الرئيسية / مقالات / لماذا يحـارب الأزهـر التشيـّع و يرفـض تكفيـر “داعــش”؟..

لماذا يحـارب الأزهـر التشيـّع و يرفـض تكفيـر “داعــش”؟..

السيمر / الثلاثاء 15 . 12 . 2015

أحمد الشرقاوي / مصر

أعلنت مشيخة الأزهر نهاية الأسبوع المنصرم، عن تنظيم مسابقة لطلبة المعاهد الدينية حول موضوع “نشر التشيّع في المجتمع السُّنِّي ومخاطره”، خصصت له جوائز بعشرات الآلاف من الجنيهات المصرية..
ويأتي هذا الإعلان، في إطار سلسلة من الإجراءات المعادية والمدروسة ضد الطائفة الشيعيّة المسلمة في إطار إستراتيجية تخريبية صهيو – وهابية، هدفها الأساس تأجيج الفتنة الدينية بين المسلمين لتحقيق أغراض سياسية خبيثة تخدم مشروع الهيمنة الأمريكية التي لا يمكن أن يتحقق واقعا على الأرض إلا من خلال مبدأ فرّق تسد الذي قال به ‘مكيافيلي’، والذي خبره الاستعمار البريطاني طويلا في المشرق العربي وأثبت نجاعته ونجاحه في إضعاف لحمة الأمة ومناعتها، مستغلا في ذلك جهل المسلمين من جهة، وتواطؤ فقهاء السّلاطين المنافقين مع الأنظمة الاستبدادية الفاسدة والعميلة للاستعمار الغربي من جهة أخرى.
هذه ليست المرة الأولى التي تسعى من خلالها مشيخة الأزهر لبث الفرقة والعداوة والبغضاء بين أمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد سبق لهذه المؤسسة الكهنوتية التي لا تختلف مناهجها الدّغمائية في شيئ عن مناهج محاكم التفتيش المسيحية في العصور الوسطى، أن فاجأتنا بعديد الفتاوي التي تحرّض على الشيعة، لا لشيئ سوى لأن هذه الطائفة الكريمة تؤمن بمنهج آل البيت الأطهار وتختلف في السياسة مع نبلاء قريش، خاصة منهم أولئك الذين يحكمون شعوبهم على سنة من قتلوا آل بيت رسول الله وهدموا الكعبة ونبشوا القبور ومثلوا بالجثث، وهو النهج الذي نراه مجسدا اليوم في أعراب الزيت من أصحاب العقيدة الوهابية ومن يأتمر بأمرهم ويدور في فلكهم من أجل حفنة من الدولارات..
غير أن الأمر لا يقتصر على الشيعة فحسب، فتاريخ الأزهر حافل بفتاوى التكفير التي طالت حتى مفكرين سنّة لمجرد أنهم خاضوا مغامرة البحث عن المعرفة لتصحيح عديد المفاهيم الدينية المغلوطة على سنّة محاكم التفتيش المسيحية في العصور الوسطى، والفرق بينهما هو فقط في التّسمية، ففي الوقت الذي كانت الكنيسة تعتبر الخروج عن عقيدتها “هرطقة”، ها هو الأزهر يعتبر اليوم كل معارضة لعقيدته الظلامية “كفرا”، وللمفارقة، نلحظ اليوم أن مشيخة الأزهر ترفض رفضا قاطعا تكفير تنظيم “داعش” مثلا، والذي لا يمكن لأي مسلم عاقل أن يعتبر “الدواعش” مسلمين سنـة، فأحرى أن يكونوا مؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهم يأتون ما حرم الله من قتل وفساد باسمه الرحمن الرحيم، وإلا لأصبح الإسلام عنوانا للبربرية والتوحش وكل ضروب الإرهاب والفساد في الأرض.
والمصيبة أن مشيخة الأزهر تكذب جهارا نهارا عندما تدّعي زورا وبهتانا على لسان وكيلها المدعو ‘عبّاس شومان’ الذي قال في إحدى تصريحاته الصحفية قبل أيام، إنّ “الأزهر لم يكفّر أيّ شخص أو جماعة على مدار تاريخه”، وهو ما فنّذته ابنة الكاتب الرّاحل ‘فرج فودة’، بقولها: “إنّ عمليّة اغتيال والدي كانت بناء على فتاوى أغلب شيوخ الأزهر بتكفيره بسبب مطالبته بفصل الدين عن السياسة”، وفق ما نشتره الصحافة المصرية وتناقلته عديد المواقع الإلكترونية في المحروسة، ومعلوم أن من كفّر المفكر ‘فرج فودة’ وأهدر دمه هو الشيخ ‘عبد الغفّار عزيز’ أحد رموز الأزهر الكبار وفق ما نشرته جريدة النور في عدد (1 يونيو 1992).
ولعل بعضنا يذكر أيضا مهزلة اجتماع لجنة من 20 “عالماً” أزهريا ليس لهم من العلم إلا التّسمية، وانتهوا بإصدار قرار شهير بتكفير الدكتور ‘نصر حامد أبو زيد’، الباحث والمفكر الإسلامي المعروف، وطالبوه بالتوبة عن بعض الأفكار الّتي أوردها في دراساته، ثمّ حكم عليه القضاء المصريّ وفقا لذلك بالردّة وتطليق زوجته منه، ممّا اضطرّه وزوجته إلى الهجرة.
وأقول بالمناسبة، أني من الدارسين لفكر الدكتور نصر حامد أبو زيد وغيره، وفي مكتبتي كل مؤلفاته التي ألتقي مع عديد من الأفكار التي جاءت بها وأختلف معه في أخرى كثيرة، وأبرز نقطة الخلاف التي لا أوافقه عليها لا تتعلق بالأفكار في حد ذاتها بغض النظر عن صحتها من عدمها، بل في المنهج النقدي المادي (الماركسي) الذي اعتمده الكاتب في تحليل الخطاب القرآني خصوصا، فيما الخطاب القرآني خطاب رباني مطلق لا بشري نسبي، وبالتالي، لا يمكن دراسته من زاوية الحالة النفسية والتاريخ الاجتماعي والظروف الزمكانية الموضوعية لصاحب الخطاب لمعرفته أولا قبل الحكم على مضمون خطابه مثل ما هو الحال مع الخطاب الأدبي مثلا، وحيث أن بعض اجتهادات المفكر (ولا أقول كلها) انطلقت من هذه الأرضية الخاطئة، فالنتائج التي أفرزتها لا يمكن اعتبارها صحيحة بالمطلق، لكن ذلك لا يسمح لأي كان بتكفيره لمجرد أنه اجتهد وأخطأ فيما أصاب الرجل في قضايا كثيرة لا يسع المجال هنا لذكرها.
لا أريد أن أغوص عميقا في تاريخ تكفير التفكير في العقيدة الأزهرية، والذي يعود في العصر الحديث إلى عام 1926 عندما أقدم مفتش قسم الوعظ والإرشاد في الأزهر الشيخ ‘عبد ربّه مفتاح’ بتكفير الأديب طه حسين الذي شكك في الأدب الجاهلي وفي الخطاب القرآني الذي اعتبره مخلوقا على شاكلة مقولة “خلق القرآن” التي قال بها المعتزلة، ثم تراجع عن ذلك بعد أن أدرك خطأه.. ولا ما تلى ذلك من تكفير شيوخ الأزهر لكاتب ومفكرين مرموقين، لعل أبزهم ‘نجيب محفوظ’ بسبب رواية “أولاد حارتنا”، حيث اتهم بسببها بالإلحاد والزندقة، وأُخرج عن الملة، وغير ذلك كثير.. لأن ما يهمنا هنا هو أن مثل هذه السوابق فتحت الباب واسعا لموجة من التكفير الذي طال كل المخالفين لهذه المؤسسة الكهنوتية من المفكرين السنة قبل الشيعة، هذا علما أن قضية الكفر والإيمان هي من مجال حكم الله وحده دون سواه..
واليوم، يبدو أن الظروف السياسية فرضت على شيوخ هذه المؤسسة الكهنوتية التركيز على تكفير الشيعة وتجنب ذلك بالنسبة لـ”داعش”، لأن هذا التنظيم الإرهابي المجرم وليد الفكر الظاهري المتشدد الذي يؤمن به الأزهر كعقيدة ومنهج، وبالتالي، ينطلق منه لعدم تجريم الإرهاب، ولا يكفي ما أورده ‘د. جابر عصفور’ وزير الثقافة المصري من تبرير خلال إطلالته من على إحدى القنوات المصرية الأسبوع الماضي حيث قال: “المؤسسة الدينية وعلى رأسها شيخ الأزهر لا تريد قط أن تؤمن بالتنوير أو بالفكر العقلاني”. وهذا صحيح، مضيفا: “على رأس المؤسسة الأزهرية شيخ أزهر أشعري .. والأشعرية لهم طريقة معروفة في التفكير.. هم أقل من الاتجاهات العقلانية في النزوع الفكري وأكثر تحفظا، ومن هنا يأتي الإلحاح على أن الداعشي ليس كافرا”، ثم تابع يقول: “لو سألت معتزلي أو عقلاني، إن من يؤدي إلى فتنة تحدث هذا الضرر في العالم، فلا بد من تكفيره”..
والحقيقة أن ما قاله وزير الثقافة لجهة اعتبار شيخ الأزهر “أشعري” ليس دقيقا تماما من ناحية العقيدة، لأن شيخ الأزهر أقرب ما يكون لفكر “المرجئة” من ناحية خدمته لأسياده ‘آل سعود’ من جهة، ولفكر “الخوارج” بسبب تقاطع العقيدة الأزهرية السلفية مع العقيدة “الداعشية” الوهابية، خصوصا في ما له علاقة بالموقف من الصراع الذي كان قائما حول قضية الحكم والإمامة وقضية مرتكب الكبيرة، حيث كان المرجئة أقرب إلى الخوارج منهم للعلويين الشيعة، لاعتقادهم بمبدأ الجبر ضدا في مبدأ حرية الاختيار، وما نشب عن ذلك من تحول الخلاف السياسي إلى خلاف فقهي حول تعريف الإيمان والكفر وعلاقتهما بالعمل، وهذا هو جوهر المعضلة التي لا يعرف كيف يخرج منها الأزهر اليوم، لأنه يؤمن بمقولة المرجئة: إن “الله قد حكم أزلا أن تصل هذه الأسرة أو تلك إلى الحكم، وأن ما يعملون (حتى لو كان ظلما ومنكرا وفسادا) ليس إلا أثرا أو نتيجة لقدر إلهي محكم”، وبالتالي، لا يجوز الخروج عليهم ما داموا ينطقون بالشهادة ويصلون ويصومون ويحجون، وهذا تبرير للظلم والفساد ضدا في عدل الله وإنكارا لإرادة الشعوب الحرة المسؤولة..
لذلك، يعتقد شيخ الأزهر وفق ما يستشف من أدبياته، أن العمل لا يعتبر شرطا للإيمان كما ينص على ذلك القرآن، ما يفتح الباب واسعا للتلاعب بمعايير الثواب والعقاب ويؤدي إلى ازدواجية في الحكم، وفوضى أخلاقية واجتماعية تعمق الصراع بين مختلف أبناء الأمة الواحدة لتطال ثوابت الدين وقيمه الإنسانية، وهذه هي الجذور التي أنبثت الفوضى التي تعيشها الأمة اليوم وأنتجت “القاعدة” و “داعش” وأخواتها، وشجعتهم على القتل والسبي والاغتصاب.
كثيرة هي الكتابات التي تناولت مناهج الأزهر التعليمية وتمت مقارنتها بأفعال “داعش”، وتبين بما لا يدع مجالا للشك، أن أفعال “داعش” لا تحيد في شيئ عن عقيدة مشيخة الأزهر التي تبيح قتل المسلم التارك للصلاة، والمرتد عن الإسلام، والأسرى، والكفّار الذين لا يدينون بالإسلام الحق حتى لو كانوا مسلمين بالفطرة والوراثة، فيما يجهل الأزهر نفسه ماهية مفهوم الإسلام وفق التعريف القرآني، فيجيز في مناهجه مثلا فقأ أعين من يعتبرهم كفارا، وتقطيع أياديهم وأرجلهم ورؤوسهم ضدا في إقراره تعالى أن لا إكراه في الدين من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إن الله غني عن العالمين، هذا بالإضافة إلى منع بناء الكنائس والتّمييز بين المذاهب وما إلى ذلك مما يتطلب كتابة عديد الصفحات للإحاطة بعناوينه دون الخوض في تفنيد تفاصيله.
هذا، ناهيك عن فتاوى النكاح، والتي من أبرزها أن من يدفع للزانية أجرها لا يعتبر زانيا، ومن ينكح خادمة له في البيت لا يعتبر زانيا، ولا ندري إن كان هذا المنطق ينسحب أيضا على المدير الذي يقيم علاقة مع سكرتيرته في المكتب أم لا، المهم أن الأزهر واستنادا إلى أصول الفقه الحنفي، يجيز فاحشة الزنا التي تصبح فعلا حلالا مقابل أجر..
أما قمة الهمجية، فتكمن في جوازهم مواطأة الرجل لزوجته الميتة، وهي الفتوى الشهيرة التي سرقها داعية “السّكسولوجي” المتخصص في “فقه النوازل” الشيخ المغربي “عبد الباري الزمزمي” ونسبها إلى نفسه، في حين أنها من مناهج فقه الأزهر التي وردت في باب “نكاح المواعدة” أو “وطأة الميتة”، وهو الأمر المقزز الذي ترفضه الطبيعة البشرية السليمة، لأن الإنسان باعتباره منظومة شعور وإحساس لا يعقل أن يقدم على فعلة كهذه في لحظة حزن عميق بمصاب جلل، وهو الأمر الذي لم نعهده حتى في عالم الحيوانات فما بالك بعالم الإنسان..
فيما تكمن ثالثة الأتافي، ما أشارت إليه مجلة ‘روز اليوسف’ على لسان الشيخ الأزهري المتمرد ‘محمد عبد الله نصر’ الذي كشف أنه في كتاب “متن الإقناع في حل ألفاظ أبى شجاع” الذي يعتمده الأزهر في مناهجه التعليمية ويدرس للصف الثالث من الثانوي، وتحديدا في الصفحة 72 “باب الطهارة”، ورد جواز “الاستنجاء بالإنجيل والتوراة” عند دخول المرحاض.. وغيرها كثير مما لا يسع المجال لذكره، وبالتالي، ماذا يتوقع أن يفعل الآخرون بالقرآن وفق هذه الفتوى الظلامية؟.. فأي تسامح واعتدال يمثله الأزهر بعد هذه الفضيحة التي تهتز من هولها أرواح الرسل في السماء؟..
والحقيقة، أن المطلع على المنهج التعليمي الأزهري والمنهج السلفي الأصولي والمنهج الوهابي، لا يسعه إلا أن يخرج بخلاصة مفادها، أن هذه المناهج كلها تجمع بينها قواسم مشتركة ثلاثة: أنها تكفيرية، وأنها رجعية، وأنها ظلامية.. وبالتالي، لا يمكن بحال من الأحوال أن تمثل الإسلام الذي اعتبره رب العالمين دينا لكل عباده منذ نوح صعودا وإلى محمد هبوطا مرورا بكل الرسل والأنبياء ممن نعرف ولا نعرف عليهم الصلاة والسلام جميعا..
ومرد هذا الإشكال، يعود لغباء مشايخ الأزهر الذين يعتبرون أن الإسلام هو الدين الذي جاء به محمد، وهو ما لم يقله لا الله ولا محمد، وأن هناك عدة أديان كاليهودية والمسيحية وغيرها، في حين أن الله لم يفرق بين الأديان ولم يقل بذلك في القرآن بالمطلق، بل قال أن هناك دينين فقط، دين الإسلام الذي اختاره الله لعباده كافة منذ الأزل وإلى أن تبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات، وهناك دين من يكفر بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن مفهوم الإسلام من وجهة نظر القرآن يعني، أن كل من يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا فلا خوف عليه ولا هو يحزن، سواء أكان يهوديا أو نصرانيا أو من الصابئة أو من الذين أسلموا من أمة محمد أو من أمم أخرى سابقة.
لا نريد الإطالة في هذا الباب، بالرغم من أنه من المفيد فضح هذه المؤسسة الكهنوتية التي تحولت اليوم إلى معول هدم بيد آل سعود لتدمير الإسلام والتفريق بين المسلمين بسلاح التكفير والتحريض وزرع بذور الفتن والفرقة والشقاق مقابل ملايين الدولارات التي تحصل عليها، مستغلة بذلك المكانة الخادعة للأزهر التي ترسخت في عقول الجهال من الناس، بالكذب والتضليل وادعاء أن الأزهر يعتبر منارة للعلم والمعرفة ورمزا للوسطية في الإسلام على شاكلة الوسطية التي كان يدعيها مفتي الناتو الجنرال يوسف القرضاوي..
والحقيقة، أنه ما كان لنا لنهتم بما يقوله الأزهر لولا أن حوله كهنته إلى منبر للتحريض على طائفة كريمة من المسلمين، بهدف إشعال فتنة لا تبقي ولا تذر، خدمة للصهيونية العالمية، (الأمريكية والأطلسية واليهودية والعربية).
والمفارقة، أن الإمام الخامنئي في الجهة المقابلة، نراه يبعث برسالتين للمسلمين في المهجر عقب الأحداث الإرهابية التي ضربت أوروبا وتنامي مشاعر الرهاب من الإسلام، يحثهم خلالها على التضامن والتكافل والتعاون ونبذ العنف والفرقة والخلاف، والتحلي بالأخلاق المحمدية الحميدة وقيم التسامح والتعايش، لكنه لم يطالبهم باعتناق المذهب الشيعي أبدا، ولو يتوجه إليهم بنبرة الولي الآمر أو الوصي المتسلط، بل آثر أسلوب النقاش العقلاني المفتوح، وحثهم على تحفيز عقولهم للبحث عن الحقائق بأنفسهم، بعيدا أن أسلوب الفرض والإلزام من خلال التلقين، لإيمان الإمام الخامنئي، بأن الحقيقية لا تلقن، بل لها طريق يمر عبر سؤال المعرفة لإدراكها بالبحث والإجهاد والعلم والمعرفة والتجربة العملية، وسؤال المعرفة هو الأساس الذي تقوم عليه الفلسفة النبوية أو علم القلوب الذي وضع مبادئه الإمام علي عليه السلام..
هذا هو منهج مدرسة آل البيت الإيماني والعقلاني الذي يحث المسلم على عدم التسليم بشيء إلا إذا كان مقتنعا قناعة تامة بصحته، ليكون موقفه ثابتا كالصخر لا تهزه رياه الدجل والتضليل.. حينها، وحينها فقط يسمو الإسلام من مستوى الإيمان إلى مستوى الإحسان الذي هو أرفع درجة في الإسلام لا يبلغه إلا رجال الله الواصلين..
وواضح أن هذا المنهج الذي يشتغل على هم المعرفة لاكتشاف الحقيقة، لأن الحقيقة تحرر الناس، هو الطريق القويم الذي يحرر العقل والروح ويخرج الباحث عن الحقيقة من مزرعة القطيع بلغة الراعي والخراف إلى مستوى الإنسان الحر الكريم والمنتج كما أراده الله أن يكون.. أقول، أن هذا المنهج يخيف كهنة الأزهر ومن هم على شاكلتهم في العالم العربي اليوم، لأنه يخاطب العقول والقلوب تماما كما يخاطبها الله تعالى ويحثها على تدبر الحقيقة في الخطاب القرآني بقوله (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، وهذا ما لا يرضي فقهاء السلطان الذين يفضلون أسلوب التلقين من خلال ترهيب الناس وتخويفهم مرة من عذاب القبر والثعبان الأقرع، ومرات من عذاب النار وخلافه، في حين أن رحمة الله شملت كل شيئ دون استثناء..
وبالتالي، فتخويف الناس من خطر الشيعة هو في حقيقة الأمر محاولة بئيسة وخبيثة لمحاربة العلم ورفض سؤال المعرفة بحثا عن الحقيقة ما دامت الحقيقة تحرر العقول والقلوب، وفي حال حصل هذا الأمر، فستخرج الأمة من ظلام الجهل إلى عالم الأنوار، وسيتحول الأزهر إلى سوق بلا زبائن فتبور بضاعة كهنته ولن يجدوا لها بعد ذلك طالبا..
وهذا ما حدث للكنيسة في عصور الظلام، وهو ما سيحدث قطعا للأزهر ولو بعد حين، إذا هو لم يراجع مناهجه، ويبدل خطابه، ويتقي الله في عباده، ويعمل على الجمع بدل التفرقة، وينأى بنفسه عن التماهي مع خطاب “داعش”، ويعلن الولاء لله ورسوله وللذين آمنوا من عباده، لا الولاء لـ’آل سعود’ وأسيادهم اليهود.

بانوراما الشرق الاوسط

اترك تعليقاً