستهجناً ولاسيما بعد خمس سنوات اعتاد فيها الجمهور على سماع وتداول أنباء من قبيل «احذروا غضب فلان» أو «ياويلكم من فلان إن عبس». العالم لا يسير هكذا. لا توجد قوة في العالم تستطيع أن تضمن أن تمر مخططاتها وأن تنفذ إرادتها حول العالم بدون اعتراض أو مقاومة. على الأقل هذا ما كان يرد به على أميركا كلما صرحت بأنها تريد شيئاً في منطقتنا. روسيا ليست أقوى من أميركا بطبيعة الحال. لنتذكر هذا مبدئياً.
أسقطت تركيا طائرة روسية تقول إنها دخلت مجالها الجوي – وقد تكون دخلت بالفعل عن طريق الخطأ المجال الجوي التركي وقد تكون تركيا كاذبة والأزمة مفتعلة. ولكن ماذا سيكون رد روسيا؟ المشكلة هي أن تركيا هي حلف الأطلسي والخيار العسكري الروسي المباشر يعني الدخول في مواجهة مع الأطلسي. وحتى إن أعلن الناتو أنه لا يتبنى الرواية التركية حول إسقاط الطائرة الروسية فهذا لايعني أن الرد العسكري الروسي على تركيا هو شيء مقبول أو أنه يمكن لحلف الأطلسي قبول ضربة روسية محدودة لتركيا. الحكومة التركية الحالية تدرك تماماً الحماية التي تملكها ولهذا تجرأت على القيام بإعطاء الأوامر بإسقاط الطائرة الروسية.
شطب الخيار العسكري الروسي المباشر ضد تركيا لا يعني أنه لن يكون هناك رد روسي. الرد الروسي الأكيد سيكون ضمن الأراضي السورية وخصوصاً في المناطق التي اشتكت تركيا مؤخراً حول القصف الروسي لها والمقصود طبعاً هو المسلحين التركمان في شمال غرب سورية. مثل هذا الرد يبدو رداً معقولاً حيث يمكن أن يكون الرد الروسي عنيفاً جداً هناك بدون أن يكون لدى الأتراك الكثير ليفعلوه لكي ينقذوا مسلحيهم هناك. سنرى وجوداً برياً روسياً أكبر وبشكل أكثر صراحة. أما الردود الروسية غير العسكرية فقد تشمل إجراءات دبلوماسية وربما تعليق لبعض الاتفاقات الاقتصادية. وعلى المدى الطويل قد تلجأ روسيا – بشكل غير علني طبعاً – لدعم بعض الجماعات المناوئة للحكومة التركية.
الأكيد هو أنه لن يكون هناك طائرات سوخوي روسية تقصف المطارات التركية ولن يكون هناك سرايا من السبيتسناز – القوات الخاصة الروسية – تهبط بالمظلات داخل الحدود التركية ولن تقصف الصواريخ الجوالة الروسية العاصمة أنقرة. قد يزعج هذا التفسير الحالمين من أصحاب الرؤوس الساخنة. الواقع والسوابق التاريخية تقول إن مثل هذه الحادثة في الغالب لن تقود إلى مواجهة مسلحة عالمية. أسقطت سورية في الثمانينات طائرات أميركية فوق لبنان وأسرت طياراً أميركياً، بوب غولدمان، وقررت أميركا أن تنسحب. أسقطت طائرات سعودية في الثمانينات طائرات مقاتلة إيرانية فوق مياه الخليج ولكن هذا لم يقد لمواجهة مسلحة بين السعودية وإيران. وخلال الغزو الإسرائيلي للبنان هاجمت القوات الإسرائيلية السفارة السوفيتية في بيروت واحتلت أجزاءً منها ليومين. ولم ترد موسكو ضد تلك القوات أو ضد إسرائيل.
ما المشترك بين كل هذه الحوادث؟ المشترك بينها هو أنها وقعت خلال فترات أزمات وبالرغم من حالات الأزمة تلك ووضع الأصبع على الزناد لم تحصل مواجهات ومرت تلك الحوادث بسلام لماذا؟ لأن أحداً لم يكن مهتماً بالدخول في مواجهة أخرى غير مخطط لها – بالإضافة بالطبع للتوازنات العسكرية والدولية.
أعلم جيداً أن الباحثين عن التشويق يتمنون أن يسمعوا الآن أنباءً عن أن إحداثيات المواقع التركية يتم وضعها الآن في معدات توجيه الصواريخ الروسية أو أي شيء مشابه. ولكن ألم تعلمنا هذه الأزمة الطويلة أي شيء حتى الآن؟ أو ألم تعلمنا أحداث الأشهر الماضية أي شيء؟ روسيا ليست بوارد أن تقوم بتحطيم رأس أحد في المنطقة عسكرياً لأنه لا يوجد سبيل لذلك. روسيا التي تنصح بالتصالح مع السعودية لن تقوم بمحاربة حلف الأطلسي! أتمنى أن تكون حادثة إسقاط الطائرة الروسية مناسبةً للبعض لإدراك حقيقة ما يحصل حولنا وأن يدركوا أنه لا يوجد في العالم من يملك عصا سحرية يلوح بها فيرضخ له العالم – وبالتأكيد صاحب تلك العصا إن وجد قد لا يكون حليفنا بالضرورة. لن يرضخ لنا العالم ولن ننتصر ونحن نصدق هذه الخرافات. لن ننتصر ونحن نجهل العالم الذي نعيش فيه.

بانوراما الشرق الأوسط