الرئيسية / مقالات / هؤلاء دمروا الوطن العربي

هؤلاء دمروا الوطن العربي

السيمر / الخميس 10 . 12 . 2015

كاظم فنجان الحمامي

لن يصل المحللون في الشرق الأوسط إلى مبتغاهم في فهم ما يدور حولهم من تقلبات سياسية متسارعة، إذا اعتمدوا في تحليل مجريات الأحداث على الطرق التقليدية، أو إذا رصدوا انعكاساتها الملموسة على الأرض، ولن يفلحوا أبداً في كشف هذا الغموض الذي رافق الأزمات التي عصفت بالمنطقة. وليس أدل على صحة كلامنا من هذا الفشل الذريع، الذي منيت به كبريات المراكز التحليلية العربية في التوصل إلى مفاتيح الألعاب المربكة، التي ظلت تُحاك حتى يومنا هذا تحت خيمة السيرك السياسي، من دون التوصل إلى حل شفرة الألغاز والأحجيات المعقدة. وكل القصة وما فيها أن المحللين تعاملوا مع الأنظمة العربية وكأنها كيانات سياسية مستقلة. تمتلك حرية اتخاذ القرارات الوطنية الحازمة باستقلال تام، وبمعزل عن تدخلات القوى الدولية العظمى، وتعاملوا معها وكأنها كيانات عربية موحدة الجذور. تشترك مع بعضها البعض بثوابت وروابط قومية متينة. لا تنفصم، ولا تنفصل. وأحياناً يرتكب المحللون أكبر هفواتهم عندما يذهبون إلى أبعد من ذلك، فيتخيلون أن منظمة (الجامعة العربية) هي المؤسسة القومية، التي تمتلك حق اتخاذ القرار لمعالجة أي انحراف محتمل في سياسات الأقطار العربية المنتمية إليها.
لا تسخروا مني إذا قلت لكم أن القشة التي قصمت ظهر الحمار العربي تجدونها واضحة جلية في الصورة، التي ظهر بها زعماء الأقطار العربية، وكأنهم تجار أو مدراء لشركات إقليمية متخصصة بالتنقيب عن الثروات المعدنية، فالتنافس بين هؤلاء المدراء (الزعماء) لا يبتعد أبداً عن حلبة التنافس التسويقي للنفط والغاز بالأساليب والطرق والأسعار، التي يقررها مدراء الشركات الدولية العظمى.
هكذا وبكل بساطة يمكننا التوصل إلى ملامح صورتنا المستقبلية المخيفة في الأعوام القادمة، أما ما تسمعونه من تهريج طائفي، وما تشاهدونه من مهاترات ومواقف مذهبية متطرفة، وما يرافقها من تضليل فقهي، وتطبيل إعلامي، فهي مجرد أدوات رخيصة تغذيها الكنوز الخليجية لإذكاء نيران الفتنة في المناطق الساخنة، الخاضعة لمضاربات هذا التنافس التسويقي المتفجر في الشرق الأوسط منذ ما يزيد على ربع قرن.
فالأقطار العربية التي نراها الآن ما هي إلا مجموعة مبعثرة من الدكاكين الصغيرة التابعة للأسواق الدولية الكبرى، وربما تشترك معها بمجموعة من الاتفاقيات الثانوية لضمان تبعيتها لتلك الأسواق. أو لضمان بقاء مدراء تلك الدكاكين في أماكنهم، فالزعماء العرب لا يختلفون أبداً عن أصحاب الأكشاك والمحال التجارية المتنافسة بين بعضها البعض. من هنا نرى مصيرنا يرزح الآن تحت رحمة المضاربات والمزايدات الدولية لتسويق الغاز عبر خطوط (نابوكو)، وما أدراك ما (نابوكو) ؟. وبالتالي فأن خارطة الشرق الأوسط ستتغير برمتها بموجب المعايير الدولية، التي سترسم حدود الدكاكين المرشحة للظهور بعد حلول عام 2016، وهي التي ستختار الزعماء الذين سيديرون تلك الدكاكين. ولن يصعب عليكم بعد الآن تفسير وتحليل هذه الازدواجية التي تميزت بها العواصم العربية المتأرجحة بين رعايتها المطلقة للإرهاب، وبين تظاهرها بالوقوف ضد الإرهاب. فنحن أمة مؤلفة من مجموعة دكاكين متنافسة فيما بينها.